سلسلة "الكتاب الأول" التي تصدرها وزارة الثقافة في المغرب لا تشمل الكتاب الذين سبق لهم أن حملوا مخطوطات أعمالهم الابداعية الى دور النشر وشاهدوها وهي تصدر عنها. انها خطة خاصة بالكتاب الذين تتوافر فيهم الموهبة ولم يسبق لهم أن تمكنوا من إصدار كتاب يضم ابداعاتهم لسبب أو آخر. السن هنا لا يهم كثيراً... وسبق أن أصدرت الوزارة ضمن الخطة نفسها مجموعة قصصية لقصاص محسوب على جيل السبعينات هو محمد جبران الذي صدر له ضمن سلسلة الكتاب الأول "عيوب البطل". استطاع القارئ المغربي أن يقرأ لمجموعة من الشعراء والقصاصين الشباب الذين قضوا قرابة عقد من الزمن يحملون نصوصهم من ملحق ثقافي الى آخر ومن مجلة الى أخرى من دون ان يتمكنوا من اقناع اية دار نشر بإخراج مخطوطاتهم الى الوجود. آخر اصدارات الوزارة ضمن هذه السلسلة مجموعتان قصصيتان وديوان شعري واحد. يتعلق الأمر بمجموعة محمد المرابطي القصصية المعنونة "فرسان الخيول الميتة"، ومجموعة محمد الزلماطي "شبهات صغيرة"، وديوان جمال بدومة "الديناصورات تشتم ستيفن سبيلبرغ". ينتمي القصاصان محمد المرابطي ومحمد الزلماطي الى جيل التسعينات. وبدأت تظهر أولى نصوصهم القصصية على صفحات الجرائد المغربية محملة برغبة في المغايرة والتجديد. قصص محمد الزلماطي الإحدى عشرة دم أزرق... قهوة سوداء، شموع متعبة، عن القيء وارتعاد الفرائص، تداعيات مكشوفة، أشياء مالحة، ماء يتهدده العراء، شبهات صغيرة من ملح، أشواق فاترة، حالات عابرة، النوارس... الأمواج... وصخور البازلت، استعارات تتوزع بين أمكنة وشخوص متباينة من خلال المهمات التي يكلفها الكاتب بإنجازها سردياً. يكتب الزلماطي القصة القصيرة بنفس متقطع. أحداثه شبه ناقصة. إذ يبدو غير ملزم بإكمال الحكاية أو ايجاد مخرج لأبطال قصصه الذين هم في الغالب أصدقاء الطفولة او نساء عرفهن في السابق أو مجرد مسافرين شاركهم مقعداً في حافلة ذات رحلة. وميزة القصة التي يكتبها الزلماطي هي أنها قصة قصيرة بالفعل... أي لا تتجاوز في الغالب ست صفحات. يبدو الزلماطي في سرده مشدوداً الى الماضي. وبالضبط الى الطفولة التي يبني عليها نوستالجيا سردية تغلف معظم قصصه بشحنة من التذكارات التي تتعالق مع الرغبة في البحث عن اللحظة الهاربة. أحياناً تصبح القصة هي الرسالة في مجموعة "شبهات صغيرة" وتحضر الشذرات عندما يصاب الحكي بالتعب. نقرأ في قصة "عزيزتي ندى" "أتذكرك وأفتقدك... منذ مدة وأنا في الكتابة اليك... لكن العبارات لم تسعفني. ذلك أنني منذ أن حللت بمدينة تازة وأنا أسعى لضبط ايقاع يومي يمكنني من الاسترسال في شكل طبيعي في الحياة اليومية... لم أعثر بعد على هذا الايقاع. مساءات تازة كمساءات اي مدينة أخرى... بعد السادسة تمتلئ الشوارع بالفتيان والفتيات يمشون هكذا من دون أي اتجاه ومن دون أي هدف محدد. يلوكون الكلام فحسب. لكن نوعاً من الحسرة