شددت إدارة الرئيس جورج بوش على أهمية النفط العربي للاقتصاد الدولي، معلنة دعمها مبادرات سعودية وخليجية لفتح بعض قطاعاتها النفطية والغازية أمام الاستثمارات الأجنبية، وكشفت في الوقت نفسه عن نيتها تشجيع الاستثمار في عمليات التنقيب والانتاج في أماكن عدة من العالم، لا سيما بحر قزوين، واجراء مراجعات دورية للعقوبات النفطية التي تفرضها على بعض الدول المنتجة، وذلك في إطار خطة أعدتها ل"ضمان إمدادات الطاقة للسوق الأميركية". ولفتت الخطة الأميركية إلى أن حصة منطقة الخليج من انتاج النفط سنة 2020 ستراوح بين 54 و67 في المئة، خصوصاً أن منطقة الشرق الأوسط تملك احتياطاً مقدراً بنحو 66 بليون برميل. أوضح بوش في خطاب ألقاه لإعلان استراتيجيته الجديدة أمام حشد من ممثلي صناعة النفط وأنصار حماية المستهلك والبيئة في ولاية مينيسوتا أول من أمس، أن الحل الذي تراه إدارته لأزمة الطاقة التي تعانيها بلاده في الوقت الراهن وضمان مستقبل الامدادات للسوق الأميركية "يكمن في ترشيد الاستهلاك وتشجيع عمليات التنقيب عن النفط والغاز باستخدام تقنيات صديقة للبيئة"، على الصعيد الداخلي، ويرتكز خارجياً على "تعزيز التحالفات ودعم المبادرات الدولية الرامية إلى زيادة الإمدادات". واشتملت خطة بوش، التي أعدتها لجنة برئاسة نائبه ديك تشيني، على 105 توصيات مرتبة حسب رؤية البيت الأبيض لأولوياته، إذ تركز أكبر عدد من هذه التوصيات في مسائل تتعلق بترشيد الاستهلاك وحماية البيئة وتطوير أنواع بديلة من الوقود، واختصت 35 توصية بجهود زيادة الانتاج المحلي من النفط الخام والغاز الطبيعي وتطوير البنية التحتية لعمليات توليد الكهرباء وتكرير النفط، فيما تعاملت 25 توصية مع المبادرات الدولية لدعم مصادر الطاقة. وقال بوش إن استراتيجيته التي قال إنها "خطة عمل تتعامل مع كل عناصر أمن الطاقة: الطلب والعرض والمزاوجة بينهما"، تعمل على خفض الطلب المحلي بواسطة ترشيد الاستهلاك وزيادة الانتاج المحلي وتنويع مصادره من النفط والغاز والفحم النظيف والطاقة الشمسية والطاقة الذرية "المأمونة"، علاوة على تحديث شبكات نقل الطاقة، محذراً من أن التقاعس في تطبيق هذه الخطة سيعرض أميركا للمزيد من مصاعب ارتفاع أسعار الغازولين والكهرباء والاعتماد على النفط الأجنبي. وعلى رغم تركيزها على ترشيد الاستهلاك واستخدام تقنيات صديقة للبيئة في عمليات التنقيب، أثارت خطة البيت الأبيض حفيظة أنصار البيئة الذين اعتبروها محابية لشركات النفط، كما تعرضت لانتقادات من جانب بعض أعضاء الكونغرس الديموقراطيين الذين اعترضوا على خلوها من اجراءات فورية لخفض أسعار الغازولين وحل مشكلة الكهرباء في ولاية كاليفورنيا، مقترحين مطالبة شركات النفط والكهرباء الأميركية بوضع سقف لأسعار منتجاتها ودعوة منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك لزيادة انتاجها. إلا أن الخطة تضمنت نقاطاً ملفتة، أهمها ارجاع سبب ارتفاع أسعار الغازولين إلى قصور في البنية التحتية لصناعة التكرير الأميركية، علاوة على اعترافها أن الولاياتالمتحدة، التي تتمتع بالاكتفاء الذاتي في جميع أنواع الطاقة باستثناء النفط الذي تستورد منه 53 في المئة من اجمالي احتياجاتها وكذلك الغاز الطبيعي الذي تستورد منه نسبة تراوح بين 15 و16 في المئة من استهلاكها، "لا يجب أن تنظر إلى أمنها في مجال الطاقة بمعزل عن العالم". وأكدت إدارة بوش في خطتها أن الولاياتالمتحدة "تستطيع تعزيز أمن طاقتها وازدهار الاقتصاد العالمي بالعمل بروح التعاون مع دول ومؤسسات نفطية رئيسية لتوسيع مصادر إمدادات الطاقة الدولية وأنواعها". وأضافت: "نحن بحاجة لتقوية تحالفاتنا التجارية وتعميق الحوار مع منتجي النفط الرئيسيين والعمل على زيادة انتاج النفط في النصف الغربي من الكرة