Marwan Bishara. Palestine/Israel: La Paix ou l'Apartheid. فلسطين/ اسرائيل: السلم او الأبارتيد. La Decouvert, Paris. 2001. 124 Pages. كان آمي آيالون، المدير السابق ل"الشين بيت" اي جهاز الامن الداخلي الاسرائيلي، قد صرح في 4 كانون الاول ديسمبر العام 2000، فيما الانتفاضة الفلسطينية الثانية في أوجها: "ان على اسرائيل ان تقرر بسرعة ما طبيعة البيئة التي تتمنى ان تعيش فيها، لأن النموذج الحالي، الذي ينطوي على بعض السمات من نظام التفرقة العنصرية الابارتيد لا يتفق والمبادئ اليهودية". الاطروحة التي يأخذ مؤلف هذا الكتاب الدفاع عنها - وهو بالمناسبة شقيق النائب الاسرائيلي العربي عزمي بشارة وباحث في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية ومدرّس في جامعة باريس الاميركية - هي في منتهى البساطة والاصالة معاً: فبدون ان يُعنى من قريب من قريب او بعيد بمسألة مدى اتفاق، او عدم اتفاق، نظام التفرقة العنصرية مع "المبادئ اليهودية"، فانه يتبنى مقولة المدير السابق لجهاز الامن الداخلي الاسرائيلي، ولكن بعد رفعها من المستوى الجزئي التبعيضي الى مستوى التعميم الكلي: فالنموذج الحالي لعلاقات الاسرائيليين بالفلسطينيين ينطوي، لا على "بعض" سمات نظام الابارتيد، بل عليها "كلها"، او كلها تقريباً. فاسرائيل هي اليوم الوريثة الوحيدة بين سائر دول العالم المائتين للنظام العنصري بعد ان انخلعت من ربقته دولة جنوب افريقيا، ولكن مع هذا الفارق وهو: ان ضحايا هذا النظام من الفلسطينيين في اسرائيل ليسوا "سوداً" بل هم مثلهم مثل الاسرائيليين انفسهم "بيض". ولعل ذلك تحديداً ما يساعد في حجب الطبيعة الحقيقية لنظام التفرقة العنصرية في اسرائيل. وهذا ما كانت تنبهت اليه صحيفة "الاوزبرفر" البريطانية التي كتبت في افتتاحية عددها الصادر في 15 تشرين الاول اكتوبر 2000 تقول: "لو كان الفلسطينيون سوداً لكانت اسرائيل اليوم دولة منبوذة وخاضعة للعقوبات الاقتصادية من جانب الولاياتالمتحدة الاميركية. ولكان توسعها واستيطانها في الضفة الغربية اعتُبرا ضرباً من نظام الابارتيد يضطر فيه سكان البلاد الاصليون الى ان يعيشوا في جزء صغير من اراضيهم في اطار "بانتوستانات" مدارة ذاتياً، في الوقت الذي يحتكر فيه "البيض" توزيع الماء والكهرباء. وتماماً كما كان السكان السود قد اجبروا على ان يعيشوا في مدن صفيح فاضحة في سوء تجهيزها في افريقيا الجنوبية، كذلك فان التمييز الصارخ في مجال السكن والتربية كما تفرضه دولة اسرائيل على العرب الاسرائيليين ما كان الا ليُعتبر في تلك الحال فاضحاً". مروان بشارة، في دراسته للعوامل التي حتمت اندلاع الانتفاضة الثانية - وهي جميعها من طبيعة احباطية بعد الفشل في تطبيق اتفاقيات اوسلو - يلاحظ ان وسائل الاعلام العالمية والتي لعبت دوراً لا مراء فيه في "عولمة" الانتفاضة الفلسطينية في غزةوالضفة الغربية قد مالت - ربما لفرط اهتمامها بالصورة الحدث - الى تناسي الضحية الاولى لنظام الابارتيد: الاقلية العربية الاسرائيلية. فهناك مليون فلسطيني يحملون اليوم الجنسية الاسرائيلية وهم يمثلون بذلك سدس سكان اسرائيل الذين يناهز تعدادهم