القاهرة - "الحياة" -جانٍ أم مجني عليه؟ سؤال يطرح نفسه في قضية المليونير رجب السويركي الملقب ب"شهريار المصري" الذي تزوج نحو 90 امرأة خلال عشر سنوات. المليونير ما زال يحلم بالزيجة ال91 إذا استطاع الخروج من المحاكمة التي ستجرى يوم 15 تموز يوليو المقبل من دون عقوبة سالبة للحرية، فالسجون المصرية تخلو من حقوق "الخلوة الشرعية". وسيقف "شهريار" بلحيته التي يصل طولها إلى منتصف صدره خلف القضبان ليواجه اتهامات بالجمع بين ما يزيد على أربع زوجات خلاف الشرع والتزوير في أوراق رسمية قسائم الزواج لزوجاته ال90، حيث دوّن أنه غير متزوج في كل مرة. أما التعاطف في الرأي العام المصري تجاه السويركي فلا يبرره سوى التضارب الذي ألمّ بقضية كثرت حولها التكهنات من كل جانب، سواء في عدد الزوجات أو اعترافاتهن مروراً بقصة الإبلاغ عن السويركي. وزاد من نبرة التعاطف، لغة السويركي في التحقيقات والأحاديث الصحافية التي تشير إلى أنه "ضحية" لآخرين في السوق المصري، واستدعت ذاكرة بعضهم ما تعرّض له أصحاب شركات توظيف الأموال الذين جرى التعامل معهم على هذا النحو الفضائحي، وبشكل أثار التعاطف الجماهيري. لحية السويركي أيضاً لها دور في كسب الرأي العام، وأسعار محاله للملابس الجاهزة التي تحمل اسماً إسلامياً تقل عن نصف أسعار مثيلاتها في المتاجر الأخرى، زادت ايضاً من حجم التعاطف الشعبي معه، لدرجة أن سائق سيارة أجرة بسيطاً علّق على القضية بقوله: "الحاج السويركي داس على رِجل مَن؟" يقصد: ما المصالح التي عطلها السويركي لآخرين ليوسعوه ضرباً هكذاً؟ قضية السويركي من نوع حمال الأوجه، أي تصدق في تفسيرها أقاويل كثيرة، وتُرسم من أجلها سيناريوهات عدة في المقاهي التي يتغذى روادها عادة على قصص "المال والحريم والجنس". السيناريو الأول أن الموضوع برمته حبكة بوليسية حيكت بمهارة للسويركي باعتباره "عضواً في جماعة الإخوان المحظورة"، أو على أقل تقدير في جماعة "الجهاد المتطرفة" اعتماداً على لحيته الجهادية والعناوين الإسلامية التي تنطق بها دعاية محاله الستة في أنحاء القاهرة. في هذا السيناريو يصبح فضح السويركي مطلوباً لتعديه هذه التيارات أمام الرأي العام أولاًَ، ولضرب مؤسسات تلك الجماعات الاقتصادية ثانياً، لا سيما أن الإشاعات رشحت الحاج رجب السويركي ليمول الكثير من أنشطة تلك التنظيمات. هذا السيناريو لم يجد ما يسنده. فالقبض على السويركي تم بإذن من النيابة وببلاغ من إحدى زوجاته رانيا تتهمه فيه بالجمع بين ما يزيد على أربع زوجات، وأنه تزوجها من دون أن يؤكد في إقرار الزواج أنه متزوج من أخريات. السيناريو الثاني كان أكثر واقعية ويدور على خطة مدروسة لرجال أعمال آخرين في السوق هدهم الركود الذي يغزو الأسواق، وقرروا في نوبة منافسة غير مشروعة الإطاحة بالسويركي الذي أكل السوق. استهدف رجال الأعمال كشف فكرة الاقتصاد الإسلامي التي يعتمدها السويركي في محاله البركة في القليل، وهو اسلوب تجاري يعتمد على هامش ربح صغير مع توزيعات عالية، بدلاً من هامش ربح ضخم في مقابل مبيعات أقل. واللافت أن الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر فضل الصمت في هذه القضية، إلا أن هذا لم يكن كافياً لمنع التضارب في الفتوى بين العمائم. فمفتي مصر الدكتور نصر فريد واصل قرر أن زيجات السويركي زيجات متعة، خصوصاً أن أطول مدة زواج كانت 44 يوماً. وأكد المفتي أن جمع السويركي بين ما يزيد على أربع زوجات حرام شرعاً، بحسب ما أجمع عليه أهل السنة وجمهور الفقهاء لأن الجمع في العدة كالجمع في النكاح. لكن لجنة الفتوى في الأزهر لها رأي آخر، اذ أكدت في رد على سؤال مأذون السويركي أن زيجات السويركي حلال شرعاً وليس فيها أي حركة لأنها