يلفت "مهرجان أيلول" مع اقتراب انطلاق دورته الخامسة، الى تشكل هوية خاصة به تميزه عن باقي المهرجانات اللبنانية، وهو يختار لهذه السنة "وجوه الحقيقة" عنواناً للعروض التي يقدمها من لبنان ودول عربية اخرى اضافة الى عروض من اوروبا وجنوب افريقيا وسري لانكا. تقترب نشاطات المهرجان من انسانية الفنان، وهي بذلك انما تواكب توجهاً عالمياً، انزل المبدعين عن عرش النجومية، فأخذوا يعرضون حيواتهم، وكواليس اعمالهم. الرقص في المهرجان ليس رقصاً فقط، سيكون كما ذكرت ل"الحياة" مديرته باسكال فغالي مرافقاً لروايات الراقصين ولأشكال تعبير متنوعة. وفي التجهيز اكتشاف قصة بيروت من خلال ارشيف طبيب اسنان عاش ايامها الذهبية. يكمل مهرجان ايلول ما بدأه العام الماضي في شكل خاص، في استضافته اعمالاً تقترب من المعاش، من اليومي في حياتنا، وتخرج عن الأطر الفنية المألوفة او التقليدية، لتركز على تداخل الفنون في شكل او في آخر، وتلفت الى الشكل الابداعي لعمل يستخدم غير اداة فنية. في البرنامج مسرحية "سيليكون" لعبلة خوري، ومسرحية ايطالية بعنوان "بونتي إن كوريه" وعرضا رقص: الأول "ديستانسلوز" لتوماس ليمان، والثاني "إنتاج الظروف" للفرنسي غزافيه لو روا. ويعرض في المهرجان تجهيزان: "وجوه ضائعة" لمنى حلاق، و"المناظر" للبنانية باولا يعقوب والفرنسي ميشا لاسير، ومعرض للمهندس المعماري السري لانكي شلفادوريه أنجالندران بعنوان "الهندسة المعمارية والحرب"، وعمل موسيقي لتريسي روز من جنوب افريقيا عنوانه "الأمل الذي اتطلع اليه"، اضافة الى فيلم السوري علي الاتاسي "ابن العم". اما الحدث الابرز في المهرجان فهو المحاضرة التي يُفتتح بها "بين الحقيقة والعدالة" للمحامي شبلي ملاط، وسيخصص جزء منها للحديث عن الدعوى التي رفعها ملاط وكيل سعاد سرور ضد رئيس وزراء اسرائىل آرييل شارون لمسؤوليته عن مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا. لكن المحاضرة ستشمل جوانب اخرى وأمثلة اخرى لتركز على ضرورة ترابط العدالة والحقيقة، ولتلفت النظر الى تيار عالمي ينادي بعولمة العدالة اذا صح التعبير، ويصفق لملاحقة مجرمي الحرب محاكمتهم في اي مكان في العالم. وتتوزع نشاطات المهرجان في غير مكان، بين مسرح المدينة وقاعة عصام فارس في الجامعة الاميركية في بيروت، وقاعة "لافابو" في فندق هوليداي إن مارتينيز، ومطعم "لوغرونيه" القديم. وفي هذا الاطار تذكر فغالي ان المكان او فضاء كل عرض يشكل جزءاً اساسياً منه، "المكان ركن من اركان العرض". قراءة برنامج المهرجان تلفت الى محاولته استحضار فنون ذات هويات مختلفة، والى توجه المهرجان ذاته الذي يبدو نخبوياً لجهة اختياراته المتنوعة والمنفتحة على كل جديد وجميل، تحضر فيه افريقيا القارة المهمشة في العالم، وتحضر من خلالها مشكلات انسانية تغيب عنا كشرقيين لأن معاناتنا تتمثل بمشكلات مختلفة، فالعنصرية بالنسبة الينا موقف نرفضه لكننا لم نعان آثاره، ولم يكن لون البشرة يوماً عاملاً يحدد موقعنا الاجتماعي، لكنها معاناة الافريقي تعكسها في عملها تريسي روز. ويلفت عمل أنجالندران الى واقع عاشته سري لانكا، التي جعلت النشاط المعماري في خدمة الطبيعة والبيئة ليتآخيا، ما يمكن اعتباره تطوراً في الهندسة المعمارية. العروض اللبنانية والعربية هي ايضاً محاولة لنقل الواقع الذي نعيشه. أما العروض الاوروبية فتمثل كما ذكرنا الاتجاهات الجديدة والمحاولات التي تشهدها ساحات الفنون في الدول المتقدمة. أخيراً لا بد من التذكير بأن مهرجان ايلول لا يسعى وراء العروض الغالية والأسماء الشهيرة فقط، إنما يشكل محطة للاطلاع على المحاولات الجديدة.