يشعر مَن يقرأ كتاب عبدالرحمن بدوي "دفاع عن القرآن ضد منتقديه" ترجمة كمال جاد الله، عن دار الجليل للكتب والنشر، القاهرة 1997 بحنقه وغضبه واستيائه وثورته العارمة تجاه عدد كبير من جهابذة الاستشراق. ويأتي المستشرق الألماني نولدكه في مقدم الذين وجّه اليهم بدوي هجوماً عنيفاً. والجدير بالذكر ان نولدكه كان يدرس الشرق والاسلام من دون أن يكلف نفسه عناء زيارة أي بلد إسلامي، فعاش ومات من دون أن يرى أي مدينة اسلامية. هذه النقطة بالذات يهاجمها بدوي بشدة، فيقول في سياق دحضه لتفسير نولدكه للآية الكريمة: "ثمّ يأتي من بعد ذلك عام فيه يُغاثُ الناس وفيه يُعصرون" يوسف: 49: "... وأعرفُ تماماً أنّ نولدكه لم يغادر أوروبا، ولم تطأ قدمه خلال حياته الطويلة 1836 - 1930م أي بلد عربي أو إسلامي. فمن أين كانت مصادره للدراسات العربية والإسلامية؟ ولكن ألم يقرأ ترجمة القرآن لسال Sale، وهي الترجمة المشهورة جدّاً في القرن الثامن عشر؟ يبدو أنه كان يهذي. إن خطأ نولدكه هنا مزدوج. أولاً: إنه لم يفهم النص العربي للآية 49 من سورة يوسف. وثانياً: إنه يؤكد أنه في مصر لا يُرى المطر، ولا يُفتقد، وهو خطأ ظيم لا يرتكبه أي طفل مصري" ص 180 من الترجمة العربية التي سنعتمدها جزئياً هنا على رغم ركاكتها!. أما المستشرق مرجوليوث، فنال قسطاً وفيراً من هجوم بدوي على الاستشراق الغربي. فبعد الإشارة الى أن مرجوليوث "يتحدر من عائلة اسرائيلية"، يستطرد بدوي قائلاً: "لقد عاش مرجوليوث طوال حياته عدواً لدوداً للاسلام. وقد دفعه تعصبه البغيض الى أن يسوق أحكاماً بالغة الغرابة هاجم بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنكر رسالته" ص67. ويصف بدوي المستشرق هيرشفيلد Hirschfeld الذي أراد إرجاع كلّ شيء في القرآن الى أصول يهودية! ب"التعصب الأعمى المختلط بالزهو والغرور" ص 36. ثم يتابع حكمه قائلاً: "وفي النهاية نؤكدُ أنّ هذه الدراسات الثلاث لهيرشفيلد والتي خصصها للعلاقة بين القرآن الكريم والكتاب اليهودي المقدس ليس لها قيمة، لأنها قائمة على أوجه شبه فرضية، وآراء مبتسرة، ومقدمات لا أساس لها، وتفتقر كلية الى الفهم. وتعويضاً ومكافأة له عن تلك الصفات أصبح هيرشفيلد أستاذاً بجامعة لندن سنة 1924م!" ص 38. نقض الموقف العام للمستشرقين من الإسلام يتهم بدوي المستشرقين بصفة عامة بتحريف الحقائق، وتضليل العباد، ونشر الأكاذيب عن دين الاسلام، فيقول: "... وهدفنا كشف القناع عن العلماء المزعومين الذين قدّموا الضلال والخداع لشعب أوروبا ولغيره من الشعوب الأخرى" ص 16. ويلخص أسباب موقف المستشرقين السلبي من الحضارة الاسلامية في خمس نقاط: "... ومن أجل تصدينا في كتابنا هذا لفضح هذه الجرأة الجهولة الحمقاء عند هؤلاء المستشرقين حولَ القرآن. وأستطيع أن ألخص سبب التردي الذي وقع فيه هؤلاء المستشرقون في الآتي: 1 - جهل هؤلاء المستشرقين باللغة العربية. 2 - ضحالة أو نقص معلوماتهم عن المصادر العربية. 