سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أكد في حديث الى "الحياة" ان المساكنة بينه وبين "حزب الله" ارادية وان توافقه مع بري وجنبلاط لا يهدف الى تشكيل محور سياسي . الحريري : مذكرة صندوق النقد لم تأت بجديد ... ومن يعرقل أعمال الحكومة يعمل ضد البلد
بيروت - "الحياة" - أدى نشر المذكرة الصادرة عن بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت بيروت قبل نحو ثلاثة أسابيع في عدد من الصحف اللبنانية، والتي تضمنت توصيفاً للوضع الاقتصادي الصعب في لبنان وبعض الاستنتاجات، الى سجال سياسي وإعلامي أمس حول مستقبل الوضع الاقتصادي والاصلاحات التي تقوم بها حكومة الرئيس رفيق الحريري. والمذكرة، التي صدرت في 11 تموز يوليو الجاري، هي مقدمة للتقرير المفصل الذي سيصدره الصندوق في تشرين الأول اكتوبر المقبل. وأجرت "الحياة" امس حديثاً مطوّلاً مع الرئيس الحريري في بيروت قبيل سفره اليوم الى فرنسا من اجل لقاء الرئيس جاك شيراك، تركز حول ردود الفعل على المذكرة وردوده عما جاء فيها، ولا سيما النقطة التي تشير فيها الى ان المصارف اللبنانية قد تكون غير قادرة على تلبية احتياجات الحكومة اللبنانية لتمويل مشاريعها. واعتبر الحريري ان "هذا الافتراض غير واقعي لأن ودائع المصارف المحلية تزيد اكثر بكثير عن حاجات الدولة". ورأى ان ما تضمنته المذكرة من وصف للوضع الاقتصادي ليس بجديد "فنحن نقوله، ان لجهة زيادة المديونية وزيادة العجز". واعتبر ان اقتراحات العلاجات التي تطرحها المذكرة، هي نفسها التي تنفذها الحكومة. ولاحظ الحريري ان صندوق النقد الدولي وضع جانباً، في المذكرة، اقتراحاً سابقاً بخفض قيمة النقد الوطني واعتبر انه ليس علاجاً في لبنان، لأنه لا يؤدي الى نتيجة آخذاً بذلك بوجهة نظر الحكومة. ورأى الحريري ان كل من يعرقل اعمال الحكومة لجهة الاصلاحات الاقتصادية يعمل ضد مصلحة البلد، وانه اذا حصلت العرقلة فالمسؤولية تقع على عاتق من يعرقل. وإذ كشف ان جلسة مجلس الوزراء المقبلة ستشهد تعيينات، بدا واثقاً من ان الدولة ستنجح في تحقيق الاصلاحات الاقتصادية لأن الرأي العام معها والمجلس النيابي يدعمها والقوى السياسية ورئيس الجمهورية العماد إميل لحود يوافق عليها. ونفى اشاعات الخلاف مع لحود وأكد انه يوافقه الرأي على ان الحل لمشكلة الكهرباء يجب ألا يقتصر على تغيير مجلس ادارة المؤسسة بل ان يأتي من ضمن برنامج متكامل. وأكد اتفاقه مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس اللقاء الديموقراطي النيابي وليد جنبلاط على دعم الاجراءات الاقتصادية وان اجتماعه معهما لا يهدف الى تأسيس محور سياسي. هناك بلبلة بسبب نشر مذكرة صندوق النقد الدولي وبعض الاستنتاجات التي انتهى اليها، اهمها اننا سنواجه صعوبة في تمويل المصارف للمشاريع الحكومية. ما سبب البلبلة وما هي قراءتك للوضع؟ - المذكرة تقول قد نواجه صعوبات... هذه أول مرة تنشر المذكرة. هناك تقارير عدة صدرت في السنوات الماضية، خصوصاً خلال السنوات الثلاث الاخيرة وكانت تتصف بسلبية مطلقة وموجودة لدينا، ونحن لم ننشرها، حتى حين كنا في المعارضة. فصندوق النقد حذر جداً ويحتاط في كلامه. قرأت اليوم المذكرة المنشورة. ومن القراءة فان التوجهات السياسية للصحف تعكس كيفية تقديمها المذكرة. وإذا قرأناها من دون الدخول في تفاصيلها نجد انها تقول أولاً إن الوضع الاقتصادي في البلاد خلال السنوات القليلة الماضية مرّ بحالة من الجمود، وهذا ليس سراً، على العكس، نحن