سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
صاحب محل الملابس في مالطا تذكر زبونه "الليبي"... بعد 9 أشهر من لقائهما . هكذا حصل الاختراق في "الحلقة المالطية"... وتغيرت وجهة التحقيق هذه قصة الفلسطيني أبو طالب .. ولهذه الأسباب لا يمكن ان يكون متورطاً في لوكربي 3
} عالجت الحلقة السابقة من كتاب "تكتّم تمليه المصلحة: لوكربي الفضيحة الخفية"، موضوع اعتقالات "أوراق الخريف" في المانيا. وتتناول حلقة اليوم قصة انتقال مجرى التحقيق من الإشتباه في تورط "القيادة العامة" الى "الحلقة المالطية". في الشهور التي تلت كارثة لوكربي استمرت التفاصيل في التكامل، وبدا الكل مقتنعاً أن التفجير كان انتقاماً لاسقاط رحلة الطيران الايراني 655، وان "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" .... نفّذت العملية لحساب ايران. بل كان هناك في الواقع، في 12 أيلول سبتمبر 1989 شبه تأكيد رسمي لمسؤولية الجبهة، عندما أعلن باك ريفيل، مسؤول مكافحة الارهاب في مكتب التحقيقات الفيديرالي "أف. بي. آي" الى لجنة مختصة في الكونغرس ان المكتب يعتقد انه نجح في تحديد المنظمة المسؤولة عن التفجير. كما أكدت تسريبات رسمية ان خالد جعفر كان الشخص الذي نقل القنبلة دون أن يدري. وأعطى العثور على آثار مخدرات في موقع سقوط الطائرة وزناً إضافياً الى الرأي القائل ان الارهابيين استغلوا عملية لتهريب مخدرات من الشرق الأوسط للقيام بمهمتهم. قبل ذلك كان تقرير جوفال أفيف أكد هذه النتائج وأوضح بعض خفايا القضية، من بينها الأسئلة عن سبب التكتم على وجود المخدرات، وتلهف المحققين الأميركيين لاستعادة أمتعة الميجور تشارلز ماكي من الحطام، ورفض بريطانيا والولايات المتحدة القيام بتحقيقات شاملة أو اطلاق وثائق بحوزتهما عن التفجير. ما لم يعرفه العالم وقتها، وقبل تسريب السيناريو المخيف الذي حمله "تقرير انترفور"، أن الخطوات الحاسمة الأولى لاصطناع رواية مختلفة تماماً عن قضية لوكربي كانت قد اتخذت بالفعل. وتبع ذلك تغيير شامل في مجرى التحقيق الرسمي .... وركّزت الخطوات الأولى هذه التحقيق على جزيرة مالطا في البحر المتوسط، بعيداً عن ألمانيا. في 29 تشرين الأول اكتوبر 1989، قبل ثلاثة أيام فقط من تسريب "تقرير انترفور" الى وسائل الاعلام، نشرت صحيفة "صنداي تايمز" تقريراً على صفحتها الأولى بعنوان: "آثار كارثة لوكربي تقود الشرطة الى مالطا". وجاء في تقرير المراسل ديفيد ليبارد أن "الشرطة اكتشفت أثناء التحقيق في كارثة لوكربي أدلة على ان القنبلة التي دمرت طائرة الجمبو الأميركية نُقلت الى الطائرة أصلاً من مالطا". وكان واضحا ان ليبارد اعتمد على مصادر سخية بالمعلومات ضمن مختلف الدوائر الأمنية، وان مقالاته تشكل مؤشراً موثوقاً على توجهات التحقيق الرسمي. الأدلة التي قادت المحققين الى مالطا، حسب ليبارد، كانت سجلات الأمتعة من مطار هامبورغ، التي بيّنت تحميل حقيبة غير مصحوبة على طائرة "بان آم" الرحلة 103، بعدما نقلت في مطار فرانكفورت من طائرة وصلت الى هناك من مالطا صبيحة يوم الكارثة. كما أظهرت الفحوص ان الحقيبة التي كانت فيها القنبلة احتوت على البسة مصنوعة في مالطا. ومن هنا استنتج المحققون ان الحقيبة التي نقلت الى الرحلة 103 هي نفسها التي احتوت على القنبلة. واذا صح هذا فهو يلغي فوراً علاقة خالد جعفر بالقضية، وكذلك عملية "سي آي أي" المزعومة لمقايضة معلومات استخبارية بمخدرات. كشف ليبارد لاحقاً في كتابه "اقتفاء أثر الارهاب"، أن وثائق مطار فرانكفورت تكونت من سجلات كمبيوترية من نظام تحميل الأمتعة لكل الحقائب التي أوصلها النظام الى الرحلة "103 أ" من فرانكفورت الى لندن. كما كانت بينها قسائم العمل التي ملأها الحمالون في ما يسمى "محطة الترميز 206"، وهي من بين نقاط دخول الحقائب الى نظام التحميل. ونقلت الحقائب من هناك آلياً الى نقاط التوزيع الكمبيوترية، حيث سجل كل منها بالكومبيوتر ووجه الى الطائرة المعنية. وزعم ليبارد ان محققي لوكربي حددوا