بينما ينتظر العالم ليرى ما اذا كانت اسرائيل سترد على الانتفاضة في فلسطين، ضد الطغيان والظلم والوحشية، بتفكيك السلطة الفلسطينية ونزع سلاح معظم الشرطة الفلسطينية وارغام الرئىس ياسر عرفات على العودة الى المنفى، من المفيد درس العلاقات المتوترة بين اسرائيل وسورية. فالمنطقة اقرب الى الحرب من أي وقت مضى، والارجح ان ينشب مثل هذا النزاع بسبب احداث في لبنان اكثر منها في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة. لم يُنفذ انسحاب اسرائيل من لبنان في ايار مايو 2000 ببراعة كما لمح رئىس الوزراء السابق ايهود باراك، بل كان مربكاً إذ اُملي توقيته من جانب "حزب الله" الذي مذذاك هجمات عدة على القوات الاسرائيلية في منطقة مزارع شبعا التي يدعي انها ارض لبنانية محتلة. وأسر الحزب ثلاثة جنود اسرائيليين وانهارت محادثات بشأن مبادلتهم بتسعة عشر لبنانياً معتقلاً في السجون الاسرائيلية. وتقوم السياسة الحالية لاسرائيل، حسب ما يرى روبرت فيسك في صحيفة "ذي إندبندنت" 2 تموز/يوليو الماضي، على "توجيه ضربات الى اهداف سورية بدلاً من اهداف لبنانية انتقاماً من الهجمات في شبعا ... وجرى الرد على مقتل جندي اسرائيلي على ايدي "حزب الله" في شبعا في نيسان ابريل الماضي بغارة جوية اسرائيلية أدت الى قتل ثلاثة جنود سوريين في قاعدة رادار في المديرج، في الجبال المطلة على بيروت". وفي الأول من تموز الماضي، دمّرت طائرات اسرائيلية قاعدة رادار سوفياتية الصنع في وادي البقاع، واُصيب جنديان سوريان وجندي لبناني بجروح، بعد هجوم ل "حزب الله" بقنابل الهاون وصواريخ مضادة للدبابات ادى الى جرح جنديين اسرائيليين. واستمر اطلاق النار بعد الغارة الجوية. وكشف بيان اصدرته الحكومة الاسرائيلية في اليوم نفسه نمط تفكيرها، قائلة: "تُنفّذ الاعمال الاجرامية ل "حزب الله" بعلم السوريين وإذنهم ... وتسمح دمشق بزيادة وتيرة تسليح "حزب الله" في لبنان". وحذر الرئيس السوري بشار الاسد إثر الهجوم في نيسان الماضي من ان سورية سترد. وبعدبضعة ايام اثار الأسد غضب اسرائيل عندما شن هجوماً مناهضاً للسامية بشكل عنيف بمناسبة زيارة البابا الى دمشق. وفي اعقاب الغارة في تموز قال السيد حسن نصرالله الأمين العام ل "حزب الله" ان الاسرائيليين "يلعبون بالنار". واضاف "لا اريد ان اطلق تهديدات، لكننا سنتعامل مع الأمر بطريقة مختلفة". وتتزايد قوة "حزب الله" على رغم ان اللبنانيين مصممون على عدم الانجرار مرة اخرى الى النزاع. وأكسبه دوره في إجبار القوات الاسرائيلية على الانسحاب من جنوبلبنان صدقية كبيرة. ويستخدم مزارع شبعا رأس حربة ضد الاسرائيليين، علماً بأنه اعلن ان كفاحه يهدف ايضاً الى تحرير الاماكن المقدسة في القدس. وتؤوي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسورية كثيرين ممن يشعرون بالاحباط والتهميش ويريدون ان يلعبوا دورهم في الانتفاضة. وسيكون أمراً مثيراً للاستغراب اذا لم يتعاون "حزب الله" مع امثال هؤلاء المقاتلين المحتملين. ويدرك الرئىس بشار الاسد جيداً انه، شخصياً، في وضع صعب، وعليه ان يستخدم أوراقه بعناية كبيرة. فهناك قادة عسكريون كبار يرقبونه عن كثب. ويثير وجود حوالي 21 ألف جندي سوري في لبنان استياءً واسعاً في لبنان. وجيشه الكبير مجهز بأسلحة قديمة حصل عليها بشكل اساسي من الاتحاد السوفياتي السابق. وعليه ان يتجنب بأي ثمن نزاعاً عسكرياً مباشراً مع القوات الاسرائىلية الاكثر تفوقاً. لكنه لا يستطيع ان يتجاهل مقتل واصابة عدد متزايد من الجنود السوريين من جانب الاسرائيليين من دون الرد بشكل ما في مرحلة ما. وتتمركز في وادي البقاع اللبناني، الذي يحمي دمشق من الغرب ويكتسب اهمية استراتيجية، وحدات سورية كثيرة مع معداتها الثقيلة. ويصعب تصور عدم رد سورية اذا تعرض جنودها في وادي البقاع الى اعتداء خطير. يبدو الفلسطينيون حالياً بمستوى ضعيف من التسليح والتدريب. وعلى رغم ان بنادق الكلاشنيكوف غير مكلفة فانها اسلحة بسيطة. ومدافع الهاون المحلية الصنع التي تستخدم في غزة تشكل خطراً على من يطلقها اكثر من الهدف الذي تُطلق ضده. اننا نعيش في عصر الصاروخ المحمول. واذا قررت سورية، وربما ايران، ان اللحظة قد حانت لتجهيز منظمات المقاومة الفلسطينية بمثل هذه الاسلحة وتدريب بعض قادتها على استخدامها، فان الثمن العسكري الذي تدفعه اسرائيل جراء احتلالها الاستعماري والعسكري للضفة الغربية وغزة سيرتفع بحدة. وبحدود معرفتي، لم تسقط مروحية اسرائيلية حتى الآن فوق الاراضي الفلسطينيةالمحتلة. ويمكن لهذا الوضع ان يتغير بسرعة. فنقل الرجال والسلاح الى داخل الضفة الغربيةوغزة أمر صعب، لكنه ليس مستحيلاً. عندما نعود لمراجعة هذه المرحلة فاننا سنتأمل بدهشة موقف اسرائيل المتسم بالازدراء تجاه سورية. انها بلد يبلغ عدد سكانه 16 مليوناً ويفخر بتاريخه العريق. انها لاعب ذو شأن كبير في الشرق الاوسط. * سياسي بريطاني، مدير "مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني" كابو.