الأرضية وافريقيا وبحر قزوين والمناطق الأخرى التي تحتوي على كميات كبيرة من النفط". دعم مبادرات السعودية وأوصت الخطة بدعم المبادرات التي اتخذتها السعودية ومنتجين آخرين في المنطقة لفتح أجزاء من قطاعات النفط والغاز أمام الاستثمارات الأجنبية، وحضت البيت الأبيض على تشجيع هذه الاستثمارات، مشيرة إلى أن السعودية، التي تعتبر أكبر مصدر للنفط في العالم وشكلت على الدوام مرتكزاً جوهرياً لضمان تدفق الإمدادات إلى أسواق النفط العالمية، تنتهج سياسة تقوم على الاستثمار في دعم طاقات الانتاج الاحتياط الذي يمكن استخدامه للتخفيف من اثار اضطراب الإمدادات في أي منطقة من العالم. وأكدت الخطة على أهمية المنطقة للولايات المتحدة والعالم، ولفتت إلى أن حصة الدول الخليجية من الانتاج العالمي من النفط الخام ستراوح بين 54 و67 في المئة بحلول سنة 2020، "ما يعني أن من شبه المؤكد ان الاقتصاد الدولي سيستمر في الاعتماد على إمدادات النفط من أعضاء "أوبك"، والدول الخليجية على وجه الخصوص"، مشيرة إلى أن منطقة الشرق الأوسط تملك ثروة نفطية قدرت السنة الجارية بنحو 664 بليون برميل، أي ما يعادل ثلثي الاحتياط الدولي المؤكد. وجاء في الخطة: "سيبقى منتجو النفط الشرق أوسطيين في كل التقديرات ذوي أهمية مركزية لأمن النفط العالمي وسيبقى الخليج، الذي يزود السوق الأميركية في الوقت الراهن بنحو 24 في المئة من استهلاكها، نقطة اهتمام أولية لسياسة الطاقة الدولية للولايات المتحدة"، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أن سياستها ستكون ذات أفق عالمي وتسلط الأضواء على المناطق القائمة والناشئة التي من شأنها إحداث أثر رئيسي في توازن الطاقة الدولي. يُشار إلى أن الولاياتالمتحدة التي تستهلك زهاء 20 مليون برميل يومياً، استوردت العام الماضي 11 مليون برميل من النفط الخام والمشتقات، وانفردت أربع دول بنحو 55 في المئة من اجمالي الواردات الأميركية التي توزعت، حسب إدارة معلومات الطاقة، بواقع 15 في المئة لكندا و14 في المئة لكل من السعودية وفنزويلا و12 في المئة للمكسيك، وعلاوة على السعودية تستورد السوق الأميركية النفط الكويتي والعراقي. وكشفت الخطة أن الإدارة الأميركية ستسعى إلى تشجيع النشاط الاستثماري بين الدول المستهلكة والدول الرئيسية المصدرة للنفط، وقالت إن "توسيع التجارة والاستثمار بين مستهلكي ومصدري النفط يعزز أمن الطاقة والاقتصاد الدوليين"، كما أوصت الخطة الرئيس بالايعاز إلى وزيري الخارجية والطاقة للمبادرة باجراء مراجعة شمولية للعقوبات الاقتصادية المفروضة على دول لم تسمها، مشيرة إلى ضرورة أن تأخذ المراجعة المقترحة مسألة أمن الطاقة الأميركي في الاعتبار. وتضمنت أهم توصيات الخطة: - تعزيز اندماج أسواق الطاقة في أميركا الشمالية الولاياتالمتحدةوكندا والمكسيك. - التعجيل بمد خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من حقول الاسكا إلى باقي الولايات الأميركية بالتعاون مع كندا. - استكمال المفاوضات مع فنزويلا للوصول إلى اتفاق ثنائي حول الاستثمار. - تحسين المناخ الاستثماري للشركات الأميركية في كل من فنزويلا والبرازيل. - تنشيط التعاون الاقتصادي مع افريقيا وتهيئة مناخ موات للاستثمارات الأميركية. - دعم مشروع خط أنابيب "باكو - تبليسي - سيحان" لنقل النفط من حقول بحر قزوين إلى البحر المتوسط عبر تركيا في حال ثبتت جدواه الاقتصادية. - دعم جهود المستثمرين الخاصين والحكومات الاقليمية لمد خط أنابيب نقل الغاز الطبيعي "شاه دينيز" لمساعدة تركيا وجورجيا على تنويع امداداتها من الغاز الطبيعي ومساعدة أذربيجان على تصدير الغاز. - حض اليونان وتركيا على ربط شبكتي نقل الغاز للبلدين ببعضهما البعض لتسهيل وصول غاز بحر قزوين إلى الأسواق الأوروبية.