افتتحت المكتبة الخالدية في القدس كمكتبة عمومية سنة 1318 ه/ 1900م مما يجعلها أقدم مكتبة فلسطينية حديثة، وبانقضاء سنة 1421ه/ 2000م يكون مر على افتتاحها مئة عام. تُصدر مؤسسة الفرقان للتراث الاسلامي في لندن هذا الصيف فهرساً من جزءين لمخطوطات المكتبة العربية والتركية والفارسية بالاشتراك معها وضعه الأستاذ في جامعة بيرزيت نظمي الجعبة باشراف المدير العام لمؤسسة الفرقان يوسف ايبش ومساعدته أهداف سويف. تقع المكتبة الخالدية في قلب القدس القديمة على مسافة مئة متر من الحرم الشريف في الناحية الجنوبية من طريق باب السلسلة، وتطل على البراق وعلى حي المغاربة السابق عند ملتقى هذا الطريق بعقبة ابي مِدَين المؤدية الى الحي. ويصف مجير الدين العليمي في كتاب "الانس الجليل" الذي انتهى من تأليفه سنة 900ه/1492م باب السلسلة بأنه "عمدة ابواب الحرم" كما يصف طريق باب السلسلة بأنه "الطريق الأعظم" ذلك لكونه أكثر الطرق المؤدية الى الحرم الشريف سلوكاً ولأنه يصل باب السلسلة بالقلعة غرباً عند باب الخليل. ويشكل طريق باب السلسلة اليوم الحد الفاصل بين الحي اليهودي الموسع في اعقاب حرب حزيران يونيو 1967 وبين الحي العربي الاسلامي الى الشمال منه، أما حي المغاربة فقد حلت محله الباحة التي أنشأتها اسرائيل حينذاك على انقاضه أمام البراق الذي يعتبره اليهود حائط مبكاهم بعد أن دكت مبانيه كافة بالجرافات. وكان الملك الأفضل ابن صلاح الدين الأيوبي وقف بعض الحي لجهة البر والاحسان سنة 589ه/1193م ووقف معظمه لاحقاً أحد حفدة أبي مدين شعيب بن الحسين الغوث القطب على الحجاج المغاربة المجاورين سنة 720ه/1320، وكانت زاوية أبي مدين التي أزيلت مع الحي على بعد أمتار من الخالدية، وكانت وفاة ابي مدين سنة 594ه/1197م في ظاهر تلمسان المغرب. ويقع مبنى الخالدية الأساسي في موقع تربة بركة خان التي تضم باحتها أضرحة ثلاثة من كبار امراء الخوارزميين الذين وفدوا الى مصر والشام لمقاتلة الافرنج وهم حسام الدين بن بركة خان الأب وولداه حسام الدين كره بك وبدر الدين محمد بك، وغالب الظن ان بدر الدين هو الذي بنى التربة ما بين 663ه/1265م و679ه/1280م، وجدير بالذكر ان السلطان الظاهر بيبرس تزوج ابنة حسام الدين بن بركة خان هذا ورزق منها ابنه الأكبر بركة خان محمد الذي تولى السلطنة من بعده باسم الملك السعيد ناصر الدين 676ه/1277م - 678ه/1279م. ولقد ألحق بالخالدية مبنى آخر على الجانب المقابل من طريق باب السلسلة الى الشرق منها باتجاه الحرم الشريف. وتحف بطريق باب السلسلة مبان مملوكية عريقة غير الخالدية. فإلى الغرب منها المدرسة الطشتمورية 784ه/1382م والى الشرق منها دار القرآن السلاّمية 761ه/1360م ثم دار الحديث والمدرسة التنكّزية 729ه/1328م ومقابلها زاوية الكيلانية 753ه/1352م ثم الى الشرق منها دار حديث 666ه/1268م فالمدرسة الطازية 763ه/1362م فزاوية الجالقية 707ه/1307م فتربة تركمان خاتون 751ه/1351م فزاوية السعدية 711ه/1311م، ولقد استولت اسرائيل على كل من التنكزية والسلاّمية والطشتمورية ولم يبق على الجانب الجنوبي من طريق باب السلسلة في ايدينا سوى الخالدية. وموضوع دراستنا هو نشوء الخالدية منذ تجميع أول نواة لمخطوطاتها سنة 1133ه/1720م أي قبل افتتاحها سنة 1900م بنحو مئتي سنة، ثم ظروف افتتاحها كمكتبة عمومية في السنة