على مدى اسبوع في العاصمة القطرية تعددت لقاءات زعيم حزب الأمة السوداني المعارض السيد الصادق المهدي، وفي اليوم التالي لوصوله استقبله أمير الدولة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وكانت أفكار المهدي ورؤاه في شأن ما يصفه ب"الحل السياسي الشامل" محل بحث وتداول للآراء. وكانت قضية النازحين السودانيين من مناطق الحرب في الجنوب السوداني الى مواقع أخرى من أبرز الموضوعات التي طرحها المهدي في سياق تشديده على أهمية الدور الإسلامي والعربي في مساعدة السودانيين على تجاوز أزمتهم الراهنة. ومثلما كانت هموم السودان وقضاياه في صدارة اللقاءات مع المسؤولين، كانت الندوة التي تحدث فيها المهدي في جامعة قطر بدعوة من مديرها الدكتور عبدالله الخليفي تحت عنوان "ابعاد التجربة السودانية اسلامياً وعربياً ودولياً" محطة مهمة في اطار تحركاته العربية والدولية، إذ خلص الى ضرورة اتفاق القوى السياسية كافة والنظام الحاكم على سلام شامل وتحول ديموقراطي حقيقي. وكان لافتاً ان زعيم حزب الأمة المشهور يطرح مصطلحات وتعابير سياسية جديدة تحدث في اطار تحليله للتجربة الديموقراطية في السنوات السابقة مقارنة بالأنظمة العسكرية عن التجربة الديموقراطية "كاملة الدسم" التي شهدت في السابق "انتخابات عامة محمية بالقانون وقضاء مستقلاً وخدمة مدنية محايدة وقوات مسلحة قومية لكل السودانيين وانتخابات جرت بإشراف لجنة انتخابات برئاسة قاض مستقل". ولم ينس المهدي الإشارة الى ان تلك التجربة "كاملة الدسم" خلقت للسودان مشكلات، اذ افرزت مشكلة التطبيق الديموقراطي المتعثر في ظروف التخلف والحرب. وخلص الى ان "الديموقراطية المعيارية تحتاج الى اقلمة ثقافية واجتماعية لتصبح مستدامة". ولمعرفة رأيه في شأن اجتماعه الأخير مع زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق ومسائل تمثل قضايا الساعة التقته "الحياة". وهنا وقائع الحوار. بعد فشل لقائك الأخير مع جون قرنق في نيجيريا قبل ايام، هل سيتواصل الحوار لتقريب وجهات النظر في الفترة المقبلة؟ - لا اعتبر ان ما حدث فشل، واعتقد ان الحركة الشعبية لتحرير السودان لم تقرر بعد التجاوب مع السلام والحل السياسي الشامل في السودان، وانها ما زالت تفكر في مواصلة الضغط الحربي بفكرة انها سوف تحقق يوماً ما وضعاً يجعلها تفرض برنامجها على البلاد، وهذا الأمل ما زال يداعب "الحركة الشعبية حركة قرنق وبعض مستشاريها من الشماليين الذين يقرأون الأوضاع قراءة خاطئة، وبعض القوى الدولية التي أيضاً تقرأ الموقف في السودان قراءة خاطئة. ولذلك فإن الحركة الشعبية لتحرير السودان ما زالت تفكر في استمرار الضغط العسكري كوسيلة لإملاء ما تريد في المستقبل من دون مشاركة الآخرين. لكن اعتقد ان "الحركة الشعبية" سوف تدرك ان هذا الرأي أو التحليل خاطئ، وان غالبية المعطيات سوف تتغير بالصورة التي تجعلها تقرأ الموقف قراءة أكثر واقعية. وعندما تقرأ الحركة الشعبية قرنق الموقف قراءة أكثر واقعية لن تجد مفراً من النقاط الثلاث التي عرضناها في اجتماع ابوجا مع قرنق برعاية الرئيس النيجيري أوباسانغو. ما طبيعة النقاط التي عرضتها على قرنق في نيجيريا؟ - أولاً: اتفاق سلام مؤسسة على قرارات اسمرا 1995 قرارات احزاب المعارضة المنضوية في التجمع الوطني الديموقراطي وشارك فيها آنذاك حزب الأمة وحركة قرنق. ثانياً: تحول ديموقراطي صحيح وحقيقي ويكفل حقوق الإنسان كما في الوثائق الدولية. ثالثاً: آلية جامعة للتفاوض، وآلية فاعلة لمتابعة ما يتفق عليه وتأكيد تنفيذه. وفي رأيي ان الحركة الشعبية عندما تقرأ الموقف قراءة صحيحة ستجد انه لا مفر من قبول هذه النقاط الثلاث. ولقاؤنا في ابوجا المهدي وقرنق ساهم في رأيي في وضع حركة قرنق امام مسؤوليتها وذلك امام قيادة أفريقية محترمة تتمثل بالرئيس النيجيري أوباسانغو وبمباركة من هذه القيادة الأفريقية المحترمة لهذه الأفكار أفكار المهدي. إذاً، ان الاجتماع لقاء ابوجا كان المرحلة الأولى من مراحل وضع الحركة الشعبية امام مسؤوليتها. وأعتقد ان من المتوقع انه عندما تقرأ "الحركة الشعبية" وحلفاؤها الحقائق لن تجد بديلاً من الفكرة التي تطرحها. كما ان اصحاب الاجندات الأخرى غير المتحمسة لهذا الرأي سيجدون انفسهم ايضاً امام خيار لا مفر منه وهو النقاط الثلاث. لذلك انا متفائل بأن كل الخيارات الأخرى ستجد نفسها امام موقف لا يمكن رفضه وهو هذه النقاط الثلاث. كثيرون يتشككون في مدى جدية الحكومة في تطبيق عملية التحول الديموقراطي ومساعدتك في الطرح الذي تطرحه الآن، فهل تتوقع ان تسير الحكومة على طريق التحول الديموقراطي من النظام الحالي الى نظام جديد وايقاف اطلاق النار، خصوصاً ان شكوك المعارضة تقوم على ان القوانين الحكومية هي القوانين ذاتها، اضافة الى كثير من الأشياء التي تؤرق المعارضة؟ - نعم... اعتقد ان هناك مشروعية لهذا التساؤل، وفي رأيي انه مثلما ان هناك تردداً لدى الحركة الشعبية قرنق امام قبول كامل لهذه الأفكار أفكار المهدي للتحول الديموقراطي والسلام، فإن في الحكومة غموضاً ازاء قبول كامل لهذه النقاط. ولذلك نحن قلنا وما زلنا نقول اننا سنستمر في التفاوض مع النظام كي يقبل كل النقاط الأخرى ونصحب هذا بتعبئة شعبية وديبلوماسية كي يتضح الموقف الحكومي من قبول هذه النقاط الثلاث بصورة لا غموض فيها، وبصورة مصحوبة أيضاً بآليات فاعلة. وعلى كل حال، نعم، اعتقد ان الموقف موقف الحكومة السودانية حتى اشعار آخر فيه درجة من الغموض، وفيه درجة من التردد، ولكن هناك أملاً بأن يكون الموقف مقبولاً، لأنني اعتقد ان عناصر كثيرة وجادة داخل النظام تدرك انه لا مفر من اتفاق سلام حاسم، ومن تحول ديموقراطي، وان هذا هو مطلب الشعب، والمطلب الذي يمكن ان يجد تأييداً دولياً، وأهم من ذلك ان هذا هو المخرج الوحيد من الخلافات والمشكلات وتضارب الآراء. التقيت أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني خلال زيارتك الدوحة، كما اجتمعت مع وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، فكيف تنظر الى محادثاتك مع المسؤولين القطريين؟ - اعتقد ان لقطر مواقف مميزة، اهمها انها حافظت على علاقة طيبة مع السودانيين، حكومة وشعباً، وهذا في حد ذاته نوع من الانجاز يعبر عن خصوصية الموقف. ثانياً: قطر تتبع سياسات يمكن ان نصفها بالتجديد والاقدام، ونحن أصلاً دعاة اصلاح وتجديد، وهذا يجد نوعاً من التجاوب. ثالثاً: ان امير قطر يرأس حالياً منظمة المؤتمر الإسلامي، وهناك قضايا محتاجة الى مواقف فيها مبادرات في هذا الصدد، وكان من نتائج هذا اللقاء تداول الرأي حول ما يمكن ان يحدث من خلال تبني الأمير أمير قطر افكاراً في هذا الصدد طرحها على أمير قطر. وأتوقع ان كثيراً من النقاط التي بُحثت سواء في الاطار السوداني أو الاطار الإسلامي ستجد رعاية وعناية ونتائج ملموسة. وزيارتك المقبلة الى أميركا الشهر المقبل حزيران يونيو؟ - الولاياتالمتحدة دول عظمى، وما يحدث فيها يؤثر في كل الساحات، وهناك اختلاف في وجهات النظر داخل الولاياتالمتحدة بين من يرى ان يدعم رأياً حزبياً واحداً قرنق ويصعّد الضغط من طريق هذا الرأي حتى يفرض ذلك الرأي موقفه على السودان، وهذا مصحوب بفكرة ان السودان اصلاً ينبغي ان يكون شأنه خاصاً بالقرن الأفريقي وليس عربياً أفريقياً، وفي رأيي ان هذا الموقف كانت تتبناه ادارة الرئيس السابق كلينتون. الآن هناك اعادة نظر، واهم ما فيها ان المجلس الدولي للاستراتيجية في واشنطن جمع مجموعة من المتخصصين والمثقفين والمعنيين في الشأن السوداني في الولاياتالمتحدة لمدة ستة أشهر ليناقشوا ماهية السياسة الأفضل للولايات المتحدة في أمر السودان. وأوصى هؤلاء أولاً: بأن السياسة التي كانت ادارة الرئيس كلينتون تتبعها فاشلة ولن تؤدي الى اي نتيجة، بل الى مزيد من المآسي الإنسانية واستمرار الحرب. ثانياً: رأى اختصاصيون ومثقفون اميركيون ان الولاياتالمتحدة ينبغي ان تتخذ موقفاً حاسماً لانهاء الحرب بسرعة. ثالثاً: اقترحوا افكاراً فيها بعض التوازن بالنسبة الى دعم الولاياتالمتحدة للحل السياسي الشامل الذي يتبناه المهدي، وفي بعض ملامح هذا الموقف موقف الاختصاصيين والمثقفين الأميركيين تُشبه هذه الآراء ما ينادي به حزب الأمة برئاسة المهدي، وأوضحنا نحن أوجه التقارب والاختلاف بين هذا الرأي ورأينا في حزب الأمة واصدرنا رأياً واضحاً حول هذا، وارسلناه الى الجهات التي اصدرت هذه التوصيات في واشنطن، والى كل الأطراف المعنية. رحلتي الى الولاياتالمتحدة في حزيران المقبل، هي لمواصلة توضيح هذه الرؤية ومحاولة لمناقشة كل صناع القرار الأميركي في جدوى هذا الرأي رأي حزب الأمة لكيفية انهاء الأزمة في السودان، واعتقد ان هناك فرصة ليجد هذا الرأي سبيله الى التقويم والتقدير في الولاياتالمتحدة.