عائدية كل من الحقائب الى الركاب المدرجين على قائمة الطائرة "103 أ"، عدا حقيبة واحدة. والظاهر ان هذه الحقيبة المرقمة "بي 8849" في السجل الكومبيوتري دخلت في النظام من خلال النقطة "اس 0009" في الساعة الأولى وسبع دقائق بعد الظهر. وسجلت كل الحقائب التي دخلت من هذه النقطة الى انها ادخلت يدوياً على النظام من "محطة الترميز 206". ملأ قسيمة العمل ل"المحطة 206" كتابياً العاملان يواكيم كوشا ومحمد جندر. وسجلت القسيمة مصادر الرحلات لمجموعات الحقائب التي تعاملت معها "المحطة 206"، وظهر منها ان المجموعة التي وصلت ما بين الساعة الأولى واربع دقائق والأولى وعشر دقائق من بعد الظهر جاءت من الرحلة "كي أم 180"، أي رحلة طيران مالطا التي وصلت من الجزيرة صباح 21 كانون الأول ديسمبر. بدت الوثائق وكأنها تبرهن في شكل قاطع على أن حقيبة لا يرافقها مسافر وجدت طريقها الى الرحلة "103 أ". وإذ كشفت الأعوام التالية عن ثغرات كبيرة في تلك الأدلة، فقد كان في القصة منذ البداية أوجه بالغة الغرابة. فقد جاء في تقرير ليبارد ان شرطة اسكتلندا لم تتسلم الوثائق الا في آب أغسطس 1989، أي بعد ثمانية أشهر على الكارثة. والاغرب من ذلك انها كانت في حوزة الشرطة الألمانية الفيديرالية "بي. كي. أي." منذ شباط فبراير 1989. وإذ يشير ليبارد الى ان سبب هذا التقصير هو تخبط الألمان والتنافس مع الشرطة الاسكتلندية، لكن هذين الاعتبارين لا يفسران مشكلة إضافية في الرواية. فعندما سلمت الشرطة الألمانية الوثائق أرفقت معها مذكرتين داخليتين خاصتين بها، تقدمان تحليلاً لمصدر الحقائب على متن الرحلة "103 أ"، واكدت احدى من المذكرتين، استناداً الى وثيقتي مطار فرانكفورت، أن حقيبة من طيران مالطا - الرحلة "كي أم 180" انتهت فعلا الى طائرة الجمبو المنكوبة. وكان يمكن دحض هذا الاستنتاج القاطع من الشرطة الألمانية، لكن عندما أعلن المكتب الملكي القضاء الاسكتلندي الاتهام الى المسؤولين الليبيين اعتبرت الوثائق ذات اهمية مركزية للقضية. المفترض ان الأولوية بالنسبة للسلطات الألمانية، منذ لحظة سماعها بسقوط الطائرة، كانت الحفاظ على كل سجلات الأمتعة من مطار فرانكفورت. وبالرغم من عدم وجود برهان فوري على ان الطائرة تعرضت لتفجير، فان التحقيق الشامل في سقوطها يتطلب تحليل كل الوثائق المتوافرة. لكن السلطات، لأسباب لم يتم توضيحها، لم تحافظ على وثائق اخرى. فقد توصلت الشرطة الالمانية من خلال تحليل قائمة الحقائب بالمقارنة مع قسيمة العمل من "المحطة 206" الى الحقيبة التي احتوت القنبلة جاءت غير مصحوبة من مسافر من الرحلة "كي أم - 180". لكن السجلات الحاسمة الأهمية عن موعد وصول هذه الرحلة وعدد الحقائب التي انزلت منها ومن انزلها اختفت كلها. قصة ظهور قائمة الكومبيوتر أيضاً غريبة. فبدل الاحتفاظ بها روتينياً من جانب سلطات المطار، تزعم الرواية انها لم تُنقذ الا بفضل الحذاقة التي ابدتها بوغوميرا ايراتش، وهي واحدة من العاملين على كمبيوتر نظام الأمتعة. فقد كانت تعرف ان الكومبيوتر يلغي ذاكرته آلياً كل بضعة أيام، وقامت تبعاً لذلك باستنساخ قائمة الحقائب للرحلة "103 أ" ووضعتها في خزانتها الخاصة في مكان العمل، ثم ذهبت في اجازة لاسبوعين. واستغربت اثر عودتها عدم اهتمام السلطات بالعثور على القائمة، وسلمت نسختها الى رئيس فريق العمل، الذي سلمها بدوره الى الشرطة الفيديرالية. لكن سجلات شركة بان آم نفسها قد تكون أهم من سجلات المطار. اذ ان الشركة تحتفظ روتينياً بملف عن كل رحلة من المطار واليه، وهو أمر حاسم الاهمية لتحديد الامتعة التي نقلت الى "الرحلة 103" والعمال الذين قاموا بذلك. وفي 23 كانون الثاني يناير 1989 ذهب مايكل جونز، من الفريق الأمني لشركة بان آم الى فرانكفورت للاطلاع على الوثائق، آملا على خصوصاً بالحصول على سجلات شحن الأمتعة والبضائع مع تحديد القائمين بالتحميل. لكنه لم يكتشف اثراً لهذه الوثائق في الملف اليومي. وكان من الطبيعي، لو كانت الشرطة أخذت