يتوقع لأسعار النفط أن تتراجع بعض الشئ خلال النصف الثاني من هذه السنة وذلك نتيجة لضعف الطلب على النفط بسبب تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وعودة العراق إلى تصدير نفطه بعد أن قررت الأممالمتحدة تمديد برنامج النفط مقابل الغذاء لمدة ستة أشهر. على رغم محافظة أسعار النفط على قوتها، فقد ساهمت عوامل عدة في الحد من ارتفاعها في الأشهر الأخيرة. وربما كانت هذه العوامل هي السبب وراء قرار منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك الأخير بعدم رفع سقف إنتاجها النفطي. ويأتي في مقدم هذه العوامل الانخفاض الضئيل في إنتاج أوبك الإجمالي بما لا يتعدى 100 ألف برميل يومياً عما كان عليه في بداية العام الجاري. ففي حين قررت "أوبك" خفض سقف إنتاج الدول العشر الرئيسية بمقدار 2.5 مليون برميل يومياً، انخفض الإنتاج الفعلي بمقدار 1.9 مليون برميل يومياً فقط خلال الأشهر الثلاثة الماضية، في حين عادت الصادرات النفطية العراقية إلى السوق بعد أن توقفت لمدة شهر تقريباً. وقد تبين من التقديرات الأولية لوكالة الطاقة الدولية تدني نمو الطلب في النصف الأول لسنة 2001 عن النمو المقدر له. ولذلك قامت وكالة الطاقة الدولية ومركز دراسات الطاقة العالمية بتخفيض تقديراتهما للنمو المحتمل لعام 2001 إلى 1.3 في المئة من 2.3 في المئة في كانون الثاني يناير الماضي. كما قدرت وكالة الطاقة الدولية تجاوز العرض العالمي للطلب خلال الاثني عشر شهراً الأخيرة مما ساعد على إعادة بناء المخزون النفطي خلال الفصلين الماضيين، ولو أن معدلاته بقيت أقل من المستويات المرتفعة التي وصل إليها في عام 1998. ومن المنتظر لسعر خام القياس البريطاني "برنت" أن يكون عند معدل 24 دولاراً للبرميل هذه السنة مقارنة مع 28.8 دولار سجلها في عام 2000. فالعوائد النفطية المرتفعة ستواصل تدفقها للمنطقة هذا العام أيضاً مما يساعد على دعم مستويات النمو في إجمالي الناتج المحلي في كل دول الخليج العربي. وفيما يتعلق بالقطاعات غير النفطية بما فيها القطاع الخاص فسيكون لها نصيب أيضاً في النمو حيث قد تشهد تسارعاً في نشاطها يفوق ما سجلته خلال العام الماضي والسبب في ذلك يعود إلى تزايد ثقة المستهلك بأن هذه السنة ستكون أفضل وسيتم أيضاً إعادة النظر في عدد كبير من المشاريع الاستثمارية العائدة للقطاع الخاص والتي توقف العمل بتنفيذها خلال السنوات الماضية. وبالنسبة لدول الخليج العربي فقد سجلت نسب نمو مرتفعة إذا ما قيست بالأسعار الجارية خلال العام الماضي، حيث بلغت 15.5 في المئة في السعودية و20.4 في المئة في دولة الإمارات العربية المتحدة وعُمان 22 في المئة وقطر 26 في المئة. وتركزت نسبة النمو بشكل رئيسي في قطاع النفط بسبب ارتفاع الأسعار ومعدلات الإنتاج. ووفق الأرقام الحقيقية أي من دون الأخذ في الاعتبار ارتفاع أسعار النفط فإن معدل النمو جاء في حدود 4.5 في المئة في السعودية على سبيل المثال، وشهدت القطاعات غير النفطية في المملكة نمواً في حجم الأعمال، كما سجل القطاع الحكومي نمواً بنسبة اثنين في المئة في حين سجل القطاع الخاص معدل نمو حقيقي بلغ حوالى 3.5 في المئة. ولم تتراكم الديون على الحكومة خلال العام الماضي إذا خصص الفائض في الموازنة لدعم الاحتياطي ولتسديد الديون المستحقة للمقاولين والمزارعين والممولين. ووصل حجم الدين الداخلي للسعودية إلى نحو 610 بلايين ريال سعودي 163 بليون دولار أو 100 في المئة من إجمالي الناتج المحلي ويعود حوالى 80 في المئة من هذا الدين لمؤسسات حكومية. أما بالنسبة لحجم النمو الحقيقي المتوقع لهذه السنة فيقدر بحدود 3.5 في المئة في حين من المنتظر أن تسجل القطاعات غير النفطية نمواً نسبته ثلاثة في المئة. أما في الكويت فلقد جاء النمو بالأسعار الجارية خلال العام