3 - سيطرة الحقد على الاسلام الذي ورثوه ورضعوه منذ طفولتهم على عقولهم، وتسببه في عماء بصيرتهم، فنقلوا الأكاذيب حول القرآن والإسلام بعضهم عن بعض. وتمثل ذلك في كتابات كل من هيرشفيلد، وهوروفيتس، وسباير. 4 - المشابهات الخاطئة التي دفعت السطحيين منهم الى اصدار أحكام سريعة: نقل اقتباس، تقليد، تأثير وتأثر، وأنه ليس في القرآن إلا توافق ظاهري. وهذه هي حال نولدكه، ومرجوليوث، وجولدتسيهر، وشفالي. ولكن نولدكه تراجع عن آرائه التي في كتاب "تاريخ القرآن"، طبعة جوتنجن 1860م، ورفض إعادة طبع الكتاب. 5 - الالتزام التبشيري الشديد التعصب، وتلك حال وليم مويير، وزويمر". ص 15-16، مع بعض التعديلات. تجليل المنصف من الغربيين نود أن نورد ثلاثة أمثلة على موضوعية بدوي وشجاعته وعدم تردده في مدح مَن يراه منصفاً. فهو أولاً لا يخفي إعجابه بالمستشرق الهولندي أدريان ريلاند 1676 - 1718م، لأنه، على رغم عدائه للاسلام، كان يحاول دائماً البحث عن الحقيقة. يقول بدوي عنه: "لقد سحرني هذا الكاتب بإنصافه وعمقه ورأيه الموضوعي جداً تجاه الاسلام، والنبي محمد، بعد هذا الطوفان العظيم من المشنعين، والذين تتابعوا من القرن الثالث عشر، بل ومن قبله، والى نهاية القرن السابع عشر ص 134. ويقتبس بدوي القول الآتي لريلاند: "هذا الجهل من جانب كتابنا الغربيين، إضافة الى الحماسة الكاذبة لبعض صغار اليونانيين الذين كانوا يعيشون بين المسلمين، والذين بدلاً من أن يعرفوهم ويدرسوهم ويدرسوا لغتهم المقدسة، فإنهم ينسلون منذ زمن طويل بتقديمهم لنا بكل سوء نية، تغذية للكراهية والإحساس بالبغض تجاه الأعداء المنتصرين... ولنتكلم بصراحة: فإننا ليس لدينا عن الدين المحمدي إلا أكاذيب. وهذا ما دفعني لاتخاذ قرار، ليس فقط لقول الحقيقة باختصار في ما يخصّ العقيدة، ولكن أيضاً لتصحيح بعض ما قيل من خطأ في هذا الصدد..." ص 150. الترجمة العربية سيئة جداً نأتي الى الملاحظة الرابعة: من المؤسف حقاً أن تكون ترجمة كتاب مهم، كما كتاب بدوي، ركيكة، إذ انها تحتوي على كم هائل من الأخطاء المطبعية والنحوية واللغوية والفنية. ونكتفي هنا بالنقاط الآتية: 1 - مما يؤخذ على هذه الترجمة إهمالها الواضح للاستخدام الصحيح لعلامات الترقيم، فيتداخل بعض المقاطع بلا فواصل ولا نقاط ولا حدود. 2 - أهمل المترجم أيضاً ذكر الأسماء الأعجمية، وعناوين الكتب الأجنبية، بلغاتها الأصلية، كما هو متبع في ترجمة الكتب العلمية. 3 - قام المترجم بحذف آخر جزءين من الكتاب الأصلي، وهما جدول وثبت للمراجع. 4 - ص 38: ترجم المترجم عبارة: D.B. Macdonald, art. All‰h - هكذا: "د.ب - ماكدونتال: الفن - لله"! والصحيح: "د.ب. ماكدونالد، مقال: الله". 5 - ص 77 وغيرها: لم يترجم المترجم اللفظ الألماني Nachdruck - ومعناه: إعادة طبع - بل كتبه بالعربية ناخدرك، وكأنه اسم دار النشر! 6 - ص 99: أورد المترجم أرقام السور القرآنية بدلاً من أسمائها على طريقة الغربيين! * باحث مصري مقيم في زوريخسويسرا.