المذكورة، وكيف تطورت ما بين افتتاحها وعام النكبة 1948، وما حلّ بها منذئذ، وبعد احتلال اسرائيل للقدس الشرقية سنة 1967، وكيف تمكنت جمعية أصدقاء الخالدية من الحفاظ عليها وتنميتها عسى أن يعتبر هذا العمل نموذجاً مصغّراً لما يمكن لنا مسيحيين ومسلمين، أن نحققه دعماً لصمود القدس وتوطيداً لصبغتها العربية. النواة نستطيع أن نحدد بدقة متى تأسست نواة الخالدية وعلى يد من. فمؤسسها هو محمد صنع الله الكبير الخالدي توفي 1139ه/1726م بموجب حجة وقف حررت عام 1133ه/1720م، وجعل "الوقف وقفاً صحيحاً شرعياً وحبساً صريحاً مرعياً لا ينمحي اسمه ولا يندرس رسمه ولا يضيع عند الله ثوابه وأجره وكلما مر عليه زمان أكده وحيثما أتى عليه دهر وأوان وطده وأخلده، يجري الحال على ذلك كذلك أبد الآبدين ودهر الداهرين الى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين". ووقف الواقف كتبه التي ذكرها بعناوينها ويبلغ عددها حوالى 560 مخطوطاً على نفسه وعلى ذريته من الذكور، فإذا انقرضت آلت الكتب للعلماء "ينتفعون بها بالمطالعة بالصخرة المشرفة" وكانت معظم الكتب الموقوفة في الفقه والأصول والفرائض والحديث والنحو وتوابعه، وشرط محمد صنع الله على الناظر على وقفه "ألا يعير كتاباً لمتجوِّه أي لذي جاه ولا لذي شوكة ولا لمن يعسر عليه الخلاص منه ولا يخرج من يده، إلا لمن احتاجه من العلماء لمراجعة مسألة من كتاب فيظهر له الكتاب ويطالع المسألة بحضور الناظر ثم يعيده لمحله مع الكتب واذا دعت الضرورة لأحد من العلماء أن يستعير كتاباً فيأخذ منه الناظر رهناً ولا تزاد العارية أي الإعارة على شهر". وواضح كل الوضوح من الشروط الخاصة بالناظر ان الواقف لم يرغب في اقتصار استعمال كتبه على ذريته... وهكذا يمكننا اعتبار محمد صنع الله الكبير ليس مؤسس نواة المكتبة وحسب، ولكنه مؤسس المكتبة ذاتها كمكتبة عامة أيضاً. وحذا محمد صنع الله الابن توفي 1205ه/1790م حذو والده فوقف بدوره كتبه البالغ عددها حوالى 260 مخطوطاً على نفسه والذكور من ذريته على أن تؤول للعلماء بالصخرة المشرفة اذا انقرض عقبه. واشترط كذلك على الناظر الشروط عينها وبحروفها التي اشترطها والده بيد أنه اختصر فترة الإعارة كي "لا تزيد على ثلاثة أيام" ولكنه لم يطالب بأي رهن في المقابل، والطريف في وقف محمد صنع الله الابن ان زوجه شاركته فيه إذ يرد في مستهل حجة وقفه أنه "وقع الإلهام الإلهي في نفس كل واحد من عمدة العلماء العظام الحاج محمد صنع الله ابن المرحوم صاحب الخيرات الشيخ محمد صنع الله الخالدي الديري العبسي وفخر المخدرات السيدة طرفنده خاتون بنت عمدة العلماء الفخام الشيخ نجم الدين أفندي الخيري المفتي بالقدس سابقاً، وان الحاج محمد صنع الله والسيد عبدالله الموقت وكيل السيدة طرفندة حضرا لمجلس الشرع وأشهدا على أنفسهما أصالة ووكالة أنهما وقفا ثلاثة أرباع الكتب الآتي ذكرها للحاج محمد وربع ذلك للسيدة طرفنده، وحررت حجة الوقف هذا بتاريخ 1201ه/1786م. وتمر السنون ويتوارث الأولاد والأحفاد كتب محمد صنع الله الكبير وابنه ويتشتت بعضها ويضاف اليها البعض الآخر وتتوزع في بيوت العائلة، فيثير وضعها اهتمام روحي بن ياسين الذي يقرر أن يجمعها ويضم بعضها الى البعض الآخر في مكان واحد، وهو ما فعل خلال عام 1885 و1886م. ويخبرنا الحاج راغب بن نعمان الخالدي أن