ذكّر رئيس القضاة لورد رانالد ساذرلاند في حيثيات الحكم المؤلف من 82 صفحة فولسكاب، بملابسات كارثة الرحلة الرقم 103 لشركة "بان أميركان" وتحميل الإدعاء الليبيين، عبدالباسط المقرحي والأمين خليفة فحيمة، مسؤولية دس شحنة متفجرة في متن الطائرة. وقال إنه ثبت للمحكمة ان تحطّم الطائرة كان نتيجة "انفجار"، وانه لم يكن هناك خلاف بين الإدعاء والدفاع في شأن كون المسؤول عن الانفجار "مُذنباً بجريمة القتل"، لكن الخلاف أمام المحكمة يتعلّق بإمكان الإدعاء ان يُثبت بما لا يدع مجالاً للشك ان أيّاً من المتهمين، أو كلاهما معاً، مسؤول "عمداً" عن زرع المتفجّرة في الطائرة المنكوبة. ثم تناول عمليات جمع حُطام الطائرة وطريقة تجميع الأدلة وكيف تبيّن للمحققين ان المتفجرة كانت موضوعة "في جسم الطائرة" وهو أمر "نقبل صحته". وأشار الى ان المحققين حددوا أيضاً ان المتفجرة كانت موضوعة في حاوية المومنيوم AVE4041 عُثر فيها على بقايا مادة بلاستيكية متفجرة. ثم انتقل ساذرلاند الى تحديد أنواع بقايا ملابس عليها علامة "صُنع في مالطا" وأغراض كانت في حقيبة سامسونايت بنّية اللون وتبيّن للمحققين ان عليها آثار مادة متفجّرة. وتحدث أيضاً عن عثور المحققين على جزء صغير من جهاز الكتروني تبيّن انه يعود الى آلة راديو - مسجّلة من نوع "توشيبا". وأشار هنا إلى أن المحققين انتقلوا الى المانيا الغربية لمعرفتهم ان أجهزة أمنها كانت صادرت في تشرين الأول اكتوبر 1988 أجهزة تفجير موضوعة في آلات تسجيل من نوع "توشيبا" كانت في حوزة أعضاء جماعة فلسطينية. ونقل عن أحد الشهود أنه تبيّن للمحققين ان أجهزة "توشيبا" المصادرة في المانيا تختلف عن بقايا الجهاز الذي عُثر عليه ضمن حطام طائرة "بان أميركان" الأخير من نوع Toshiba RT-SF 16. وشرح ساذرلاند كيف انتقل المحققون إلى مالطا في آب/ اغسطس 1989 وكيف حددوا مصدر الملابس بمتجر "منزل ماري" في منطقة سليما تملكه عائلة غاوشي. وقال إن أحد أصحاب المتجر، توني غاوشي، أدلى بإفادة للمحققين شرح فيها ما يتذكّره عن رجل "يعتقد بأنه ليبي" اشترى من محله ثياباً، لم يهتم بمقاسها، قبل فترة قصيرة من كارثة لوكربي. وانتقل ساذرلاند الى شرح طريقة العثور على بقايا جهاز توقيت المتفجّرة وكيف تبيّن انه من نوع "أم. أس. تي. 13"، وهو أمر دفع بالمحققين الى الانتقال الى سويسرا حيث استمعوا الى إفادات إدوين بولييه وإروين ميستر، الشريكين في شركة "ميبو" التي تُصنّع أنواعاً مختلفة من الالكترونيات. وقال القاضي: "إن الأدلة التي عُرضت علينا حتى هذه المرحلة تؤكد لنا بما لا يدع مجالاً للشك ان الكارثة كانت نتيجة حشوة متفجّرة موضوعة ضمن جهاز راديو/ آلة تسجيل من نوع "توشيبا" موضوع بدوره في حقيبة سامسونايت بنّية تحوي ملابس تم شراؤها من محل "ماري هاوس"، مالطا، وان الانفجار سبّبه جهاز توقيت أم. آس. تي 13". ثم انتقل ساذرلاند الى شرح انتقال