إذا كان علينا ان نسجل، هذه السنة ايضاً، بأسى كبير، غياب السينما العربية عن مهرجان البندقية السينمائي الدولي العريق، فإن دورته الثامنة والخمسين التي ستنطلق في جزيرة ليدو في 29 آب أغسطس الجاري ستدخل، على رغم الغياب العربي، في قاموس السينما العربية وتقاويمها، لأنها الدورة التي ستكرّم احد اكبر المبدعين العرب المخرج المصري الكبير يوسف شاهين "باعتباره مايسترو للسينما" الى جانب اثنين من مخضرمي السينما العالمية البرتغالي مانويل دي اوليفيرا والياباني سوزوكي سيجون. وسيعرض المهرجان في هذه المناسبة العمل الأخير الذي انجزه "جو" شاهين بعنوان "سكوت حنصور" وهو من بطولة لطيفة وأحمد بدير وأحمد واصف. ووصف مديره ألبيرتو باربيرا المخرج المصري بكونه "ليس معلماً للسينما العربية فحسب، بل معلم للسينما العالمية وقد قدّم اعمالاً جميلة تحولت مدرسة حقيقية لأجيال كثيرة". وأضاف باربيرا ممازحاً: "كان شاهين يرتاد مهرجاننا في السنين السابقة وقدم "حدوتة مصرية" هنا. لكنه انقطع عنّا في السنين الأخيرة، لذا نصبنا الشباك لفيلمه الأخير واقتنصناه لمهرجاننا. وبعيداً من المزاح فإنا نرى في شاهين فناناً يستحق التكريم والتقديم. ونحن سعداء بهذا الفيلم الذي وضع فيه عصارة إبداعه السينمائي". وإذا كان وضع اسم يوسف شاهين في الموقع الأول من اول قائمة تكريمية سيدرج عليها المهرجان كل عام، موضع افتخار، فإن علينا ان نسجل، كما أسلفنا، مرة أخرى كسل المنتجين العرب في التعامل مع مهرجان البندقية السينمائي الدولي، وتبدو كلمات ألبيرتو باربيرا في هذا الصدد تكراراً لما قاله لنا العام الماضي إن "المهرجان تسلم اعمالاً قليلة من السينما العربي، وما عرض على لجنة الاختيار لم يكن في المستوى المطلوب". والغريب ان منتجي فيلم "أيام السادات" للمخرج محمد خان وبطولة النجم المصري احمد زكي لم يعرضوه على المهرجان، وهذا ما أكده باربيرا. تغييرات وإلى أهمية تكريم يوسف شاهين بالنسبة الى السينما العربية، فإنه لن يكون الحدث الوحيد الذي ينبغي لمؤرخي السينما العربية والنقاد تأطير هذه الدورة من المهرجان وفقه. فقد أجرت إدارة المهرجان تغييرات اساسية ستسجّل للدورة التي تقام مع منطلق الألفية الثالثة، وبينها رفع جوائز "الأسد الذهب" التي كانت تمنح لأفضل فيلم إلى ثلاث، تعطى بالتساوي لأفضل فيلم في المسابقة الرسمية وأفضل فيلم في مسابقة "سينما الحاضر" وأفضل فيلم ضمن مجموعة الأعمال الأولى وهو سيحمل اسم "أسد الغد"، في حين تحمل جائزة سينما الحاضر اسم "أسد السنة". اما المسابقة الرسمية فستحمل جائزتها الاسم السابق نفسه "الأسد الذهب لأفضل فيلم في فينيسيا 58". ويعلل مدير المهرجان قرار زيادة عدد الجوائز بالرغبة في رفع مستوى اهتمام النقاد والصحافة "بكل الأفلام المعروضة في المهرجان على حد سواء، إذ كان يحدث في الماضي ان يتركز الاهتمام على المسابقة الرسمية لما لها من عناصر تنافس، وإهمال البرامج الأخرى التي كانت تحتوي عادة أفلاماً مهمة ورائعة". ووصف باربيرا هذا القرار بأنه "محاولة لإعادة المكانة والاعتبار الى كل الأفلام المعروضة في المهرجان". وفي حين تظل جائزة افلام المسابقة