الغامضة يملأ أساريرهم... وفتيات تازة جميلات أيضاً ولبقات حتى. وأنت تعرفين ضعفي أمام الجمال". بأسلوب سهل وبسيط يتحدث الزلماطي عن الحب كما يتحدث عن البطالة. يتحدث عن العائلة كما يتحدث عن السياسة. انه صوت آخر من الأصوات الشابة التي تأتي لتسند الغياب الكارثي لبعض الأصوات الأساسية في المشهد القصصي والروائي المغربي. يحاول محمد المرابطي في مجموعته "فرسان الخيول الميتة" ان يلامس الفانتازيا بكلام بسيط بعيداً من التعقيد. يبحث بالأحرى عن مواضيع قصصه داخل المتخيل الشعبي الجماعي. ويحضر "بغل البلدية" مثلاً أو "صائد الثعابين" كأمثلة على قصص متقشفة في تناولها للأحداث ولكن بقدرة خاصة على ادارة دفة السرد. عالم المرابطي القصصي يبدو محدوداً جداً. لكنه يتوغل نحو العمق أكثر مما يتوجه أفقياً. ولذلك نعثر في قصصه الاثنتي عشرة على نفس قصصي يقترب من قصص ادريس الخوري التي تعتمد في اختلاق الأحداث على العالم المحيط بها. ديناصورات سبيلبرغ يمكن أن نجد تفسيراً واحداً للعنوان السوريالي الذي اختاره الشاعر جمال بدومة لديوانه الأول "الديناصورات تشتم ستيفن سبيلبرغ"، وهو أن جمال بدومة يكتب منذ عشر سنوات قصيدته الخاصة. انه ككل الشعراء المغاربة الشباب. يكتب في شكل سوريالي ويفكر بالهجرة. ويبدو ان القصائد التي كتبها جمال في باريس ليست هي القصائد ذاتها التي كتبها خلال فترة دراسته المسرح في الرباط. يقول في القصيدة التي اختار عنوانها ليكون عنوان الديوان: "عمود كهرباء واحد/ ما زال يخلص لنزهة الأحد/ في غابة الأمازون/ وشرطي مرور/ بأحلام معطلة/ يدخن الأفيون/ ويكتب سيرة سيارة رونو 5/ هناك في كولومبيا/ أكثر من ألف ديناصور/ يتحدثون عن الشمس/ مثلما يتحدثون عن البرتقال/ يبعثرون الفصول/ ويشتمون ستيفن سبيلبرغ". يقع الديوان في خمسين صفحة من القطع المتوسط ويشتمل على القصائد التالية شجار قديم بين كوكبين، الديناصورات تشتم ستيفن سبيلبرغ، كنت شفافاً كنبي، في قلبك الخرائط كلها، حديقة جمال بدومة، نهايات ابريل، court metrage. تنتمي قصائد جمال بدومة الى ما اصطلح على تسميته بالجيل الجديد في المغرب. وهو جيل لم يتمكن معظم شعرائه من اصدار مجموعاتهم الشعرية الأولى. نشر قصائده ضمن مجلة الغارة الشعرية التي أطلقها كل من الشعراء ياسين عدنان وسعد سرحان وهشام فهمي. تشكل التفاصيل اليومية والمفارقات أهم ما تنبني عليه قصيدة بدومة. كأن تبدو قصيدة النثر الملاذ الشعري الأخير أمام شعراء الجيل الجديد بعيداً من الصراعات النظرية التي حولت النقاش في الساحة الشعرية المغربية من جدال حول القصيدة الى مهاترات نقدية حول الشكل. بهذه المبادرة التي دشنتها وزارة الثقافة قبل عامين يكون استطاع عدد لا بأس به من الكتاب الشباب في المغرب الوصول بنصوصه الى غاية قارئه بثمن رمزي وبطباعة أنيقة أشرف عليها الفنان التشكيلي أحمد جريد.