حدثت في تواريخ مختلفة. وحول الدخول بزوجات قبل انقضاء عدة الثلاثة أشهر قالت: إن أقل مدة للحيض عند الشافعية 32 يوماً وساعة، أما أقل مدة عند الحنفية فهي 60 يوماً. بين فتوى المفتي وتلك التي صدرت عن الأزهر تاهت قضية السويركي وموقف الشرع منها وإن كانت النيابة طرحت كل الفتاوى جانباً واعتمدت على كلام المفتي باعتباره الجهة الرسمية. لكن هذا لا يعني أن المحكمة ستسير خلاف كلام النيابة، فربما تجد كلام لجنة فتوى الأزهر أكثر إقناعاً لديها، لا سيما أن شيخ الأزهر كعادته ظل صامتاً ولم يبدِ رأياً مرجحاً في القضية. القضية الثانية والمهمة التي اثارتها حادثة السويركي هي زواج القاصرات والالتفاف على القانون من خلال شهادات "التسنين" التي تستخرج من طبيب الصحة. هذه القصة لجأ إليها السويركي في زيجة واحدة من إجمالي 90 زيجة طوال حياته، لكنها ظاهرة منتشرة في الريف المصري. القضية الثالثة هي واقع المأذونين في مصر وترك الحبل لهم على الغارب من دون رقيب أو حسيب، وعدم اهتمام أهل الزوجة بما جاء في وثيقة الزواج، والتوقيع من دون قراءة متأنية لبنود الوثيقة، ما يتيح للمأذونين التلاعب. وبحسب ما جاء في محضر الشرطة، فإن المصادفة هي التي فتحت ملف القضية، ذلك ان البداية كانت بلاغاً تقدمت به إحدى زوجاته، واسمها رانيا، إلى قسم شرطة عابدين تؤكد أنها تزوجت من رجل الأعمال رجب السويركي، واكتشفت أنه رجل مزواج، وأن وثيقة زواجها غير مثبتة في دفاتر المحكمة. وبعد التحقيق تم حفظ محضر البلاغ فطلبت الزوجة من المحامي العام فتح التحقيق مرة ثانية وتم تحويل البلاغ إلى مباحث الأموال العامة. لم يهدأ لرجال المباحث بال، خصوصاً أن السويركي ضمن اختصاصهم كرجل أعمال كانت تدور الشبهات حوله قبل ذلك في شأن تمويل بعض التيارات الإخوانية، كما أنه شخصية مثيرة للتساؤلات. ولم يكلف السويركي المباحث كثيراً من الجهد. فبعد تحريات محدودة اكتشف رجال المباحث أنه متزوج من إحدى عشرة سيدة قبل رانيا، وعدد كبير من وثائق زواجه لم يكن يتضمن أي بيانات عن سوابقه في الزواج. وهكذا بدأت تتوارد المعلومات حتى وصلت الزيجات إلى 21 زيجة بحسب التحريات. وهو رقم نفاه السويركي وقال: إنه تزوج 17 فقط، بينما أكد المأذون أنه عقد لتسعين سيدة على السويركي! كل الوقائع والمعلومات وضعتها المباحث في مذكرة تحريات أمام رئيس نيابة السيدة زينب الذي أمر بضبط السويركي واحضاره ليبدأ التحقيق معه في التزوير في محررات رسمية عقد الزواج، إلا أن التحقيقات أكدت أن المفاجآت في هذه القضية لم تنته، فكشفت المستندات أن السويركي جمع بين ما يزيد على أربع زوجات في وقت واحد. كما أنه تزوج من قاصرات وأصغر من السن من خلال التحايل بتغيير تاريخ الميلاد بواسطة شهادات تسنين. أمام النيابة قال السويركي: أنا بريء من كل التهم المنسوبة إليَّ، والمسؤولية تقع على المأذونين اللذين لم يبلغا أن قسيمة الزواج تضم بنداً خاصاً بذكر الزيجات السابقة. كانا يقولان لي "وقّع هنا... فأوقع من دون كلام ولا تعليق". وتنتهي النيابة من التحقيق مع السويركي لتبدأ سؤال زوجاته، فتقرر رانيا عزت 19 سنة بأن السويركي تزوج منها بتاريخ 16 أيلول سبتمبر عام 2000، وعاشرها معاشرة الأزواج، وعند عقد قرانهما، أقر لها بأن ليس في عصمته زوجات أخريات وأنه تم توثيق زواجها منه على هذا الأساس، إلى أن اكتشفت من واقع الصور الرسمية التي استخرجها مأذون السيدة من وثيقة عقد قرانها أن في عصمة السويركي زوجتين هما فريدة عثمان ونبوية ماهر. وتضيف رانيا أنها لو علمت بذلك لما وافقت على الزواج من السويركي. الكلام نفسه اكدته زوجة أخرى اسمها فاطمة علي نصار 20 سنة قائلة: "السويركي تزوجني في 5 آب اغسطس 2000 وعاشرني