فرحة غامرة، وشعور بالغبطة والسرور مسح، على الأقل حتى الآن، من الأذهان صورة الإحساس بغياب عرب آسيا عن نهائيات كأس العالم 2002 لكرة القدم فعاد التفاؤل، وانتعشت الآمال التي خبت أو كادت، بعد ذلك الفوز الذي حققه "الأخضر" على نظيره التايلاندي في بانكوك 3-1 فعادت الروح الى صفوف المنتخب أولاً وإلى جماهيره ومحبيه ثانياً. اعتبر الفوز الكبير الذي حققه "الأخضر" في اكثر المباريات حرجاً والتي جمعته بتايلاند على أرضها امراً غير عادي، لأنه لم يقدم اي عرض في مباراته الأولى امام البحرين. وهزم أمام ايران في الثانية وجاء فوزه عادياً على العراق في الثالثة. لكن مباراته الرابعة كانت مغايرة، فأعادت الصورة الزاهية لمنتخب السعودية، صاحب التأهل مرتين متتاليتين الى نهائيات المونديال، والذي يبحث عن تأهل ثالث على التوالي. وعكس الفوز في بانكوك، الانسجام في أداء "الأخضر" بعيداً عن اللعب الفردي والهجوم الارتجالي غير المدروس، وعودة الفاعلية الى خط الوسط الذي بدا لا حول له ولا قوة في مباراته الأولى، لذا يمكن تسمية هذا التآلف المستجد بعودة الروح الى صفوف المنتخب السعودي في التصفيات النارية والمثيرة. امام تايلاند تألق "الأخضر" ونجومه سامي الجابر وعبدالله الشيحان وحسين عبدالغني وخط دفاعه الصلب ومن خلفهم الحارس الخوجلي، وبقية الكوكبة التي قادها المدرب ناصر الجوهر. ويبدو ان النتائج السلبية وتلك المشاعر والمساندة كانت الوقود الذي حرك توربينات المنتخب الأميز فتحرك في بانكوك وسجل فوزاً كبيراً محولاً تراجعه بهدف الى تقدم بثلاثة أهداف أعادته الى المنافسة على المقدمة محتلاً المركز الثاني في المجموعة برصيد 7 نقاط يفصله عن منتخب ايران المتصدر نقطة واحدة وعن البحرين الذي يحتل المركز الثالث نقطة واحدة ايضاً. ولعل ما حصل في المباريات السابقة، حرّك "توربينات" اللاعبين في بانكوك فحولوا تراجعهم الى تقدم ثم فوز، وباتوا في المركز الثاني 7 نقاط خلف ايران بفارق نقطة في المجموعة الأولى. ومن تابع مسار هذا المنتخب في مباراته الأولى امام البحرين عرف ان الخلل قد اصاب أداءه ثم وجده يقدم عرضاً طيباً امام ايران على رغم معاندة الحظ له والخبرة الإيرانية وجور الحكم فخسر اللقاء، وتغيرت الأشياء من حوله بعد فوزه على العراق فلم يعد ينظر الى تصفيات الدور الثاني من زاوية ضيقة، بل اتسعت نظرته وكبرت تطلعاته وبات على بعد خطوة من وضع قدمه اليمنى في ملاعب اليابان وكوريا الجنوبية. خطوة صعبة... وقمة خليجية خطوة واحدة، ولو عرف الأخضر كيف يخطوها لاعتلى الصدارة وبعدها لا شيء يمكن ان يوقف طموحه وارتقاء مستواه من مباراة الى أخرى في هذه التصفيات الصعبة والطويلة، وهذه الخطوة يبدأها غداً في المنامة امام نظيره البحريني من دون ان ينسى ان منافسه تعادل معه في الرياض 1-1 وبإمكانه ان يفوز عليه في المنامة، إذ لم يركن نجومه ومدربه الى الانحسار والدفاع والإصرار على الاختراق من العمق بدلاً من الأجنحة وإذا قام خط الوسط بمهامه. ولم يكن منتخب البحرين افضل المنتخبات في هذه التصفيات، لكنه كان الأكثر اصراراً وحيوية ورغبة في تقديم شيء جديد وحتى الآن نجح بتقدير جيد جداً ولا نعتقد انه قادر ان يضيف الى أسلوب لعبه عناصر اخرى، لكن إمكان تفجير طاقة جديدة مخبأة وارد في ملعبه وأمام جمهوره. وثمة حقائق تفرض وجودها في اللقاء - الحاسم - المرتقب اولها ان المباراة قمة خليجية، ستزداد مساحة تأهل فرصة الفائز فيها، بقدر ما تكون الضغوط خفيفة على "الأخضر"، بقدر ما يكون الفوز اقرب إليه، وبقدر ما يكون التركيز والانتباه في الملعب، بقدر ما يكون الفوز اسهل، ومن الصعب اصدار حكم حقيقي قاطع على المنتخب البحريني، خصوصاً أنه المضيف هذه المرة، وهو منتخب جديد بصورة تلقائية. والنتائج التي