روحي "هم بتأسيس مكتبة عمومية بالقدس الشريف وأودع هذه الروح الشريف في أفراد عائلته ولكن في ذاك الوقت لم تساعده الأقدار لانشغاله في دار السعادة أي اسطنبول لتحصيل العلوم، ولكن أبقى ذلك الروح ينمو في عروق بني مخزوم حتى أراد الله تعالى ويسّر"، وهكذا يكون روحي صاحب فكرة مكتبة عمومية بالمعنى الحديث وقد تلقف هذه الفكرة عنه الحاج راغب نفسه في العقد الأخير من القرن التاسع عشر. ويتابع الحاج راغب الخالدي روايته عن تأسيس المكتبة فيقول "ان جميع المحل المتهدم الملاصق الى تربة الأمير حسام الدين بركة خان وأولاده من أمراء المصريين هي تحت تصرف والدي الشيخ نعمان أفندي الخالدي الأزهري، وبعد وفاته بقيت على ما كانت عليه، ومنذ سنتين أي عام 1898م كانت توفت والدتي المرحومة السيدة خديجة خانم بنت السيد موسى أفندي الخالدي، القاضي عسكر سابقاً، فأوصت قبل وفاتها من مالها بمبلغ لعمارة تلك الخرابة وضمها الى التربة وجعلها مكتبة". وهكذا تكون السيدة خديجة السيدة الثانية التي أسهمت في تأسيس المكتبة بعد السيدة طرفندة السالفة الذكر. ولا ندري اذا كانت أخذت الفكرة مباشرة من روحي بن ياسين أو عملت بوحي من ولدها الحاج راغب، المهم انه بعد أن توافر المال للحاج راغب لعمارة المكتبة أسرع الى استشارة "بقية السلف الصالح كبير العائلة الخالدية الحاج محمد ياسين وطلب معونته مادياً وأدبياً على ما بثه لنا ولده المقدام روحي أفندي من تأسيس مكتبة عمومية. فشد أزرنا وأمدنا من احساناته وإشاراته، فأسرعت لبنائها وعملت ما يلزم لها من الخزائن". وبعد ترميم مبنى المكتبة وتجهيزها أخذ الحاج راغب يودع فيها ما كان روحي جمعه من المخطوطات المتوارثة ويضمّ اليها مما لديه ولدى سائر أفراد العائلة، أما الاضافات الى ما جمعه روحي فكانت بحسب رواية الحاج راغب "بعضها هبة من جناب أصحاب الفضيلة والمعزة سر كاتب المحكمة الشرعية السيد موسى شفيق الخالدي وابني أخيه السيد عثمان نوري أفندي والسيد صنع الله أفندي ما ينوف عن 400 مؤلف فجزاهم الله خيراً". وصنع الله المذكور هنا هو طبعاً غير صنع الله الابن السالف الذكر أنظر الشجرة 3، وأضاف الحاج راغب الى ما جمعه بهذه الوسيلة ما ينوف عن 200 مؤلف من مكتبته الخاصة فبلغ مجموع ما أودعه في المكتبة عند تأسيسها بحسب قوله "ما ينوف عن الألف وثلاثمئة مؤلف منها ما يزيد على السبعمئة كتاب خطية والباقي طبع". ويشرح لنا الحاج راغب تحمّسه هو لتأسيس المكتبة بقوله: "ان العرب لما دخلت عليهم الحضارة والمدنية أسسوا المكتبات والمدارس وتبعهم الإفرنج واقتفوا أثرهم... وما زالوا أي الافرنج تاركين التقاليد والأفكار المبنية على الظن والتخمين نابذينها ظهرياً، وأكثروا اعتمادهم على اليقينيات والمجربات... فنتج من ذلك ما هم عليه من الثروة واليسار والطمع بما لدى غيرهم من الأراضي المخفية والمناجم المعدنية...". ويردف ذلك بقوله انه استخار الله في تسمية المكتبة الخالدية نسبة لسيدنا خالد بن الوليد وتذكاراً لاسمه وأنه "مهما امتطينا قطارات الآمال لنباري ما لدينا من المؤسسات الأجنبية في هذه الديار لخاب العمل ولكن قد قيل ما فات بعضه لا يترك كله وأملنا قوي بالفوز". وافتتحت المكتبة رسمياً عام 1318ه/1900م في موقعها في طريق باب السلسلة المطل على البراق، وهو الطريق المؤدي الى أحد أبواب الحرم الشريف