ترسخ مع تفاقم الأزمة المقدونية ان استمرارها لا يتحمله سكان البلاد، الذين يبدو، ظاهرياً، انهم وسط صراع عرقي حاد، لكن اصابع الاتهام بدأت تتجه رويداً، في المدة الاخيرة الى الولاياتالمتحدة وذراعها العسكرية حلف شمال الاطلسي بتهمة الوقوف وراء استمرار الازمة "انطلاقاً من مصالحهما الخاصة في منطقة البلقان" اذ من المستبعد ان يقوم الألبان، من تلقاء انفسهم، بعمليات مسلحة، ضد الحكومة المقدونية، التي يشاركون فيها، منذ استقلال مقدونيا قبل تسع سنوات، وبما لا يقل عن خمسة وزراء، اضافة الى نواب للوزراء الذين ليسوا ألباناً. وخرج رئىس الحكومة المقدونية ليوبتشو غيورغيفسكي، وهو معروف بأنه يقع في اقصى اليمين المقدوني الموالي للغرب وجاء الى السلطة بدعم من الولاياتالمتحدة بالذات، على صمته خلال الايام الاخيرة، وردد ان الحلف الاطلسي "يدعم المقاتلين الألبان بهدف تحويل مقدونيا محمية دولية يسيطر عليها الحلف". ويرى الناطق باسم الحكومة انتونيو ميلوشوفسكي ان "هدف الحرب في مقدونيا، هو القضاء على وحدة اراضيها"، مشيراً الى ان مقدونيا "تواجه تهديداً يتمثل في دعم بعض الدول الغربية للمقاتلين الألبان". وقال ميلوشوفسكي "ان وسائل اعلامية اجنبية غربية في مقدونيا متهمة بازدواجية المعايير في تغطية احداث البلقان، فهي تتجاهل التطهير العرقي الذي يمارس ضد السكان من غير الألبان في المناطق التي يسيطر الارهابيون عليها". وكان رد الدول الغربية غير موثوق به، واقتصر على نفي هذه الاتهامات، والتأكيد ان الوسيطين الاوروبي فرانسوا ليوتار والأميركي جيمس بارديو "يعملان بالتعاون مع مسؤولي الحف الاطلسي لتحقيق السلام في مقدونيا". واكتفى كل من منسق الشؤون الأمنية والخارجية للاتحاد الاوروبي خافيير سولانا والأمين العام للحلف الاطلسي جورج روبرتسون، بوصف الاتهامات المقدونية بأنها "مشينة". لكن ذلك لم يخفف من اتهامات المقدونيين للغرب، خصوصاً وسائل الاعلام، التي ظلت تؤكد، اضافة الى تسلل المقاتلين والأسلحة من كوسوفو، ان طائرة تابعة للحلف الاطلسي شوهدت وهي تنقل اسلحة الى المقاتلين الألبان في المرتفعات الشمالية الغربية من الاراضي المقدونية، خلال اليومين السابقين لبدء هجومهم على مدينة تيتوفو. جيوش التحرير وأثبتت الوقائع ان القوات الاميركية في كوسوفو تواطأت مع "جيوش التحرير الألبانية" جنوب صربيا ومقدونيا، بدليل ان مقاتلي هذه الجيوش لا بد عند انتقالهم من كوسوفو الى جنوب صربيا ومقدونيا، من ان يمروا في اراضي جنوب كوسوفو وجنوب شرقيها الخاضعة لإشراف ومراقبة وإدارة وحماية من نحو ستة آلاف جندي اميركي وأربعة آلاف جندي ألماني يتعاونون معهم. ولا يخفى ان قوات حفظ السلام التي يقودها حلف شمال الأطلسي، كانت أعلنت منذ اكثر من سنة ونصف السنة، ان "جيش تحرير كوسوفو" حلّ، ثم أثبتت الأدلة ان هذا التنظيم العسكري ظل موجوداً بأفراده وسلاحه، وهو الذي اشرف على قيام الحركتين المسلحتين الألبانيتين. البوسنة وكوسوفو وكشف الوسيط الدولي اثناء الحرب البوسنية تورفالد شتولتنبرغ وهو نروجي من دولة غربية واختارته لمهمته في البوسنة الاممالمتحدة بدعم اميركي في كتاب اصدره عام 1996، انه هو والوسيط الأوروبي اللورد ديفيد اوين، كانا أعدا خطة عام 1993 لتقسيم البوسنة - الهرسك ثلاث جمهوريات متحدة في دولة فيديرالية، يحصل بموجبها المسلمون على نحو 35 في المئة من الاراضي البوسنية، ووافق المسلمون والصرب والكروات على ذلك، لكن الادارة الاميركية تدخلت في اللحظة الاخيرة لدى زعيم المسلمين علي عزت بيغوفيتش وطلبت منه عدم التوقيع مقابل مساعدته عسكرياً وإعطاء المسلمين مساحة اكبر من الاراضي البوسنية. واضاف شتولتنبرغ ان الذي حصل، ان الحرب لم تنته عام 1993، وتكبد المسلمون خسائر في الارواح والممتلكات والمدن والاراضي، واستمر القتال حتى نهاية عام 1995، حين أعّد الاميركيون اتفاق دايتون الذي حصل فيه المسلمون على اقل من 33 في المئة من الاراضي، وخسروا كثيراً من الامتيازات. وفي كوسوفو، كشف الاميركيون اخيراً انهم كانوا تدخلوا مباشرة في احداث الاقليم وتأجيجها من اجل توفير المبررات للغارات الجوية التي شنها حلف شمال الاطلسي على يوغوسلافيا عام .1992 وبحسب المعلومات، فإن قاعدة "بوند ستيل" العسكرية الاميركية في كوسوفو، هي اكبر قاعدة اميركية من نوعها في اوروبا، وتريد الولاياتالمتحدة البقاء فيها ما لا يقل عن 75 سنة، وفاتحت يوغوسلافيا بذلك، باعتبار ان للقاعدة اهمية حيوية ضمن مخطط القواعد الاميركية في المنطقة الممتدة من البوسنة عند مدينة توزلا الشمالية الشرقية مروراً بكوسوفو، الى بلغاريا قرب مدينة فارنا الشمالية الشرقية، فتركيا، وصولاً الى اخرى مقترحة في جورجيا والجمهوريات الاخرى الجنوبية التي استقلت بعد انيهار الاتحاد السوفياتي. وتكمن اهمية مقدونيا في انها الطريق البري الوحيد بين القواعد الاميركية في اليونان وكوسوفو، لذا لا بد من ضمان الهيمنة الاميركية العسكرية والسياسية عليها على المدى الطويل. وهذا لن يتحقق إلا من خلال ظروف مماثلة قتالية، كما حصل في البوسنة وكوسوفو.