الماضي بنحو 11.5 في المئة وبالتقديرات الحقيقية في حدود اربعة في المئة. ومن المتوقع أن تبقى هذه النسبة عند ثلاثة في المئة السنة الجارية بسبب ثبات أسعار النفط وما تخصصه الحكومة من نفقات في الموازنة العامة إضافة إلى عودة الثقة لمجتمع رجال الأعمال. وفي عُمان من المنتظر أن يساعد تبني الحكومة لسياسة تخصيص شاملة وتطبيق المزيد من الإصلاحات الاقتصادية وانضمام الدولة الى منظمة التجارة الدولية، والمباشرة بتنفيذ عدد من المشاريع الصناعية التي تعتمد على استغلال من تمتلكه عُمان من موارد غنية من الغاز الطبيعي، كل هذه العوامل ستساعد على تدفق المزيد من الرساميل والاستثمارات وتحقيق معدلات نمو عالية خلال السنوات القليلة المقبلة. وقدرت نسبة النمو الحقيقي في البلاد بحوالى 4.5 في المئة عام 2000 و3.5 في المئة سنة 2001. أما بالنسبة للاقتصاد القطري، تشير الأرقام إلى أنه حقق نمواً بالأسعار الثابتة وصل إلى سبعة في المئة خلال العام الماضي وهي أعلى نسبة نمو سجلت في المنطقة العربية كما أن معدلات النمو المتوقعة هذا العام ستكون أيضاً مرتفعة في حدود ستة في المئة. ويعود ذلك إلى البدء بتنفيذ مشاريع جديدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال خلال العامين الماضي والحالي والقيام بتبني برنامج تخصيص شامل إضافة إلى زيادة حجم الاستثمارات في القطاعات غير النفطية. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة قدرت نسبة النمو في إجمالي الناتج المحلي بنحو 6.5 في المئة خلال العام الماضي بفضل تنفيذ مشاريع عدة أهمها مشروع مدينة الانترنت في دبي والاستثمار في مشاريع النفط والغاز التي تقوم بها "شركة نفط أبوظبي الوطنية". ومن المنتظر أن تبلغ نسبة النمو الحقيقي خلال السنة الجارية نحو خمسة في المئة بفضل النجاح الذي يحققه القطاع غير النفطي. أما في البحرين فقد نما الاقتصاد بحوالى 3.5 في المئة وفق التقديرات الحقيقية في عام 2000 ومن المنتظر أن تبقى في حدود 3.3 في المئة خلال السنة الجارية بسبب فتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية وما سيترتب على ذلك من مكاسب. وتواجه الدول العربية تحديات اقتصادية كبيرة على المستويين الإقليمي والوطني، ويتوقع أن تتابع دول مجلس التعاون الخليجي نموها المضطرد خلال النصف الثاني من سنة 2001، ولكن لا بد لهذه الدول من معالجة الاختلالات المالية القائمة وتنويع مصادر الدخل لديها والسير قدماً في الإصلاحات الاقتصادية. لقد تم التركيز في الاعوام القليلة الماضية على ضبط الإنفاق العام عن طريق الحد من المصاريف على المشاريع بدلاً من تخفيض بنود الإنفاق الجاري مثل الأجور وفوائد الدين العام ومخصصات الإنفاق العسكري. وباستثناء بعض الحالات ما زال التخصيص في المنطقة يسير بشكل بطئ بسبب عدم وجود أسواق رأسمالية متطورة، إضافة إلى التوجهات السياسية التي ما زال بعضها رافضاً للتغيير ولقد أصبح ضرورياً اليوم إعادة رسم خريطة جديدة لمستقبل الاقتصاد الخليجي. ولا بد من المضي قدماً بتنفيذ العديد من الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها في سورية، وتسريع عملية إعادة هيكلة الاقتصاد التي بدأت في لبنان لوضع حد للزيادة المتفاقمة في عجز الموازنة وأعباء خدمة الدين التي وصلت إلى مستويات خطرة. وإذا ما تحقق الاستقرار في مناطق السلطة الفلسطينية فإن ذلك سينعكس إيجابياً على مناخ الاستثمار في المنطقة وسيحفز انطلاق عملية التنمية بشكل قوي ولكن لا بد من دعم هذه العملية عن طريق تطوير الهيكل الاقتصادي، وتحرير التجارة الخارجية، وتوفير بيئة قانونية مستقرة وشفافة، وتقوية القطاع المالي وتغيير دور الحكومة من "لاعب" مهيمن على الاقتصاد إلى "حكم" منظم في سوق تنافسي حر. * "جوردان انفستمنت تراست" جوردانفست.