دورة جديدة من مهرجان البندقية، تنطلق الأربعاء المقبل في جزيرة الليدو الإيطالية، لتستمر إلى الثاني عشر من سبتمبر (أيلول). تحمل الطبعة الرقم 72، وتنطوي على كمية من الأفلام المهمة التي ينتظرها كثر بشغف، ذلك أنّ التشكيلة المختارة هي حصيلة الأفلام التي أصبحت جاهزة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وتحديداً بعد انتهاء الدورة الأخيرة من مهرجان «كان». هذه السنة، يترأس لجنة تحكيم المهرجان الذي يُعتبر واحداً من أعرق التظاهرات السينمائية في العالم، المخرج المكسيكي ألفونسو كوارون (54 سنة)، الذي افتتح المهرجان قبل عامين بفيلمه «جاذبية» مع جورج كلوني وساندرا بولوك. قامات كبيرة من صميم السينما المعاصرة تلتحق بلجنته: التايواني هو شياو شيين، التركي نوري بيلغي جيلان، الفرنسي إيمانويل كاريير، الألمانية ديان كروغر، الأميركية إليزابيث بانكس، الإيطالي فرانتشيسكو مونزي، البريطانية لين رامسي، والبولوني بافيل بافليكوفسكي. أما الملصق، فهو للسنة الثالثة على التوالي من تصميم سيمونه ماسّي، ويجمع بين جان بيار ليو في دور أنطوان دوانيل (في رباعية فرانسوا تروفو السينمائية المعروفة)، وهو يركض على شاطئ البحر، وناستازيا كينسكي التي بات اسمها مرادفاً لسينما المؤلف في الثمانينات. أميركي لا أميركي شريط الافتتاح المعروض خارج المسابقة هو «إيفيرست» للمخرج الأيسلندي بالتازار كورماكور. للمرة الرابعة، تدشنّ ال «موسترا» دورتها بفيلم أميركي لموهبة غير أميركية. العام الفائت، أصابَ مدير المهرجان ألبرتو باربيرا، عندما اختار للافتتاح فيلم «بردمان» للمكسيكي أليخاندرو غونزاليث إيناريتو ،الذي جاب العالم واختتم جولته ب «أوسكار» أفضل فيلم. يضمّ «إيفيرست»، أمام الكاميرا، كوكبة من الأسماء المعروفة. أُسندت البطولة الى جايسون كلارك وجوش برولين. تم التقاط المشاهد في كلّ من النيبال وجبال الإيفيرست وجبال الألب الإيطالية، ونُفّذ بعض مشاهده في استوديوات تشينيتشيتّا (روما) وباينهوود (بريطانيا). فيلم مغامرة يستلهم من التجربة المدهشة والقاسية التي يعيشها متسلّقو الجبال وهم يحاولون الوصول الى أعلى قمة في العالم. يقال أنّ الحوادث وقعت فعلاً العام 1996، وكانت نتيجتها مقتل ثمانية مغامرين خلال عاصفة ثلجية هبّت. تتمحور التفاصيل إذاً حول رحلتين، يواجه خلالهما المغامر أشرس لحظات العواصف. سيضعهم هذا كلّه أمام امتحانات صعبة، تنتقل خلالها الرحلة من كونها متعة ومغامرة الى كونها صراعاً من أجل البقاء. وتعاني ال «موسترا» منذ سنوات، من المنافسة الشديدة مع مهرجان تورونتو الذي يبدأ عادةً قبل اختتام ال «موسترا» بأيام قليلة. قبل سنتين، فات الإدارة فيلم ستيف ماكوين «12 سنة عبداً»، فذهب الى تورونتو، وتردّد، في محاولة للنيل من هيبة المهرجان، أنّ ثمة أفلاماً في تورونتو كان ألبرتو باربيرا يريدها، ولكن لم يحصل عليها. ادعاء ينفيه باربيرا، مصرّحاً أنّه «شاهد كل الأفلام التي ذهبت الى تورونتو أو الى نيويورك، والفيلم الوحيد الذي كان يريده هو «12 سنة عبداً». بات واضحاً مما لا يقبل الشكّ، أنّ الاستوديوات الأميركية أصبحت تفضّل ترويج منتوجاتها انطلاقاً من تورونتو بدلاً من فينيسيا، كون المدينة الكندية أصبحت منصّة مهمة لعرض الأفلام المخوّلة والجاهزة للذهاب الى ال «أوسكار». ترهّل ثمة مسألة أخرى: المهرجان يعاني من الترهّل. الورشة التي كانت ستنهض به، توقفت بعدما عُثر فيها على مواد خطرة. في ظلّ هذا كله، بات صعباً تصديق الوعود المتكررة الصادرة عن القائمين على المدينة، بافتتاح صالات وتشييد مقرّ يليق بتاريخه، علماً أنّ المقرّ الموجود حالياً لا يزال منتصباً من أيام الفاشية. قبل سنتين، صرّح باربيرا أنّه في «السنوات الثلاث المقبلة، كلّ شيء سيرتدي حلّة جديدة»، وكشف أنّ بينالي البندقية بدأت ترميم كل المباني القديمة. لاحت نيّةٌ بترميم صالة «دارسينا» وإعادة تجميل الكازينو، وتحويل غرفة الصحافة الى صالة سينمائية فيها 600 مقعد. 21 فيلماً تتسابق على الجائزة الكبرى، أيّ الأسد الذهب، التي اقتنصها العام الماضي السينمائي السويدي روي أندرسون. يبرز