أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    ترسيخ حضور شغف «الترفيه» عبر الابتكار والتجديد    رحلة طموح    حقبة جديدة    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    فوز ترمب.. استمرارية العرف الاجتماعي أم بوادر تحول في الهوية الأمريكية ؟    الغرب والقرن الأفريقي    نعم السعودية لا تكون معكم.. ولا وإياكم !    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    مدرب الأخضر يستبعد عبدالإله العمري ويستدعي عون السلولي    الأزرق في حضن نيمار    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    «زهرة» تزرع الأمل وتهزم اليأس    مقال ابن (66) !    أين فقرة الكتاب في البرامج اليومية؟    الاتحاد يتغلب على العروبة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ضبط شخصين في جدة لترويجهما (2) كيلوجرام من مادة الحشيش المخدر    شرطة النماص تباشر «إطلاق نار» على مواطن نتج عنه وفاته    «السوق المالية»: إدانة 3 بمخالفة نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية ونظام الشركات وتغريمهم 3.95 مليون ريال وسجن أحدهم    «سلمان للإغاثة» يوزع 1.490 من السلال الغذائية والحقائب الصحية في محافظة إدلب    وكيل أعمال سعود عبدالحميد يكشف حقيقة عودة موكله إلى «دوري روشن»    انطلاق أعمال مؤتمر النقد السينمائي الدولي في الرياض    إنطلاق أعمال المؤتمر العالمي لطب الأعصاب بمشاركة اكثر من 350 مختصاً    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    "سلمان للإغاثة" يوزع 2.459 كرتون تمر في مديرية الوادي بمحافظة مأرب    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    الأمير محمد بن عبدالعزيز يدشّن فعاليات مهرجان شتاء جازان 2025    بانسجام عالمي.. السعودية ملتقىً حيويًا لكل المقيمين فيها    رحيل نيمار أزمة في الهلال    «دار وإعمار» تكشف مشاريع نوعية بقيمة 5 مليارات ريال    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    المريد ماذا يريد؟    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    الدولار يقفز.. والذهب يتراجع إلى 2,683 دولاراً    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«سيمفونية برامز الأولى»: كأنها سيمفونية بيتهوفن العاشرة
نشر في الحياة يوم 23 - 03 - 2010

نعرف طبعاً ان بيتهوفن لم يكتب سوى تسع سيمفونيات، آخرها التاسعة، تلك التي أوصل فيها الموسيقى الى ذروة تعبيرية ما بعدها من ذروة. ونعرف ان كثراً من الموسيقيين وجدوا انفسهم عاجزين، بعد أن سمعوا ذلك العمل الاستثنائي، عن الزعم ان في إمكان أي منهم مضاهاته. كان من شأن السيمفونية التاسعة لبيتهوفن أن تشكل حاجزاً نهائياً وتدفن الفن السيمفوني الجدّي الى الأبد. ومع هذا ثمة في تاريخ الموسيقى عمل يطلق عليه اسم «سيمفونية بيتهوفن العاشرة». لكن هذه السيمفونية لم يكتبها بيتهوفن، بل مواطنه برامز، يوهان برامز، أحد آخر العمالقة الكبار في الموسيقى الألمانية. ولم يكن برامز من أعطى سيمفونيته، وكانت الأولى بين أربع، ذلك اللقب، بل هانز فون بيلو. ومن بعده سادت الفكرة وترسخت، حتى جاء الناقد ومؤرخ الموسيقى الكبير الفريد اينشتين لينقض الفكرة من أساسها في كتابه «الموسيقى في العصر الرومانطيقي» حيث قال ان كلمات فون بيلو هذه غير موفقة، لأن هذه السيمفونية «لا تربطها ببيتهوفن إلا صلات محدودة». وكانت الخاصية التي جعلتها تقف في صف واحد الى جانب المؤلفات الكلاسيكية الأصلية وتحديداً تجعلها تعتبر امتداداً لسيمفونيات بيتهوفن، في رأي اينشتين «ما فيها من تركيز في البناء واتقان ورسوخ». وفي يقيننا ان هذه العناصر وحدها كانت هي ما جعل هواة الموسيقى وعلى رغم اعتراض اينشتين، يواصلون مقارنة سيمفونية برامز الأولى بأعمال بيتهوفن.
