الكاتب وفرسان الملكة في 1968 ارسل وول سويينكا مخطوطة مسرحية كتبها في سجنه بثفل القهوة الى مسؤول مسرحي اميركي، ونشرها في ما بعد بعنوان "مجانين واختصاصيون" ثم غيره الى "مجانين وعلماء". اشهر كتّاب افريقيا كان اول افريقي اسود يحوز جائزة نوبل للآداب في 1986، لكنه كان رجل قول وفعل، واحتفظ برأسه لنفسه لا للجماعة. ساندت قبيلته يوروبا الحكم في نيجيريا لكنه تعاطف مع دولة بيافرا المسيحية الانفصالية فسجن سنتين امضى معظمها في زنزانة انفرادية. قبل ذلك هدد موظفي اذاعة نيجيرية في غرب البلاد بقوة السلاح، وأجبرهم على بث بيان معارض كتبه بنفسه ودعا فيه رئيس الحكومة الى الرحيل بدلاً من اذاعة بيان رسمي صادر عن الاخير. سويينكا الذي تخرج في اواخر الخمسينات في جامعة ليدز، بريطاني، شكا قبل ايام في "المعاملة المهينة والاسئلة التي لا تصدق" التي يواجهها في مطارات بريطانيا. وزارة الداخلية تذرعت بمعلومات موجودة على الكومبيوتر لا تستطيع الافصاح عنها، فرد سويينكا انه يزور بريطانيا منذ زمن طويل لكنه لم يتعرض للمضايقات الا بعد بث مسرحية له في اذاعة بريطانية منذ نحو عامين استند فيها الى المشكلات التي تعرضت لها ابنته مع موظفي الهجرة وانتقد فيها وزارة الداخلية. ينفر بشدة، قال، من ربط المسرحية بمعاملته السيئة، لكنه يفكر في رفض دعوة اية جهة بريطانية بعد الآن. الصحافة تشير الى تورط عدد من النيجيريين في عمليات احتيال ادت الى مزيد من الحيطة في المطارات، لكنها لا تصدق ان ذلك يشمل الكاتب الحائز اكبر جائزة في العالم. ساد الانطباع سنين في اوروبا ان الاكاديمية السويدية ستختار ليوبولد سنغور، الشاعر ورئىس السنغال السابق، اول فائز افريقي بجائزتها. كان سنغور عضواً في الاكاديمية الفرنسية، وهذا اكبر شرف تمنحه فرنسا للكتاب بلغتها، وهجس مع شعراء افارقة آخرين بما سمي "الزنوجة" او البعد الروحي الذي يملكه كل اصحاب البشرة السوداء في افريقيا. لكن سويينكا سخر من الادعاءات، الافريقية وغيرها، وقال: "لم اسمع ابداً بنمر يطوف وهو يفاخر بنمورته"! استندت الاكاديمية في اعلانها عن فوزه بنوبل الى مسرحيتيه "رقصة الغابات" و"الموت وفارس الملك" دليلين على ان سويينكا "احد اكبر المسرحيين الشاعريين الذين كتبوا بالانكليزية". ورأى هو الجائزة مكافأة لجماعة من الكتّاب، لا له شخصياً، واعترافاً بالثقافة الافريقية السوداء الغنية الشفهية والمكتوبة. في السابعة والستين، علّم في جامعتي كمبريدج البريطانية ويال الاميركية وغيرهما، وعانى قمع النظام العسكري في عهد ساني اباشا ومصادرة جواز سفره قبل عودة الحكم الديموقراطي. شكل مجلساً مهمته قلب حكومة اباشا، وكتب منذ استقلال بلاده ضد الاوهام وخلق الاساطير الرومنطيقية عن حاضر اخفق في ان يكون العصر الذهبي كما روّج كثيرون. هاجم القيادات المستبدة والمجتمع النيجيري، وامتزج حس المرح لديه بالهجاء والاسلوب الشعري الرفيع. مسرحي، روائي، شاعر، ناقد وصانع افلام، ويحمل وطنه معه وان كان يعيش في الولاياتالمتحدة الاميركية. "على الفن ان يفضح ويعكس ويكبّر دواخل المجتمع المنحطة العفنة التي نبذت كل احساس