المنحى العنفي الذي اتخذته تظاهرات مدينة كراتشي، العاصمة الاقتصادية لباكستان، يشير إلى أن الخط البياني لغليان الشارع الباكستاني في تصاعد، ما يعني أنه قد يصل إلى نقطة يصعب على الحكومة الباكستانية التعامل معها. إذ استوقفت أحداث الجمعة الدامية، التي أودت بحياة أربعة متظاهرين وجرح العديد منهم، كثيراً من المراقبين على أساس أن الجماعات الإسلامية المؤيدة لحركة طالبان الأفغانية والمعارضة لتعاون الرئيس الباكستاني برويز مشرف مع واشنطن يمكن أن تواصل صراعها هذا حتى لو كلفها ضحايا. وتطورت التظاهرات ليقوم بعض المتظاهرين بإتلاف محل للخمور وسط كراتشي وهو مؤشر الى إمكان انتقال التظاهر الى أساليب أخرى وصفها كثيرون بأنها "بداية العاصفة". لكن يبدو أن منظمي هذه التظاهرات التي بلغت درجة العنف في كراتشي ربما كان لديهم بعض المعلومات المسبقة عن أن مطار كراتشي سيستخدم من جانب الاميركيين في نقل الدعم اللوجيستي من البحر إلى المطار، وهو ما طلبته القيادة الأميركية من مشرف، وإلاّ لماذا كانت التظاهرات كلها سلمية من بيشاور إلى إسلام آباد و كويتا فيما كانت عننيفة في كراتشي؟ كانت البحرية الباكستانية سيطرت أول من أمس على مينائي كراتشي ومحمد بن القاسم، وبكل تأكيد ستضع الحكومتان الأميركية والباكستانية مثل هذا الغضب في المدينة في حسابهما حين تستخدم المطار في هبوط قواتها أو ما يقال عن الدعم اللوجيستي. و معلوم أن طلاب المدارس الدينية الباكستانية شاركوا بكثرة في معارك حركة طالبان الأفغانية ضد معارضيها طوال السنوات الماضية، ويعتبر هؤلاء الملا محمد عمر، الموسوم بأمير المؤمنين، وهو منصب له دلالات شرعية وتاريخية بالنسبة اليهم، زعيماً لهم. و يصل عدد طلاب المدارس الدينية في باكستان إلى نصف المليون طالب وهناك حوالي أربعة ملايين طالب متخرجون من هذه المدارس ومستعدون للقتال إلى جانب حركة طالبان في حال استدعت الضرورة، إذ أن الكثير منهم بدأوا يسجلون أسماءهم كمتطوعين في حال الهجوم الأميركي. وتيرة المظاهرات في تصاعد و الشعارات المعادية للولايات المتحدة الأميركية أيضاً ترتفع إلى جانب شعارات مؤيدة ومتعاطفة مع ابن لادن، وبالتالي سيضع ذلك الشعب الباكستاني في حال انقسام حقيقية قد يودي بنسيجه الاجتماعي، وقد يضع الجيش الباكستاني في حال صدامية حقيقية مع المجموعات الإسلامية المسلحة الباكستانية المعروفة بولائها لحركة طالبان الأفغانية، والتي تسعى إلى رد بعض الجميل الذي قدمته الحركة الطالبانية إلى هذه الحركات المسلحة والمقاتلة في كشمير. وكان القادة الشرعيون لهذه الحركات، مثل المفتي نظام الدين شمزي الذي يعد أحد مفتين طالبان في باكستان، هددوا بالسيطرة على المطارات الباكستانية في حال هبطت قوات أميركية في باكستان لضرب أفغانستان، وأخذ هؤلاء القادة العهد من المتظاهرين على ذلك. كما توعد بعض قيادات هذه الحركة في تظاهرات الجمعة بأن يحولوا باكستانوأفغانستان "مقبرة لأميركا". وتخشى أوساط سياسية غربية أن تخرج الأوضاع عن نطاق السيطرة في ظل تضاؤل شعبية الرئيس مشرف بسبب موقفه المتعاون مع أميركا ضد طالبان. ولعل ما زاد المشاعر الشعبية المعارضة لأميركا والتعاون معها كلمة استخدمها الرئيس الأميركي جورج بوش الحرب الصليبية وأثارت مشاعر الباكستانيين خصوصاً طلاب المدارس الدينية منهم. و يبدي وزير الإعلام الباكستاني السابق مشاهد حسين في تصريحات ل"الحياة" مخاوف جدية في أن يفضي هذا الوضع الصدامي إلى حالة مثل الجزائر، وحينها سيتهتك النسيج الاجتماعي الباكستاني الذي يضو ليبراليين وإسلاميين عرفوا حتى الآن كيف يتعايشون مع بعضهم بعضاً منذ سنوات من دون أي مشكلة. وما يزيد احتمالات وقوع هذا الصدام ان الجماعات الإسلامية الباكستانية اكتسبت خلال السنوات الماضية قدرة كبيرة على تعبئة الشباب للقتال في كشمير. وأفسح تعدد مشارب الجماعات الإسلامية المسلحة المجال للشباب كي يختاروا الجماعة المناسبة لهم فكرياً. اذ توزعت الجماعات المسلحة على مختلف المدارس الفكرية. فللجماعة الإسلامية بزعامة القاضي حسين أحمد "حزب المجاهدين" و"حركة البدر"، ولجمعية علماء الإسلام الموالية لحركة طالبان جماعات مثل حركة المجاهدين و"جيش محمد" و"جيش الصحابة" و"جيش جهنكوي" وغيرهم، وللسلفيين الباكستانيين مجموعة "لشكر طيبة" و"تحريك المجاهدين"... ولا تخفي هذه الجماعات المسلحة الإحباط الذي تعاني منه إزاء السياسة الأميركية التي تراها مؤيدة لأسرائيل ومعادية للمصالح الباكستانية خصوصاً في كشمير، وكانت هذه الجماعات التزمت الصمت إزاء الضربات في أميركا إذ أنها لم تدن هذه العمليات أبداً وهو ما فسر في حينه على أنه ربما تأييد ضمني لهذه العمليات.