لو اننا أمة منتصرة، لكنا "نثري" الغناء في فرح الشرق، غير أننا أمة مهزومة، لذلك فنثري العزاء في أحزانه ... مع الاعتذار من أحمد شوقي. المقدمة هذه تعليق على رسالة بالبريد الالكتروني من القارئ اسماعيل الطويل، هو كرر الرسالة بعد يومين عندما تأخرت في الرد عليه، ثم هاتفني في فرنسا، ووعدته بالرد خلال ايام، مع بقية بريد القراء وها أنا أفعل. القارئ استثاره ما كتبت في هذه الزاوية قبل اسبوعين عن رواية مقترحة بعنوان "2020" اشارة الى السنة، والعرب مهزومون، رجالهم يعملون في حقول عدوهم ومصانعه، ونساؤهم خادمات في البيوت. كنت قلت في حديثي عن هذه الرواية المستقبلية الذي نشرته على حلقتين انني كتبت وأنا أعرف يقيناً ان السنة 2020 ستحل والعرب في ديارهم، والصورة الداعمة للرواية تحاول التحذير من مستقبل مظلم اكثر مما نتوقع حدوثه. غير ان القارئ اسماعيل اختار ألا يرى هذا الكلام الواضح، وإنما رأى البقية وقال انني انشر اليأس في النفوس "وأنت في عضد الأمة". إذا كانت النفوس لم تيأس بعد فهناك خطأ كبير، لأن اسباب اليأس كثيرة وقائمة، وكلماتي في هذه الزاوية لا يمكن ان تقدم كثيراً او تؤخر. غير أنني طالب لغة، وقد توقفت عند "فت العضد"، ثم عدت الى المراجع ووجدت ان العرب تقول: فلان يفت في عضد فلان، ويقدح في ساقه، فالعضد اهل بيته، وساقه نفسه. وهكذا فأنا أفت في عضد الأمة، والقارئ يقدح في ساقي وطبعاً فهناك في التنزيل الكريم: "وستشدّ عضدك بأخيك" والمعنى "سنعينك بأخيك". غير ان القارئ لم يكتب ويهاتف ليسمع درساً في اللغة، وإنما ليناقشني في القضية، او "قضيته" على وجه التحديد. ولا اقول سوى انني اتمنى ان اكون مخطئاً وأن يكون هو مصيباً. فلا ازيد سوى رأي سمعته من صديق في عشاء اقترح ان يعلن العرب انهم "استسلموا" وأن يطالبوا بعد ذلك بأن يعامَلوا كما عومل الألمان واليابانيون بعد خسارتهم الحرب العالمية الثانية. وهو قال ان "مشروع مارشال" جديداً يمكن ان يمثل بداية صالحة للعرب في القرن الحادي والعشرين. شخصياً، أرفض مثل هذا الرأي، وأقول ان عندنا من القدرات ان نضع "مشاريع مارشال" للانفاق على الناس. لذلك اكتفي باقتراح رواية تحذيرية، وأرفض ان اتحمل مسؤولية الفت في عضد الأمة او ساعدها العضد من المرفق الى الكتف، والساعد من المرفق الى الكف. على كل حال لا اريد ان أقف الصفحة على رسالة واحدة، فأكمل برسائل أخرى. امامي رسالة ظريفة كتبها الأخ علي عبدالرحمن الرشيد البدر تعليقاً على كلامي عن الليل وشعر اوردته، وهو يزيد مذكّراً بقول الشاعر: يا ليل الصب متى غده / أقيام الساعة موعده كما يختار بعض اشهر ما قيل في الليل نقلاً عن امرئ القيس: "وليل كموج البحر ارخى سدوله..." على الشاعر. ثم هناك رسالة قليلة الأدب من رجل يزعم انه "دكتور"، وهو ان كان كذلك فقد فاته ان يتعلم التهذيب. وسأردّ عليه بقسوة وصراحة في رسالة خاصة على الفاكس الذي حملته الرسالة. اما هنا فلا اقول سوى ان الدكتور يعارض الرئيس ياسر عرفات، وهو بذلك لا يختلف عن آرييل شارون ورئيس الاركان الاسرائيلي شاوول موفاز ووزير الدفاع بنيامين بن اليعيزر، وكلهم هاجم ابو عمار في 31 تموز يوليو وهو يوم تلقيت الفاكس المفصل. اختار من ثلاث صفحات متراصة سطوراً من نهايتها فقط، فالدكتور لا يعجبه ان ادافع عن الرئيس الفلسطيني ضد اسرائيل، فيقترح بديموقراطية عجيبة ان اتوقف عن الكتابة عن القضية الفلسطينية، وأن اكتفي بالكتابة الخفيفة التي تعجبه، ولا افهم كيف يجد الدكتور اسباباً للضحك والفلسطينيون يقتلون كل يوم، ويريد مني اضحاكه. اما آخر كلمات فكانت: "ثم نتساءل مستغربين كيف تحول الاستاذ الخازن من كاتب موضوعي حر مستقل الى كاتب عرفاتي تابع مسحور او مأجور؟". لو كنت في قلة ادب الدكتور لقلت انه مأجور من اسرائيل للهجوم على الرئيس الفلسطيني، غير انني لا افعل بل احاول ان اطلع ببسمة من القراء على حسابه، وأسألهم: هل في ابو عمار ما يسحر احداً، او هل بقي عنده مال ليدفع لي او لغيري؟ انا أعمل في "الحياة" وحدها، وعندي من الدخل ما يكفي لأدفع لأمثال الدكتور، وأتبرع اذا طلب ابو عمار ذلك. مع ذلك لا افهم كيف ان رجلاً حصل على قسط عال من التعليم، ولا اقول الثقافة، يلقي الكلام جزافاً كأي انسان جاهل، ثم يتوقع ان يعامَل باحترام؟ اطالب الدكتور بأن ينتصر للرئيس الفلسطيني حتى تنتهي المواجهة الحالية، ثم يفعل ما يشاء، أما انا فأختتم بأحمد شوقي الذي بدأت به، فهو بعد ان قال: "كان شعري الغناء في فرح الشرق وكان العزاء في أحزانه"، أكمل قائلاً: "قد قضى الله ان يؤلفنا الجرح وأن نلتقي على اشجانه".