استضافت فيينا، عاصمة النمسا، قبل أسابيع، مهرجان الأفلام الفرنكوفونية الذي أسهمت فيه دول عربية عدة هي: مصر بفيلمي "العاشقان" من إخراج نور الشريف وتمثيله مع بوسي، و"الأبواب المغلقة" من إخراج عاطف حتاتة وتمثيل سوزان بدر ومحمود حميدة" وتونس بفيلمين، احدهما عن الفنانة حبيبة مسيكة من اخراج سلمى بكار، و"موسم الرحال" من إخراج مفيدة التلاتلي" والمغرب بثلاثة أفلام، الأول من اخراج فريدة بليزيد والثاني من اخراج جيلالي فرحاتي والثالث من اخراج نبيل عيوش، بعنوان "علي زاوا"" اما لبنان فشارك بفيلمين، احدهما "أشباح بيروت" للفنان غسان سلهب. ولقي عرض فيلم "العاشقان" استقبالاً جيداً من الجمهورين العربي والنمسوي. وحضر مخرجه نور الشريف الحفلة الثانية لعرضه. وعلى الأثر، التقته "الحياة" في حديث عن رؤيته الفنية وتصوراته الفكرية لموضوع الفيلم، وكذلك عن واقع الحياة الفنية والسياسية في العالم العربي، ودور الفنان في المساعدة على تقوية الروابط بين العرب، في مشرق العالم العربي ومغربه. نور الشريف أحد الفنانين العرب الملتزمين قضايا أمتهم وشعبهم، ويملك تصوراً خاصاً في مجال السينما والأفلام التي يمثل فيها، فجاء إخراج فيلمه "العاشقان"، بعد تمثيله فقط... في مئة وثمانين فيلماً خلال حياته الفنية، مستفيداً من تجربته فيها، إضافة الى خلفيته الأكاديمية، إذ كان أحد الخريجين المتميزين في الأكاديمية الفنية حيث أصبح معيداً. وحصل على جوائز فنية عدة في مهرجانات نيودلهي والبندقية والقاهرة الدولي... وآخرها في مهرجان الاسكندرية. ومن الشخصيات التي تقمصها وبقيت في ذاكرة الناس، شخصية ابن رشد الذي اعطاه بعده الفكري والمأسوي في فيلم "المصير" ليوسف شاهين. اما فيلم "العاشقان" فعرض عام 1999 في مهرجان الأفلام العربية في باريس، ولقي استحسان النقاد للجرأة التي عالج بها جانباً اجتماعياً علاقة البطل والبطلة وآخر سياسياً عن خصخصة المؤسسات الحكومية المصرية، فدانها عبر قصة حب بين موظفين في الشركة، ومن خلالها أسلوب الاقتصاد الحديث في العالم كله، وما أحدثه من تغيير في حياة العاملين. كذلك فضح إدارة المؤسسات الحكومية في عمليات الرشاوى وسوء الإدارة. العدو... العولمة لكل اثنين في قصص الحب المعروفة عدو يحاول ان يسلب الحب منهما. ونور الشريف وجد في "العاشقان" ان عدو الحب والعلاقات الإنسانية موجود داخل الشخصيات، لأن الخصخصة والعولمة تزكيان الأنانية، بحسب رأيه، فيما الحب عطاء. ورأى أن واقع الحال اليوم هو تكريس حب الذات لدى الفرد، واعتبار جميع المحيطين به غير مهمين: زوجته، اخوه، صديقه...الخ، المهم ان ينجح ولو على حساب الآخرين، وكأن المثال الحديث للإنسان اصبح الاقتصاد. فنجاحات الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الاقتصادية غطت على الفضائح الجنسية التي رافقت ولايته. والترويج الآن لم يعد للأخلاق والحياة العائلية، وإنما لأن يكون الاقتصاد قوياً. العولمة تروج لثقافة واحدة، والدفاع عن الأقليات سياسة لتفتيت الدول، كما في يوغوسلافيا السابقة والاتحاد السوفياتي السابق. والفتنة الطائفية