حقيبة "السامسونايت" من مالطا الى فرانكفورت ثم الى لندن قبل انفجارها في الجو فوق لوكربي. وركّز، في هذا المجال، على معلومات مأخوذة من أجهزة كمبيوتر تُسجّل وجهة الحقائب لدى نقلها في المطارات. وقال إن القضاة مقتنعون بأن الحقيبة مصدرها مالطا، على رغم جهود الدفاع لإلقاء ظلال من الشك حول المصدر الذي جاءت منه الحقيبة المفخخة. وأقر القاضي بأن المسؤولين في مطار فرانفكورت كانوا تلقوا تحذيرات من محاولات لتمرير آلات تسجيل مُفخخة من نوع "توشيبا" إلى إحدى الطائرات. وكان ان التحذير الأول والأساسي صدر بعد عملية "أوراق الخريف" ضد أعضاء "الجبهة الشعبية - القيادة العامة"، في حين ان التحذير الثاني كان يشير الى احتمال ان تقوم إمرأة من هلسنكي بنقل جهاز تسجيل مُفخخ. وبعد فرانكفورت، انتقل القاضي الى عرض الإجراءات الأمنية في مطار لوقا المالطي. فقال إن المطار صغير والإجراءات الأمنية فيه ليست متطورة. وهنا انتقل القاضي الى تحديد الأدلة ضد المتهم الأول، المقرحي، وقال إنها تعتمد على ثلاثة شهود أساسيين هم عبدالمجيد الجعايكة وادوين بولييه وتوني غاوشي. وأعاد التذكير بعمل الجعايكة في الاستخبارات الليبية، وتعريفه بالمسؤولين عن هذا الجهاز الأمني مثل عبدالله السنوسي وعزالدين الهنشيري وسعيد رشيد وناصر عاشور، وعن اتصاله بالسفارة الأميركية في مالطا في 1988 عارضاً خدماته. وقال ان القضاة يوافقون على الرأي القائل بأن الجعايكة كان "يُضخّم" للأميركيين وضعه داخل الاستخبارات الليبية. لكنه قال ان الجعايكة أخبر الأميركيين، عندما سألوه في تشرين الأول اكتوبر 1988 عن إمكان إخفاء الليبيين متفجرات في مالطا، ان ثمانية كيلوغرامات من المتفجرات جاء بها المقرحي الى مالطا في 1985، وانها كانت مخفية في جارور مكتب وانه طُلب منه المساعدة في نقلها الى المكتب الشعبي الليبي. وتابع ان الجعايكة أخبر الأميركيين لاحقاً في 1991 ان فحيمة هو الذي اخبره ان المقرحي جاء بالمتفجرات الى مالطا. وأقر القاضي بأن ثمة تناقضاً في إفادة الجعايكة في هذا المجال. ثم تحدث عن أقوال الجعايكة في شأن مشاهدته المقرحي وفحيمة مع حقيبة "سامسونايت" في مطار مالطا يوم 20 ديسمبر كانون الأول، عشية كارثة لوكربي. وقال إن القضاة لا يمكنهم الوثوق بأقوال الجعايكة في هذا المجال. ثم تناول القاضي مسألة ثالثة أثارها الجعايكة، وهي ان الاستخبارات الليبية كانت تُناقش في 1986 إمكان نقل حقيبة مفخخة الى "طائرة بريطانية" وانه تبيّن لليبيين ان ذلك ممكن، وانه ناقش الأمر مع المقرحي في مالطا، وان الأخير رد عليه بأن "لا تستعجل الأمر". وقال القاضي ان القضاة لا يمكنهم أيضاً قبول رواية العميل الليبي في هذا الخصوص. وأضاف ان القضاة يقبلون فقط معلومات الجعايكة عن هرمية جهاز الأمن الليبي. ثم انتقل ساذرلاند الى موضوع شركة "ميبو" وجهاز التوقيت "ام. اس. تي 13". فقال ان بولييه وميستر أسسا