اليوم ستة ملايين. وقد عانوا - ويعانون - خلال نصف القرن من عمر اسرائيل من اشكال شتى من سياسات الاخضاع والعنف واللامساواة من جانب الدولة التي صادرت اكثر من ثلثي اراضيهم خلال تلك الخمسين سنة واجبرت غالبيتهم الكبرى - بعد ان قطعت رزقهم من اراضيهم - على التحول الى اجراء صناعيين وزراعيين في المشاريع الاسرائيلية، وبأجور تقل بنسبة الضعف - او حتى الضعفين احياناً - عن اجور العمال الاسرائيليين "الاقحاح". وقد اعترف ران كولين وزير التجارة والصناعة، في حكومة ايهود باراك السابقة، بأن 0.5 في المئة فقط من موازنة وزارته مخصصة للاسرائيليين العرب، وان وزارته، التي يعمل فيها 540 موظفاً، لا تضم سوى اربعة فقط من العرب. وقد كان تيدي كوليك، المحافظ السابق لمدينة القدس، سبقه الى الاعتراف ب"اننا نقول اشياء ولا نفعلها، واننا اكدنا وكررنا التوكيد الف مرة بأننا سنضمن المساواة في الحقوق بين العرب واليهود، ولكن لم يكن ذلك الا كلاماً اجوف. فنحن لم نخلق لديهم قط الشعور بأنهم متساوون معنا امام القانون. فالعرب كانوا ويبقون مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة". ومع ذلك كله، فان معاناة الاقلية العربية في اسرائيل ليست مادية خالصة بقدر ما هي، في المقام الاول، معاناة نفسية. فالعرب الاسرائيليون يعيشون، منذ قيام الدولة العبرية، حالة لا تطاق من التمزق الوجداني: فهذه الدولة المستحدثة هي التي حوّلتهم من غالبية الى اقلية، وهي التي قطعت اوصالهم العائلية من خلال اجبارها مئات الالوف من ابناء جلدتهم على النزوح من مدنهم وقراهم، وهي التي فرضت عليهم الاقامة في نوع من "معازل" او "بانتوستانات" محصورة في ثماني مدن وسبع واربعين قرية في الجليل في الشمال وفي "المثلث" في الوسط وفي النقب في الجنوب. وقد عاملتهم الدولة العبرية وتعاملت معهم منذ قيامها على انهم "طابور خامس" و"عدو الداخل". وعلى امتداد نصف القرن من عمر اسرائيل تراكم كمّ هائل من الادبيات الاسرائيلية التي تحذّر من "الخطر الديموغرافي" الذي يشكله العرب الاسرائيليون على الدولة اليهودية. وقد طُرحت من قبل بعض الاحزاب المتطرفة كما من بعض رجال السياسة والعلم الاجتماعي، اكثر من مرة، مشاريع لتهجريهم جماعياً من اسرائيل. وكان آخر مشروع ل"التطهير الاثني" هو ذاك الذي اقترحه آمون سوفر، الاستاذ في جامعة حيفا، على اثر تصاعد الانتفاضة الثانية اواخر العام 2000. فقد اقترح هذا الجامعي على السياسيين الاسرائيليين اخلاء المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة من سكانها اليهود تماما كما يطالب الفلسطينيون، ولكن مقابل ترحيل ربع مليون من فلسطينيي الداخل - ولا سيما "المثلث" - اليها. وطبقاً لاستطلاع للرأي جرى في نهاية العام 2000 فان 30 في المئة من الاسرائيليين يؤيدون حرمان العرب الاسرائيليين من حق الانتخاب، و74 في المئة منهم يجهرون باعتقادهم بأن وضعية دولة اسرائيل ستكون افضل بكثير من دون مواطنيها الفلسطينيين. وقد تفاقمت معاناة الاسرائيليين العرب منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. فجنود الدولة، التي هم مواطنون فيها، هم من يقتلون