ستتحوّل قاعة المحكمة الإسكتلندية التي ستنعقد غداً في كامب زايست في هولندا، "ساحة معركة" ربما تستمر سنة كاملة بين محامي الدفاع عن المتهمين الليبيين في قضية لوكربي ومحامي الإدعاء العام الذين عليهم إثبات ضلوع عبدالباسط المقرحي والأمين خليفة فحيمة في عملية تفجير طائرة "بان أميركان" فوق قرية لوكربي الاسكتلندية سنة 1988. لن تكون مهمة محامي الإدعاء كولن بويد واليستر كامبل سهلة على الأرجح. إذ يتعيّن عليهم إقناع هيئة المحكمة المؤلفة من ثلاثة من أبرز قضاة إسكتلندا اللورد ساذرلاند، اللورد ماكلين واللورد كاوسفيلد، بصحة التهم الواردة في قرار الإتهام التآمر للقتل، القتل، وانتهاك قانون سلامة الطيران المدني. لكن كثيرين باتوا ينظرون اليوم بتشكيك في ما جاء قرار الإتهام الذي أُعد للمرة الأولى في تشرين الثاني نوفمبر 1991 والذي على أساسه فُرضت عقوبات مجلس الأمن على ليبيا. ويقول خبراء قانونيون ان ملف الإدعاء ضد الرجلين لا يبدو متماسكاً وإن إثباته لن يكون سهلاً، خصوصاً ان القضية لن تكون معروضة على هيئة محلّفين من مواطنين عاديين، بل سيدرسها قضاة متمرّسون لا يمكنهم ان يُصدروا حكماً بالإدانة ما لم يكونوا قد وصلوا الى إقتناع كامل "لا شك فيه" بصحة الإتهامات. ويقول خبراء ان محامي الدفاع ويليام تايلور وريتشارد كين يمكنهم أن يثيروا نقاط تشكيك كثيرة في ملف الإدعاء. ومن هذه النقاط أعد بعضها مكتب إبراهيم الغويل المحامي الليبي السابق عن المقرحي وفحيمة الآتي: - التشكيك في "الحلقة المالطية": إذ يصر الإدعاء على أن حقيبة السامسونايت البنّية التي حوت جهاز الراديو - المسجّلة "توشيبا" الذي أُخفي فيه جهاز توقيت القنبلة، وُضعت في شريط نقل حقائب المسافرين من مطار لوقا في مالطا، ومنه إنتقلت في رحلة للخطوط المالطية الى مطار فرانكفورت الألماني حيث وُضعت في طائرة تابعة لشركة "بان أميركان" متوجّهة الى مطار هيثرو اللندني الرحلة 103أ. ويقول الإدعاء ان الحقيبة نُقلت من هذه الطائرة في مطار هيثرو الى طائرة أخرى للشركة نفسها الرحلة 103 متوجهة الى مطار جون أف. كينيدي في نيويورك. لكن الدفاع قد يلجأ الى إبراز وثائق تابعة للشركة المالطية تؤكد انها لم تنقل حقيبة من مطار لوقا الى مطار فرانكفورت من دون ان يكون معها راكب مُسافر على الرحلة نفسها. ويمكن ان يرد الإدعاء على ذلك بمحاولته إثبات ان المتهمين الليبيين، المقرحي وفحيمة، هما من وضع حقيبة السامسونايت خلسة على شريط نقل الحقائب في مطار لوقا، وان عملهما في شركة الخطوط الليبية في مالطا هو الذي سهّل لهما هذه المهمة. وفي هذا الإطار، يُتوقع ان يلجأ الإدعاء الى مفكّرة خاصة يُزعم أنها لأحد المتهمين الليبيين وفيها "تذكير" بضرورة الحصول على شارات "تاغ" تابعة للخطوط المالطية. وشارة "التاغ" تُلصق على حقائب المسافرين لدى نقلها الى الطائرات لتحديد وجهتها. - "الحلقة السويسرية": يُتوقع ان يلجأ الدفاع أيضاً الى طلب شهادة أدوين بوليير وهو صاحب شركة سويسرية لتصنيع أجهزة توقيت. وكان الإدعاء يراهن حتى وقت قصير على شهادة هذا الرجل ليؤكد تورط الليبيين في تفجير الطائرة الأميركية. إذ معروف ان المحققين الأميركيين والاسكتلنديين نقلوا عن بوليير، خلال تحقيقهم في قضية "بان أميركان"، انه تعرّف على بقايا جهاز توقيت التفجير الذي عُثر عليه بين حطام الطائرة في لوكربي، وأكد انها أجزاء من أجهزة تفجير باعها الى الليبيين MST-13. لكن بوليير تراجع اليوم عن هذه الإفادة. وهو يقول انه مستعد للإدلاء بشهادة في المحكمة تؤكد ان بقايا جهاز التفجير التي تعرّف عليها ليست من الأجهزة التي إشتراها منه الليبيون. ويوضح انه أدلى بإفادته الأولى إعتماداً على صور فوتوغرافية لبقايا جهاز التفجير عرضها عليه الأميركيون. ولم يستطع بوليير ان يرى بقايا هذا الجهاز مباشرة سوى العام الماضي، بعدما سلّمت ليبيا المقرحي وفحيمة وبدأت الإستعدادات الجدية لبدء المحاكمة. ويُعتقد ان الإدعاء سيلجأ، بدوره، الى إبراز شهود يؤكدون ان بوليير كان يستعد لبيع ليبيا 40 جهاز تفجير جديداً قبل قليل من حصول كارثة لوكربي. ويزعم الإدعاء ان ليبيا جرّبت بعض الأجهزة التي إشترتها من بوليير في السابق 20 جهاز تفجير في عمليات تفجير في توغو والسنغال. - "الحلقة