من الصعب القول إن الفنان نور الشريف انتقل من الضوء المبهر أمام الكاميرا، إلى الظلال المعتمة التي تتكدس وراءها. فهو ما زال مستمراً في التمثيل، حتى أنه أدى دور البطولة في الفيلم الأول الذي أخرجه، "العاشقان". وشكا من التعب والارهاق اللذين لقيهما بسبب الجمع بين التمثيل والاخراج، أي الجمع بين الوقوف أمام الكاميرا، حيث السباحة في الاضواء المبهرة، والوقوف خلفها حيث الابداع في الغرف المظلمة. واعلن نور الشريف انه سيكتفي في العمل المقبل بالاخراج، وإن كان هذا الاعلان لم يعرف طريقه الى النفي بعد، ثم ان فيلمه الأول، لأنه عرض في عيد الاضحى المبارك، لم ينل النجاح الذي كان يتوقعه خصوصاً أنه من انتاج مدينة الانتاج الاعلامي، ما يعني ان لديه فرصة متميزة في الاعلانات التلفزيونية التي تصل الى ما يمكن ان يشكل الحد الاقصى. ومع هذا تخلى الفيلم عن مرتبة الفيلم الأول والثاني وربما الثالث ايضاً، من حيث ارقام الايرادات الصماء. حلم قديم الأمانة تفرض عليّ ان اشهد أن حلم الاخراج قديم لدى نور الشريف، منذ بداية الثمانينات، عندما قرر تحويل روايتي "الحرب في بر مصر" فيلماً سينمائياً، وقبل ان يفكر في ذلك، بسنوات، الراحل صلاح ابو سيف. يومها، قال لي نور إنه لو حصل على موافقة الرقابة، لدفعه ذلك الى اكبر تحول في حياته، ولاعتزل التمثيل نهائياً وتحول الى الاخراج، وأنه لن يمثل فيه بل سيكتفي باخراجه. أيضاً، يقال في كواليس الحياة الفنية المصرية إن نور يقوم بالاخراج فعلاً في الافلام التي يؤدي بطولتها، ولكن من "الباطن" خصوصاً عندما يكون المخرج من الوجوه الشابة الجديدة، وهناك حالات كثيرة ومتعددة من الصعب ذكرها وتحديدها بسبب المشكلات التي يمكن ان ترتب على ذلك. نور الشريف مولود في 28/4/1946 في حي الخليفة. واسمه الاصلي محمد جابر عبدالله. التحق اولاً بكلية التجارة، لكنه تركها من اجل الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ومارس الاخراج المسرحي في مسرحيتي "الكاهن وكاليغولا"، وأدى بطولة نحو 170 فيلماً من سنة 1967 التي شهدت فيلمه الاول "قصر الشوق"، الى سنة 1999 مع فيلم "اختفاء جعفر المصري" الذي لم يعرض بعد. قدم عام 1974 احد عشر فيلماً، أي بواقع فيلم كل شهر تقريباً. وعام 1973 قدم عشرة افلام. وعام 1978 قدم ايضاً عشرة افلام، والكثير من مسلسلات التلفزيون الناجحة، مثل "القاهرة والناس" و"اديب" و"لن اعيش في جلباب ابي". وحصل على جوائز عن ادواره في افلام "يا رب توبه" و"وضاع العمر يا ولدي" و"قطة على نار" و"الكرنك" و"حدوتة مصرية" و"العار"و"أهل القمة". وحصل على جائزة مهرجان نيودلهي عن فيلم "سواق الاتوبيس"، وعلى جائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن دوره في فيلم "ليلة ساخنة". هذا هو نور الشريف الممثل. فماذا عن مشروع نور الشريف المخرج؟ فيلم "العاشقان" كتبت له القصة والسيناريو والحوار كوثر هيكل التي سبق أن قدمت "امبراطورية ميم" عام 1972، فكتبت السيناريو بالاشتراك مع محمد مصطفى سامي، عن قصة وحوار لإحسان عبدالقدوس، واعداد سينمائي لنجيب محفوظ واخراج لحسين كمال. وكتبت أيضاً السيناريو والحوار لأفلام: "دمي ودموعي وابتسامتي" عام 1977 بالاشتراك مع محمد مصطفى، عن قصة احسان عبدالقدوس واخراج حسين كمال، و"على ورق سيلوفان" عام 1975 عن قصة يوسف ادريس واخراج حسين كمال، و"العذراء والشعر الابيض" عام 1983 عن قصة احسان عبد القدوس واخراج حسين كمال. كوثر هيكل سبق ان شاركت في فيلم لنور الشريف وبوسي ايضاً هو "حبيبي دائماً"، من اخراج حسين كمال، بكتابتها حواره، في حين كتب السيناريو الدكتور رفيق الصبان. وهناك تشابه بين العملين، لأن كلاً منهما يعتمد قصة حب بين البطل والبطلة، وثمة رجل اعمال في القصة. في فيلم "العاشقان" حكايات كثيرة تدور على نور وبوسي. نور أرمل ومعه ابنته المراهقة التي كانت تعيش مع عمتها ثم تتركها لتحيا مع والدها المشغول عنها طوال الوقت، وبوسي تعيش مع والدها المتقدم في العمر ويعاني أمراض الشيخوخة أدى دوره الفنان عبدالمنعم مدبولي، وتبحث عمن يرعاه بعد سفر عمتها الى الخارج، وتحاول إحضار شقيقتها من الاسكندرية، وإن كانت هذه الشقيقة لم تستطع مواصلة الحياة طويلاً مع هذا الوالد، على رغم انه كان قبل الشيخوخة كاتباً مشهوراً ومعروفاً، وله قراء ومعجبون منهم نور الشريف قبل أن يتعرف الى ابنته. وعلى خط قصة الحب هذه تدخل حكاية الشركة التي يعملان فيها، إذ يتم بيعها، وتصبح ملكاً لأحد رجال الاعمال قام بدوره عزت ابو عوف الذي يحاول إعادة صياغة الحياة فيها، ويكون ضمن اهدافه تفرقة نور وبوسي لأن اتحادهما يعوق خططه من اجل التخلص من العمالة الموجودة في الشركة. وهناك قصة رجل الاعمال الذي يحوم حول بوسي، وأدى دوره الفنان احمد بدير، ولا يميز دوره سوى لزوم الكلام الذي يبدأ به كل جملة من جمله: "أنا وأعوذ بالله من كلمة انا". وبظهور نور الشريف تتخلص منه بوسي، في سهولة. وفي بداية تعارف العاشقين يهدي العاشق المتيم العاشقة ميدالية مكتوباً عليها "إن جمعنا الحب فمن الذي يستطيع ان يفرقنا". والعبارة جميلة، وإن كان من السهل وجود الكثير من العقبات التي توشك ان تفرقهما، بدءاً من مشكلات ابنة نور الشريف المراهقة وانتهاء بمؤامرات صاحب الشركة الجديد، الذي قرر ان يفرقهما بل ويحاول اصطياد بوسي، بدعوتها الى العشاء خارج العمل، فترفض الدعوة، وتقوم العقبة تلو العقبة في وجه هذا الحب، حتى لا يتحول زواجاً، مع أن العاشقين كانا مصممين على الوصول بحبهما الى النهاية الطبيعية. في قلب كل ممثل نصل الى اخراج نور الشريف لهذا الفيلم، الذي يمكن ان يقدم مخرجاً جديداً من جيل كامل من الممثلين، اصبحوا في خريف العمر والدور والعمل، بمنافسة مفاجئة من الاجيال التي أتت بعدهم. ويبدو أن الانقلاب الذي أحدثه الشبان لن يوفر لهذا الجيل خريفاً هادئاً، يضمن لهم الاستمرار ضمن قواعد اللعبة الجديدة. جاء اخراج نور الشريف فيلمه الاول عادياً بمعنى أنه لم يشكل صدمة اخراجية تجعل الناس بعد انتهاء عرضه يشعرون انهم امام سينما جديدة، تبرر هذا التحول الذي نقل نور الشريف من أمام الكاميرا، بكل ما في ذلك من اضواء وشهرة، الى خلفها مع ما في الموقع الجديد من إيثار وإنكار ذات، ومحاولة دفع غيره الى دنيا الأضواء