خضنا الانتخابات بشعار كيفية تحريك الاقتصاد، ونحن نتكلم عن الوضع الاقتصادي وتنامي المديونية والعجز وانخفاض نسبة النمو، وأصدرنا كتاباً حول هذا الموضوع. وكل برنامجنا الانتخابي والحكومي يتضمن معالجة للأوضاع الناجمة عن فترة السنتين الماضيتين اللتين مرّت فيهما البلاد بأزمة اقتصادية خطيرة لم تشهد لها مثيلاً. المذكرة تتناول هذه الأمور، وتشير الى ان المديونية زادت. هذا صحيح. وهذا ما نقوله، وتقول ان هناك عجزاً في الموازنة. نحن نقول ذلك أيضاً. وهذا معلن ومصادق عليه في المجلس النيابي. والموازنة التي تقدمنا بها أعلنا فيها عن عجز ولا جديد في هذا الموضوع. وبالتالي فان المذكرة لم تأت بجديد. المذكرة تقول انه بما ان الدولة مضطرة للاقتراض من المصارف المحلية فالمصارف المحلية قد لا تستطيع تلبية طلبها. هذا افتراض غير واقعي لأن ودائع المصارف المحلية تزيد اكثر بكثير عن حاجات الدولة. ويظهر ذلك من الحصيلة السنوية التي تنشرها. ثم ان شعارنا هو الاقتراض من الخارج وبفوائد أقل، وبالتالي فان خوف الصندوق من عدم قدرة المصارف المحلية على تلبية الطلب في غير محله، لأن المصارف لبّت وقادرة أن تلبي في المستقبل. اضافة الى ان سياسة الحكومة هي التوجه الى الخارج لزيادة تدفق الأموال الى الداخل من اجل سدّ الحاجات الحكومية. والاصدار الذي نقوم به حالياً يأتي في هذا الاطار، أي من الخارج لأننا نفعل ذلك باستمرار لتمويل عجز الموازنة. المذكرة تتحدث عن وضع هشّ... - ليس هشاً، هذه مسألة تتعلق بترجمة المذكرة، هم قالوا انه حسّاس وانه يتأثر بالعوامل المتعلقة بالثقة، يعني بالتجاذبات السياسية. على المستوى السياسي هناك اجماع في البلد من كل الاطراف على ضرورة المعالجات الاقتصادية، ولذلك فان كل المعالجات التي قررناها تتحقق. وبالعودة الى وصف الحالة الاقتصادية والمالية في البلاد، من وجهة نظري، لم تأت هذه المذكرة بجديد. كل الأمور التي تناولتها معروفة من الناس، نحن نحكي بها. هل تعني ان تشخيص المذكرة للوضع الاقتصادي يتطابق مع تشخيص الحكومة؟ - تماماً. هناك بعض الأمور التي يتحفظون هم عنها حتى لا يأخذوا على أنفسهم مسؤولية. ما هي النقاط التي يختلف تقويمهم فيها عن تقويمكم؟ - ليس هناك الكثير من نقاط الاختلاف. وما يثبت ذلك هو المعالجات. هم يقولون ان المديونية العامة متزايدة، نحن طرحنا الخصخصة لخفض المديونية العامة. وهم في المعالجات يعتبرون الخصخصة ضرورية، ونحن نعتبر ان الخصخصة هدفها معالجة المديونية وتقديم خدمة أفضل وأرخص للمواطن... يقال ان مذكرة سابقة لصندوق النقد أشارت الى ان توقعات الحكومة من مردود الخصخصة للخزينة أكثر من واقع قيمة القطاعات المعدة للخصخصة. - لا يستطيع أحد ان يقدّر هذا الشيء. تقديرات الحكومة مبنية على الايرادات. مثلاً قطاع الاتصالات في الخلوي يعطي الحكومة 300 مليون دولار في السنة والشركات تربح، ولنفترض ان ربح الشركتين كما صرّحتا بنفسهما هو حوالى 55 مليون دولار لكل منهما، بعد حسم كل المصاريف، فإن الخصخصة من طريق اعطاء رخصة، بشروط أفضل، تعني انك تكسب بين 400 و450 مليون دولار سنوياً. هل سنكسب من الخصخصة مليار دولار؟ لا نستطيع ان نقدّر، فهناك مزايدة عالمية ستحصل على هذا القطاع، وبناء عليها سنرى. وبالتالي فان تقديراتنا مبنية على وقائع وأرقام. البعض قد يقول ان قطاع الاتصالات في العالم خفضت قيمته، هذا صحيح، لأن هذا الأمر مبني على توقعات للمستقبل. نحن نحكي في الحاضر، وعلى سوق مجرّب لديه ايرادات واضحة، للدولة وللشركة. على كل حال هذه الأمور ستظهر خلال بضعة أشهر. نحن متحفظون دائماً في أرقامنا ولا نحب اعطاء أرقام بعيدة من الواقع، والدليل اننا سحبنا مشروع الموازنة قبل اقرارها وغيّرناها لنزيد العجز ونعطي أرقاماً صحيحة. وفي المعالجات أيضاً المذكرة تقول ان خطة الحكومة لمواجهة التحديات الاقتصادية، اذا نفذت، فهي جيدة، وتؤدي الى النتائج المرجوة حتى لو لم تأت أموال مرتفعة من الخصخصة، وهذه أهم نقطة في هذه المذكرة. نحن نخفّض المصاريف ونخفّض المديونية وهم يقولون بذلك. ونزيد الايرادات، وهم يتحدثون عن ضريبة القيمة المضافة، والقانون المتعلق بها حوّلناه من الحكومة الى المجلس النيابي. وقانون الاتصالات الذي تتكلم عنه المذكرة أيضاً بات في المجلس النيابي. زيادة ايرادات الدولة من خلال تفعيل الجباية وتعميمها الذي ينصحون به، هو ما نقوم به. تفعيل الاقتصاد من خلال مجموعة الاجراءات التي قمنا بها والتي يعتبرونها جيدة. إذاً ليس هناك شيء في المذكرة بعيد عن الذي تقوم به الحكومة. السؤال هو: هل ستكون الحكومة قادرة على التنفيذ أم لا؟ هذا هو السؤال الذي يسألونه صندوق النقد الدولي والبلد تسأله. إن كل من يسهم في عرقلة أعمال الحكومة وتوجهاتها يعمل في الحقيقة ضد مصلحة البلد. أمر آخر تطرقت اليه المذكرة هو الحصول على قروض بفوائد مخفّضة، وهذا ما نقوم به. السؤال الأساسي هو حول قدرة الحكومة على التنفيذ، وهذا يتوقف على أمور عدة. أولاً الارادة السياسية وتعاون كل السلطات مع بعضها والقوى السياسية والقوى النقابية في البلد من اجل تنفيذ هذه الاجراءات. حتى الآن الخطوات مستمرة. خطوة ميدل إيست ليست سهلة أبداً، ولم يكن أحد يتصور في البلد انها يمكن ان تنفّذ، وكانوا يشكّون بالتنفيذ، وهي أدت الى خفض انفاق الشركة ما بين 25 و30 مليون دولار في السنة. صحيح دفعنا مرة واحدة مئة مليون دولار لكننا خفّضنا المصاريف. خطوة التلفزيون أيضاً. كان يكلّف الدولة شهرياً مليوناً وثمانمئة ألف دولار، الآن يكلّف 140 ألف دولار ومرجّح ألاّ يكلف الدولة آخر السنة شيئاً. الحكومة موحّدة الرؤية حول المشروع الاقتصادي، هل هو مشروع الحريري أم مشروع الحكومة؟ - رفيق الحريري هو رئيس الحكومة. وهناك بيان وزاري نوقش في مجلس الوزراء ومجلس النواب صوّت عليه ونالت الحكومة الثقة على أساسه. ونحن نعمل من ضمنه لا من خارجه. هناك عبارة في المذكرة تقول ان التعويل على خفض سعر النقد الوطني كجزء من المعالجة لم يعد أكيداً. ما هي قراءتك لها؟ - أولاً، ان صندوق النقد الدولي، للمناسبة، يصدر تقارير عن كل الدول، بما فيها اميركا والمانيا واليابان وفرنسا وغيرها من الدول الكبرى المهمة اقتصادياً. وهو يراجع اقتصادياتها وأرقامها ويركز على الجوانب السلبية من اجل حضها على معالجتها. ثم ان الصندوق لديه وصفات لكل أمراض اقتصاديات الدول، إحداها وصفة خفض سعر النقد الوطني. في المناقشة معنا وجدوا ان هذه الوصفة لا تؤدي عندنا الى المرجو، وبالتالي توافقوا مع الحكومة على هذا الرأي. هل يعني ذلك انهم في نص المذكرة غيّروا رأيهم بترك تسعير الليرة للسوق النقدية؟ - فكرة خفض سعر النقد مؤداها انك تخفض الدين عن كاهلك. لبنان بلد مختلف. فهو ليس تركيا ولا الارجنتين ولا كوريا. لبنان لديه خصوصيته. طبيعة النظام السياسي فيه مختلفة. فمعظم هذه الدول، يقرّر العسكر فيها بشكل أو بآخر، وبالتالي مسألة المحاسبة فيها، عليها علامات استفهام. أما في لبنان فهناك نظام ديموقراطي ومحاسبة ومجلس نيابي، ويوجد فصل تام بين الحكومة والسلطة السياسية من جهة وبين المصارف ورجال الأعمال من جهة ثانية، لا أحد في الدولة يستطيع ان يطلب بالهاتف من مصرف أن يعطي هذه الشركة التي تعاني صعوبات قرضاً. مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف لديهما سلطة، ما جعل النظام المصرفي عندنا قوياً وقادراً على مواجهة الصعوبات. اضافة الى ذلك فان الدول التي سبق ان ذكرنا هي دول مصدِّرة، ونحن دولة مستورِدة. ان صندوق النقد يناقش كل الأمور وكل الاحتمالات، وبالتالي هذا أحد الاحتمالات خفض سعر النقد وقد وضعه جانبا لأنه لا يؤدي الى نتيجة. وهكذا يأخذ بوجهة نظر الحكومة. الأمر الثاني، المادة 75 من الموازنة أيضاً هي مادة تدخل في عمق الاصلاح تنص على الغاء الاعفاءات والامتيازات لبعض الفئات من بدل الخدمات التي تقدمها الدولة. وتعرفون كمية الهدر التي تحصل في الدولة نتيجة لهذه الاعفاءات في الكهرباء والمياه والهاتف وغيرها. وأريد أن أؤكد انه لم يطلب منا أحد ان نقوم بهذه الاجراءات. وحين كنا في المعارضة لم نكن نحكي مع صندوق النقد الدولي، وحين خضنا الانتخابات لم نفعل ذلك استناداً الى ما يراه صندوق النقد، نحن ننفذ قناعاتنا. هناك اجواء تقول ليُترك الحريري يجرِّب اقتصادياً ليفشل. - هذه مسؤولية مشتركة أيضاً، عندما ينجح البلد ينجح الجميع فيه. زارني بالأمس مستثمر أميركي يسوِّق للمخازن الكبرى ولشركات تبلغ قيمة عملياتها بين بليونين وثلاثة بلايين دولار، وهو جاء كي يشهد افتتاح إحدى المخازن الكبرى في وسط العاصمة. هو معجب بالبلد وقال لي انه يستغرب وعمره 78 عاماً كيف ان أناساً يسألونه لماذا تأتي للاستثمار في البلد وكأن هؤلاء يخافون لأسباب سياسية من نجاح البلد اقتصادياً، كون هذا النجاح يقضي على مشروعهم السياسي. ان هذا الكلام لا ترجمة اقتصادية له وهو يبقى ضمن الاطار السياسي. قد يدفع البعض الى التردد ولكننا نعيش في هذا الجو منذ عشر سنوات، ومحاربة كل ما نقوم به بدأت منذ جئنا الى الحكومة في العام 1992، كذلك رمي الاشاعات والاتهامات. جميعنا مسؤول. واذا حصل شيء سلبي في البلد، لا سمح الله، فهل تعتقد ان الجميع سيسلم؟ ربما الوحيد الذي يسلم هو رفيق الحريري. ان برنامجنا معروف ونبذل جهداً ليلاً ونهاراً ونسافر الى الخارج ونعمل ونحاول، وإذا لم ننجح فيعني ان هناك عراقيل. صندوق النقد يقول ان البرنامج جيد والعبرة في التنفيذ. والبرنامج اعدته الحكومة وأنا وراءه ووافق عليه رئيس الجمهورية، والمجلس النيابي يدعمه. اذا حصلت العرقلة فلسنا نحن من يتحمل المسؤولية بل الذي يعرقل. وحتى لا نضيّع وقتنا في السلبيات، ليس لديّ أدنى شك ان الدولة والحكومة قادرتان على تنفيذ هذا البرنامج. هناك مطالب من هنا وتأخير من هناك وتعديل في هذا البند لكن البرنامج سيُنفذ. أنا أقول اننا سننجح لأن هناك رأياً عاماً معنا والناس تتحمل معنا على رغم الصعوبات. نحن انتخبنا من الناس، ولدينا أكثرية في المجلس النيابي، والحكومة متضامنة. والذين نختلف معهم في الرأي لا يمثلون الأكثرية في مجلس الوزراء، وليس هناك من أمر في مجلس الوزراء يتأخر. الخطوات التي اتخذناها جبّارة. بالأمس خفّضنا موازنة مجلس الجنوب والمهجّرين 500 مليون دولار، أي النصف. تردّد ان رئيس الجمهورية يعارض قرار الحكومة تغيير مجلس ادارة مؤسسة الكهرباء وإنشاء قصر المؤتمرات في بيروت. - غير صحيح. وهو وقّع على مرسوم إنشاء قصر المؤتمرات. أما أن يكون هناك وزير يريد القصر في مكان