السجلات، ترك نسخ عنها في الملف، لكن لم تكن هناك نسخ، ولم يعثر جونز على السجلات أبداً. وعلى رغم علامات الاستفهام المحيطة بوثائق مطار فرانكفورت فقد وجد افتراض مالطا مصدراً للحقيبة المعنية سنداً قوياً عندما ابرزت الفحوص ان الحقيبة التي كانت فيها القنبلة احتوت ايضاً على ملابس مصنوعة في الجزيرة. القطعة الرئيسية من الملابس كانت من بنطلون يحمل علامة شركة يوركي المالطية للملابس. وعندما ذهب محققون اسكتلنديون الى مقر الشركة في الأول من أيلول سبتمبر 1989 اخبرهم مالكها فكتور كاليجا أن بامكانه، من خلال فحص علامتين اخريين على البنطلون، تحديد المشتري. وعندما قام بذلك أكد بما لا يقبل الشك انه باع البنطلون الى مخزن باسم "ماريز هاوس" في بلدة سليما القريبة. مالك المخزن الصغير الهادىء هذا كان ادوارد غاوتشي، لكنه كان فعلياً تحت ادارة ولديه توني وبول. وأكد توني غاوتشي في شكل شبه فوري انه باع البنطلون الى زبون قبل تسعة شهور. وانه تذكر ذلك لأن الزبون اشترى مجموعة من الملابس اعتباطاً، من بينها بنطلون بنّي وصديرية صوفية ومعطف من طراز اسكتلندي وثلاث بيجامات ولباس اطفال أزرق على صدره صورة قط ومظلة سوداء. ولما كان المحققون عثروا بين حطام الطائرة على مزق من مواد مشابهة تحمل آثار الانفجار فقد اعتبرت شرطة اسكتلندا ان افادة غاوتشي تشكل اختراقاً هائلاً. الأفضل حتى من ذلك ان غاوتشي استطاع ان يتذكر هيئة المشتري، فقد بقي في ذهنه لأن لم يبد اهتماماً باحجام الملابس والوانها وكلفتها. كما انه اشترى المظلة عند مغادرته المخزن بسبب بدء سقوط المطر. وقال غاوتشي ان الزبون كان من أصل عربي، في نحو الخمسين من العمر، أنيق الملبس، طوله ستة اقدام أو أكثر، متين البنية وعريض الصدر لكن من دون ترهل، كما كان حليقاً وبشعر فاحم السواد. وجاء الى المخزن قبل وقت قليل من موعد الاغلاق في السابعة. وكان بول، شقيق توني، غادر مبكراً ذلك اليوم لمشاهدة مباراة كرة قدم على التلفزيون. وحدد بول اليوم بأنه 23 تشرين الثاني نوفمبر. في مالطا عادة الكثير من المقيمين والزوار العرب، غالبيتهم من ليبيا، الجارة الأقرب للجزيرة، لكن أيضاً من تونس وبلدان شمال افريقيا الأخرى. وقال غاوتشي للشرطة انه يستطيع التمييز بين الليبيين والتونسيين، لأن الأخيرين يستعملون الفرنسية عند الاسترسال في الكلام. من هنا كان متأكداً الى حد كبير ان الزبون كان من ليبيا. بدا من كل هذا ان البعد المالطي الجديد للقضية لا يقبل الدحض. فالظاهر أن حقيبة غير مصاحبة شُحنت من الجزيرة ونقلت الى طائرة بان آم الرحلة 103، فيما كانت الملابس في الحقيبة التي حملت القنبلة اشتريت في مالطا قبل أقل من شهر على التفجير، ومن جانب شخص عربي تصرف في شكل غير مألوف. اضافة الى ذلك برزت هنا اللمحة الأولى عن علاقة ليبيا بكارثة لوكربي. لكن ماذا عن حافظ دلقموني وخلية "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" في نويس وفرانكفورت؟ هل من الممكن بأي شكل استبعادهم عن التفجير؟ ذلك ان المحققين عثروا قبل لوكربي على قنبلة واحدة من قنابل خريسات ثم على قنابل اخرى بعد ذلك، لكن اليس من المحتمل ان تكون هناك قنبلة خامسة وجدت طريقها الى الرحلة 103؟ مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للوكربي برزت أدلة على علاقة مباشرة بين الجزيرة وخلية "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" في ألمانيا. وتركزت العلاقة على نشاطات عربي اسمه محمد أبو طالب اتخذ السويد قاعدة له، واصبح بسرعة من بين المشتبه بهم الرئيسيين في التفجير. ولد أبو طالب في بور سعيد في 1952، وانضم الى منظمة التحرير الفلسطينية في 1968، قبل ان يلتحق بالجيش المصري، الذي أرسله الى الاتحاد السوفياتي في دورة للتدريب على صواريخ "سام - 3" المضادة للجو. وفي 1970 ذهب الى لبنان حيث انضم الى جبهة النضال الشعبي الفلسطينية، التي كانت، مثل "القيادة العامة"، من المنظمات الماركسية اللينينية المتشددة. واعتقل في