ومهما يكن من الأمر، فإن برامز نفسه لم ينكر أبداً هذا الانتماء. وهو لئن كان لم يبدأ خوض الكتابة السيمفونية إلا في وقت متأخر إذ كان بلغ الرابعة والأربعين من عمره، فإنه لم يخف أبداً على خاصته على الأقل، انه انما كان قبل ذلك خائفاً، لا يجرؤ على الدنو من عالم كان بيتهوفن سيده، ويجدر به أن يكون خاتمه. ولكن حدث بعد أن كتب برامز قطعته الرائعة «تنويعات على فكرة لهايدن» أوائل سبعينات القرن الذي عاش فيه، ولقيت تلك القطعة ما لقيت من نجاح جعل نقاداً كثراً يتساءلون: «إلام سيظل كاتب هذه القطعة خائفاً من دون خوض الكتابة السيمفونية؟»، حدث أن قرر برامز، في تردد، تجربة حظه، فكتب الحركة الأولى من سيمفونيته العتيدة في العام 1873 وأسمعها لعشيقته كلارا شومان. وكان رد فعل كلارا مذهلاً: الموسيقية وأرملة شومان أعجبت بالحركة ولم تكف منذ تلك اللحظة عن مطالبة عشيقها بأن يكمل. فأكمل ولكن ببطء. وهكذا ولدت في العام 1877 تلك السيمفونية التي اتبعها برامز خلال السنوات العشر التالية بثلاث سيمفونيات اخرى، ثم توقف إذ شعر ان مهمته كمكمل لبيتهوفن، في كتابة السيمفونية على الأقل قد اكتملت.
إن كثراً من النقاد والمؤرخين يترددون من دون اعتبار «السيمفونية الأولى» أهم عمل كتبه برامز في هذا السياق، بل لعل الحاقها - مجازاً - بأعمال بيتهوفن لم يكن أكثر من تعبير عن تلك النظرة اليها. فهذه السيمفونية حفلت بمشاعر عنيفة درامية وبطولية تذكر الى حد كبير ببعض أجمل مقاطع «تاسعة» بيتهوفن. وهو تعبير لن يعود اليه برامز، في الثلاث التالية، إلا في الخاتمات التي راح يتعمد، في لعبة «ميزا نسين» ذكية، ان تكون شديدة القوة والتعبير، حتى وان كان سياق السيمفونيات نفسها هادئاً.
تتألف سيمفونية برامز الأولى، وهي من مقام «دو صغير»، من أربع حركات أولاها تتسم بعاطفة مشبوبة، تكاد تكون درامية خالصة، فيما تتسم الحركة الثانية بانفعالية فصيحة، قبل أن يهدأ الانفعال في الحركة الثالثة، التي بعد انسياب هادئ مغرق في الرومانطيقية، تترك المجال واسعاً في الخاتمة، لحركة «اليغرو نون تروبو» لا تخلو من «صخب» وتذكر الى حد كبير، في موضوعتها الرئيسة على أي حال، ب «نشيد المسرة» الذي يختتم به بيتهوفن، تقريباً، سيمفونيته التاسعة: ولعل ما يميز هذه الخاتمة ويجعلها بيتهوفنية الطابع الى هذا الحد هو استخدام لحن يؤديه «الكور» (البوق)، ويذكر بالنداء المعهود في غياهب الجبال، من طريق «كور» الرعاة. واللافت ان برامز سرعان ما يحل اصوات «الترومبيت» بعدد مدهش، محل صوت «الكور»، مستبدلاً اياها بعد ذلك بنغم مدهش تؤديه الكمانات، في انسياب رومانطيقي يقطع على المستمع أنفاسه. ومن الواضح ان هذه النقلة المفاجئة، والتي قلما أقدم موسيقي على كتابتها قبل أن يجرؤ بيتهوفن على ذلك، اضافة الى روح «نشيد المسرة» التي تهيمن على الخاتمة، كانا ما دفعا فون بيلو الى ذكر بيتهوفن في هذا السياق.
