شهدت مدينتا كويتا وكراتشي في باكستان مصادمات هي الأعنف من نوعها سقط فيها ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى، وذلك احتجاجاً على تعاون باكستان مع الولاياتالمتحدة ضد حركة "طالبان" الأفغانية. وتعد هذه المصادمات الأعنف منذ قرار الرئيس الباكستاني برويز مشرف التعاون مع واشنطن. وعلمت "الحياة" أن قوات الأمن الباكستانية اعتقلت زعيم جمعية علماء الإسلام الباكستانية مولانا سميع الحق في مطار إسلام آباد، و اقتادته إلى جهة مجهولة. وجاء ذلك في وقت بقي مولانا فضل الرحمن، زعيم الجناح الآخر للجمعية، تحت الإقامة الجبرية. وأفادت تقارير من مناطق القبائل الباكستانية ل "الحياة" ان ثماني منظمات إغاثية محلية غير حكومية تعرضت لهجمات من أهالي المناطق المحاذية لأفغانستان، كونها تتلقى تمويلاً غربياً، و ذلك كتعبير عن الاحتجاج على الضربات الأميركية لأفغانستان. وكان المتظاهرون في كراتشي و كويتا أحرقوا ونهبوا بعض المكاتب الحكومية و هاجموا مكتباً تابعاً لمفوضية اللاجئين الأفغان في المنطقة. و لم يحل اعتقال الزعيمين الأصوليين دون أن يواصل زعيم الجماعة الإسلامية قاضي حسين أحمد قيادة التظاهرات في لاهور وسط باكستان والتي اتسمت بالهدوء و عدم التصادم مع قوات الأمن الباكستانية. وعززت باكستان أمس إجراءاتها الأمنية في المنشآت الحيوية التابعة للحكومة خشية تعرضها لهجمات من المتظاهرين الغاضبين من سياسة بلادهم المؤيدة للولايات المتحدة. وبدا الرئيس الباكستاني مشرف واثقاً أمس في مؤتمره الصحافي حين قال أن الأقلية المتطرفة يمكن السيطرة عليها، وشدد على أنه تلقى تطمينات من الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير بأن الضربات ستكون قصيرة ومحددة وتستهدف مراكز "الإرهابيين". وحذر مشرف من أن يستغل "التحالف الشمالي" الفرصة للانقضاض على كابول وغيرها من المدن الأفغانية. وكان لافتاً تركيز الرئيس مشرف على ضرورة أن يؤخذ ب "التركيبة الديموغرافية في أفغانستان في أي صيغة مستقبلية للحكم في أفغانستان"، و هو ما يعني أن تحصل الغالبية البشتونية التي تتشاطر وباكستان عرقية ولغة واحدة نصيب الأسد في الحكم. وربطت غالبية الأوساط السياسية الباكستانية إمكان تصاعد الاحتجاجات والتظاهرات في باكستان بثلاثة عوامل أساسية: المدة التي ستستغرقها الضربات الأميركية لأفغانستان، واحتمال وقوع إصابات في صفوف المدنيين وطريقة تعامل الحكومة مع المتظاهرين. ورفض وزير الإعلام الباكستاني السابق مشاهد حسين الجو الذي أشاعه مشرف في مؤتمره الصحافي. وقال حسين ل"الحياة": "التحالف الشمالي المناهض للحركة والمعادي لباكستان حليف استراتيجي لأميركا والتحالف الغربي. ولا أعتقد بأن أميركا ستتخلى عنه من أجل إرضاء باكستان. كما أن الضربات ستكون متواصلة وطويلة كما تواترت التقارير من كل من واشنطن ولندن، وستسبب إصابات في صفوف المدنيين، ما يعني تصاعد الاحتجاجات في باكستان والعالم الإسلامي ويرغم الحكومات على استخدام القوة". وقال وكيل الخارجية الباكستانية السابق نجم الدين شيخ: "لا أتفق مع الرئيس في أن الحكومة المقبلة ستكون صديقة لباكستان، ونحن أعلنا العداء لطالبان. وفي حال سقوطها فإن التحالف الشمالي هو الذي سيخلفها، وحينها ستكون كارثة على أفغانستان كون التحالف هذا يتكون من عرقيات أقلية". لكن محلل الدفاع الجنرال المتقاعد طلعت مسعود يعترف بقلة الخيارات أمام الرئيس الباكستاني ويدرك أن التحالف الشمالي يسعى إلى الاستفادة من هذه التطورات. ويتساءل: "ماذا تريد الجماعات الإسلامية الباكستانية، هل تريد طلبنة باكستان؟ فنحن مسلمون معتدلون ولا نريد نظام طالبان هنا، وإلا فالنتيجة والعواقب ستكون وخيمة". و يتفق معه إلى حد كبير عضو اللجنة المركزية في حزب الشعب الباكستاني يوسف رضا جيلاني: "نحن لسنا طرفاً في هذا الصراع الذي فرض علينا، وما علينا إلا مساعدة حكومتنا في هذه الظروف الدقيقة و تمتين الجبهة الداخلية".