مصر في 1972، لكنه تمكن من الهرب الى لبنان ليعمل مجددا مع جبهة النضال الشعبي. وأصيب بطلق في الساق في 1972 تركته يعرج في شكل ملحوظ. في السنة التالية أصبح أبو طالب الحارس الشخصي لزعيم جبهة النضال سمير غوشة. في 1979 تزوج أبو طالب من جميلة المغربي، الفلسطينية التي كان لعائلتها تاريخ طويل في الكفاح المسلح. وكانت اختها رشيدة قتلت في غزة اثناء محاولة تفجير باص اسرائيلي، فيما كانت اختها الثانية في السجن في بريطانيا بعد محاولة لاغتيال السفير العراقي هناك. في 1980 عاد ابو طالب الى الاتحاد السوفياتي حيث قضى أكثر من سنة في دورة تدريب على "أساليب التنظيم والتدريب والتجنيد". وعاد الى لبنان في 1981، وغادر الى سورية بعد الغزو الاسرائيلي في 1982. وفي تشرين الثاني نوفمبر 1983رحل مع زوجته الى السويد، مستعملاً جواز سفر مغربياً مزوراً. وطلب الاثنان اللجوء السياسي، واستقرا في أوبسالا، حيث كان يقيم محمد شقيق جميلة، بعدما اذنت لهما السلطات بالبقاء. وبعد فترة قصيرة التحق بهما شقيقا جميلة الآخران محمود ومصطفى. في 1988 كان أبو طالب يعمل في بيع أشرطة الفيديو العربية من مقهى يملكه فلسطيني جاء من سورية اسمه حامد الواني، الذي كان، حسب جهاز الأمن السويدي، قائد تنظيم "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" للاقليم الأوسط في السويد. وقالت تقارير ان اخاه سعد الواني كان عضواً مؤسساً للجبهة مع أحمد جبريل، وطرد من السويد في 1980. وفي 1988 اصيب أبو طالب بطعنة اثناء شجار مع عربي يدعى شمعون ظاهر. أثار أبو طالب انتباه الشرطة الفيديرالية الألمانية للمرة الأولى في 13 تشرين الأول اكتوبر 1988 اثناء مراقبتها الشقة في 16 ازارشتراسه في نويس، حيث كان مروان خريسات يُهيىء القنابل. فقد رأى فريق الرصد سيارة فولفو بيضاء بلوحة ارقام سويدية تقف امام الشقة، وفيها عدد من الشبان العرب الذين نقلوا عددا من الرزم من السيارة واليها. من هؤلاء كان احمد عباسي، اخو مالك الشقة هاشم عباسي، الذي كان يسكن مع محمود المغربي في شقة الأخير في اوبسالا. الآخران كانا جهاد شبعان وسمير الأورفلي - الأول شقيق مالك السيارة عماد شبعان والثاني ابن عمه. شبعان كان ايضاً من ساكني اوبسالا، ومن القريبين الى أبو طالب. وقد غيّر اسمه قبل سنوات الى مارتن اماندي. وكان قريباه وصلا الى المانيا بالطائرة من دمشق في الخامس من أيلول سبتمبر، مع شقيقه الآخر زياد شبعان. قابل اماندي الثلاثة في مطار ميونيخ، وحاول أخذهم الى السويد، الا ان الشرطة الدانمركية اعتقلت الأربعة في بلدة رودبايهافن الحدودية بتهمة حيازة وثائق مزورة. وسمحت الشرطة لأماندي بعد يومين بالذهاب الى اوبسالا، فيما عاد الثلاثة الى ميونيخ. بعد ذلك عاد زياد شبعان الى سورية فيما بقي اخوه وابن عمه في ألمانيا. وفي وقت ما خلال الأسابيع التالية اتصل الاثنان بشخص يحتمل ان يكون اماندي أشار اليهما بالذهاب الى نويس وزيارة هاشم عباسي. والظاهر انهما قاما بذلك، وانه اخذهما الى الشقة في 16 ازارشتراسه حيث سمح لهما بالبقاء. سائق سيارة الفولفو التي شوهدت في ازارشتراسه في 13 تشرين الأول اكتوبر كان محمد المغربي، الذي كان اماندي ارسله الى المانيا للقيام بمحاولة ثانية لادخال قريبيه الى السويد. لكن المغربي عاد خالي الوفاض، فيما تمكن القريبان من دخول السويد عن طريق العبّارة البحرية من كيل الى غوتنبرغ. ولم تخبر الشرطة الالمانية شرطة السويد عن العلاقة المحتملة بين ركاب الفولفو والمشتبه بهم في الارهاب في نويس الا في 30 تشرين الأول، أي بعد اربعة ايام على عملية "أوراق الخريف". وفي الأول من تشرين الثاني نوفمبر اعتقل جهاز الأمن السويدي كلاً من مارتن اماندي ومحمد المغربي ومحمد أبو طالب وعدداً من معارفهم. ووجد المحققون السويديون لدى أبو طالب أربعة جوازات سفر سليمة وجوازين تم حرقهما ولم يستطع المحققون التثبت من محتواهما، وكان اثنان منهما على الأقل مصريين، اضافة الى جواز مغربي. كما عثروا