الشركة في بدايات السبعينات في زوريخ، وانها كانت تُنتج خصوصاً أجهزة الكترونية وأجهزة تجسس. واضاف ان بولييه كان يتعامل مع الحكومة الليبية، خصوصاً أجهزة أمنها، في وقت حصول كارثة لوكربي. وتابع ان القضاة استمعوا الى إفادات ثلاثة شهود في شأن نشاطات شركة "ميبو" وتحديداً أجهزة التوقيت التي تصنعها من نوع "أم. أس. تي. 13". وقال إن شهادات الثلاثة، خصوصاً بولييه أظهرت انهم لا يمكن الوثوق بهم. وقال إن شهادة بولييه ناقضت نفسها أكثر من مرة. وأشار القاضي إلى أقوال بولييه انه عندما عاد من ليبيا الى زوريخ يوم 20 كانون الأول 1988 اكتشف ان جهاز توقيت كان يحاول بيع اصناف منه الى الليبيين كان موضوعاً على توقيت تاريخ حصول كارثة لوكربي بعد ذلك بيوم. وقال القاضي ان بولييه كان يكذب إذ ان جهاز التوقيت الذي تحدث عنه من نوع "اوليمبوس" لا يُظهر تاريخ الأيام. كذلك قال ان القضاة برفضون ما ورد في شهادة بولييه في خصوص لقائه عميل للإستخبارات الأميركية أمام مقر شركته في زوريخ وان هذا "الرجل الغامض" طلب منه ان يكتب رسالة الى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي. آي. إيه يُورّط فيها ليبيا في قضية لوكربي. ثم قال القاضي إن بولييه لم يقل للمحققين والشرطة السويسرية انه باع، في 1985، خمسة أجهزة توقيت من نوع "أم. آس تي 13" الى جهاز الأمن الالماني الشرقي ستاسي سوى في أواخر العام 1993. وأضاف ان القضاة رفضون روايته هذه وان بولييه نفسه "لا يصدّقها". وتابع ان القضاة يقبلون بعض ما ورد في شهادة بولييه على رغم رفضهم قبول اجزاء كبيرة منها. وتحدث القاضي تحديداً هنا عن أجهزة توقيت "ا. اس تي 13" والاختبارات التي أجراها الليبيون في صحراء سبها. ثم تحدث القاضي عن شهادة غاوشي وكيف انه اخبر المحققين بملامح الشخص الذي اشترى منه الملابس، وكيف انه حدد هذا الشخص من خلال صور عُرضت عليه بأنه محمد أبو طالب الفلسطيني المسجون بتهمة الارهاب في السويد، وكيف غيّر رأيه لاحقاً ليقول انه المقرحي وهو أمر تمسّك به عندما شاهد المتهم الأول في المحكمة. وقال القاضي إنه وزملاءه لاحظوا ان غاوشي كان صادقاً في شهادته ولم يزعم انه متأكد "مئة في المئة" ان المقرحي هو الذي اشترى منه الملابس. وتحدث القاضي عن "الدفاع الخاص" الذي قدّمه الدفاع في بداية المحاكمة. وقال ان الدفاع زعم ان جبهة النضال الشعبي الفلسطيني و"القيادة العامة" متورطتان في حادثة لوكربي، وكذلك برويز طاهري أحد شهود الإدعاء العام. ولاحظ ان محامي الدفاع تخلّوا عن اتهام طاهري في مرافعاتهم الختامية. ثم قال إن الاتهام الخاص بتورط "القيادة العامة" يقوم على أساس عملية "أوراق الخريف" الالمانية والتي يتبيّن من خلالها ان اعضاء هذه المجموعة الفلسطينينة كان يمكن ان يحاولوا تفجير طائرة مدنية من خلال جهاز تفجير مخفي في آلة تسجيل. وقال ان زعيم خلية "القيادة العامة" في فرانكفورت