بدأت غابة أرز تنورين شمال لبنان تستعيد عافيتها، بعدما كانت مهددة باليباس والموت، من جراء حشرة غريبة فتكت بها، وإهمال مزمن. أهمية هذه الغابة أنها واحدة من ست عشرة في لبنان منتشرة على طول السلسلة الغربية، من عكار شمالاً الى الشوف جنوباً، مساحتها ستمئة هكتار أي ما يوازي ربع مساحة هذه الغابات مجتمعة، ويقارب عدد أشجارها الثلاثمئة ألف، عمر بعضها اكثر من ألف عام. ويتفاوت ارتفاع موقعها عن سطح البحر ما بين 1250 متراً و1870، وتضم تجمعات أصلية منعزلة من أشجار الأرز اللبناني فضلاً عن أشجار لزّاب وسنديان وغيرها، وأكثر من مئة نوع من الأعشاب الصخرية والأزهار البرية النادرة المهددة بالانقراض، وأنواعاً عدة من الطيور والحيوانات البرية. اما تربتها فبنّية حرجية ورملية، ومناخها جبلي بارد رطب شتاءً. قبل عامين، تحولت الغابة محمية طبيعية، بموجب مرسوم، بمسعى من أبناء تنورين والجوار، حدث الجبة والكفور ونيحا وقنات، وهي في معظمها مشاع مشترك بين بلداتهم. والدافع الى ذلك انها كانت تصارع الموت من اجل البقاء، اذ فتكت بها حشرات خطيرة، ابرزها السيفالسيا، وهي دودة تتحول فراشة من فصيلة النحل، تخرج ما بين نيسان أبريل وأيار مايو من كل عام، بأعداد كثيرة، وتحط على براعم الغابة وإبر أغصانها وتلتهمها، فتسبب باختناقها ومن ثم يباسها. واللافت، في هذه الحشرة، أنها تستطيع البقاء داخل الأرض سنوات، وعلى عمق 50 سنتم. ولمواجهة هذا الخطر، تشكلت جمعية للمحمية سعت لدى الدولة اللبنانية من اجل انقاذ الغابة، فوضعت بالتعاون مع جمعيات دولية متخصصة خطة من ثلاث مراحل، لهذا الغرض، قضت برشّ الغابة، جواً، بالأدوية اللازمة. نفذت المرحلتان الأوليان عامي 1999 و2000 وكانت المرحلة الأخيرة قبل ايام وقد تولاّها الجيش اللبناني، للمرة الأولى، باشراف مهندسين من وزارة الزراعة وخبراء من لجنة المحمية، بعدما كان يستعان بشركة فرنسية متخصصة لتنفيذ عملية الرش. ودعا رئيس لجنة المحمية السيد نديم حرب، خلال تنفيذ المرحلة الثالثة، وهي الاخيرة، في حضور وزير الزراعة علي العبدالله الى "التعاون لردع المخالفات وإبقاء المنطقة بعيدة من التشويه والتعدّيات بسبب مقالع الرمل والصيد". وطالب حرب الوزير بإعطاء تنورين والمناطق المجاورة حقها في التنمية الريفية، بإنشاء مشتل ومركز اختباري، لتنمية الغابة وزيادة المساحة الخضراء فيها، ووضع الدراسات العلمية والمخططات الادارية والتنفيذية لإعادة تأهيل المحمية. وبين المشكلات الاخرى التي تعانيها الغابة الألغام المزروعة فيها خلال الحرب، والتي يعمل الجيش اللبناني على نزعها. وأكد الخبير الدكتور نصري قعوار، عضو لجنة المحمية، ان نتائج معالجة الغابة حتى الآن اثبتت انها بدأت تستيعد نضارتها واخضرارها، مشيراً الى الورشة الكبيرة التي نفذت لهذا الغرض منذ عام 1999، مع مؤسسة "انرا" الفرنسية والخبير الفرنسي غي دو مولان بالتعاون مع خبراء لبنانيين. وتسعى لجنة المحمية، بعد مداواة الغابة، إلى تنفيذ مشروع لتشجير المشاع العام وشراء الملكيات الخاصة من الغابة وتحويلها أملاكاً عامة، وجعل المنطقة إحدى أهم المحميات في الشرق الاوسط على الصعيدين العلمي والسياحي. وإذ يتطلب المشروع الطويل المدى هذا، ما بين عشر سنوات وعشرين، ويحتاج إلى تمويل، رفعت لجنة المحمية شعار "لكل أرزة صديق"، لإشراك المواطنين والمعنيين في المسؤولية مباشرة.