توقعت "الحياة" صبيحة يوم الانتخابات في الجبل الأسود 22/4/2001 أمور عدة منها فوز فريق الاستقلال بغالبية ضئيلة وتعرض الجبل الأسود الى ضغوط كبيرة في الفترة الفاصلة بين اعلان النتائج وموعد الاستفتاء على الاستقلال لاقناع بودغوريتسا بالاستمرار في رابطة كونفديرالية يوغسلافية جديدة مع صربيا. وكشفت نتائج الانتخابات عن فوز فريق الاستقلال بأكثر من 50 في المئة بقليل أعطته التوقعات 53 في المئة بينما فاز الفريق المؤيد للاستمرار في يوغسلافيا ب40 في المئة من الأصوات أعطته التوقعات 35 في المئة. ويبدو ان التطورات المتلاحقة في الشهر السابق للانتخابات آذار مارس أثرت فعلاً على الناخبين، وهكذا يلاحظ ان البشناق صوتوا بغالبيتهم لمصلحة الاستمرار في يوغسلافيا بسبب حرصهم على استمرار اقليم السنجق الذي يشكلون فيه الغالبية في دولة واحدة بدلاً من ان يقسم بين دولتين، بينما صوت الألبان للاستقلال مع ان هذا يجعلهم ينفصلون عن بقية الألبان في جنوب صربيا، ومع ان ميلو جوكانوفيتش اعتبر ان فوز حزبه سيمكنه بسهولة من تشكيل حكومة ائتلافية مع التحالف الليبرالي والاتحاد الديموقراطي الألباني وتنفيذ وعده بالاستفتاء على الاستقلال، الا ان الضغوط الشديدة التي مورست على الجبل الأسود جعلت جوكانوفيتش بعد أربعة أيام فقط 26/4/2001 يصرح بأنه لن يتخذ أي خطوة تؤدي الى زعزعة الاستقرار في البلقان. فبعد ساعات عدة فقط من اعلان النتائج الأولية للانتخابات، التي كانت تبرز فوز فريق الاستقلال، جاء موقف الاتحاد الأوروبي ليؤكد بوضوح الموقف المبيّت الذي اتخذه على صعيد البلقان في اجتماع مجموعة الاتصال في باريس، فصرحت وزيرة خارجية السويد آنا ليند، التي ترأس بلادها حالياً الاتحاد الأوروبي، ان "فوز خيار الاستقلال للجبل الأسود يمكن ان يدفع البلقان الى أزمة جديدة"، ولفتت الأنظار الى البديل الذي يفضله الاتحاد الأوروبي بالقول: إن الاستقرار في البلقان لا يمكن ان يتم الا بتعاون الجبل الأسود مع الاتحاد الأوروبي والاتفاق مع صربيا على فيديرالية يوغسلافية جديدة. نشرة "تشيك" 23/4/2001. وفي اليوم التالي 24/4/2001 تأكد هذا الموقف على لسان مفوض الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي خافير سولانا حين صرّح بأن الوضع الآن بعد اعلان نتائج الانتخابات يدفع أكثر من أي وقت مضى للبدء في مباحثات جدية بين الجبل الأسود وصربيا حول مستقبل العلاقات بينهما واجراء تعديلات دستورية وان الاتحاد الأوروبي يؤيد وجود "مونتنغرو ديموقراطية في يوغسلافيا ديموقراطية. ويعارض اي تصرف من جانب واحد يمكن ان يزعزع الاستقرار في المنطقة". وفي اليوم ذاته جاء الموقف الأميركي ليؤكد الموقف الأوروبي، اذ أعلن الناطق باسم الخارجية الأميركية ريتشارد باوتشر ان وجود استمرار "مونتغرو ديموقراطية في يوغسلافيا ديموقراطية مجددة يمكن ان تكون الحل الأمثل للبلقان" نشرة "تشين" 24/4/2001. ومع هذه الضغوط المتواصلة بدأ الغرب في اليوم الثالث 25/4/2001 في التلميح الى البديل المفضل له اي رابطة فضفاضة أو كونفديرالية تجمع الجبل الأسود وصربيا وكوسوفو في المستبقل. وهكذا صرحت رئيسة وفد البرلمان الأوروبي لأوروبا الجنوبيةالشرقية دوريس باك انها تتوقع بدء المباحثات بين الجبل الأسود وصربيا، التي يمكن ان تؤدي الى "نوع من الرابطة داخل الفديرالية اليوغسلافية" صحيفة "داناس" البلغرادية 25/4/2001. بدأ هذا الموقف يتضح أكثر في اليوم الرابع 26/4/2001 خلال اجتماع البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، الذي ناقش الوضع في البلقان في ضوء انتخابات الجبل الأسود. وفي سابقة ذات دلالة شارك في الاجتماع، وفي المداولات التي جرت، رئيس مجلس المواطنين في البرلمان اليوغسلافي دراغليوب ميتشونوفيتش، وعاد ميتشونوفيتش الى بلغراد بانطباع جديد مفاده ان الاتحاد الأوروبي يطبخ الآن خيار "فديرالية يوغسلافية فضفاضة تكون فيها كوسوفو الجمهورية الثالثة". وهو ما حولته صحيفة "داناس" البلغرادية المعروفة الى ما نسبت لها في الصفحة الأولى عدد 26 - 27/4/2001. فمع هذه "الرابطة الفديرالية الفضفاضة" الكونفديرالية يمكن "امتصاص" استقلال الجبل الأسود وكوسوفو الذي يصر عليه زعماء الألبان هناك، اذ يمكن للكونفديرالية المقبلة ان تؤطر الاستقلال الموجود فعلاً منذ ثلاث سنوات سواء في الجبل الأسود في كوسوفو، لأنه بعد التمتع بالاستقلال هنا وهناك يستحيل تصور العودة الى ما قبل 1999 سواء في الجبل الأسود أو في كوسوفو. ويشار الى ان الضغوط لم تقتصر على الجبل الأسود، بل شملت بلغراد ايضاً، وفي الواقع كان الموقف من استقلال الجبل الأسود مناسبة لظهور المزيد من الخلاف على السلطة بين القطبين المتنافسين في بلغراد فويسلاف كوشتونيتسا وزوران جينجيتش، وهكذا في الوقت الذي كان فيه كوشتونيتسا "يحذر" من الاستقلال ويلمح الى "دور" الجبل الأسود في الوقوع في دائرة العنف البلقانية، كان جينجيتش يصرح في دوسلدورف المانيا خلال زيارة له ان حكومة صربيا باعتباره رئيس الحكومة لم تقبل بأن تتدخل في انتخابات الجبل الأسود وانها ستقبل بأي قرار تتخذه الحكومة الجديدة التي ستفرزها الانتخابات هناك، لأنه "من حق الناس هناك ان يقرروا ما يريدون" نشرة "تشيك" 21/4/2001. وبين الاستقلال عن يوغسلافيا والاستمرار فيها لا بد لبلغراد ان تبادر الى تقديم مشروع مقبول للتفاوض يشجع الآن الجبل الأسود وكوسوفو في المستقبل على الاستمرار مع صربيا في رابطة جديدة كونفديرالية. وفعلاً لم يطل الانتظار اذ ان كوشتونيتسا بادر في اليوم الخامس 26/4/2001 الى اطلاق مفاجأة خلال زيارة الرئيس السويسري لبلغراد. وربما ليس مصادفة ان تتم هذه المبادرة مع زيارة الرئيس السويسري التي تمثل بلاده نموذجاً ناجحاً للتعايش بين الثلاثي المختلف الفرنسي، الالماني، الايطالي لإقامة "حوار بين قادة صربيا والجبل الأسود بهدف الوصول الى القبول بالاتحاد اليوغسلافي من جانب الدول المكونة للاتحاد ومواطنيها". وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس السويسري اعترف كوشتونيتسا ان الأمر يتعلق ب"مشروع سياسي قابل للتعديل ويمكن مناقشته، وهو مشروع الابقاء على الاتحاد اليوغسلافي في حدّه الأدنى" نشرة فرانس برس 27/4/2001. ويبدو ان هذا "المشروع" سيطرح خلال شهر أيار مايو الجاري، أي في الوقت الذي بدأ فيه الاعداد للانتخابات البرلمانية في كوسوفو خلال الخريف المقبل. ومع ان كل قادة الأحزاب الألبانية سيدخلون هذه الانتخابات بشعار الاستقلال، كما في الانتخابات المحلية السابقة في الخريف الماضي، الا ان الاتفاق بين بلغراد وبورغوريتسا على "الاتحاد اليوغسلافي في حدّه الأدنى" يفتح الباب أمام انضواء كوسوفو كجمهورية ثالثة الى الرابطة الجديدة الكونفديرالية. وهكذا يمكن لابراهيم روغوفا، إذا فاز أيضاً في هذه الانتخابات كما هو متوقع. ان يعود كما كان خلال سبع سنوات 1992 - 1999 رئيساً ل"جمهورية كوسوفو" المستقلة داخل الكونفديرالية الجديدة. * مدير معهد بيت الحكمة، جامعة آل البيت - الأردن.