المبهرة بما فيها من بريق. بتحديد اكثر، لم نشعر بعد عرض الفيلم بما شعرتُ به بعد عرض فيلم خيري بشارة الاول "العوامة 70" سنة 1982، او فيلم داود عبدالسيد الاول "الصعاليك" 1985، او فيلم رأفت الميهي الاول "عيون لا تنام" 1981، او فيلم شريف عرفة الاول "الاقزام قادمون" 1983، او فيلم محمد خان الاول "ضربة شمس" 1980، أو فيلم مجدي أحمد علي الاول "يا دنيا يا غرامي" 1996، او فيلم رضوان الكاشف الاول "ليه يا بنفسج" 1993. أكثر من هذا، فإن ايقاع الفيلم بدا بطيئاً الى حد الملل، وإن كانت هذه قضية سيناريو، فان الفيلم يبقى فيلم المخرج اولاً واخيراً، ويبدو المخرج مثل الضحية في هذه الناحية: إن نجحت اي جزئية في الفيلم مثل الديكور او الموسيقى او التصوير تنسب الى صاحبها وإن حصل اي تقصير، فإن المخرج هو الضحية. ثم إن اختيار نور الشريف، كمخرج، بوسي للبطولة لم يكن موفقاً لأنها زوجته اولاً، والبطلة أمامه في الفيلم القديم "حبيبي دائماً" ثانياً. وهذه الاعتبارات أعطتني الانطباع انهما يقدمان على الشاشة جزءاً من قصتهما التي عاشاها في الواقع ومثلاها من قبل. فإقناع المشاهد مسألة شديدة الاهمية في سينما اليوم. نور الشريف ليس الممثل الوحيد الذي اتجه الى الاخراج في السينما المصرية. سبقه الى ذلك طابور طويل من الممثلين الذين اخرجوا، ويلاحظ أنهم جميعاً احتفظوا بالتمثيل في الافلام التي اخرجوها، بل اضافوا الى ذلك المشاركة في كتابة السيناريو. إنه تراث مصري قديم إذاً. احمد سالم 1910 - 1949 اخرج ومثل ثلاثة افلام. واحمد مظهر اخرج وكتب السيناريو ومثل فيلمين. واستيفاني روستي 1897 - 1964، اخرج سبعة افلام، ومثل فيها وكتب لها السيناريو، منها: "صاحب السعادة"، "كشكش بيه"، و"ليلى"، و"ابن البلد". وانور وجدي 1911 - 1955 اخرج تسعة افلام من 45 الى 1954، ومثل فيها وشارك في كتابة السيناريو، وأشهرها: "غزل البنات" 1949. وجلال الشرقاوي اخرج ثلاثة افلام من 1965 الى 1969، اشهرها "العيب" 1967. وحسن يوسف اخرج تسعة افلام من 1971 الى 1987، ليس بينها فيلم واحد مهم، ومنها فيلمان عن روايتين لموسى صبري. وعبدالعليم خطاب اخرج افلاماً من 1946 الى 1965. وعبدالغني قمر أخرج فيلم "بنت الصياد" 1957، ومثله وكتب له السيناريو. وعزيزة امير 1901 - 1952 اخرجت فيلمين. وكمال الشناوي اخرج ومثل فيلم "السلطان" 1965. وماجدة اخرجت ومثلت "مَن أحب" 1966. ويوسف وهبي 1898 - 1982 اخرج 30 فيلماً من 1935 إلى 1963 وكتب لها السيناريو ومثلها. يقولون إن في اعماق كل ممثل مخرجاً يبحث عن الفرصة. ويردون على هذا القول ان في حبة قلب كل مخرج ممثلاً نائماً ينتظر الفرصة لكي يصحو. ولكن هل عرف واقعنا الفنان الشامل الذي يجمع كل هذه الفنون في شخصه؟ أم أن الامر لا يعدو - في كل ما سبق وكل ما هو راهن - استثمار شهرة الفنان حتى آخر قطرة؟ نجح نور الشريف كممثل، خلال ربع قرن من الزمان، قدم فيه الكثير من الاعمال الجيدة والملتزمة، لكنه باخراجه لفيلم "العاشقان" وضع نفسه في امتحان صعب، واصبح مصيره يتحدد من خلال الاجابة عن السؤال الصعب: هل ينجح نور الشريف مخرجاً؟