الرئيسة. وكان الاتفاق بين أفراد العائلة على أنه متى توفي أحد من الأسرة تنقل كتبه الى المكتبة، وأن يكون لها ناظر متفرّغ وأن تكون مفتوحة الأبواب لمن يرغب المطالعة من أي فرد كان على أن لا يخرج منها كتاب. ووقف الحاج راغب نصف ريع حمام العين في القدس من حصّته تأميناً لدخل ثابت يكفل صيانة المكتبة وإشراف الناظر عليها. وحدث بعيد افتتاحها أن أقبل الى القدس ناظر المكتبة العمومية الشيخ طاهر الجزائري منفياً من دمشق بأمر من السلطة العثمانية وكان الشيخ طاهر "صديقاً حميماً" للحاج راغب. فطلب منه الحاج راغب أن يساعده في تصنيف موجودات المكتبة وتبويبها فاقترح عليه الشيخ طاهر دعوة أبي الخير محمد محمود الحبّال صاحب جريدة "ثمرات الفنون" البيروتية، والذي يصف نفسه "بالدمشقي محتداً والبيروتي منشأ ومولداً"، وذلك للقيام بمهمة وضع برنامج أي فهرس للمكتبة ودعي لحبّال وقام بمهمته وطبع الفهرس في القدس في السنة ذاتها 1318ه/1900م بعنوان "برنامج المكتبة الخالدية العمومية. ويبلغ مجمل عدد الكتب الوارد ذكرها في برنامج الحبّال 1156 كتاباً مجلداً منها حوالى 685 مخطوطاً والباقي مطبوع، يضاف اليها 24 كتاباً خطياً جمعها الشيخ طاهر الجزائري من الدشت وأثبتها الحبّال في مؤخرة البرنامج. ويضيف الحبّال في ذيل البرنامج انه "يوجد في المكتبة غيرها كثير أي غير الكتب التي ذكرها وضعناها على حده وضربنا عن ذكرها صفحاً، إما لأنها مكررة أو لكثرة وجودها بين الأيدي أو لفقدان بعضها وضيق الوقت عن جمعها وتكميلها وسنثبتها ان شاء الله في الطبعة الثانية. وغالب الظن ان معظم الكتب التي أهملها الحبّال كانت مطبوعة فإذا صح ذلك يكون عدد الكتب في المكتبة عند إنهاء الحبّال لبرنامجها مطابقاً لعدد الكتب التي ذكر الحاج راغب انه جمعها. المكتبة من 1900 الى 1967 مرت المكتبة خلال هذه الفترة في ثلاثة أطوار رئيسة امتد الأول من تأسيسها الى نهاية العهد العثماني، والثاني من الاحتلال البريطاني 1917 الى نهاية الانتداب وحدوث النكبة 1948، والثالث من النكبة الى سقوط القدس بكاملها بيد اسرائيل عام 1967. فبين عامي 1900 و1917 تميزت المكتبة بنموهاالمطّرد وكان أهم أسباب هذا النمو أن أضيفت اليها خزائن من توفي من أفراد الأسرة. ذلك أن الأسرة منيت على التوالي خلال أقل من عقدين بوفاة كل من ياسين بن محمد علي عام 1901، وأخيه يوسف ضياء الدين باشا عام 1906، وابن عمومته أحمد بدوي عام 1912، وابنه روحي عام 1913، وابن أخيه نظيف بن عبدالرحمن عام 1916 فانتقلت كتبهم جميعاً الى المكتبة بحسب ما اتفق عليه، وحدث بعد إعداد برنامجها وطبعه أن عاد كل من الشيخ طاهر الجزائري وأبي الخير محمد الحبّال الى بلده، وأشرف على المكتبة طوال هذه الفترة الحاج راغب الخالدي يعاونه الشيخ خليل بن بدر الخالدي، كما تعيّّن الشيخ محمد أمين الدنف الأنصاري المقدسي قيّماً متفرّغاً عليها. وزار المكتبة في هذه الأثناء عدد من العلماء العرب والمستشرقين وكان أهم الزوّارالمستشرق البريطاني مرغوليوث. ويروي العلاّمة الفلسطيني عبدالله مخلص عضو المجمع العلمي العربي في دمشق انه أي مخلص زارها عام 1917م، وأن القيّم الشيخ الأنصاري أخبره أن عدد الكتب فيها حينذاك "زهاء أربعة آلاف مجلد". فرأى فيها نفائس المطبوعات ونوادر المخطوطات وكتب بحثاً يصف حوالى خمسين مخطوطة