وضع الرئيس فلاديمير بوتين شعبيته على المحك، فهو غامر بطرح قوانين احتج عليها امس بضعة آلاف من المتظاهرين الغاضبين باعتبارها "تعسفية". وأظهر استطلاع للرأي ان نسبة مؤيدي الاصلاحات انخفضت الى 16 في المئة، في حين نصح السفير الأميركي في موسكو جيمس كولينز بمزيد من "تحرير الاقتصاد"، وحذّر من احتمال قيام "سلطة فردية" في روسيا. ونظمت القوى اليسارية في روسيا تظاهرة امام مقر البرلمان، اعتبرت اكبر تحرك معارض للرئىس الروسي منذ توليه السلطة، ما يؤشر الى بداية اهتزاز شعبية الرئيس بعدما بلغت ارقاماً خيالية تعدت 70 في المئة. واحتج المتظاهرون على قانون جديد للعمل أيدته السلطة التنفيذية وتضمن بنوداً تسمح بزيادة ساعات العمل وتسريح العمال وتقنين عمل القاصرين. كما عارض اليساريون قانون الأراضي الذي وصفوه بأنه "عملية بيع لروسيا" والتشريعات المتعلقة بزيادة اسعار الخدمات البلدية. وكانت هذه التشريعات جزءاً من "رزمة" أعدّها فريق ينتمي الى رعيل "الإصلاحيين الراديكاليين" الذين بدا ان عهدهم قد انتهى، إلا ان الخطوات الاخيرة برهنت ان بوتين ما زال لصيقاً بهم. وأظهر استطلاع للرأي العام شمل 1600 شخص في 100 مدينة وقرية، ان 48 في المئة من المواطنين يطالبون بأن تكون الاصلاحات ذات توجه اجتماعي، فيما لم يؤيد الاصلاحات الراديكالية الحالية سوى 16 في المئة من السكان. ويرى واحد من كل خمسة مواطنين ان الحل الأفضل لروسيا "العودة الى الاشتراكية". وكان شعار "العودة" طاغياً في مؤتمر صحافي عقده قادة "لجنة الدولة للطوارئ" التي اعلنت في آب اغسطس عام 1991 عن تنحية الرئىس السوفياتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف وفرضت حال طوارئ، إلا ان اللجنة اخفقت في السيطرة على الأوضاع في حينه وأمضى قادتها فترات مختلفة في السجون بعد فشل المحاولة. وبعد صمت طويل، خرج "الانقلابيون" الى موقع الصدارة وعقدوا مؤتمراً صحافياً أكدوا فيه ان روسيا "ستعود الى الطريق الاشتراكي" وأن الاتحاد السوفياتي سيقوم مجدداً. واعترف رئيس الوزراء السوفياتي السابق فالنتين بافلوف بأن الشارع لم يتحرك لتأييد العملية، ولكنه قال ان الشعب بدأ الآن وبعد مرور عشر سنوات، يدرك صواب ما دعت اليه لجنة الطوارئ. ووصف قادة اللجنة غورباتشوف بأنه "يهوذا" و"خائن". وقال فاليري بولدين الذي كان مديراً لمكتب الرئيس السوفياتي ان غورباتشوف لم يقل الحقيقة عندما زعم ان الانقلابيين منعوا اتصالاته بالعالم الخارجي. وأكد بولدين ان غورباتشوف كان يجري مكالمات هاتفية مع موسكو و"يعطي نصائح". من جانبه، قال غينادي يانايف الذي كان نائباً لرئىس الدولة وترأس لجنة الطوارئ ان خيار استخدام القوة كان مرفوضاً سلفاً. ولكنه اضاف ان الاحداث التي جرت قبل عشر سنوات، اسفرت عن وقوع عدد كبير من القتلى لم يعلن عنه في حينه. وذكر انهم قتلوا "بأسلحة لا يملكها الجيش السوفياتي". يذكر ان عدداً من الكتّاب والمحللين الروس كانوا اشاروا الى ادوار سرية ربما لعبها الاميركيون والاسرائيليون في احداث آب اغسطس عام 1991. وما زال الأميركيون يحاولون التأثير في الحياة الروسية، فقد ادلى جيمس كولينز السفير الاميركي الذي شارف على انهاء خدماته في موسكو بأحاديث صحافية انتقد في واحد منها الدعوة الى "تشديد الرقابة". ومن دون ان يذكر بوتين بالإسم، دعا السفير الى "حكم القانون لا الإنسان"، وطالب بإصلاح قضائي يكفل هذه المعادلة ويضمن حقوق المالكين. وشدد على "ان تحدي قيام سلطة فردية في روسيا ما زال محتملاً جداً". وفي حديث آخر، اشار كولينز الى ان عهد الرئيس السابق بوريس يلتسن كان مرحلة "هدم لأسس النظام السوفياتي"، وأضاف "ان هذه المهمة نفذت بنجاح"، ولكن يلتسن اخفق في بناء نظام جديد. ولذا كان على بوتين الآن ان "يبني على انقاض النظام السوفياتي اقتصاداً جديداً تحكمه علاقات السوق". وشدد على ان هذه هي "المهمة الموكلة الى بوتين للعقد الحالي"، اي ان السفير الاميركي اضاف ان "تحديد المهام" لرئيس دولة، توقعاً هو ان يستمر بوتين الذي تنتهي ولايته عام 2004، لغاية سنة 2010.