آخر فنحن في بلد ديموقراطي. في موضوع الكهرباء ليس صحيحاً ما يقال. رأي رئيس الجمهورية هو ان المشكلة لا تحلّ فقط بتغيير مجلس الادارة، وأنا معه في هذا الرأي. هناك مجموعة من الاجراءات يجب ان تتم، والتغيير هو ضمن برنامج لتفعيل الجباية وتركيب الخطوط وتنفيذ ما تبقّى من الأعمال الكهربائية وليست القضية ان نبدّل فلاناً بفلان فتحلّ المشكلة، أنا أفكر مثله. تردّد ان اجتماعك مع الرئيس بري ووليد جنبلاط أثار حفيظة الرئيس لحود. - ليس لدى رئيس الجمهورية سبب كي ينزعج. أنا ووليد ونبيه لم نكن في أي مرة بعيدين عن بعضنا، وربما انها المرة الأولى التي نزور وليد معاً، لكننا التقينا مرات عدة في المجلس النيابي. اعتُبر لقاء للاستقواء على الآخرين. - مَن هم الآخرون الذين تقصدهم؟ انه لقاء للحفاظ على الاستقرار في البلد ونحن الثلاثة متفقون. أننا سنسير قدماً في كل الاصلاحات من دون تردّد ومن دون محاصصة، ولا أحد مستعد للدخول في أي خلاف من اجل شخص يتبع له. وطبعاً نحن منفتحون للتعاون مع الجميع وليس لتأسيس محور سياسي. والأكيد اننا وفخامة الرئيس وآخرين في المجلس النيابي ندعم الاصلاحات. ولذلك عندي ثقة تامة بأن الاصلاحات ستمشي، فلست وحدي في المجلس النيابي. يقول البعض انك متفائل أكثر من اللزوم. - انا في طبعي متفائل وعندي ايمان بالله سبحانه وتعالى ولدي ثقة بالبلد والناس، لكنني اعطيك معطيات واضحة. اليوم ثمة شعور عام في البلد بضرورة اتخاذ خطوات صعبة، وهذا الكلام ليس من الان بل منذ ايام الانتخابات. وحين يقول الرئيس نبيه بري ان الخطر الاقتصادي على البلد أكثر من خطر الاحتلال الاسرائيلي، ماذا يعني هذا الكلام؟ انه يعني استعداده للمساهمة في حل المشكلة بكل ما يستطيع من موقعه ومن كونه رئيس كتلة نيابية كبيرة، ورئيساً للمجلس النيابي، وممثلاً في الحكومة. والشيء نفسه ينطبق على وليد جنبلاط وانا، وسليمان فرنجية. ولا يوجد أحد في المجلس النيابي الا ويقر بهذا الأمر، وحتى المعارضة، وهي ضرورية وتصحح الأداء ونأخذ دورها في الاعتبار ونحترمه. يقال ان علاقتك بالوزير فرنجية باردة؟ - لا. بالعكس، فهو منذ زمن عنده ظروف، يحضر جلسات مجلس الوزراء ويغيب عن أخرى. هناك صداقة متينة معه، وهو موضع تقدير. ماذا عن التجاذبات السياسية، وتأثيرها على الحكومة؟ - لنأخذ مثلاً العلاقة مع "حزب الله" وهو صاحب كتلة في المجلس النيابي، أعلن أمينه العام السيد حسن نصرالله انه سيساعد في توجهات الحكومة الانقاذية ويدعمها، على رغم ان لديه برنامجاً. ان ما أرغب قوله ان الكل في البلد يشعر ان لا بد من دعم توجهات الحكومة الاقتصادية واعطائها الفرصة من أجل مواجهة التحديات. يقال انك تستفيد من هذا الدعم للتفرد بالقرارات؟ - هذا كما يقول أحدهم بالعامية: انه دعس على خياله ظله. كيف أتفرد بالقرارات؟ هل ثمة قرار يتخذه رئيس الوزراء وحيداً؟ سمِ لي قراراً. اما ان يطرح في مجلس الوزراء أو يحال على المجلس النيابي. لكن التفرد في آلية التنفيذ؟ - اعطني مثلاً. إن أي أمر من الأمور يتم عبر المؤسسات والأصول المتبعة. وأسوق مثالاً ما حصل في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، اذ كان الجو مواتياً لتحميل المسؤولية في موضوع الكهرباء لادارة المؤسسة وبالذات لمديرها العام جورج معوض، وفي درجة أقل لمجلس الادارة. وطرح بعض الوزراء مسألة تغيير مجلس الادارة فاعترضت وقلت ان له أصولاً يجب ان تتبع ولا داعي للقفز فوقها. يقال ان اعتراضك يأتي مراعاة لغياب رئيس الجمهورية عن الجلسة؟ - وجود الرئيس أمر مهم وضروري. وهذا أمر لا يبت من خارج جدول الأعمال، بل بوسعك طرح موضوع من خارج الجدول حين يكون الرئىس موجوداً. أما اذا ارتأى مجلس الوزراء خلاف ذلك فيمكنه طرح موضوع من خارج الجدول. ولكنه تغيير مجلس الادارة لم يكن مدرجاً على جدول الأعمال والرئيس لم يكن حاضراً ليطرح بحسب الحق الدستوري، اضافة الى ان الاجماع لم يكن متوافراً، وانا قلت لا يجوز مخالفة الأصول القانونية، بل يجب احترامها. يقال ان التعيينات تطرح، ولكن الخلاف يحول دون بتها؟ - ليس صحيحاً. ولم أطرح التعيينات مرة واحدة. لكن في الجلسة المقبلة هناك تعيينات. ما هي المعايير للتعيينات؟ - الكفاية، ولا يوجد أي معيار آخر، بل سترون انها الأساس ولا شيء آخر. هناك تعيينات وهناك أيضاً مناقلات. هذه الحكومة لا تسير في اسلوب الانتقام من الناس والتشفي أو الكيدية. هذا ليس وارداً. وانت تعرف انه في مقدوري طرح التعيينات منذ توليت رئاسة الحكومة، علماً انها كانت من الأمور التي فكرت بها أولاً بنفسي ثم بحثتها مع عدد من الوزراء وكان رأيي - وهذا ما حصل - ان فتح موضوع التعيينات الآن سيظهر وكأن هذه الحكومة جاءت لتلغي ما قامت به سالفتها، وهذا ما لا أريده. وقلت للمدراء العامين ولكبار الموظفين: لا حكم لدي مسبقاً على أي منكم، وانما يهمني ان تعملوا، بصرف النظر عن الطريقة التي عينتم بها ومن عينكم. المهم الانتاج، والآن بعد هذه الفترة لاحظت ان بعضهم آدمي لكن لا كفاية عالية عنده، وبعضهم كفء. وآخرون من المفيد ان يكونوا في مواقع أخرى، وبالتالي فان عملية التعيينات وأسسها ليست ادانة لأحد على الاطلاق وانما هي محاولة لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب في طريقة شفافة وبعيدة من المحاصصة. هناك اخبار تفيد بأن البنك الدولي قد يقدم مساعدة للحكومة لمعالجة الانعكاسات الاجتماعية المترتبة عن صرف الفائض؟ - خفض عدد العاملين في أي مؤسسة يعني ان هناك أناساً تركوا العمل، ويتسبب ذلك بمشكلة اجتماعية. لذلك كانت الحكومة حريصة على معالجة هذا الأمر على رغم الصعوبات المالية والاقتصادية والعجز. في قضية الميدل ايست، قانوناً، كان من حق الشركة بسبب الصعوبات الاقتصادية، صرف الموظفين من دون أي تعويض الا التعويض الرسمي، لكننا دفعنا التعويض الرسمي ودفعنا تعويضات اضافية لمساعدتهم على مواجهة متطلبات الحياة وانهينا موضوع الضمان الاجتماعي اذ اصبح في استطاعتهم الانتساب اليه من دون أي مشكلة. اما البنك الدولي فقد أبدى استعداده لتمويل هذه العملية، وهذا أمر يأخذ وقتاً. وضع الدولة ليس سيئاً الى درجة انها غير قادرة على الحصول على المال وتنتظر عقد قرض مع البنك الدولي لتتمكن من الدفع. الأمر ليس كذلك. الدولة اللبنانية قادرة على الاقتراض في أي وقت. ما نطمح اليه هو الاقتراض بفائدة رخيصة، لا اشكالية عندنا في الاقتراض، بل بأي فائدة؟ البنك الدولي مستعد للتمويل، ولكن ليس بالضرورة ان ننهي المشكلات مثل الميدل ايست الا بعد الحصول على القروض. كيف يمكن ضمان الاستقرار الداخلي وهو شرط الدول المانحة، ما دام الوضع الاقليمي بما فيه مزارع شبعا مفتوحاً على كل الاحتمالات؟ - كيف تعايشنا في الماضي مدة 25 سنة مع وضع أصعب كثيراً؟ الوضع الآن أفضل مئة مرة مما كان عليه العام الماضي قبل تحرير الجنوب. تلازمت الحرب مع الاحتلال وتعايشنا. هل توجد دولة في المنطقة لا مخاطر أقليمية عندها؟ المشكلة الأساسية في المنطقة دولة أسمها اسرائىل لم توقع اتفاق سلام مع كل الدول العربية. كل الدول من المحيط الى الخليج لدىها توترات حدودية احياناً مع أشقائها، وغالباً مع اسرائىل. وبالتالي فان التوترات الحدودية في الشرق الأوسط جزء من حياتنا. هل هذا الأمر يؤدي الى حرب حقيقية؟ أظن لا. كررت هذا مئة مرة والآن أقول ان لا حرب حقيقية في المنطقة. الحرب ممنوعة في الشرق الأوسط. يقال ان علاقتك مع "حزب الله" مرحلية وهي كناية عن مساكنة سياسية موقتة، لا يترتب عليها تفاهم؟ - ان ل"حزب الله" طبيعة تختلف عن طبيعتي. واذا أدعيت ان طبيعتي أصبحت مثل طبيعته يكون كلامي غير صادق، وهم كذلك اذا قالوا انهم أصبحوا مثل رفيق الحريري يكونون غير دقيقين. لهم توجه سياسي. ولا نختلف معهم في الموضوع الاسرائىلي في المرحلة الراهنة. الفارق الجوهري اننا مع السلام بينما لديهم طرح مختلف اذ يعتقدون ان اسرائىل لا تريد السلام ولا بأي شكل من الاشكال، ويعتبرون ان الحلّ بالمقاومة ولا حلّ آخر. هذا رأيهم وليس رأينا. نحن نعتبر ان المقاومة ضرورية ومهمة جداً لكن سيكون هناك حل سياسي في نهاية الأمر. وهذا لا يعني ان هناك خلافاً مع المقاومة في شأن الجنوب عندما كان محتلاً أو في وضعه الحالي. الأمر الآخر، لديهم طروحات لم أناقشها جميعها معهم. نحن تيار يضم كل فئات الشعب اللبناني بطوائفه ومذاهبه، في حين ان "حزب الله" ليس كذلك. وهذا اختلاف آخر، الطبيعة مختلفة لكن هذا لا يمنع الالتقاء عند مجموعة عناوين أبرزها موضوع المقاومة. وطالما ان اسرائىل في حال حرب معنا لا يمكن ان نكون على خلاف مع "حزب الله" في هذا الاطار، فهي ترفض السلام ونحن معه، ماذا نفعل؟ أما في موضوع المساكنة السياسية، فهذا صحيح. فعندما يكون هناك اختلاف ايديولوجي حول مجموعة من الأمور، تسعى الى تخفيفها قدر الامكان والتركيز على الأمور المتفق عليها مع "حزب الله" او مع سواه. وهذا ينطبق أيضاً على وليد جنبلاط. هل انا متفق معه على كل شيء؟ كلا. وكذلك الأمر بالنسبة الى الرئىس بري. نحن متحالفون او متفقون ضمن الاختلاف، ثمة أمور نختلف فيها. ولكن هل يجب ان نتبع معادلة الاتفاق على كل شيء او الاختلاف على كل شيء! كلا. هذا هو رأيي وهذا هو رأيهم. أنا أفهم المساكنة انها ليست شيئاً من الاجبار كما يفهمها الآخرون. وعلى رغم ان فيها شيئاً من ذلك، فلا شيء يجبرني سوى مصلحة البلد. لا مصلحة سياسية خاصة لأكون في تفاهم على مجموعة من الأمور مع "حزب الله" أو غيره. وبالتالي وبهذا المفهوم فانني اعتبر المساكنة ارادية. خلافاً للتساكن الموجود في فرنسا بين حزبين، اذ ان ما يجبرهما على المساكنة ليس مصلحة البلد بل مصلحتهما السياسية. على كل حال لسنا في حال عداء بل هناك ارادة ذاتية. هل ستتواصل خطوات اعادة انتشار الجيش السوري التي بدأت اخيراً في الجبل وبيروت؟ - متى؟ لا أدري. ولكن خطوات اعادة الانتشار يمكن ان تتواصل بحسب الوضع الميداني وهذا ما يقرره الجيشان اللبناني والسوري وهما يلمان أكثر بهذا الموضوع لوجودهما على الأرض. ثمة اقتراحات لعلاقات مع دول مثل ايرانوالعراق، يمكن الحصول منها على نفط باسعار مخفوضة، لماذا لم يتم ذلك؟ - صحيح، وهذا الأمر يحتاج الى بحث مباشر بين المسؤولين وهذا لم يحصل الى الآن. أرسلنا بعثة الى العراق وأبدينا استعدادنا لتوقيع اتفاق للتجارة الحرة على غرار مصر وسورية والأردن. ومفروض ان يحصل هذا في القريب العاجل. هل للقائك المرتقب مع الرئىس الفرنسي جاك شيراك، علاقة بالتحضير لانعقاد "باريس 2"؟ - هذا الاجتماع لاجراء جولة أفق تتركز على كل ما يحصل في المنطقة، وهذا تقليد اذ التقي الرئىس شيراك كل فترة لتقويم الوضع. قلت ان لا حرب في المنطقة، وعندما عدت من زيارتك الأخيرة لواشنطن تحدثت عن تحرك أميركي للجم رئيس الحكومة الاسرائىلية آرييل شارون، لكن هذا لم يحصل؟ - ثمة أمران، إما حرب وإما حل. لم يدخل الأميركيون في موضوع الحل حتى الآن بالقدر الذي نعتقد ان عليهم القيام به. لكن في موضوع الحرب رأينا ان الموقف الأميركي - لا أريد الدفاع عنه على رغم ان لدي كثيراً من الملاحظات عليه وقلتها في واشنطن - كان شاجباً ولم يقف على الحياد حين استخدم شارون طائرات حربية "ف 16" في ضرب الفلسطينيين. أعتقد انه اذا عادت الأمور الى شارون شخصياً فانه يفعل ما يشاء في الضفة الغربية. لكن هناك رأياً عاماً اضافة الى اوروبا وروسيا واميركا والأمم المتحدة. وهو شارون كما قال فيه الرئىس المصري حسني مبارك، لا يفهم الا لغة الضرب. قال السفير الفرنسي في لبنان فيليب لوكورتييه ان انعقاد "باريس - 2" رهن الاجراءات المطلوبة؟ - لا أعرف ما يقصده السفير لوكورتييه. في الحقيقية بيد لبنان الطلب من الفرنسيين الدعوة الى "باريس - 2" متى يشاء. نحن كحكومة وانا شخصياً، لن نطلب توجيه الدعوة قبل ان نكون متأكدين ان هناك نتائج ملموسة سنتوصل اليها. وأحد الأمور التي نأخذها في الاعتبار هو ان صندوق النقد الدولي حضر الى بيروت وأعد مذكرة تمهيداً لاصدار تقريره في أول تشرين الأول أكتوبر المقبل. أعتقد ان ليس من مصلحتنا ان ندعو الى "باريس - 2" قبل صدور تقرير الصندوق، اضافة الى أمر آخر هو ان تكون لدى القارئ تصورات بأن لبنان سيطلب شيئاً من الصندوق. لبنان لم يطلب شيئاً، ونحن نطلب فقط منه ان ينظر في اوضاعنا وان يطلع العالم على ما نفعله. وبالتالي مقارنة لبنان ببقية دول العالم في غير محلها. لبنان ليس تركيا ولا اندونيسا ولا الأرجنتين ولا كوريا ولا أي بلد آخر. نحن لا نطلب شيئاً من صندوق النقد خلافاً لتلك الدول التي يفرض عليها سياسات في مقابل اعطائها مالاً. لم نطلب مالاً منه ولا مساعدة مادية، هذا فارق جوهري. ونحن نطلب ان يدرس وضعنا ويطلع العالم لانه هيئة دولية مستقلة تستطيع ان تطلع العالم على وضع لبنان وما اذا كان يسير ضمن خطة معقولة لمواجهة التحديات أم من دون خطة وفي طريقة هوجاء ولا يعرف الحل. لا أريد استباق الأمور، والمذكرة جيدة وايجابية لأنها عملياً تصف الحال التي نحن فيها وتقول ان الحلول التي ننتهجها صحيحة - وهذا ما نقوله ايضاً - اذاً العبرة في التنفيذ. هم يقولون: لا ملاحظة لدينا على برنامجكم لكن لدينا سؤال: هل تكونون قادرين على التنفيذ أم لا؟. هذا التشكيك يضعنا أمام تحدٍ، وعلينا اثبات قدرتنا. هل هناك اجراءات من الآن الى تشرين الأول، تجعل تقرير صندوق النقد أكثر ايجابية؟ - أسوق مثلاً ان المذكرة تدعو لبنان الى وضع قانون للاتصالات، وهذا ما حصل وهو في طريقه الى المجلس وقد يقر من الآن الى تشرين الأول. هذه نقطة اضافية، وأتوقع ان يشار اليها بايجابية في التقرير. وأشارت المذكرة الى اقرار القيمة المضافة، ونحن في صدد اقرارها. وهم يلاحقون الأمور يوماً بيوم. وكذلك نجحت الحكومة بالتزام نسبة العجز، وهذا ما لم يكن لديهم حين وضعوا المذكرة. وهذه نقطة ايجابية سيأخذ بها التقرير. ما أحاول قوله هو: ان الحكومة تعلم مشكلات البلد وتعرف ما هي الحلول ولديها القدرة السياسية والدعم من الرأي العام ومن المجلس النيابي للمضي بها. هل هناك خوف؟ لا، ولا شيء مستحيلاً.