الرسمية مجرد تمثال مذهب يمثل الأسد شعار مدينة البندقية، فإن الجائزتين الأخريين ستحملان جوائز نقدية وعينية وهي "مئة ألف دولار" ل"أسد الحاضر" ومبلغاً مماثلاً مع عشرين الف متر من الأشرطة الخام ل"أسد الغد"، اي لمخرج العمل الأول. ويضم المنهاج العام للمهرجان 140 فيلماً منها 76 روائياً طويلاً و52 عملاً قصيراً ومتوسطاً إضافة الى 12 فيلماً وثائقياً طويلاً بينها عمل أنجزه المخرج التونسي محمود بن محمود بعنوان "مئة صوت وصوت موسيقى الإسلام". البرنامج الرسمي يضم 39 فيلماً، عشرون منها في المسابقة الرسمية، و19 خارجها، وبين افلام المسابقة الرسمية: "الآخرون" من إخراج الإسباني اليخاندرو وأمينابار وبطولة نيكول كيدمان ومن انتاج زوجها السابق توم كروز، وهو آخر عمل اشترك فيه الزوجان المنفصلان قبل بضعة شهور. وفي حين يبدو من المؤكد حضور كيدمان الى ليدو فلم يتأكد الى الآن حضور كرويز الى المهرجان وحتى إذا حضر فإن الجمهور لن تتاح له الفرصة ليشاهدهما معاً كما حدث قبل سنتين عندما حضرا للاحتفال بعرض الفيلم الأخير الذي أنجزه الراحل ستانلي كوبريك "عيون فاغرة على اقصى اتساع". الى جانب "الآخرون" وكيدمان فإن المسابقة الرسمية ستشهد عرض فيلم "المبحرون" للمخرج البريطاني الشهير كين لوتش والذي يعود به من جديد الى تسجيل عذابات عمال السكك الحديد في شيفيلد وهم يتعرضون للاقصاء التدريجي من العمل بسبب سياسة الخصخصة التي تمارسها الشركة. وتسجل هذه الدورة عودة المخرج الفرنسي فيليب غارّيل بفيلم جديد عنوانه "براءة متوحشة" ويؤدي فيه الممثل العربي مدني بلحاج كليم احد الأدوار. الهنود عائدون وثمة عودة للسينما الهندية من خلال فيلم "موسم الزواج" للمخرجة المبدعة ميرا ناير التي انجزت اعمالاً جميلة مثل "سلام بومباي" و"كاماسوترا". وفيما تحتل السينما الإيرانية موقعاً في لجنة التحكيم الخاصة بجائزة الأسد الذهب للعمل الأول من خلال الفائز بالأسد الذهب العام الماضي جعفر بنّاهي، فإن ايران ستكون ممثَّلة في المسابقة الرسمية بفيلم "التصويت سري" للمخرج الشاب باباك بايامي، وقد صوّر في جزيرة كيش. وإذا ألقينا نظرة على أسماء المخرجين الذين ستعرض اعمالهم في مسابقة "سينما الحاضر" فليس لنا إلا ان نتفق مع ألبيرتو باربيرا على قراره تحويل هذا البرنامج مسابقة تتنافس على "الأسد الذهب" إذ سيفتتح عروض مسابقات المهرجان فيلم "الحب، ربما" للمخرج الإيطالي جوزيبي بيرتولوتشي ويعرض ضمن البرنامج ايضاً العمل الأخير الذي انجزه المخرج الألماني الشهير فيرنر هيرتزوغ بعنوان "المنتصر ابداً". لجنة التحكيم الدولية منحت رئاستها للمخرج الإيطالي الكبير نانّي موريتي الفائز بسعفة كان الذهب عن فيلمه الجميل والمؤثر "غرفة الابن" وستضم بين اعضائها كلاً من الكاتب آميتاف غوش والمخرج البولندي والممثلة جين باليبار والمنتج فيبيكي فينديلوف، وينتظر ان تنضم اليها في الأسابيع المقبلة شخصيتان أخريان. اما فيلم الافتتاح فسيكون "غبار" وهو عمل ضخم أنجزه المخرج المقدوني الشاب ميلكو مانتشيفسكي الذي سبق ان فاز فيلمه الجميل "قبل هطول المطر" بجائزة الأسد الذهب كأفضل عمل قبل ست سنوات.