هو الحاج حافظ دلقموني وان الامن الالماني عثر مع اعضاء مجموعته على أجهزة توقيت وتفجير وأسلحة وجداول مواعيد سفر طائرات شركة "لوفتهانزا" وجدول واحد لطائرة "بان أميركان". لكنه اشار الى ان اجهزة توقيت الخلية الفلسطينية تختلف عن جهاز "أم اس تي 13"، إذ أنها تعمل بحسب ارتفاع الجو. ورأى القاضي انه من المستعبد ان تكون خلية دلقموني الذي سُجن 15 سنة لادانته بتفجر قطار في المانيا في 1987 استطاعت تجميع اعضائها وتنفيذ الهجوم على طائرة "بان أميركان" بعد شهرين فقط من اعتقالها ومصادرة معداتها في عملية "اوراق الخريف". ثم تحدث عن شهادة ابو طالب وقال ان القضاة مقتنعون بأن لا دخل له بلوكربي. وانتقل القاضي الى شرح الأدلة المقدمة ضد فحيمة وتحديداً ما ورد في مفكّرته المصادرة في مالطا والتي ورد فيها "أحضر إشارات تاغ من الخطوط المالطية" وإشارة أخرى الى انه نفّذ ذلك بالفعل OK. وقال ان محامي فحيمة، ريتشارد كين، جادل بأن موكله ولو كان بالفعل من أحضر إشارات "التاغ" للمقرحي من أجل نقل الحقيبة عبر "الخطوط المالطية" إلى فرانكفورت، فإن ذلك لا يُثبت ان الهدف من ذلك التصرف هو تفجير طائرة ال"بان أميركان". وتابع ان الإدعاء تنازل في المحاكمة عن إصراره على ان فحيمة مسؤول في الاستخبارات الليبية، وتمسّك فقط بعلاقاته بالمقرحي. وقال ان القضاة لا يمكنهم قبول شهادة الجعايكة ضد فحيمة، ولا يمكنهم اعتبار مزاعم الإدعاء في شأن تصرفات فحيمة سوى على انها "استنتاج". وأوضح ان القضاة رأوا ان لا أدلة كافية تورّط فحيمة في قضية تفجير الطائرة، ويقررون على هذا الأساس تبرئته. وانتقل القاضي بعد ذلك الى المقرحي، وقال إن القضاة رفضوا قبول ما ورد في مفكرة فحيمة وعلى هذا الأساس لا يمكنهم قبول ما ورد فيها كدليل إدانة ضد المقرحي. لكن القاضي اضاف ان المقرحي زُوّد في 1987 بجواز سفر بناء على طلب من الاستخبارات الليبية، وان الجواز كان باسم احمد خليفة عبدالصمد. وان المتهم زار دولاً عدة بهذا الجواز، ومن بين تنقلاته يوم 20/21 كانون الاول ديسمبر 1988 في مالطا. وأشار الى ان من العوامل المهمة ضد فحيمة شهادة غواشي ضده. وتابع ان القضاة يوافقون على ان المقرحي عضو في الاستخبارات الليبية "بل هو مسؤول رفيع فيها"، وانه تولى مسؤوليات عدة بينها مسؤول أمن الطائرات، وانه شارك في عمليات شراء اسلحة للقوات المسلحة الليبية، وان له علاقة ببولييه ليس بالضرورة في خصوص شراء أجهزة "أم. اس تي 13" وبشركة "ميبو". ولفت القاضي هنا الى ان المقرحي نفى في مقابلة تلفزيونية علاقته ب "ميبو" مع بيار سالينجر ونفى ايضاً انه زار مالطا عشية تفجير الطائرة وانه استخدم جوازاً مزوراً باسم عبدالصمد. وقال: "إننا لا نقبل نفيه". وختم القاضي في حكمه: "ليس هناك في الأدلة ما يدع مجالاً للشك في شأن ذنب المتهم الأول. وعلى هذا الاساس نجده مذنباً بما ورد في الاتهام ضده القتل".