على جوازين في دياكناغاتان، مسكن مصطفى المغربي. ومن بين المواد المصادرة في المسكن نفسه أسلاك ومعدات كهربائية، ومفتاح كهربائي، وأيضاً، وهو الأهم، معدات لقياس الضغط الجوي وقد انتزع منها مقياس الضغط نفسه، وعدد من الساعات اليدوية انتزعت منها بعض اجزائها. عنوان أبو طالب وجميلة كان في ديريغنتفاغن، الا ان أبو طالب اخبر المحققين انه اتخذ بيت مصطفى عنواناً بريدياً، وانه كان يقيم هناك بسبب "مشاكل عائلية". ووجه المدعى العام المحلي الى المغربي واماندي تهمة التهيئة لتهريب مواد متفجرة لاستعمالها ضد طائرات. وأصر المغربي على ان الرزم المأخوذة من الشقة في نويس لم تحتو الا على ملابس وهدايا. واطلق جميع المعتقلين اليوم التالي لعدم توافر أدلة ضدهم من الشرطة الألمانية. ما لم يعرفه اماندي انه كان تحت مراقبة الشرطة السويدية منذ محاولته تهريب قريبيه الى البلد أوائل أيلول. وزعمت مصادر ان شرطة الحدود الدنمركية بعد اعتقاله في رودبايهافن أجرت تدقيقاً روتينياً بالكومبيوتر لبصماته ادى الى اختراق كبير. ذلك ان واحدة من البصمات تطابقت مع بصمة واحدة عثر عليها على نسخة من صحيفة عربية استعملت غلافاً لقنبلة مسمارية اُعدت لهجوم على مكتب "العال" في كوبنهاغن. كان ذلك في حزيران يونيو 1985، حينما لاحظت عابرة سبيل ان شخصاً عربياً ترك حقيبة على مدخل المكتب. واعتقدت الإمرأة ان الشخص نسي الحقيبة وحملتها وركضت خلفه لاعادتها اليه. وبدا عليه الرعب وخطف الحقيبة ورماها في قنال قريب. وانفجرت في المدينة في اليوم نفسه قنبلتان، واحدة في كنيس يهودي والثانية في مكتب شركة "نورث وست اورينت للطيران"، ما ادى الى قتل شخص واحد وجرح 22. ورجح المحققون ان العصابة كانت مسؤولة عن قنبلة انفجرت في مكتب الخطوط الجوية نفسها في العاصمة السويديةاستوكهولم في نيسان أبريل 1987. ومهما بدا مستبعداً الوثوق ببصمة واحدة على ورقة بقيت تحت الماء ساعات طويلة فان الأثر قاد السلطات الى اماندي واصحابه في اوبسالا. واستمرت التحريات خلال الأشهر التالية وقادت في 18 أيار مايو 1989 الى اعتقال 15 شخصاً في ستوكهولم وغوتنبرغ واوبسالا. وكان من بين المعتقلين اماندي وأبو طالب وقريباه مصطفى ومحمود المغربي. وواجه الاربعة في النهاية تهمة التفجيرات في كوبنهاغن وستوكهولم. الدليل الأهم ضدهم كان اعتراف محمود المغربي. فقد أصر أبو طالب للمحققين على ان مجيئه الى السويد شكّل نهاية علاقته بالكفاح المسلح، الا ان المغربي زعم انه ذهب الى سورية في ربيع 1985 لتعلم صنع القنابل بناء على اصرار أبو طالب واماندي. كما ادعى انه عاد من سورية بمبلغ خمسة الاف دولار ورسالة مختومة مع تعليمات بعدم فتحها الا بعد وصوله. وقال انه اكتشف لدى وصوله وفتح الرسالة أن مقبض حقيبته استعمل لتهريب أربعة صواعق الى السويد. واكد ان اربع قنابل صنعت لاحقاً في حمام بيت أبو طالب. ثم جاء اعتراف اماندي بعد ذلك ليؤكد اعتراف المغربي بأنهما رافقا أبو طالب الى كوبنهاغن حيث زرعا القنابل في الكنيس ومكتبي "العال" وشركة الطيران الأخرى. بعد الاعتقالات بدأت الأخبار عن علاقتها بقضية لوكربي ترشح الى الصحف البريطانية، لكن مدى تلك العلاقة لم يتضح الا بعد شهور. وكان الاكتشاف الأهم أن أبو طالب زار مالطا في تشرين الأول 1988، قبل أسابيع من الكارثة. وجاءت الاشارة الى ذلك في طيات تقرير نشرته صحيفة "اندبندنت" في 30 تشرين الأول 1989، في اليوم التالي لنشر تقرير ديفيد ليبارد في صحيفة "صنداي تايمز" الذي كشف فيه البعد المالطي للقضية. اضافة الى ذلك كان هناك التأكيد المذهل من "اندبندنت" أن حافظ دلقموني كان ايضاً في مالطا في تشرين الأول 1988 وانه وابو طالب التقىا هناك مجموعة من الفلسطينيين ذكرت مصادر من الاستخبارات أنهم يشكلون خلية تابعة ل "الجبهة الشعبية - القيادة العامة". هكذا، وللمرة الأولى، برزت علاقة فعلية بين مالطا والارهابيين في المانيا. في الأسابيع التالية نشرت الصحف سيلاً من التقارير التي وضعت أبو