منها. وذكر مخلص ان عيسى اسكندر المعلوف عضو المجمع كان ذكر المكتبة قبله في مقالته "القدس وتواريخها العربية" المنشورة في مجلة "المقتبس" كما فعل أيضاً حبيب أفندي الزيات في كتابه "خزائن الكتب في دمشق وضواحيها" المطبوع في القاهرة سنة 1902. وبين عامي 1917 و1948 عرفت المكتبة فترة استقرار أكثر مما عرفت فترة نمو في الموجودات، إلا أنه حصلت بعض الاضافات المتأتية عمّا تبقى من كتب المتوفين في الفترة السابقة، وعن طريق هبات من أفراد الأسرة الأحياء ومن زوارها من العلماء العرب والمستشرقين. وكذلك عن طريق النسخ والاستنساخ على يد الشيخ الأنصاري آخر ورّاقي بيت المقدس. ولم يساعد ريع أوقاف المكتبة المتواضع على تنمية موجوداتها في شكل ملحوظ، بيد أن صيت المكتبة أخذ في الذيوع فزارها من كبار المستشرقين خلال هذه الفترة الإفرنسي ماسينيون، والألماني كاله، واليهودي غويتين والبريطاني جيب وغيرهم. كما زارها عدد من الباحثين والعلماء العرب والمسلمين ودوّن الزائرون ملحوظاتهم عليها في سجل خاص تحتفظ المكتبة به الى يومنا هذا. وتعرض لذكرها محمد كرد علي الدمشق في "خطط الشام" عام 1928م واللبناني فيليب دي طرازي في "خزائن الكتب العربية في الخافقين" عام 1936م والبحاثة الدمشقي الحلبي الأصل الدكتور محمد أسعد طلس الذي وصفها ب"أعظم دور كتب القدس". واستمر الحاج راغب الخالدي بمعونة الشيخ خليل الخالدي في الإشراف على المكتبة حتى أوائل الأربعينات يعاونهما الشيخ أمين الأنصاري. على ان الشيخ خليل توفي عام 1941 وأخذ والدي المربّي والمؤرخ أحمد سامح بن راغب مدير الكلية العربية في القدس مهمة الإشراف عن والده لكبر سنه. واستمر أحمد سامح في الإشراف على المكتبة بمعونة الشيخ الأنصاري والبحاثة اسطفان حنا اسطفان حتى النكبة، حين اضطر الى هجرة منزله والكلية العربية على جبل المكبّر في القدس في أيار مايو 1948م لوقوعهما على خط النار واللجوء الى لبنان حيث توفي عام 1951م عن 54 عاماً، بعدما أسس مدرسة للاجئين الفلسطينيين في قرية الحنّية من أعمال صور على حدود فلسطين الشمالية. ولقد قيل بالنسبة الى المكتبة لهذه الفترة انه زاد عدد كتبها خلالها من 4000 كتاب عام 1917م الى 12000 كتاب عام 1945م، وأن الجردة لكتب المكتبة التي أجريت بعيد حرب 1967م التي سنذكرها لاحقاً، أظهرت ان عدد الكتب التي تحتويها لم يتعد ال6000 كتاب، ويعلق المؤرخ المقدسي الدكتور كامل العسلي على ذلك بقوله: "إذا افترضنا أن هذه الأرقام كلها صحيحة أو قريبة من الصحة لتبين لنا أن مجموعة المكتبة قد نقصت في الثلاثين سنة الماضية 50 في المئة وهو رقم مخيف"، وطبعاً لو صحّت الأرقام وصحّ النقص لكان ذلك مخيفاً حقاً. بيد أن هذه الأرقام غير صحيحة ولا تستند اطلاقاً الى أي أساس يوثق به، على رغم تكرارها في أكثر من مرجع. ونحن على يقين بأن الزيادة التي حصلت على كتب المكتبة خلال الانتداب البريطاني لم تصل، ولم يكن بوسعها أن تصل الى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 1917 م، وانها في واقع الأمر لم تتعد الثلث على أبعد تقدير أي بزيادة حوالى 2000 كتاب من الموارد التي ذكرناها سالفاً وذلك للأسباب الثلاثة الآتية: أولاً: لم يشكل إيراد المكتبة من الأوقاف في أي يوم من الأيام مصدراً للإنفاق على مقتنيات جديدة لها، بسبب تواضعه وإنفاقه على