يرأس وزير الثقافة المصري فاروق حسني خلال أيام الاجتماع السنوي للمجلس الأعلى للثقافة في مصر وهو الاجتماع الذي ينتهي عادة بإعلان الاسماء الفائزة بجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية في مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية. وهي أرفع جوائز تقدمها مصر للمبدعين والباحثين في هذه المجالات. ويعود تاريخها الى نهاية الخمسينات وذلك إضافة الى الفائزين بجوائز الدولة للتفوق وجائزة مبارك في المجالات نفسها وهي جوائز حديثة تم إقرارها قبل نحو عامين ضمن تعديلات أدخلت على قانون جوائز الدولة في مصر وأقرها البرلمان المصري وانتهت الى رفع قيمة الجائزة التشجيعية لتصل الى 10 آلاف جنيه مصري زهاء 3 آلاف دولار والتقديرية إلى 50 ألفاً 15 ألف دولار بينما تحددت قيمة جائزة التفوق بقيمة تبلغ 25 ألف جنيه مصري، أي ما يعادل 7 آلاف دولار. وبلغت قيمة جائزة مبارك مئة ألف جنيه مصري نحو 30 ألف دولار وهي أرفع الجوائز المصرية على الإطلاق، ولم يفز بها من قبل إلا نجيب محفوظ وعبدالرحمن بدوي وصلاح طاهر وحسين بيكار. وكما هي العادة فإن حالاً من الترقب تسود الأوساط الثقافية في مصر بانتظار إعلان الاسماء الفائزة، خصوصاً أن السنوات القليلة الماضية شهدت بعض التحسينات في الاسماء المختارة فباتت أقرب إلى نيل ثقة الأوساط الثقافية وتقديرها مقارنة بما كانت عليه قبل عشر سنوات. واللافت إلى الآن نجاح أمانة المجلس الأعلى للثقافة التي يتولاها جابر عصفور في فرض أعلى درجات السرية على الاسماء المرشحة لنيل الجوائز التشجيعية، ويعود هذا النجاح إلى رغبة الأمانة في الوفاء بالالتزامات التي أقرتها في اجتماع المجلس العام الماضي وهو الاجتماع الذي شهد مداولات حادة لمواجهة ظاهرة تسرب نتائج جوائز الدولة التشجيعية بكاملها للصحف قبل الاعلان عنها رسمياً لدرجة أن بعض اعضاء المجلس طالب بحجب الجوائز كاملة، الأمر الذي اعتبره البعض بمثابة ظلم شديد للفائزين. وهذا العام بات من الصعب جداً الوصول الى اسماء يُطمأن الى فوزها وإن كان من المتوقع أن يواصل المجلس ظاهرة حجب العدد الاكبر من الجوائز من بين 24 جائزة تشجيعية. هناك اتجاه بين لجان الفحص لحجب سبع جوائز في العلوم الاجتماعية وتبقى جائزة واحدة في هذا الفرع ستذهب إلى مجال دراسات الببليوغرافيا والمكتبات، وربما تكرر الموقف نفسه في جوائز العلوم الاقتصادية والقانونية فتذهب الجائزة الوحيدة الباقية في هذا الفرع إلى أحد المتقدمين لنيلها في فرع "الشريعة الاسلامية". وفي الجوائز المخصصة للآداب من المتوقع حجب جائزتين ومثلهما في الجوائز المخصصة للفنون. والمتوقع ألا يدخل المجلس أية تعديلات على هذه النتائج شبه النهائية والتي تحمل دلالة مهمة وهي تدهور مستوى البحث العلمي بين شباب الباحثين في مجالات العلوم الاجتماعية، خصوصاً ان حجب جوائز هذه الفروع اصبح ظاهرة تتفاقم سنوياً وتحمل اشارة مؤكدة الى أن بعض لجان الفحص لا تستخدم حقها القانوني في ترشيح اعمال في التخص ذاته لم يتقدم اصحابها لنيل الجائزة. وبعيداً عن الجوائز التشجيعية فإن جائزة التفوق بدورها تحظى باهتمام لافت هذا العام، خصوصاً أن نظامها يجمع بين مميزات التشجيعية والتقديرية معاً حيث يستطيع الافراد الذين تجاوزوا الاربعين التقدم لنيلها وفي الوقت نفسه يتيح القانون لجهات الترشيح التي اقرها القانون جامعات - جمعيات وهيئات علمية - نقابات فنية ترشيح بعض الافراد لنيلها، وبفضل هذه المميزات تضم قائمة المرشحين لنيل جوائز