روي هترسلي ليس متطرفاً. في أوائل الثمانينات حين استولى اليسار المتطرف على حزب العمال تصدى له. لم ينشق عنه كما فعلت "عصابة الأربعة" ممن أسسوا "الحزب الديموقراطي الاجتماعي". بقي وقاتَل اليسار المتطرف ونجح: انتُخب، لباقي الثمانينات وأوائل التسعينات، نائب القائد الذي كانه نيل كينوك. الاثنان ناضلا، ومعهم أقطاب عماليون كدنيس هيلي، لتحديث الحزب وأخرجوا "الجيوب التروتسكية" منه. ثمة من اعتبرهم جداً أعلى لتوني بلير. هترسلي وكينوك وهيلي بدأوا مصالحة "العمال" مع الطبقة الوسطى من غير ان يقطعوا مع نقاباته ومع تراثه الاشتراكي الديموقراطي. هاجسهم كان تزويج التقليدين الأوروبيين العريقين: الليبرالي والاشتراكي الديموقراطي. هترسلي غاضب هذه الأيام. أطلق قنبلته من على صفحات "الأوبزرفر". دعا العمال الى ان يقاتلو "انقلابيي" الحزب اليمينيين، ووعد بأنه، رغم تقاعده، سيكون في طليعة المقاتلين، كما فعل أوائل الثمانينات ضد اليساريين. في رأيه ان بلير يعتمد فلسفة بديلة كلياً، عنوانها سلطة أهل الجدارة ميريتوقراطية. والجدارة خلاصة الدأب والجدّ والبراعة والنجاح. وهذه لا صلة لها بالعمال لأن المرء كي يصبح "جديراً" تلزمه مواصفات مفروض بالدولة ان تؤمّنها: أبناء دواخل المدن الفقراء ينبغي تعليمهم وتحسين وضعهم الصحي وتوفير الفرص لهم كي يصبحوا "جديرين". كلام بسيط وبديهي. لكنه قد يشعل "العمال" بعد انتصاره الثاني. فالذين تفاءلوا بأن الحزب سينحاز قليلاً الى اليسار في عهده الثاني، ومنهم هترسلي، ساءهم انه بدأ بسرعة ينحاز الى اليمين. ومقالة "الأوبزرفر" قد تكون راية المعركة في مؤتمر الحزب السنوي في الخريف. الموضوع الخلافي الابرز هو استخدام شركات خاصة لادارة الخدمات العامة. هذا هو العلاج الذي اقترحه بلير للمشاكل المتفاقمة في الطبابة والتعليم والمواصلات. بعض الأرقام وقود للمواجهة: في بريطانيا، واحد من كل سبعة اطفال يحظى بخدمات العناية ومعظمها مدفوع من الأهل. في الدنمارك تسعة من كل عشرة، والعناية تؤمّنها الدولة. في بريطانيا، المعدل الوسطي لسرعة قطار "فيرجين" ما بين لندن ومانشيستر 70 ميلاً في الساعة. في فرنسا، معدل سرعة "تي. جي. في." ما بين باريس ومارسيليا 158 ميلاً. في بريطانيا، 34 في المئة من القوة العاملة يحملون شهادة ثانوية. في ألمانيا، 74. في بريطانيا، 60 طبيباً "رسمياً" لكل مئة الف من السكان. في فرنسا، 150. في بريطانيا، 400 سرير استشفائي لكل مئة الف. في اليابان، 1600. في بريطانيا، تُعطى الأم بعد الولادة 90 في المئة من أجرها الأصلي لستة اسابيع، ثم تُعطى ل 12 اسبوعاً 20،62 جنيهاً أسبوعياً. في السويد، يُدفع لها على مدى اجازة كاملة من 12 شهراً 80 في المئة من أجرها. في لندن، 32 شرطياً لكل ميل مربع. في نيويورك، 126. قبل ايام كانت نقابات القطاع العام اعلنت انها "تراجع" صلاتها المالية بالعمال، وهو ما فعلته قبلها نقابة عمال المطافىء التي اوقفت دعمها للحزب. داوننغ ستريت قال إنه سيتفاوض مع جون مونكس، رئيس المؤتمر العام للنقابات، في محاولة للحد من التدهور. بعض النقابات يدعو الى مهرجان شعبي للدفاع عن الخدمات العامة كما يطالب باخضاع الخصخصة لتصويت شعبي مستقل. شخصيات عمالية كالوزير السابق فرانك دوبسون، وغير عمالية بالمعنى التنظيمي كمحافظ لندن كين ليفنغستون، في هذا الجو. وطبعاً هناك بركات القطب المتقاعد توني بن. الأهم، ربما، تقرير "معهد بحوث السياسات العامة" البليري الهوى، الذي حذّر الحكومة من ايحاءاتها المتواصلة بأن القطاع الخاص وحده يملك الحلول! بلير الذي فاز في البلد قد يواجه تمرداً في الحزب. وهو تمرد قد ينجح في اعادة تصويب بعض الاتجاهات في بريطانيا.