لم يفت كثيراً من متابعي الشأن المعلوماتي، أن يلاحظوا مجموعة من التغييرات أخيراً في محرك البحث «غوغل». إذ حرص هذا المحرك، الذي يستخدمه ملايين البشر يومياً، على أن يرتدي ثوب المحلية. وعند الدخول إليه، تظهر صفحة تتناسب مع الموقع الجغرافي لكومبيوتر المستخدم. وهكذا، يظهر «غوغل» في لبنان مثلاً، بحلة تختلف عن تلك التي يراها فيه مستخدمه في القاهرة. وأولاً، ينتهي عنوان النطاق للصفحة الأولى في «غوغل»، عند الدخول إليها من لبنان، برمز «.أل بي» .lb، الذي يشير إلى بلاد الأرز دولياً. وعلى غرار ذلك، تنهي عناوين النطاق للصفحة الأولى من «غوغل» بالرمز الذي يمتلكه البلد رسمياً. وبذا، تصبح صفحة الاستقبال في لبنان هي «غوغل. أل بي» google.lb، وفي مصر «غوغل. إي جي» google.eg ، وفي الإمارات «غوغل. إيه إي»google.ae ، وفي بريطانيا «غوغل. يو كيه» google.uk. ماذا لو رغب المستخدم في استعمال الصفحة الدولية لهذا المحرّك، تلك التي تنتهي برمز .كوم؟ في تلك الحال، يتوجّب عليه ان يضع صفحة الاستقبال على الصفحة الدولية، ويدخل إلى القائمة التي تحتوي إعدادات المتصّفح browser الذي يستعمله، ثم يطلب منها تثبيت تلك الصفحة باعتبارها المكان الذي يريد أن يصل إليه في كل مرة يدخل فيها الى الإنترنت عبر ذلك المتصفح. وواضح أن ذلك يتضمن استخدام محرك «غوغل» لأحدى تقنيات تحديد الموقع جغرافياً «جيو بوزيشننغ» Geopositioning. لماذا يتجشم «غوغل» هذا العناء كلّه؟ ما هي الغاية من تحديد الموقع الجغرافي لكل من يحاول الوصول الى محرك البحث واستخدامه؟ هل يشير ذلك الى رغبة «غوغل» في التقرّب من الجمهور، عبر إستخدام النكهة الثقافية المحلية؟ هل يتضمن ذلك بُعداً أمنياً؟ هل يأتي كمبادرة فردية، أم ضمن مشروع دولي لتحديد هوية مستخدمي الإنترنت، للحدّ من «الأذى» المحتمل الذي قد يأتي ممن يتسللون في خفاء الى دواخل الشبكة لأغراض شتى؟ الأسئلة كثيرة، لكن المحلية باتت جزءاً من شكل «غوغل». في السياق نفسه، تحمل صفحة استقبال محرك البحث «غوغل» أشياء اخرى، تسير في معطى المحلية أيضاً. ففي بيروت، تعطي صفحة الاستقبال في هذا المحرك أهمية للغة الفرنسية تتوازى مع أهميتها في بلد فرنكوفوني مثل لبنان. وكذلك تبرز اللغة الأرمنية، التي تعتبر مهمة في بلاد الأرز. ولا تظهر هذه الأمور في صفحة استقبال «غوغل» عند الدخول إليها من مصر. وفي السياق ذاته، أُدخِل بُعد محلي على عملية البحث ذاتها، خصوصاً بعد أن طوّر «غوغل» أسلوب البحث، اذ صارت النتائج (بالأحرى ما يرى انها الأقرب صلة لما يجرى البحث عنه)، تظهر مباشرة عند كتابة أوامر البحث، حتى قبل اكتمالها. وفي هذا الأمر، يؤثر البُعد المحلي في نتائج البحث، وبالتوافق مع اللغة المستخدمة أيضاً. فمثلاً، عندما تبحث باللغة العربية عن كلمة معينة، تتقدّم نتائج معينة على غيرها، بالإستناد الى الموقع الذي يعمل فيه المستخدم. مثلاً، قد لا يحصل الجمهوران اللبناني والتونسي على النتائج الأولى نفسها، عند كتابة كلمة «صباح» في خانة البحث. في المقابل، تتطابق تلك النتائج عند البحث عن معلومات عن شخصيات في الحكم في الدول العربية، وبصرف النظر عن الموقع. وللتذكير، يشير مصطلح «متصفح الإنترنت» الى برنامج (بالأحرى تطبيق معلوماتي) مثبّت على الكومبيوتر، ويُشغّل كي يدخل الى الإنترنت. في المقابل، يستعمل مصطلح «محرك البحث» للإشارة الى مواقع على الإنترنت تقدّم للجمهور خدمة البحث عن المعلومات. وفي الذاكرة أن الإنترنت شهدت صراعاً بين محركات البحث، قبل ان يتقدّم «غوغل» على غيره، مع الإشارة إلى أنه يتأخر كثيراً عن محرك البحث الصيني «بايدو» Baidu في الصين. وظهر أول محرك بحث في العام 1993، حاملاً اسم «وانادكس» wandex، وتلاه «ألي ويب» Aliweb، في السنة نفسها. ثم ظهر محرك البحث «لايكوس» Lycos (1995) و«ياهو» Yahoo و«ألتافيستا» Altavista (1995) الذي كان أول من سعى الى توظيف اسلوب «ميتا داتا» Meta Data في البحث، و «دوغ بايل» Dogpile (1996) بالترافق من الانتشار الإنفجاري للإنترنت، و «نورثن لايت» Northern Light (1996)، و «أول زي ويب» (1999)، و«بايدر» (2000) و «أم أس أن سيرش» (2005) و «ويكي سييك» Wiki seek(2006)، وتحوّل «أم أس أن سيرش» الى محرّك البحث «بينغ» Ping في العام 2009.