} كشف الرئيس جورج بوش الخطوط العريضة لاستراتيجية جديدة اعدتها إدارته لضمان مستقبل مستقر للطاقة في الولاياتالمتحدة، لكن الخطة، التي تركز على زيادة الانتاج المحلي من النفط والغاز والتعاون الإقليمي لخفض اعتماد السوق الأميركية على واردات النفط من الدول الأجنبية لا سيما منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك، أثارت تساؤلات لدى باحثين أميركيين عن "الحكمة" في تطوير مصادر نفطية محلية أكثر كلفة من المصادر البديلة المتاحة. تبنى الرئيس بوش ترشيد الاستهلاك ركيزة أساسية لاستراتيجيته التي من المقرر أن يُعلنها رسمياً في وقت لاحق من الاسبوع الجاري. واشار في خطابه الاسبوعي، إلى ارتفاع أسعار الغازولين في بعض الولايات وأزمة الكهرباء المستمرة في ولاية كاليفورنيا وقال: "الطاقة هي مشكلة ستعالجها إدارتي. وسنطرح هذا الاسبوع خطة شاملة للمساعدة على تزويد السوق بإمدادات جديدة من الطاقة وسنشجع الأميركيين على استخدام الإمدادات المتاحة في الوقت الراهن بقدر أكبر من الحكمة". ولفت بوش إلى أن تقنيات الاقتصاد في استهلاك الطاقة التي تم تطويرها منذ أزمة النفط في بداية السبعينات خفضت إستهلاك المنشآت الصناعية وقطاع الخدمات بنسبة 40 في المئة، وقال: "ان الخطة الجديدة ستتضمن الاستثمار في تقنيات جديدة تعتصر من برميل النفط بقدر ما تعلمنا أن نعتصر من رقاقة الكومبيوتر، فضلا عن تحسين المقاييس الخاصة بالأجهزة الكهربائية ومنح المستهلكين حوافز لشراء السيارات الهجينة وتشجيع الصناعة على استبدال آلياتها القديمة". وأعرب بوش عن قلقه من احتمال تفاقم أزمة الطاقة في ولاية كاليفورنيا وأسعار الغازولين في أشهر الصيف، لكنه وصف إجراءات خفض استهلاك الطاقة في المباني الحكومية ومن ضمنها المنشآت العسكرية في أوقات الذروة التي أمر بتطبيقها الاسبوع الماضي بأنها "إجراءات فورية للمساعدة في معالجة مشكلة فورية" على رغم تأكيده في تصريحات سابقة أن مشكلة الطاقة التي تعانيها الولاياتالمتحدة لا حلول فورية لها. وجاء التركيز على ترشيد الاستهلاك على خلفية سلسلة من التطورات أبرزها استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" الاسبوع الماضي وأظهر تراجع شعبية بوش من 62 في المئة في الشهر الماضي إلى 53 في المئة الشهر الجاري، وارتفاع نسبة الأميركيين الذين يعتقدون أن وضع الطاقة أصبح خطيراً جداً إلى 58 في المئة علاوة على الانتقادات التي تعرض لها نائب الرئيس ديك تشيني بسبب تصريحه أخيرا إن "الترشيد خصلة من الخصال الحميدة للفرد لكنه لايكفي لحل أزمة الطاقة". وفي ما يتعلق بأسعار الغازولين كشف بوش في مؤتمر صحافي عقب لقائه الرئيس النيجيري الوسيغان أوباسانجو في واشنطن الجمعة الماضي، أن استراتيجيته ستتضمن العمل مع شركات النفط لتشجيع الاستثمار في توسيع البنية التحتية لصناعة التكرير ملمحاً إلى احتمال إعادة النظر في جميع القوانين التنظيمية التي لا تشجع على التطوير. واعتبر بوش مشاكل البنية التحتية لصناعة التكرير السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار الغازولين، ورداً عن سؤال تناول نيته استخدام النفوذ الذي يتمتع به لدى نيجيريا وجارتيه المكسيك وكندا لاقناع السعودية بزيادة إنتاجها من النفط الخام لتوفير إمدادات إضافية من الغازولين في السوق الأميركية قال: "إن سبب المشكلة الراهنة التي نعانيها في محطات الوقود هو أننا لم ننشئ طاقات تكرير جديدة ونحن بحاجة لتوسيع طاقات التكرير ولا بد لنا أن نفعل ذلك في منطقتنا". وأوضح بوش أن معالجة مشكلة الطاقة ستحتاج إلى خطط بعيدة المدى مؤكداً أن خطة إدارته ستركز على زيادة الانتاج المحلي والترتيبات الاقليمية وقال: "الوضع الذي نعيشه في الوقت الراهن هو نتاج تراكمات على مدى أعوام وسيحتاج تصحيحه لخطط طويلة الأجل". وأشار إلى اتفاق توصل إليه أخيراً مع نظيره المكسيكي فينسنت فوكس ورئيس الوزراء الكندي جان كريتيان لدرس