صيانة المكتبة. ولم تطرأ أية زيادة على هذا الإيراد خلال هذه الفترة، بل بالعكس أخذ في التناقص بسبب ارتفاع غلاء المعيشة المتزايد. ثانياً: كان مصدر نمو المكتبة الأساسي خزائن المتوفين من أفراد الأسرة من هواة اقتناء الكتب، ولسنا نعلم عن أي فرد من هؤلاء توفي خلال السنوات 1917-1948م سوى الشيخ خليل بن بدر بن مصطفى الذي انتقل الى رحمته تعالى عام 1941. بيد أن ظروفاً عائلية تتعلق بتسوية تركته حالت دون نقل كتبه النفيسة الى الخالدية، فظلت في صناديقها الى أن نقلت عام 1977 بطلب من ورثته الى مكتبة المسجد الأقصى، لاعتبار هذه الاخيرة حينذاك اكثر أماناً من الخالدية ذاتها في ظروف ما بعد حرب 1967 ومع ذلك فإن ما بقي من كتب الشيخ خليل التي نقلت الى المسجد الأقصى، على أهميتها، لم تزد عن 860 كتاباً بين مخطوط ومطبوع. ثالثاً: ان حجم قاعة المكتبة وسعة خزائنها وطول رفوفها لم تكن لتسمح أصلاً باستيعاب عدد من الكتب يزيد عن الذي بيّنته الجردة بعيد حرب 1967 والذي أشار اليه العسلي، إذ ان هذه الكتب التي كانت في حدود 6000 كتاب، ملأت جدران المكتبة وخزائنها على جوانبها كافة من الأسفل الى الأعلى. لم تصب المكتبة اصابة مادية مباشرة خلال القتال في القدس عام 1948م، ولكنها طبعاً تأثرت بذيول النكبة شأنها في ذلك شأن سائر المعاهد العربية في القدس وخارجها وكان من نتائج النكبة تشتت الكثير من أفراد الأسرة مع من تشتت من الآلاف من أهالي القدس ومئات الآلاف من سكان فلسطين وظلّ الشيخ الأنصاري في موقعه قيّماً على المكتبة يقيم في منزل من منازل الأوقاف العائلية خصص له بجوارها ويستقبل الزائرين فيها بناء على موعد سابق، الى أن توفّاه الله في أوائل الخمسينات وتسلّم ابنه منه مفتاحها. وأشرف على المكتبة ممثّلاً للعائلة خلال هذه الفترة حسين فخري بن الحاج راغب الخالدي الى أن توفي عام 1962، وكان الدكتور حسين آخر رئيس عربي منتخب لبلدية القدس بكاملها 1935-1938 ثم زعيم حزب الاصلاح وعضو اللجنة العربية العليا وأمين سر خليفتها الهيئة العربية العليا، وتولى بعد النكبة منصب حارس الأماكن المقدسة في القدس من قبل الحكومة الأردنية ثم أصبح وزيراً لخارجيتها ورئيساً لوزارتها. وتسلّم المهندس عادل بن الحسين فخري الخالدي بعد وفاة أبيه مهمة الاشراف على المكتبة واستمر في ذلك الى أن وقعت حرب 1967 عندما تعذر عليه دخول القدس، وكان المهندس عادل قد تولى منصب وكيل وزارة الخارجية الأردنية وأوفد سفيراً الى اسبانيا. واتسم وضع المكتبة في هذه الفترة بالركود نظراً للأوضاع العامة، وجرى الحفاظ عليها بفضل مساعي الدكتور حسين فخري وابنه المهندس عادل ومعونة الأنصاري الابن. وتوفي خلال هذه الفترة من ذوي الخزائن الكبرى من أفراد العائلة والدي أحمد سامح في بيروت عام 1951 وجدّي الحاج راغب في نابلس عام 1952 رحمهما الله. وظلّت مكتبة أحمد سامح في بيروت حيث نقلها بعد مغادرته القدس وتوزعها أولاده. أما مكتبة الحاج راغب في منزله في ضاحية تل الريش من أعمال يافا حيث كان يقيم بعد تقاعده، فقد استولت عليها القوات الاسرائيلية عندما احتلت المنزل في أيار مايو 1948، وضاعت معظم الكتب التي كان يملكها سائر أفراد الأسرة المقيمين في القدس عندما احتلت القوات الاسرائيلية في نيسان ابريل وأيار 1948 منازلهم في أحياء القدس العربية الغربية.