طالب ومالطا في قلب مؤامرة لوكربي. واتضح من المدى الذي اخذته التسريبات أن بعض المحققين كان يريد ربطه بالتفجير. وفي 31 تشرين الأول تابعت "اندبندنت" تغطيتها للقصة التي نشرتها اليوم السابق وقالت أن الشخص الذي قابله دلقموني وأبو طالب في مالطا كان "سليم"، عضو "الجبهة الشعبية - القيادة العامة". وزعمت ان للثلاثة علاقة بمخبز في الجزيرة وان مصدراً من الاستخبارات ربط ما بين المخبز وأحمد كابلان، الذي كان دلقموني زاره في هوكنهايم في 16 تشرين الأول 1988. كما ذكر التقرير ان أبو طالب كان في الجزيرة من 19 الى 29 تشرين الثاني. اتضح لاحقاً أن "سليم" هو عبد سالم، مدير المخبز الذي كانت تملكه، حسب دائرة تسجيل الشركات في مالطا، شركة "مسكا" التجارية المؤسسة في 19 حزيران يونيو 1987 ومقرها أولد ستريت، فاليتا. وكان من بين مديري الشركة عماد عادل حزوري المقيم في بلزان مع عمه اسماعيل حزوري. وزعمت مصادر ان اسماعيل صديق لأحمد كابلان. وأعترف أبو طالب للأمن السويدي أنه قضى وقته في مالطا برفقة عبد سالم وأخيه هاشم سالم الذي يعمل في تجارة الألبسة. وقال انه كان يذهب مع عبد سالم الى المخبز صباحاً ويرافقه في جولته لايصال الطلبيات الى الزبائن. لكنه أكد في الوقت نفسه ان عبد سالم ليس صديقه، وان معرفته به جاءت عن طريق زوجته. من جهته زاد عبد سالم القضية غموضاً عندما قال لمحققي لوكربي انه قابل أبو طالب مرة واحدة فقط في مالطا وذلك في لقاء بالصدفة في فاليتا في تشرين الأول 1988. اخبر أبو طالب الاستخبارات السويدية أيضا أنه قضى اسبوعين في قبرص قبل ذهابه الى مالطا لاكمال النقاهة بعد اصابته بالطعنة اثناء الشجار في اوبسالا. ويحتمل ان يكون لهذه الرحلة اهمية كبيرة لأن الأيام الثلاثة الأولى منها تزامنت مع وجود دلقموني في قبرص. وكان هذا الاخير قال للمحققين الألمان انه كان يزور الجزيرة مراراً لأن "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" كانت تحتفظ بحساب مصرفي هناك. وبعد ان عاد دلقموني الى ألمانيا تنصتت الشرطة الفيديرالية الألمانية على مكالماته الهاتفية مع السوري حبيب دجاني، مالك مطعم "كينغز تيك أواي" في نيقوسيا. اقام أبو طالب خلال الايام القليلة الأولى من زيارته لقبرص في فندق متواضع، الا انه اخبر المحققين السويديين انه انتقل لاحقاً الى واحد من اغلى الفنادق. وعلى رغم الافتقار الى برهان على انه التقى دلقموني عندما كان في قبرص فالتكهنات ان دافع الرحلة كان تلقي التعليمات والمال من دلقموني. وكشفت تحقيقات الاستخبارات السويدية عن تصرفات غريبة من ابو طالب اثناء رحلته من قبرص الى مالطا. فقد قرر خلال الليلة التي قضاها في روما تغيير تذكرة الرحلة من مالطا الى بنغازي في ليبيا. وقال للمحققين انه اتصل بصديق في ليبيا وافق على تهريبه من هناك الى مصر لكي يزور اسرته، وانه لم يستطع دفع ثمن التذكرة الا بعدما استدان 20 دولاراً من ليبي اسمه فوزي. وأكد للاستخبارات السويدية في آب أغسطس 1989 اثناء التحقيق معه عن التفجيرات في اسكندينافيا أن فوزي صديق التقاه في ليبيا في 1977، لكنه عاد فقال للمحققين في نيسان 1990 انه لم يكن يعرف فوزي قبل لقائهما في مطار روما. وقال انه سلم حقائبه الى الطائرة الذاهبة الى بنغازي الا انه منع من السفر لأنه لم يكن يحمل تأشيرة دخول الى ليبيا. لذا عاد الى وجهته الأصلية مالطا، فيما ذهبت الحقائب الى بنغازي، ولم يتمكن من استرجاعها الا بعد يومين. ورجحت مصادر الاستخبارات أن هذه ربما كانت حيلة لتهريب مكوّنات قنابل اليه من ليببا. في الأول من تشرين الثاني نوفمبر ادعت صحيفة "تايمز" في تقرير مثير أن أبو طالب اعترف لشرطة السويد انه في ما بين تشرين الأول اكتوبر وكانون الأول ديسمبر 1988 أوصل الى شخص آخر واحدة من القنابل التي هيأتها "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" في ألمانيا. واذا صح هذا فانه أول اعتراف من أي شخص بدور في كارثة لوكربي، الا ان أبو طالب انكر الاعتراف