بالمئات، ويجرحون بالآلاف، ابناء جلدتهم وذوي قرابتهم في غزةوالضفة الغربية. وهؤلاء الجنود انفسهم لم يترددوا في اطلاق النار على الاسرائيليين العرب عندما نظّم هؤلاء تظاهرات احتجاج وتضامن مع اخوانهم الفلسطينيين في الطرف الآخر من "الخط الاخضر". ومروان بشارة يهدي كتابه اصلاً الى القتلى الثلاثة عشر من فلسطينيي الداخل الذين قتلوا برصاص القناصة والجنود النظاميين الاسرائيليين في مطلع تشرين الاول اكتوبر العام 2000. ولعل كاتباً اسرائيلياً، هو جدعون ليفي، هو من لخّص على احسن نحو وضعية التمزق الوجداني التي يعيشها فلسطينيو الداخل منذ اندلاع الانتفاضة الثانية. ففي مقال نشره في صحيفة "هآرتس" في 11 تشرين الاول 2000 قال: "من السهل جداً في هذه الايام ان نطلق ألسنتنا ونندد بعنف العرب الاسرائيليين. فلا شك ان رمي الحجارة وتكسير مصابيح الشوارع عمل "لا مدني" يستأهل التنديد. لكن من منا يقترح وسيلة تعبيرية اخرى على هؤلاء من مواطني الدولة - الذين يؤلفون خمس سكان البلاد - بعد خمس وعشرين سنة من التمييز والاذلال؟". واضاف ليفي: "ان احداً منا لا يستطيع ان ينكر انهم لم يحاولوا، اولاً، ان يستعملوا وسائل غير عنيفة. خمس وعشرون سنة من ولاء نموذجي ومن طاعة شبه ذليلة للدولة التي لم تكن حروبها حروبهم، ولا نشيدها الوطني نشيدهم، ولا لغتها لغتهم، ولا اعيادها اعيادهم. واعترافاً بالجميل على ذلك كله، تعاملهم الدولة اليوم هذه المعاملة. فهل من عجب ان يندفع اطفالهم على طريق العنف؟ فقد باتوا يدركون الآن انهم لن يحصلوا على شيء من دون العنف. وتلك هي طريقتهم ليبرهنوا، كما سبقهم الى ذلك اترابهم في الاراضي المحتلة، على ان اسرائيل هي ذلك القوي الذي لا يستطيع بالقوة، ان يتوصل الى شيء". ومع ذلك، فان مروان بشارة، نفسه ليس داعية عنف. فهو يحلم بنهاية للنزاع الاسرائيلي - العربي على طريقة افريقيا الجنوبية. فما دامت اسرائيل هي وريثتها في التمييز العنصري، فان اكثر ما تحتاجه الدولة اليهودية هو دي كليرك اسرائيلي يملك من الجرأة ومن عمق الرؤية التاريخية معاً ما يتيح له ان يحقق في اسرائيل ما تحقق في افريقيا الجنوبية يوم ألغيت التفرقة العنصرية عام 1994، ويوم تنازل دي كليرك لنيلسون مانديلا عن رئاسة الدولة. فمروان بشارة ليس متحمساً لا لاتفاقيات اوسلو، ولا لاتفاقيات كمب دايفيد. فهذه الاتفاقيات التي بلغ عددها سبعاً ما اورثت الفلسطينيين سوى سبع سنوات عجاف مقابل سبع سنوات سمان للاسرائيليين. وقد آن الاوان في رأيه لقسمة اكثر تساوياً وعدلاً. فالعرب الاسرائيليون والعرب الفلسطينيون في غزة والضفة يؤلفون اليوم بدون حسابات اللاجئين في البلدان العربية اربعة ملايين نسمة. وفي عام 2015 سيتساوون ديموغرافياً مع اليهود الاسرائيليين اربعة ملايين ونصف مليون لكل جانب. وخير حل يمكن ان ينتظم هؤلاء جميعاً، لا سيما بعد ان ثبت فشل طريق اوسلو وكمب ديفيد، هو دولة واحدة ثنائية القومية وديموقراطية معاً. لكن هذا الحلم المستقبلي يصطدم بالواقع القائم: فلا اسرائيل بجماعها تفكر بان تكون افريقيا جنوبية ثانية، ولا بين القادة الاسرائيليين من يحلم بأن يكون دي كليرك ثانياً.