في لبنان كانت اساساً وفق مبدأ الدفاع عن الأقليات. ويقول نور الشريف: "البعض يطالب بعالم واحد، فيفهم ذلك اصحاب مبدأ العولمة مطالبة شعوب ذات تاريخ حضاري وفني بالتخلي عن ماضيها والأخذ بالفن الأميركي قدوة. هناك دعوة اميركية خبيثة إلى تمرير القول إن الثقافة الأميركية خليط من مختلف جنسيات العالم وما أنتجته، أي كناتج لعقول من ثقافات وقوميات مختلفة. لكن واقع الحال عكس ذلك. فقد أنهت الثقافة الأميركية في مجال السينما مثلاً تراث أمم عريقة، إذ ان دور العرض الفرنسية، وكذلك الإيطالية جميعاً تعرض الأفلام الأميركية، في حين خُنقت إمكانات الدولتين على الإنتاج، كما كانت الحال في حقبة ما بعد الحرب وحتى السبعينات. وعلى أوروبا والعالم الثالث أن يجدا فناً بديلاً من الفيلم الأميركي الذي يكرس دائماً قوة البطل الوحيد القادر على الانتصار وحده، حتى في إنقاذ دولة عظمى كالولايات المتحدة". ويضيف : "من السيئات المقبلة إلغاء الاتحادات النقابية والغرفة التجارية، باعتبار ان ليس لها اهمية. وفي تلك الحال، سيشتغل الإنسان اكثر، وينال أجراً أقل، لأن ليس هناك قوة تحميه". مواقف ولنور الشريف مواقف سياسية وطنية وقومية، حظيت بإعجاب الشارع العربي، فزاد حبه له، إضافة الى مقدرته الفنية على تجسيد الشخصيات التي مثلها في حياته، باختيار جيد، وأصبح بسببها فتى الشاشة. وفي حديثه إلى "الحياة" عن مشاريعه الجديدة في مجال الاخراج، قال: "ان هناك مشروعين، انتهى العمل في كتابة السيناريو لهما، واحد عن قصة وسيناريو وحوار لمحمد حلمي هلال، يدور على التغييرات السياسية في مصر خلال السنوات الثلاثين 8 ، وهو من تمثيل بوسي وهدى سلطان وعبلة كامل وأحمد خليل وآخرين. وكنت اعد له قبل "العاشقان"، لكنني تأخرت في تنفيذه لعدم وجود تمويل له في حينه. والفيلم الثاني اعتبره أحد احلامي الكبيرة، وعنوانه "قومي يا مصر"، وضع له السيناريو عبدالرحمن محسن الذي كتب تجربته الذاتية في الأسر عام 1967". ولنور الشريف أيضاً، في مجال الإعداد، فيلم عن الأسرى المصريين الذين قتلتهم إسرائيل أثناء حرب حزيران يونيو 1967، قال عنه: "لي أصدقاء في بلدان عربية تحمسوا لفكرة الفيلم، وسيدخلون معي شركاء في إنتاجه. في الوقت الحاضر، انا في مرحلة الإعداد للفيلم، والعمل على موافقة القوات المسلحة للحصول على خدمات الجيش في التصوير". كان نور الشريف من الطلاب المتميزين اثناء دراسته. وسألته "الحياة" عن الأساتذة الذين أثروا في مسيرته الفنية، أجاب: "من اهم الشخصيات التي أثرت فيّ أثناء الدراسة في الأكاديمية، نبيل الألفي الذي أعده والدي الروحي، وكذلك الدكتور علي فهمي الذي إليه يعود الفضل في أن أصبح ممثلاً سينمائياً. وهناك الممثل الكبير محمد توفيق الذي اعتقد بعض الناس أنه والدي الحقيقي. تعلمت على ايدي هؤلاء الالتزام، وتعلمت أن الفن ليس للتسلية، وإنما للتوجيه، خصوصاً في الدول النامية والفقيرة، وأنه رسالة جدية تحتاج الى مجهود كبير، ومن اجل ممارسته يوظف الفنان حياته". عرف عن نور الشريف انغماسه في السياسة. ففي المقابلات التي يجريها وفي ما يقدمه