سمح الهدوء النسبي الذي ساد الأراضي الفلسطينية أمس للجهود الديبلوماسية بأن تأخذ مداها. فتوزعت الاتصالات بين عدد من الزعماء العرب في عواصم مختلفة وتركزت على كيفية احتواء الأوضاع الناجمة عن التصعيد الاسرائيلي. غير ان الوضع في جنوبلبنان بقي لافتاً، اذ ان الجيش الاسرائيلي بقي مستنفراً على الحدود الشمالية لاسرائيل غداة الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي وأركان حكومته المصغرة الى الحدود. وكان ابرز الاتصالات ما أجراه الرئيس المصري حسني مبارك مع ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشّار الاسد. وقالت وكالة الأنباء السعودية ان مبارك "بحث مع الأمير عبدالله في تطورات الاوضاع في المنطقة من جراء تصعيد العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني، اضافة الى عدد من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية". ويُتوقع ان يكون الوضع في الأراضي الفلسطينية محور البحث في الاجتماع الذي يعقده مبارك اليوم مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في الاسكندرية. وكان حاضراً على خط الاتصالات امس الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي اتصل بالعاهل الأردني وقوّم معه الوضع في الشرق الاوسط. وقالت مصادر فرنسية ان اتصال شيراك بعبدالله الثاني يأتي في إطار الاتصالات التي أجراها الرئيس الفرنسي في اليومين الماضيين مع زعماء في المنطقة ومنهم مبارك والأسد والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وكان شيراك أبلغ الأسد خلال اتصاله به ضرورة اتجاه أوضاع لبنان نحو التحسّن مع اقتراب موعد القمة الفرنكوفونية في 26 تشرين الاول اكتوبر المقبل. وإذا كانت الاتصالات هذه تصبّ جميعاً في خانة الضغط الدولي لمنع الانفجار او لتخفيف حدّة التوتر وإعادة الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي الى مائدة المفاوضات، فإن الترجمة العملية لذلك يُفترض ان تظهر في لقاء متوقع بين وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز وعرفات. وتوقع مصدر قريب من وزارة الخارجية الايطالية ان يتم اللقاء بين عرفات وبيريز في ايطاليا الاسبوع المقبل. وهو اللقاء الذي حرص بيريز على عدم رفع سقف التوقعات منه. وذكرت مصادر اسرائيلية ان بيريز نجح في إقناع شارون بأهمية الاجتماع انطلاقاً من فكرة ان لا بديل من الحل السياسي، لكنها أشارت الى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي قيّد وزير خارجيته بالبحث في "وقف العنف والإرهاب". وتوقعت مصادر اخرى ان يطرح بيريز على عرفات فكرة "وقف النار التدريجي" ويسعى من خلال ذلك الى إيجاد "أفق سياسي" يمكن من استئناف المفاوضات السياسية. ودعماً للجهود الدولية التي لعبت أوروبا دوراً اساسياً فيها في الأيام القليلة الماضية يبدأ الممثل الأعلى لسياسة الاتحاد الاوروبي الخارجية خافيير سولانا اليوم جولة في الشرق الاوسط. أما على الصعيد الميداني فقد غابت الأعمال العسكرية الكبيرة امس لكن ذلك لم يمنع استمرار القتال في منطقتي رفح ودير البلح حيث سقط شهيد فلسطيني. وتحركت الدبابات الاسرائيلية في تلك المنطقة ترافقها جرافات دمّرت ثمانية منازل وأربعة مواقع للأمن الوطني الفلسطيني. وقالت "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" ان أمينها العام المساعد قيس عبدالكريم ابو ليلى نجا من محاولة اغتيال بصاروخ أطلقته إحدى المروحيات الاسرائيلية على منزله كونه غادره مع أسرته قبل ذلك بقليل. وفي جنوبلبنان أثار الاعلام الاسرائيلي "عاصفة" من الاستنفارات، التي برز بعض مظاهرها على الحدود مع لبنان قبالة قرية الغجر وبلدة كفرشوبا. وزعمت الاذاعة الاسرائيلية ان الجيش الاسرائيلي وضع في أقصى تأهب بعد انذارات بأن "حزب الله" ينوي القيام بعمليات استشهادية أو تفجير سيارات مفخخة أو خطف جنود ومدنيين من المنطقة الشمالية. ودعت الاذاعة السكان الى التزام الحيطة والحذر. وشاهد المراسلون تعزيزات اسرائيلية على الحدود وتركيب منصات صواريخ أرض أرض في عدد من المواقع المقابلة مع تكثيف الطيران الاسرائيلي. وإذ رفض "حزب الله" التعليق على هذه الأنباء، لم تستبعد مصادر قريبة من الحزب ان يكون الهدف من كل ما يسربه الجانب الاسرائيلي وما يقوم به هو افتعال مواجهة جديدة على الجبهة مع لبنان، هرباً من الإرباك في فلسطين. واشتركت مصادر ديبلوماسية غربية ورسمية في لبنان وأخرى مطلعة عادة على توجهات "حزب الله"، في القول ان الحزب يتصرف بطريقة لا تعطي اسرائيل حجة او ذريعة من اجل القيام بعمل عسكري يصرف انظار العالم عما ترتكبه ضد الفلسطينيين. لكن المصادر القريبة من الحزب اشارت الى ان اسباب الحملة الاعلامية الميدانية الاسرائيلية يمكن ردها الى سببين: إما خوفها من رد فعل من الحزب ضد اغتيال ابو علي مصطفى، ولأن الحزب لم يقم منذ فترة بعملية عسكرية وبالتالي فإن ليس من عادة الحزب ان يطمئن الاسرائيليين الى انه لن يقوم بعملية، على رغم انه تصرف في شكل يوحي بأنه لن يعطي أي ذريعة. او ان السبب هو خلق حالة من الاستنفار السياسي الديبلوماسي والاعلامي على الصعيد العالمي لتصوير الأمر على انه مواجهة مع "حزب الله" بدلاً من ان تتركز الانظار على الجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين. أضافت المصادر: "قد يكون الهدف من ذلك العودة الى توجيه ضربات قاسية أكثر في الداخل الفلسطيني من جانب اسرائيل". وقال مصدر لبناني رسمي ل"الحياة" ان هناك "مبالغة اسرائيلية في الحركة الاعلامية وفي الحركة الميدانية، لصرف الانظار عن الداخل الاسرائيلي بعد الحملة العالمية على اغتيال ابو علي مصطفى واحتلال بيت جالا وللتغطية على اقتحامها ثم الانسحاب منها والعدوان على رفح".