طغيانٌ إيطالي على المسابقة، حيث نجد أربعة أفلام إيطالية، من بينها جديد ماركو بيللوكيو الذي يعود الى فينيسيا بعد ثلاثة أعوام من تقديمه «الجميلة النائمة»، الذي أثار احتجاجات كونه يتناول الموت الرحيم. هذه المرة، يعود بفيلم عنوانه «دمّ دمّي»، عن موضوع محض «إيطالي» تتداخل فيه الهندسة المعمارية بالتاريخ والشخصية الإيطالية. يأتي بيللوكيو بحكايتين متوازيتين، واحدة من الماضي وأخرى من الراهن. صُوّر الشريط في قرية بوبيو، ويقوم على المقارنة ما بين حال المجتمع الإيطالي ماضياً وحاضراً. يضمّ طاقم الممثلين، ابن المخرج وابنته، وأسماء أخرى سبق أن أطلّت في أفلام له. ولعلّ أحد أهم السينمائيين المشاركين في هذه الدورة، ألكسندر سوكوروف، المخرج الروسي الذي سبق أن فاز ب «الأسد الذهب» العام 2011 عن «فاوست». سوكوروف يبلغ الرابعة والستين من العمر، أدهشنا سابقاً بالعديد من الجواهر التي أغنت المكتبة السينمائية الروسية، في طليعتها «الفلك الروسي»، إلى رباعية عن السلطة والديكتاتورية. العام 2002، أفلتت من يده «السعفة»، يوم عرضه في مهرجان «كان»، حين فضّل عليه دايفيد لينش الذي كان يترأس لجنة التحكيم، «عازف البيانو» لرومان بولانسكي. سوكوروف يحضر ب «فرانكوفونيا»، الذي يحملنا إلى فترة الاحتلال الألماني لفرنسا، وتحديداً باريس. الحكاية هنا عن اللوفر، أكبر متاحف العالم وأشهرها، الذي يتحوّل بنظرة سوكوروف إلى تأمّل شاعري حول البُعد الثقافي لهذا الصرح الذي يحمله المخرج الكبير في بؤبؤ عينه. الفيلم صوّره سوكوروف في اللوفر، علماً أنّه سبق أن صوّر «الفلك الروسي» في الإيرميتاج. من جملة مشاهير الإخراج التي تحمل شعلة الدورة 72، البولوني الكبير يرزي سكوليموفسكي. آخر فيلم شاهدناه له كان في فينيسيا أيضاً، «قتل أساسي»، قبل 5 أعوام. جديده المعنون «11 دقيقة»، يتبع 11 دقيقة من حياة أشخاص عديدين. مَن شاهده يقول أنّ الفيلم يقتصر على تجربة بصرية ممتازة، خصوصاً لناحية التصوير وحركة الكاميرا، الخ. لأميركا حصتها من المنافسة، تشارك في المسابقة بأربعة أفلام، وهو العدد عينه الذي تشارك فيه إيطاليا: «قلب كلب» لروي أندرسون، «إيكوالز» لدرايك دوريموس، «وحوش الأمة» لكاري فوكاناغا، وأخيراً وليس آخراً «أنوماليا» لتشارلي كوفمان الذي يقدّم هذه المرة فيلم تحريك. وإذا كانت فرنسا مُمثَّلةً بفيلمين هما «القاقم» لكريستيان فانسان و «مارغوريت» لكزافييه جيانولّي، فإنه غني عن التأكيد أنّها (فرنسا) تشارك كمنتجة في عشرة أفلام من أصل 21، منها فيلم المخرج الإسرائيلي المعروف أموس غيتاي، «رابين، اليوم الأخير»، الذي بات من الضيوف الدائمين المتوقّعين في فينيسيا، كونه عرض فيها أعماله الأخيرة. هنا، يعود مخرج «كيبور» إلى حادثة اغتيال اسحاق رابين، الذي تصادف هذه السنة ذكرى مرور 20 عاماً على اغتياله، مرتكزاً على التحقيقات التي أجرتها الحكومة لمعرفة ملابسات القضية. الفرنسي المبدع إريك غوتييه هو الذي تولى التقاط مَشاهد هذا الفيلم الذي يتأرجح، وفق الجهة التي شاهدته، بين التجديد واحترام التقليد. خارج المسابقة، هناك 18 فيلماً ستُعرض على الجمهور، من بينها وثائقيٌّ عن المخرج الأميركي الكبير براين دو بالما، من توقيع نوا بومباك وجاك بالترو، علماً أنّ دو بالما، البالغ من العمر 75 سنة، سيُكرّم بجائزة «المجد للسينمائي». دو بالما ليس الوحيد الذي سيحظى بتكريم، إذ ثمة أيضاً المخرج الفرنسي برتران تافيرنييه الذي قرر المهرجان إسناده أسداً فخرياً عن مجمل أعماله، ومثله المخرج المكسيكي أرتورو ريبستاين الذي سينال جائزة خاصة. عربياً، يشهد المهرجان عودة المخرج الجزائري مرزاق علواش، هذه المرة في قسم «آفاق»، بعدما كان عرض «السطوح» في المسابقة. جديده يتمحور حول مراهق يعيش في بيوت التنك في إحدى ضواحي مدينة مستغانم الجزائرية. أما الفيلم العربي الأخير، فهو من إخراج التونسية ليلى بوزيد وعنوانه «على حلّة عيني»، ويشارك في قسم «أيام البندقية». الشريط برمته يستثمر غاياته في حكاية فرح، ابنة ال18 سنة، التي تخطّط لحياة حرّة بعيداً من القيود عشيّة اندلاع ثورة تونس العام 2010.