الفلسطينية": يمكن ان يثير الدفاع مجدداً إمكان ضلوع جهة فلسطينية في تفجير الطائرة الأميركية. ويتعلق ذلك بما زُعم عن خلية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة بزعامة السيد أحمد جبريل إعتقلتها السلطات الألمانية في مدينة نويس قبل فترة قصيرة من تفجير طائرة "بان أميركان" في 21 كانون الأول ديسمبر 1988. وكانت أجهزة الأمن الألمانية إعتقلت في تشرين الأول اكتوبر 1988 14 فلسطينياً وصادرت معهم أجهزة تفجير ذُكر أنها تُشبه جهاز التفجير الذي يزعم الإدعاء انه إستُخدم في تفجير الطائرة الأميركية. وأثار إطلاق الألمان 12 من الفلسطينيين المشتبه بهم تساؤلات حول الدافع الى ذلك يُزعم ان بين ال 12 المفرج عنهم فلسطيني يُدعى مروان خريسات يُوصف بأنه خبير متفجرات. ولم يُحاكم الألمان سوى إثنين من المعتقلين يُدعى أحدهما "غضنفر" رُحّل لاحقاً الى سورية والثاني "الدلقموني". لكن الإدعاء يمكن ان يرد على الدفاع بالقول ان أجهزة التوقيت الى عُثر عليها مع الخلية الفلسطينية عُثر فقط على ثلاثة من أصل أربعة أجهزة تعمل على أساس الإرتفاع، أي أنها تنفجر عندما تُصبح على علوٍ معيّن، بينما جهاز توقيت لوكربي كان يعتمد على الوقت. ويجادل الإدعاء بأن الطائرة كان يجب ان تنفجر في الجو فوق المحيط الأطلسي بحيث تختفي آثارها كلياً في عمق المحيط. لكن الذي حصل ان الطائرة تأخّرت في الإقلاع من مطار هيثرو نحو نصف ساعة، مما أدى الى إنفجارها وهي لا تزال في الجو بعد قليل من تجاوزها الحدود بين إنكلترا وأسكتلندا بُعيد السابعة مساء 21 كانون الأول. - الجواز المزوّر: يتوقع ان يسعى الدفاع الى التشكيك في رواية الإدعاء في شأن سفر عبدالباسط المقرحي من مالطا الى ليبيا في اليوم الذي نُقلت فيه الحقيبة الملغومة الى مطار فرانكفورت. ويزعم الإدعاء ان المقرحي سافر باسم أحمد عبدالصمد خليفة. - "ماريز هاوس": لا شك ان الدفاع سيثير مجدداً موضوع شهادة انتوني غوتشي المسؤول عن محل "ماريز هاوس" في منطقة سليما في مالطا والذي يُقال انه أعطى أوصاف عبدالباسط المقرحي على أنه الرجل "العربي الطويل" الذي يبلغ من العمر "حوالي 50 سنة" والذي إشترى منه، في السابع من كانون الأول ديسمبر 1988، ملابس عُثر عليها بين حطام الطائرة الأميركية في لوكربي. ومعروف ان مواطناً اسكتلندياً كان يتنزّه في ضواحي المنطقة التي سقطت فيها "بان أميركان" عثر على قميص "تي شيرت" يحمل شارة مالطا، فتساءل عن سبب وجود قطعة الملابس هذه في جرود اسكتلندا، فما كان منه سوى ان أخذها الى الشرطة التي عثرت فيها على أثار مواد متفجرة. وبعد بحث طويل، حدد المحققون مكان شرائها من محل "مايز هاوس" في مالطا. وعندما قابل المحققون صاحب المحل أعطاهم أوصاف رجل يقول الإدعاء انه المقرحي. لكن يُعتقد ان الدفاع سيحاول التشكيك في أفادة صاحب المحل بسبب قدمها حصلت قبل نحو عشر سنوات، وكذلك لأنه أعطى أوصافاً يمكن ان تنطبق على العديد من مواطني الشرق الأوسط. - شهادة "جعايكة": يتوقع ان يحاول الدفاع التشكيك في إفادة الشاهد الرئيسي للإدعاء عبدالمالك عبدالرزّاق عبدالسلام جعايكة الذي يقول انه رأى أحد المتهمين يضع الحقيبة الملغومة على شريط نقل الحقائب في مالطا. ويُقال أنه هو من أرشد المحققين الى مفكرة واحد من المتهمين والتي يتحدث فيها عن ضرورة الحصول على "تاغ" من الشركة المالطية. وذكرت أخيراً مصادر قانونية في أسكتلندا ان جعايكة تراجع عن بعض إفاداته تحت ضغط أسئلة محامي الدفاع الذين قابلوه العام الماضي في مكان ما في أميركا حيث يعيش تحت إسم مستعار بعد فراره من ليبيا. - "الحلقة الفلسطينية" مجدداً: ربما يثير الدفاع أيضاً موضوع الفلسطيني محمد أبو طالب الذي يقضي عقوبة بالسجن المؤبد في السويد بعد إدانته في قضايا تفجير. وذكرت وكالة أسوشيتد برس أمس ان أبو طالب فلسطيني مولود في مصر زار مالطا في تشرين الأول أكتوبر 1988، وانه عُثر في مفكّرته على تاريخ 21 كانون الأول ديسمبر 1988 وعليه إشارة دائرية. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أمس ان أبو طالب الذي كان محور تركيز المحققين خلال المراحل الأولى من التحقيق في ملابسات تفجير طائرة "بان أميركان" قبل "إكتشاف الدور الليبي"، ينفي أي دور له في قضية لوكربي.