ولم تذكر وسائل الاعلام شيئاً عنه. وفي الخامس من تشرين الثاني حقق ديفيد ليبارد سبقاً رئيسياً جديداً ل"صنداي تايمز" عندما نشر على الصفحة الأولى تقريرا بعنوان: "الكشف عن مؤامرة لوكربي: الممول والمفجِّر وتخبط الألمان". ومثّل التقرير آخر مسودة من الرواية المتزايدة التشعب عن البعد المالطي للقضية. وحسب هذه الرواية فان رمزي دياب، الألماني عضو "الجبهة" الذي رصدت الشرطة الالمانية لقاءه مع دلقموني في 18 تشرين الأول اكتوبر 1988، كان الشخص الذي هرّب قنبلة لوكربي من فرانكفورت الى مالطا. وذهب دلقموني وأبو طالب بعد ذلك الى الجزيرة لاعطاء التعليمات الى خلية الجبهة هناك بوضع القنبلة على رحلة للخطوط الجوية المالطية الى فرانكفورت. بعد ذلك ذهب شخص مجهول الهوية الى مخزن "ماريز هاوس" لشراء الملابس التي وضعت في الحقيبة مع القنبلة. وفي الاسبوع التالي نقل ليبارد أن وثائق تسربت من شرطة السويد تشير الى ان أبو طالب قام في تشرين الثاني نوفمبر برحلة ثانية الى مالطا، وعاد الى السويد في 26 من الشهر نفسه. واذا صح هذا فان من شبه المؤكد انه كان في مالطا في 23 من الشهر، اليوم الذي حدده بول، شقيق توني غاوتشي، لزيارة ذلك الزبون الغامض مخزن الملبوسات. وأضاف ليبارد في تقريره ان جميلة المغربي، زوجة أبو طلب السابقة، أخبرت شرطة السويد انه ذهب الى مالطة لشراء ملابس. فوق كل هذا فان سجلات مراقبة تحركات أبو طالب ذكرت انه زار شقة في فرانكفورت "كان من شبه المؤكد انها مكان صنع القنبلة"، وانه كان يملك "سامسونايت" بنية اللون، "من نفس طراز ولون الحقيبة التي حملت القنبلة". لكن الواقع، كما ذكر ليبارد لاحقاً في كتابه "اقتفاء أثر الارهاب"، ان حقيبة السامسونايت بقيت في شقة أبو طالب في اوبسالا، كما ان ليبارد اخطأ ايضاً في النقل عن وثيقة الشرطة، التي لم تقل انه عاد الى السويد من مالطا في 26 تشرين الثاني بل 26 تشرين الأول. وكان السبب خطأ في ترجمة اسم الشهرة عن السويدية. هكذا فاذا لم يكن قد رجع الى مالطا بعد 26 تشرين الأول فهو ليس الشخص الذي اشترى الملابس. الا ان ليبارد عاد في تقرير نشره في 3 كانون الأول ديسمبر ليؤكد "التعرف" الى ان أبو طالب كان ذلك الزبون في "ماريز هاوس". كما كشف ان شرطة السويد صادرت 15 حقيبة ملابس من شقته ورجحت انه اشتراها من مالطا. وتوقع محامي ابو طلب لليبارد ان شرطة اسكتلندا ستطلب تسليم موكله اليها. من المشاكل التي لا يتناولها ليبارد في تقريره عمر أبو طالب. ذلك انه كان وقت شرائه المزعوم للملابس في السادسة والثلاثين، فيما قال توني غاوتشي ان المشتري المجهول الهوية كان في نحو الخمسين. اضافة الى ذلك فانه كان يعرج في شكل ملحوظ، والمؤكد ان غاوتشي كان سيتذكر ذلك لو ان ابو طالب كان المشتري. في 21 كانون الأول ديسمبر، الذكرى السنوية للوكربي، صدر حكم السجن المؤبد بحق أبو طالب ومارتن اماندي للتفجيرات في كوبنهاغن وستوكهولم، فيما تسلم محمد ومحمود المغربي احكاماً أخف لدورهما الثانوي في القضية. وكان محمود ادلى باعتراف كامل أدى الى تجريم الآخرين، واطلق سراحه مباشرة بعد تجريمه. وقبل ايام من تجريم أبو طالب قابلته شرطة اسكتلندا. ورفض الاجابة عن الاسئلة لكنه اصر فيما بعد على الانكار التام لأي علاقة بالمؤامرة التي ادت تفجير الرحلة 103. ثم قابلته شرطة السويد مرة أخرى، بحضور محققين اسكتلنديين، في الثالث والخامس من نيسان، وكرر انكاره أي علاقة بالتفجير. واعترف انه سمع في 1980 أن الأخوين الواني مرتبطان ب"الجبهة الشعبية - القيادة العامة" لكنه انكر أي اتصال بهما أو بالمجموعة. وادعى انه لم يعرف عن رحلة محمد المغربي، شقيق زوجته، الى الشقة في 16 ازارشتراسه في نويس الى ان اعلمته بها الاستخبارات السويدية في الأول من تشرين الثاني - وذلك على رغم انه قبل اعتقاله بيومين اتصل هاتفياً بمحمد، الذي كان وقتها قد عاد الى المانيا الغربية. على رغم كل الانكار نشرت صحيفة "داغنز نايهيتر" في اليوم السابق لتجريمه ثلاثة