معاشرة الأزواج، ويوم الزواج أكد لي أن في عصمته ثلاث زوجات أخريات، ولذلك وافقت على توثيق زواجي منه، وكانت المفاجأة الأولى بعد زواجي من السويركي أنه قال لي بالحرف الواحد: أرجو ألا تغضبي إذا اضطررت إلى تطليقك بعد فترة قريبة". وظننت أن هذا الكلام يقوله السويركي كرجل "بتاع ربنا" يخشى ظروف المستقبل، إلا أن المفاجأة تحققت ليطلقني بعد 11 يوماً فقط من الزواج، وبعد الطلاق والقبض على السويركي اكتشفت المفاجأة الثانية وهي انني كنت الزوجة الخامسة على ذمته. على هذا المنوال، سارت شهادة 13 زوجة استمعت اليهن النيابة بل وأكد كلامهن ذووهن. فاستدعت النيابة مأذوني السيدة وعابدين اللذين تخصصا في عقد زيجات السويركي. كانت البداية مع مأذون السيدة زينب السيد اسماعيل مدكور الذي أكد أنه كان يسأل السويركي أثناء تزويجه: هل على ذمتك زوجات أخريات؟ فينفي السويركي، ويذكر ذلك في وثيقة الزواج. وأضاف المأذون أنه ليست له علاقة بكذب السويركي، فهو يدون ما يقوله فقط. الغريب الذي لفت انتباه النيابة في أقوال المأذون هو أن هذا المأذون نفسه عقد للسويركي ما يزيد على 20 عقد زواج وطلاق، أي أنه يعلم باللواتي في عصمته، ومن ثم تطليقهن منه. والثاني أن المأوذن نفسه أخطأ في أثناء التحقيقات، فأكد أنه يعلم أن زيجات السويركي تبلغ التسعين زيجة، وأنه طلّقهن منه عدا الزوجة نبوية ماهر إبراهيم. ولأن مأذون عابدين أحمد خليل كرر ما قاله مأذون السيدة زينب، وهو عكس ما أكدته وثائق الزواج والطلاق المضبوطة وكذلك تحريات المباحث، فقد وجهت اليهما النيابة تهمتي الاشتراك بطريقة الاتفاق والمساعدة مع السويركي في ارتكاب جريمة مواقعة انثى من دون رضاها بالتدليس، اذ كان المأذونان يوهمان الزوجات بأن السويركي ليست على ذمته أربع زوجات، وأن زواجه منها صحيح فتقع الزوجة في المحظور شرعاً. أما التهمة الثانية التي وجهتها النيابة الى المأذونين فهي ارتكاب تزوير في محررات رسمية وثائق الزواج، اذ تم ضبط وثائق زواج مدون فيها خلو الزوج من الموانع الشرعية للزواج بما فيها الجمع بين أربع زوجات وهذا على خلاف الحقيقة. الطريف أن تحقيقات النيابة كشفت عن نقاط مهمة عدة: أن السويركي كرر الجمع بين أكثر من أربع زوجات ثلاث مرات كانت الأولى بزواجه من سلوى فايز في "عدة" عبير عنتر وتزوج رباب شكري في "عدة" سلوى فايز أيضاً ثم تزوج رانيا عزت في "عدة" مطلقته فاطمة ابراهيم ورباب شكري. وكان القرار عدم التردد في إحالة السويركي إلى محكمة جنايات القاهرة محبوساً بأربع تهم. الأولى: الاشتراك بطريقة الاتفاق والمساعدة مع مأذوني السيدة وعابدين في ارتكاب جريمة تزوير محررات رسمية عقد الزواج. الثانية: إدلاؤه ببيانات كاذبة عن اوضاعه الاجتماعية في وثيقة زواجه من نبوية ابراهيم، إذ قرر على خلاف الحقيقة أن ليس على ذمته زوجة أخرى بينما كانت في عصمته زوجته فريدة عثمان. الثالثة: إدلائه ببيانات كاذبة وغير صحيحة في وثائق زواجه بكل من رشا وسماح صابر وعبير عنتر وإغفال الزوجات الأخريات. الرابعة: مواقعة أنثى من دون رضائها بالتدليس. محاضر الشرطة قالت إن رجب السيد رزق السويركي 55 عاماً ابن الدقهلية، انتقل إلى السويس ليعمل بالصيد، وبعدها جاء إلى القاهرة ليعمل في تجارة الملابس، وافتتح محل ملابس في شارع "نوبار" وبعد سنوات أصبح يمتلك واحدة من أكبر سلسلة محال شهيرة في مصر للتجارة والتوزيع، يقرأ ويكتب بصعوبة، شروطه في الزواج معروفة وتتلخص في صغر سن الفتاة وأن تكون عذراء ومن منطقة شعبية لزوم الإغراء بالمال. يمتلك 36 شقة هي أماكن الإقامة لزوجاته أما الفيللا الأساسية فهي من نصيب زوجته الأولى فريدة عثمان التي تزوجها عام 1964 وهو في الثانية عشرة من عمره.