أفرزتها مباريات المجموعة الأولى خدمت الطرفين، لكنها وضعت منتخبات ايران والسعودية والبحرين معاً في واجهة المنافسة. وللإنصاف لم يكن للمنتخب السعودي نصف الحظ الذي توافر لنظيره البحريني، وعلى رغم ذلك فإن المباراة المقبلة فرصة كبيرة للطرفين لتأكيد الجدارة بالمنافسة، ويحتل البحرانيون المركز الثالث ب6 نقاط. ويشعر الجميع ان "الأخضر" سيكون قادراً على كسب النقاط الثلاث والانفراد بالصدارة، خصوصاً أن المزاج البحريني سريع التقلب، لذلك يتوقعون حدوث انقلاب ما في ترتيب المجموعة، خصوصاً أنه استعاد هيبته امام تايلاند وتحكّم بزمام المبادرة في الشوط الثاني، وتأكد ان الجوهر احدث جواً من الثقة داخل صفوفه التي "غرقت" طويلاً مع اليوغوسلافي سلوبودان سانتراتش. لقد أثبتت المباريات التي لعبها المنتخب السعودي حتى الآن ارتفاع مستواه من مباراة الى أخرى، في حين بدأ المنتخب البحريني بداية قوية عكسها تعادله مع "الأخضر" 1-1 ثم فاز على العراق 2- صفر وبعدها تعادل مع تايلاند 1-1 وإيران من دون اهداف، وهذا يعني ان مستواه ليس ثابتاً والمباراة المرتقبة ستكون مباراة بين الفن السعودي والعزم البحريني القوي ورغبته العارمة في بلوغ نهائيات كأس العالم للمرة الأولى. براعة مدربي الطوارئ الكرة السعودية عرفت تفوقاً سابقاً للمدرب المحلي في ظروفها الاستثنائية، وبذلك لم يعد الجوهر مدرب طوارئ ينتظر فشل المدربين الأجانب ليتولى المهمة عنهم بصفة موقتة، وقد أقنع أنصار "الأخضر" ومسؤوليه منذ زمن بقدراته. ولا ينكر احد أن "مدربي الطوارئ" من محليين وأجانب حققوا نجاحات لافتة في قيادة "الأخضر" وساهموا في الحصول على ألقاب مهمة. وعرفت الكرة السعودية تفوقاً سابقاً حين قاد المدرب خليل الزياني المنتخب عام 1984 الى دورة لوس انجليس ونيل كأس الأمم الآسيوية للمرة الأولى بعدما عين بديلاً للمدرب البرازيلي ماريو زاغالو قبل ان يقود محمد الخراشي منتخب بلاده الى نهائيات مونديال الولاياتالمتحدة 1994 والفوز ببطولة منتخبات الخليج في العام ذاته عقب تسلمه المهمة من البرازيلي جوزيه كاندينو. وحقق الأرجنتيني خورخي سولاري انجازاً مهماً مع المنتخب في مونديال الولاياتالمتحدة بعد تسلم المهمة من الهولندي ليوبنهاكر الذي أبعد من منصبه. وبرهن البرتغالي فنيغادا حضوراً قوياً لمدربي الطوارئ عندما تسلم مهمة تدريب السعودية عام 1996 عقب إقالة البرازيلي زوماريو، ما منح كأس الأمم الآسيوية للسعوديين للمرة الثالثة، بيد ان فينغادا ترك منصبه بالطريقة ذاتها حين أقيل لمصلحة المدرب الألماني اوتوبفيستر الذي قاد المنتخب الى نهائيات مونديال فرنسا 1998 قبل ان يظهر ناصر الجوهر للمرة الأولى، ويؤدي دور المدرب المنقذ ببراعة في نهائيات كأس الأمم الآسيوية قبل نحو عام في لبنان، عندما أقال الاتحاد السعودي التشيخي ميلان ماتشالا عقب خسارة المنتخب في مباراته الافتتاحية امام اليابان 1-4. واستعان بمساعده الجوهر الذي قاد السعودية الى نهائي البطولة. ويرى كثيرون في الأوساط الكروية السعودية حالياً ان مهمة الجوهر في لعب دور المنقذ مجدداً وإصلاح ما أفسده سلفه سانتراتش تنتظر حضوراً قوياً للاعبين حين يستضيفون الإيرانيين في جدة بعد نحو عشرة ايام في مباراة عاصفة تستوجب الحصول على النقاط الثلاث ووقف الزحف الإيراني نحو المونديال. وحول المباراة المرتقبة غداً اعتبر الجوهر ان "البحرين قوية ولكننا قادرون على تخطيها والفوز عليها". وتابع: "مستوى المنتخب السعودي يتحسن تدريجاً بعد ارتفاع معنويات اللاعبين وزاد في ذلك الفوز الأخير على تايلاند في عقر دارها وأدخلنا في دائرة المنافسة على صدارة المجموعة". وأوضح ان "اللاعبين جاهزون لمواجهة البحرين من دون اي اصابات وأنهم يتدربون على الخطة التي سأعدها لخوض المباراة".