أدلة قوية جديدة. الأول كان ان المحققين الذين دهموا شقته وجدوا تاريخ 21 كانون الأول 1988 في مفكرته محاطاً بدائرة. والثاني مكالمة هاتفية بين زوجته السابقة جميلة وصديقة فلسطينية، جرت قبل دهم شقة أبو طالب. وسمع المحققون السويديون الذين كانوا يتنصتون على الهاتف قول جميلة لصديقتها "تخلصي من الملابس". أما الثالث فهو ان شخصاً يسمى نفسه أبو طالب دخل ليبيا في تشرين الثاني 1988 بجواز سفر مصري. واذا صح ذلك فقد يعني ان أبو طالب، في نهاية الأمر، ربما كان في مالطا وقت شراء الملابس، وقد يكون هذا سبب ما بدا من قلق زوجته حيال الملابس. نفت جميلة المغربي لاحقاً انها طلبت من صديقتها التخلص من الملابس وأصرت على ان ليس هناك ما يثير الشبهة في الملابس التي جلبها أبو طالب من مالطا. وقالت انه التقى اثناء وجوده في قبرص صديقاً اخبره ان صديقاً آخر يملك مصنعاً للألبسة في مالطا، وان أبو طالب اهتم بذلك لأنه كان قد شكل شركة صغيرة لتجارة الألبسة في اوبسالا وكان يبحث عن مجهّزين. وبعد تلقي الدعوة سافر الى مالطة لتسلم نماذج. واكدت انه عاد الى ليبيا بمجموعة متنوعة من الملابس، من بينها بنطلونات جينز وكنزات نسائية وقمصان رجالية. ولم تعد شرطة السويد اليها بعض الملابس التي صودرت. وناقض أبو طالب ادعاء زوجته انه عاد الى السويد بشحنة من هذا النوع. وجاء في مقطع من مقابلته مع الشرطة تسرب الى الاعلام الحوار التالي: س: متى اشتريت الألبسة في مالطا؟ ج: لم أشتر اي البسة في مالطا، الشيء الوحيد الذي اشتريت كان بنطلون جينز أسود وبعض القمصان من جميلة، زوجة عبد السالم. اشتريت ايضاً بعض القمصان. س: صف تلك الألبسة. ج: جينز أسود وقميص اخضر عليه ماركة مالطا. س: هل اعطاك احد ملابس غيرها؟ ج: كلا. وقالت انيكا فالن محامية محمود المغربي ان الشرطة في استجوابها الأول له حذرته من ابلاغها برحلة ابو طالب الى مالطا. وانصاع للتحذير اولاً لكنه أبلغها اثناء مقابلة في السجن في نيسان أبريل، وانه كان يخشى من تنصت المحققين ولذا حرص على رفع صوت الموسيقى عالياً قبل اخبارها. بعد ثلاثة أيام على تجريم أبو طالب كتب ديفيد ليبارد في "صنداي تايمز" أن محققي لوكربي تمكنوا من مطابقة بقايا من البلاستيك في موقع سقوط الطائرة مع مادة من الساعات المنبهة التي اشتراها حافظ دلقموني ومروان خريسات. هكذا، بعد ما يزيد بقليل على سنة بعد كارثة لوكربي، تكونت الرواية الرسمية التي بدأت بالظهور وتسربت الى الاعلام من ثلاثة عناصر: الأول ان خلية "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" في المانيا قامت بالعملية. ثانياً، أن القنبلة بدأت رحلتها من مالطا. ثالثاً، أن أبو طالب كان في شكل من الأشكال متورطاً بعمق في المؤامرة. لكن نظرة ثانية تبين بعض أوجه للشك في قصة أبو طالب. من ذلك، واذا تركنا جانباً الصدفة المذهلة المتمثلة باكتشاف بصمة مارتن اماندي على صفحة منقوعة من صحيفة عربية، هناك التساؤل الذي يثيره توقيت الاعتقالات. فقد جاءت تلك الحملة بعد ما يقرب من اربع سنوات على ارتكاب الجريمة المزعومة الأولى، لكن بعد لا اكثر من خمسة شهور على لوكربي. اضافة الى ذلك هناك المفكرة، والدائرة حول تاريخ التفجير في سماء لوكربي. هل يعقل ان ارهابياً محنكاً مثل أبو طالب، بالمهارة التي مكنته من الافلات من الاعتقال طيلة اربع سنوات، يترك في مفكرته اشارة واضحة الى توقيت هجوم رئيسي؟ وهل يمكن ان يكون متهوراً الى درجة ترك المفكرة في شقته طيلة شهور بعد التفجير؟ بالمثل، اذا كان ابو طالب هو الزبون في "ماريز هاوس"، هل يمكن ان يكون من قصر النظر بحيث يحتفظ ببعض تلك الملابس، مهما كان في شقة لصديق، مع خطر انها قد تقود المحققين الى ذلك المخزن؟ ولا بد ان القراء الأكثر تشككاً اعتبروا سيل التقارير الصحافية عن أبو طالب يشير الى احتمالين: تورطه العميق في لوكربي، أو ان جهة ما أوقعت به للتمويه. لكن الأدلة التي برزت في النهاية تبين ان الحقيقة كانت وسطاً بين الاحتمالين.