بالقيم" قال. قوة الفن الاصلاحية تتعدى بلاده الى كل البلاد، لذلك لا يفهم العلاقة المحتملة بين مضايقته في بريطانيا وانتقادها في ادبه. "احب الحياة، وجماعة البشر جماعتي". كل البشر، بيضاً وسوداً. عودة موديلياني "اريد حياة قصيرة ولكن كثيفة" قال اماديو موديلياني، وكان له ما اراد. توفي في الخامسة والثلاثين في 1920 بفعل السل وربما ايضاً بسبب ادمان الكحول والمخدرات، ولونت حياته فنه فجعله البعض فناناً كبيراً وعبقرياً في حين لم ير فيه البعض الآخر غير فنان سطحي لم يعدم لحظات من اللمعان. لم تثر الرسوم السبعة التي بيعت اخيراً في مزاد لدار سوذبي في لندن اهتماماً غير عادي بعد الضجة التي قامت عندما نظم معرض "موديلياني المجهول" قبل سبعة اعوام وضم نحو اربعمئة عمل انقذ بعضها من سلة المهملات. كانت رسوم المزاد من مجموعة الدكتور بول الكسندر الذي جمع معظم اعمال موديلياني بين 1906 و1914 ورجاه الا يرمي اي رسم في سلة المهملات مهما اعتبره حقيراً. اوى الكسندر مجموعة من الفنانين وقال انه ساعدهم بما تيسر من مورده الضئيل، قيل انه زودهم الأفيون في مقابل الاحتفاظ بأعمالهم. كان الرسام اليهودي الايطالي طفلاً كثير الاصابة بالمرض فلم يرسله اهله الى المدرسة ولبوا رغبته في تعلم الفن. في اوائل عشريناته قصد باريس التي غيّرته خلال سنة من شاب بورجوازي يبكي عندما يقرأ رسائل امه الى فنان صاخب عربيد يبحث عن كل الوسائل لاثارة حواسه. "الكحول شر للطبقة الوسطى ... لكنها ضرورية لنا نحن الفنانين". ترك قصة في كل مشرب في مونمارتر، التلة الباريسية التي عجت بالفنانين والسياح ثم انتقل الى مونبارناس، المنطقة الفنية الاخرى وعاش في مسكن قذر يرهن ثياب رفيقه ويفعل هذا مثله ليستطيعا شراء الكحول. سخر اول الأمر من ملابس بيكاسو المتسخة، وما لبث ان عاش حياة التشرد بامتياز ونقّب في نفايات الشارع عما يأكله. دمر نفسه في الوقت الذي حطم ما ومن يقترب منه. تشاجر مع صديقته الانكليزية فرماها بالقناني وأزال الجص من الجدران بيديه ثم قذف بها من الشباك. اما صديقته الفرنسية فرمت هي نفسها من النافذة عقب موته، وكانت حاملاً في شهرها التاسع وفي الثانية والعشرين من عمرها. كان حلم المزورين وكابوس المؤرخين. تخلص من رسومه ولوحاته بطريقة فوضوية جعلت اصحاب المساكن التي عاش فيها يؤون الفنانين مجاناً بعد موته في مقابل تزوير هؤلاء اعماله. بعض الاعمال المزورة بيعت بمبالغ خيالية، اذ بدأت اسطورة الفنان البوهيمي فور موته الباكر الذي اعتبره كثيرون انتحاراً. كانت الجنازة في طريقها الى مقبرة بير لاشيز الشهيرة عندما وقف الشرطي الذي اعتاد اعتقال الفنان متأهباً احتراماً للميت. "ها هو مودي موديلياني ينتقم لنفسه"، قال بيكاسو. تأثر بالفنون الافريقية والشرقية والاغريقية وعصر النهضة، ولم يتوقف كثيراً عند تراث بلاده الغني كأنه شاء التميز عنه قصداً. نعرف نساءه من وجوههن الطويلة وأفواههن الصغيرة وعيونهن الضيقة الفارغة وأنوفهن الدقيقة القريبة من الفم. استقى هذه الملامح من الاقنعة التي استبدل الوجوه بها احياناً، وظلل الخطوط الخارجية بريشة سريعة قاتمة كما لو كان يبحث عن كثافة او ثقل ما يخفف من الفراغ في الرسم. لولا بول الكسندر، قال البعض، ما كان هذا الايطالي القصير القامة اصبح رساماً. لكن القائلين انه رسام من الدرجة الثانية يرون انه كان سيخلق اسطورته ما دام واعياً ما يكفي لكي يخط شيئاً على الورق. مشى عارياً في الشوارع وعشق النساء وعزز ضعفه بالشرب والادمان ومات شاباً. هل يحتاج الى اكثر من ذلك ليصبح فناناً كبيراً في الوعي الجمعي؟ سمعة فاغنر احب بعض الحب وكاد يتزوج لكنه اولع بالأطفال والحيوانات. مع ذلك هجته الكتب عن القطط التي قيل انه كان يرميها بالسهام من نافذة غرفته ثم يأتي بها الى بيته ليسمع انين احتضارها ويسجله نوتات موسيقية. الباحث كالوم ماكدونالد برأ يوهانس برامز من تهمة اغتيال القطط ولام زميله ريتشارد فاغنر السليط اللسان الذي ألصق التهمة به زوراً. الهررة تموت بهدوء، قال ماكدونالد، ومسألة "الجرائم" وردت في الكتب عن القطط لا الموسيقى، وهذا مثير للشك، والأهم من ذلك كله، لا يمكن ان تكون سهام القوس الذي قيل انه امتلكه قوية ما يكفي لتقتل هرة. نستطيع ان نتذرع ان عدم تعاطفنا ينبع من كون الانسان عندنا ارخص من الكلاب والهررة، لكن البريطانيين يميلون الى تصديق الاستنتاج الذي توصل اليه الباحث. الحديث عن سادية برامز "فبركة خبيثة" وهم يستطيعون سماع موسيقاه بعد الآن من دون ان يخشوا ان تلك النوتات الرفيعة صورت احتضار اسلاف قططهم الحبيبة. كان بيتهوفن المثل الأعلى لبرامز الذي كبّله اعجابه فلم يجرؤ على تأليف سمفونية قبل الثالثة والاربعين من عمره. كان كلاسيكياً تقليدياً سار على خطى بيتهوفن وهايدن وموتسارت، ووجد نفسه في مواجهة مع الرومنطيقيين المجددين فرانز ليست وريتشارد فاغنر. ركز هذان على اللحظة العاطفية وخففا من شأن موسيقى برامز التي وجداها قديمة الطراز وغير معبرة. محبو الموسيقى انقسموا بين الفريقين لكن برامز 1833-1897 احترم فاغنر دائماً على هجوم انصار الاخير الدائم عليه. برز يوهانس برامز منذ مدحه الموسيقي والناقد روبرت شومان الذي فتح بيته لزميله الشاب فصادق زوجته كلارا وقيل انه احبها، لكن موت شومان لم يطور صداقتهما العميقة الى ابعد من ذلك. كاد يتزوج في اواسط عشريناته وتراجع ربما لعجزه عن التعبير عن مشاعره خارج الموسيقى وغضبه السريع ونفوره من اظهار عاطفته. نقله عمله الكورالي "جناز الماني" الى الصف الاول بعدما شغله منذ موت شومان. ازدادت ثقته بنفسه فألف اربع سمفونيات جعلت معاصريه يتحدثون عن "الباءات الثلاثة العظيمة" اي باخ وبيتهوفن وبرامز. مع ذلك بقي فاغنر يعتبره موسيقياً من الدرجة الثانية لافتقار اعماله الى العاطفة والتجديد، وقال بعد سماعه عملاً لبرامز: "الشر يبدأ عندما يحاول احدهم التأليف افضل من استطاعته". الأكيد ان برامز كان قادراً على مزج النكتة واللؤم كزميله. في اواخر حياته قال قبل ان يغادر حفلة في فيينا: "اذا كان هناك من لم أهنه اعتذر". مرض بعد موت كلارا شومان في ربيع 1896 وتوفي في الربيع التالي بالسرطان. قد نعرف ما اذا كان احبها حقاً اذا قيّض لنا باحث حريص على سمعة برامز تجاه النساء المتزوجات لا الهررة وحدها.