من ناحية تاريخية وفي سياق مسار برامز الموسيقي، قد لا تكتسب هذه السيمفونية الأولى أهميتها من تفوقها الفني الخاص - مع انها لا تخلو من ذلك - بل تحديداً من كونها هدمت حاجز الخوف لدى مؤلفها. فهي أثبتت لبرامز انه لئن كان من «المستحيل» تجاوز بيتهوفن، يمكن مجاراته على الأقل. وبقي أن نذكر هنا ان برامز، قدم سيمفونيته تلك في لندن، حين بعث مع صديقه جواكيم نوطاتها الى العاصمة البريطانية، في وقت كان برامز دعي الى جامعة كامبريدج ليمنح دكتوراه فخرية، لكنه آثر أن يرسل جواكيم بدلاً منه. والمهم في هذا ان السيمفونية قدمت ونالت اعجاباً. وأحدث ذلك تبديلاً جذرياً في حياة برامز، إذ انه عكف طوال السنوات العشر التالية (سنواته السيمفونية) على كتابة بقية السيمفونيات: «الثانية» (من مقام «ري» كبير) وأتت ناعمة هادئة تفادى فيها برامز المناخ الانفعالي الدرامي والبطولي الذي سيطر على الأولى، «الثالثة» (من مقام «فا» كبير) التي كتبها بعد ست سنوات بعد «الثانية»، وجعلها هادئة، على الأقل في حركتها الأولى، ثم راح يصعد حتى «الخاتمة» التي صوّر فيها، على طريق شبّهها كثر بأسلوب فاغنر لاحقاً، صراع عناصر الطبيعة الصاخب في ما بينها. وبعد هذه «الثالثة» بعام كتب برامز سيمفونيته الرابعة والأخيرة، والتي سيقال انه كتبها مستوحياً قراءته تراجيديات سوفوكلس الاغريقية القديمة التي كان منهمكاً في قراءتها في ذلك الحين. وهنا، أيضاً، تبدو «الخاتمة» أقوى ما في هذه السيمفونية، حيث من الواضح ان برامز صاغها انطلاقاً في جملة موسيقية فتنته في «كانتاتا» باخ التي تحمل الرقم 150 ثم طورها مكرراً اياها في 31 تنويعة متصاعدة حتى النهاية.
ولد يوهان برامز العام 1833 لأب كان عازفاً في هامبورغ. ومنذ السادسة من عمره بدأت تظهر عليه ملامح العبقرية الموسيقية. وفي العاشرة بدأ يعزف البيانو أمام الجمهور وينال اعجاباً. وفي سن المراهقة بدأ يكتب مقطوعات صغيرة. في العام 1853 قدمه صديقه جواكيم الى ليست، ثم قدمه الى شومان في داسلدورف، فاستضافه هذا في بيته. وكانت النتيجة ان أغرم الموسيقي الشاب بزوجة الأستاذ الكهل كلارا. ودام غرامهما طويلاً، لا سيما حين مات شومان وترملت كلارا، غير انهما لم يتزوجا. في العام 1863 انتقل برامز الى فيينا، وكانت أعماله ولا سيما «كونشرتو البيانو» و «القداسات» و «التنويعات» بدأت تعرف على نطاق واسع. أما عمله الأكبر قبل خوضه السيمفونيات فكان «الخباز الألماني» (1868). أما بعد مرحلته السيمفونية فإنه انصرف الى كتابة التنويعات. وهو مات في العام 1897 متأثراً بمرض أصابه ودفن وسط جنازة مهيبة الى جانب بيتهوفن وشوبرت.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.