التفوق عدداً كبيراً من الاسماء الذين لم يتح لهم الحظ أو توازنات الحياة الثقافية فرصة الترشيح للجائزة التقديرية أو نيلها، خصوصاً أن التقديري ذهبت الى بعض مجايليهم من قبل. ففي فرع الآداب تشتد المنافسة بين عدد من الاسماء يبدو اسم الشاعر محمد ابراهيم ابو سنة هو الأقرب للفوز بها والى جواره اسماء أخرى مثل نصار عبدالله ونهاد مليحة وعبد العال الحمامصي الذي هدد العام الماضي بالاعتصام بعد أن ظن أن هناك مؤامرة لاستبعاد اسمه من الترشيحات واضافة الى هذه الاسماء تقدم لنيل الجائزة اقبال بركة ومحمد سلماوي والمترجم والكاتب نسيم مجلي والكاتب ادريس علي الذي نال التشجيعية قبل خمس سنوات عن روايته "انفجار جمجمة". وفي فرع الفتوى يتنافس عبدالقادر التلمساني تجاوز الخامسة والستين وصبري ناشد وعبدالسلام عبيد وفتحي أحمد لنيلها وإن كان اسم كاتب السيناريو المعروف محفوظ عبدالرحمن هو الأقرب للفوز بها. وفي العلوم الاجتماعية يتنافس 13 مرشحاً ابرزهم صفوت كمال الباحث في الدراسات الشعبية والفقيه القانوني نور فرحات وأيمن فؤاد سيد ومحمد خليفة حسن، وهؤلاء جميعاً اصحاب فرص متساوية في الفوز. ومع ارتفاع قيمة الجوائز وصولاً إلى التقديرية 50 ألف جنيه مصري تزداد صعوبة المهمة التي تواجه اعضاء المجلس. ففي فآع الاداب بات من المؤكد أن تذهب الجائزة الى شاعر العامية المصري الكبير عبدالرحمن الابنودي، وذلك للمرة الأولى في تاريخها، إذ لم تذهب جوائز الدولة ابداً الى شعر العامية، وتجاوزت التقديرية والتشجيعية اسماء الشعراء الرواد والمؤسسين أمثال بيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين. والى جوار الابنودي تبدو المنافسة حادة بين الناقد رجاء النقاش ونعمان فؤاد ويوسف الشاروني وهم أصحاب فرص أفضل وإن كان من غير المتوقع فوز نعمات فؤاد المعارضة الشرسة لسياسات وزارة الثقافة المصرية والتي جرى ترشيحها اكثر من مرة ولم توفق في الفوز. وإلى جوار هذه الاسماء هناك مرشحون آخرون أبرزهم استاذ اللغة الفارسية مجيب المصري وعبدالعزيز حمودة وعبدالحميد ابراهيم ومحمد احمد البيومي، ويجوز للمجلس اختيار ثلاثة مرشحين من بين 9 اسماء رشحت للجائزة في هذا الفرع. وفي تقديرية الفنون اقتصرت الترشيحات على الفنانين التشكيليين وأبرزهم محمد طه حسين وحامد عويس وأحمد عبدالوهاب وصالح رضا وحسن حشمت اضافة إلى المعماري احمد كمال عبدالفتاح. وعلى تقديرية العلوم الاجتماعية يتنافس عدد كبير من المرشحين ابرزهم الدكتور فوزي حفني عالم النفس المتخصص في تحليل الشخصية الاسرائيلية وآمال عثمان وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة الوكيل الحالي للبرلمان المصري وإلى جوارها المؤرخ عاصم الدسوقي ولطيفة سالم ورئيس جامعة الاسكندرية الاسبق محمد سعيد عبدالفتاح الشديد الصلة بالدوائر السياسية. وعلى كثرة الاسماء المرشحة للتقديرية فإن كثرة عدد الجوائز تتيح مجالاً للمناورة والاختيار وهي الفرص غير المتاحة في جوائز مبارك إذ تخصص جائزة واحدة في كل فرع. وهو الأمر الذي أدى بالمجلس العام الى حجبها في فرعين هما العلوم الاجتماعية والآداب بعد أن نالها بالاجماع الفنان التشكيلي حسين بيكار في فرع الفنون. وهذا العام ايضاً يصعب تحديد الاسم الفائز بالجائزة، خصوصاً أن مشكلة العام الماضي لا تزال مستمرة. فالمنافسة في فرع الاداب محصورة بين اسم العالم اللغوي الجليل شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية وأنيس منصور، وإن كانت فرصة الأول