إمكانية تشجيع أعمال التنقيب عن النفط والغاز. وكان وزير الطاقة سبنسر إبراهام سلط بعض الضوء على أهداف إستراتيجية الطاقة إذ اتهم "أوبك" بالمساهمة في مشكلة إرتفاع أسعار الغازولين بسبب خفض إنتاجها من النفط الخام. وأضاف في تصريحات صحافية ان خطة الطاقة ستكون شمولية وستضع أميركا في مسار يؤدي بها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من طريق العمل على بناء إمدادات إضافية محلياً وتقليل الاعتماد على النفط الأجنبي وتعزيز قدرتنا على التعامل مع هذا النوع من أزمات الطاقة والتحديات التي نواجهها في الوقت الراهن. لكن باحثين في مركز دراسات الطاقة والبيئة التابع لجامعة بوسطن توقعوا فشل خطة الطاقة المقترحة التي قالوا "انها ستؤدي إلى إلحاق الضرر بالاقتصاد الأميركي بسبب حرمانه من استثمارات ضخمة من شأنها دعم إنتاجيته في قطاعات أخرى غير نفطية" معيدين إلى الأذهان سياسات مماثلة تبنتها الإدارات الأميركية في السبعينات والثمانينات، وتساءلوا عن "الحكمة في تطوير مصادر نفطية محلية أكثر كلفة من المصادر البديلة المتاحة". وأوضح الباحثون أن الفترة من 1973 إلى 1980 شهدت نشاطاً محموماً في عمليات التنقيب عن النفط في الولاياتالمتحدة وارتفعت حصة قطاع النفط في إجمالي الاستثمارات الأميركية من 2 إلى 7 في المئة، إلا أن النتيجة النهائية تمثلت في تراجع إنتاجية الاقتصاد الأميركي بنسبة 7 في المئة وانخفاض نسبة مساهمة النفط في اجمالي الناتج المحلي الاجمالي من 4 إلى 2 في المئة، بينما بلغت قيمة الفجوة بين الاستثمار والانتاج زهاء 100 بليون دولار في الفترة من 1975 إلى 1978. وقالوا في تقرير مشترك إن "السبب وراء الأداء الضعيف لصناعة النفط الأميركية في الفترة المشار إليها بسيط وهو أن قاعدة مصادر النفط مستنزفه إلى درجة أن وضع استثمارات ضخمة في عمليات التنقيب لا يمكن أن يؤدي إلى تحقيق زيادة مكافئة في الانتاج. وكان يمكن للمبالغ الهائلة من المداخيل التي تم تحويلها إلى قطاع النفط أن تجني منافع إقتصادية أعظم لو تم استثمارها في قطاعات أخرى من الاقتصاد". وأكد الباحثون أن خطة بوش لن تكون أفضل من سابقاتها إذ ستصطدم من جديد بواقع قاعدة النفط المحلية المستنزفة وحقائق إقتصادات سوق النفط العالمية، وستفشل في تعزيز أمن الطاقة للولايات المتحدة أو الحد من نفوذ "أوبك" في السوق فضلا عما ستلحقه بالاقتصاد والبيئة من أضرار. وأشاروا إلى أن كلاً من الانتاج والاحتياط المؤكد للولايات المتحدة انخفض بنسبة 40 في المئة منذ فترة الذروة عام 1970 على رغم إزدياد عمليات التنقيب بنسبة 300 في المئة، ولاحظوا أن فجوة الاستثمار والإنتاج تلاشت منذ 1986 لكن عودتها ستكون في حكم المؤكد في حال قررت الادارة الأميركية تشجيع زيادة الانتاج المحلي من طريق الدعم والحوافز الأخرى. وقلل الباحثون من الأهمية الاستراتيجية لاحتياط النفط في المحمية الطبيعية لولاية الاسكا التي تعتبر الركيزة الأساسية لخطة بوش في ما يتعلق بزيادة الانتاج المحلي. وأوضحوا أن تقديرات هيئة المسح الجيويولجي تشير إلى أن المحمية المذكورة تختزن 20.7 بليون برميل وأن النفط القابل للاستخراج بالتقنيات المتاحة يُقدر بنحو 7.7 بليون برميل، لكن ما يمكن إستخراجه بكلفة إقتصادية مقبولة 20 دولاراً للبرميل لا يتعدى ثلاثة بلايين برميل، اي ما يعادل 152 يوماً من إستهلاك الولاياتالمتحدة حسب معدلات الاستهلاك الراهنة. وقال الباحثون: "في حال قررنا البدء بتطوير مكامن محمية الاسكا فإن إنتاجها سيصل، حسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة، إلى 1.4 مليون برميل يومياً بحلول سنة 2020، ما يعني أن هذا الإنتاج سيعادل آنذاك قرابة واحد في المئة من الإنتاج الدولي ولن يكون بالتالي قادراً على التأثير في أسعار الغازولين ووقود التدفئة، كما لن تزيد مساهمته على 5 في المئة من الاستهلاك المحلي للولايات المتحدة و8 في المئة من وارداتها".