من اعمال فنية، تشعر أنه فنان مسيس أو سياسي في ثوب فنان. وعن ذلك قال: "عرض علي اكثر من مرة ان انشط في ميدان السياسة، وأدخل مجلس الشعب البرلمان. لكنني لم اتقبل الفكرة. فقد نفذت في مرحلة ما عملاً مسرحياً من إخراجي وإنتاجي، ومن تأليف علي سالم، ورد في حواره نص التزمه، هو: "الفنان مؤسسة في حد ذاته، تنظيم مستقل، حزب يمسك القلم ويتحرك على رجليه". وهذا يمكنه ان يكتشف السلبيات وينتقد. فممارسة السياسة في شكل فاعل او محترف، في رأيي، خطر على الفنان، بحسب التجربة التي خرجت بها من رصد الآخرين. فهي تعارض عمله، لأن للأحزاب السياسية طقوساً في ممارسة عملها. فالجمهور يحب الفنان ويعتبره هدية من الله للبشر. الأفضل للفنان ان يعبر عن رأيه السياسي من خلال اعماله التي يقدمها، إلا اذا اعتزل الفن". وعن الفنانين الذين أحب ويحب العمل معهم اكثر من غيرهم، قال نور الشريف: "الأساتذة الكبار من أبناء الجيل الراحل كفريد شوقي وعماد حمدي ورشدي أباظة. ومن جيلي محمود ياسين وحسين فهمي وعزت العلايلي، وقد اشتركت معهم في اكثر من عمل ناجح، ومن ممثلي الجيل التالي محمود عبدالعزيز". وعن دور الفنانين العرب في دعم مسيرة أمتهم في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها، خصوصاً أنها تواجه اكثر من عدو، اجاب: "دور الفنان العربي محدود، ويا للأسف. ولكي يكون فاعلاً، لا بد من ان يكون جماعياً. هناك مواقف شريفة لعدد من الفنانين، لكنها تبقى متناثرة، في كل بلد على حدة. فالخلافات العربية - العربية جعلت الفنانين في مأزق، وتحول مجهودهم الجماعي مجرد جمع للتبرعات، وهو ما قمنا به في أبو ظبي حيث جمعنا عشرين مليون دولار للانتفاضة. وحتى تجربة جمع الفنانين العرب في عمل واحد لم تفلح إلا مرة واحدة، حين بادرت نضال الأشقر وجاء نجاحها بدعم مباشر من الملكة الأردنية نور الحسين. سياسة الأنظمة العربية ولدت حساسية حتى لدى الشعوب العربية التي أصبحت بعيدة جداً من الفنانين الحقيقيين، لأن الإبداع الفني محصور بالمؤسسات التابعة لها". وعن الفنانين العالميين الذين يعتقد أنهم ذوو رؤية تتفق ورؤيته الفنية والسياسية الانتقادية، قال: "أولهم العبقري شارلي شابلن ومارلون براندو، لولا الضغط الصهيوني الذي دفعه إلى الاعتذار عما قام به سابقاً، وكيفن كوستنر في فيلمه عن "الهنود الحمر" أو المخرج أوليفر ستون في "جون اف كندي" الذي رسم اكثر من سؤال عن دور الأجهزة الأمنية الأميركية في اغتيال الرئيس، والممثلة الانكليزية فانيسيا ريدغريف التي ساندت القضية الفلسطينية... وغيرهم". أدى نور الشريف أدواراً عدة مع زوجته بوسي. وعن تجربته تلك قال: "أنا أفضل ألا يعمل الزوجان معاً لأن الصدقية في العمل الفني تُفتقد، إذ سيقول الجمهور إنهما متحابان أصلاً، فما الجديد في ما نراه؟". وكان السؤال الأخير لنور الشريف: هل تسمح لزوجتك ان تنتقد اعمالك الفنية؟ أجاب: "طبعاً فأنا إن لم أطبق الديموقراطية في داري، كيف أدعو الى تطبيقهما خارجه؟ فزوجتي أول ناقد، وكذلك ابنتي وابني يجريان دائماً نقداً لما أقوم به من أدوار على الشاشة أو المسرح".