أفضل قياساً على عدد الجهات التي رشحته للفوز بالجائزة التي وصل عددها الى خمس جهات هي جامعات القاهرة والمنيا وحلوان اضافة إلى اتحاد الكتاب ومجمع اللغة العربية، في حين أن ترشيح منصور مصدره جهتان فقط هما اكاديمية الفنون وجامعة المنصورة، وبعد ضيف ومنصور تأتي اسماء أخرى فرصتها أقل مثل ثروت أباظة وعبدالقادر القط. والموقف المعقد ذاته يتكرر في فرع العلوم الاجتماعية، إذ تتنافس على الجائزة اسماء لها ثقلها العلمي والسياسي ومن بينها المفكر الاقتصاد اسماعيل صبري عبدالله وزير التخطيط السابق الذي يبدو حظه أفضل من منافسيه التنفيذيين السابقين أمثال علي لطفي وعاطف صدقي اللذين رأسا الحكومة المصرية بين منتصف الثمانينات وأوائل التسعينات. وتبدو فرص عبدالله افضل لأن فوز صدقي بالتقديرية في العام 1993 أثار ضجة كبيرة لأنه جاء في ظل رئاسته الحكومة، الأمر الذي دفع اسماعيل صبري عبدالله منافسه على جائزة مبارك هذا العام الى الاحتجاج والاعتذار عن عدم المشاركة في اجتماعات المجلس الاعلى للثقافة الذي كان عضواً في تشكيله القديم آنذاك، وربما يؤثر اعضاء المجلس السلامة ويعمدون الى حجب الجائزة درءاً لأية شبهات. ويتنافس على الجائزة ذاتها في الفنون عدد كبير من الاسماء وإن كان من المتوقع أن يبقى التنافس الحقيقي محصوراً في تحية حليم وحامد سعيد والناقدة الموسيقية سميحة الخولي الرئيس السابق لأكاديمية الفنون. وأياً كانت الاسماء التي ستذهب اليها جوائز هذا العام، فالمؤكد أن جدالاً سيستمر حول هذه الاسماء إذ تبقى التساؤلات مطروحة حول مدى استحقاقها، خصوصاً أن الجوائز في معظمها ستذهب إلى مرشحي اكاديمية الفنون التي تعبر ترشيحاتها عن وجهة نظر الدولة وزارة الثقافة ومن ثم فهي تحظى بدعم حقيقي اثناء عملية التصويت بحصولها على أصوات ال 14 عضواً الذين يمثلون هيئات الوزارة المختلفة في عضوية المجلس، اضافة إلى صوت الوزير والأمين العام اللذين لهما حق التصويت. وهذا وهو يؤكد من جديد أهمية أن يعاد النظر في تشكيل المجلس الأعلى للثقافة ذاته استجابة لأصوات كثيرة داخل الحركة الثقافية طالبت بهذا المطلب منذ سنوات طويلة من دون استجابة حقيقية لهذا المطلب. وما يلفت كذلك، الدور السلبي الذي تلعبه الجهات التي لها حق الترشيح في الاساءة الى سمعة جوائز الدولة إذ تصر هذه الجهات على ترشيح مسؤولين تنفيذيين في الدولة أو وزراء سابقين أو أكاديميين ليس لهم أي دور حقيقي في الحياة الثقافية، الامر الذي يضع المجلس دائماً في "ورطة" سياسية شديدة باعتراف وزير الثقافة المصري نفسه الذي يُحمّل المسؤولية دائماً لجهات الترشيح التي لا ترى افضل من المسؤولين أو أبعد من أسوار الجامعة، ما يجعل جوائز الدولة في مصر دائماً ليست بعيدة من توازنات سياسية و"شيكات العلاقات العامة"، والنفوذ. وهذا يفقدها الصدقية اللازمة وهو ما يدعو المثقفين سنوياً الى حمل لواء الدعوة الى ضرورة اعادة النظر في جهات الترشيح إذ ان بعضها لا يلعب أي دور في الحياة الثقافية مثل جمعية الادباء. ومثل هذه المراجعة من شأنها أن تجعل الترشيحات ومن ثم الجوائز اكثر تعبيراً عن نبض الشارع الثقافي. والسؤال الآن: هل تنجح الجائزة هذا العام في تجاوز ثغرات وسلبيات الاعوام الماضية أم أنها ستؤكد الحاجة الى اجراء تدخل قانوني يتمثل في تبني دعوة لتعديل الآليات التي تحكم اسلوب تشكيل واختيار اعضاء المجلس واللوائح المنظمة لعمليات الترشيح والفحص والتصويت القائمة حالياً؟ سؤال يحمل الاجتماع خلال أيام اجابة عنه.