سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة سياسية في مواقف الكتلة العربية في اسرائيل . عملية السلام تنتظر مانديلا فلسطينياً ودي كليرك اسرائيليّاً
نشر في الحياة يوم 11 - 03 - 2001


الاول: "كل شيء الاّ شارون" لذا التصويت لباراك.
الثاني: "لا شارون ولا باراك" لذا تسليم اوراق بيض.
الثالث: المقاطعة.
وفي الوقت الذي دارت فيه نقاشات مهمة بين المؤيدين المختلفين لهذه المواقف الثلاثة في اطار حلقات النقاش عبر شبكة الانترنت والصحافة العبرية الاسرائيلية، كان الجانب الاهم في الانتخابات هو المقاطعة الكبيرة لها من قبل العرب الفلسطينيين من مواطني اسرائيل.
ودار النقاش السياسي الاكثر اهمية داخل هذه الفئة من الناخبين بين الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة حداش التي دعت الى تقديم اوراق اقتراع بيض والتجمع الوطني الديموقراطي بزعامة النائب عزمي بشارة الذي دعا الى مقاطعة الانتخابات.
كانت الغلبة في النهاية للموقف الداعي الى المقاطعة. ويقدر ان حوالى 60 في المئة من الناخبين العرب الذين شاركوا في الانتخابات العامة في 1999 قاطعوا الانتخابات الاستثنائية في 2001 لاختيار رئيس الوزراء، وان 16 في المئة من اوراق الاقتراع التي استخدمها العرب الفلسطينيون من مواطني اسرائيل الذين ادلوا باصواتهم فعلاً كانت بيض.
كانت الجماعة التي قادت الحملة الداعية الى مقاطعة الانتخابات هي "لجنة أهالي الشهداء"، التي تتألف بشكل اساسي من آباء وامهات 13 مواطناً اسرائيلياً من العرب الفلسطينيين اغتيلوا على ايدي قناصة وضباط الشرطة وحرس الحدود الاسرائيلية في تشرين الاول اكتوبر 2000 خلال المواجهات بين الشرطة والتظاهرات وايام الاضراب العام الذي نظمه العرب الفلسطينيون في اسرائيل تضامناً مع انتفاضة الاقصى في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتُعرف هذه الاشتباكات داخل اسرائيل ب "هبّة الاقصى".
وفي الوقت الذي تلتزم فيه قوات الامن الاسرائيلية عموماً حتى الآن القانون الذي يحظر عليها اطلاق الذخيرة الحية على حشود المدنيين عندما يتألف الحشد من مواطنين اسرائيليين يهود، يبدو ان القانون لا يطبّق بالطريقة ذاتها عندما يتألف الحشد من مواطنين اسرائيليين من عرب فلسطين، كما تجلى في "يوم الارض" في آذار مارس 1976 عندما استشهد ستة عرب فلسطينيون داخل اسرائيل واخيراً ايضاً في "هبّة الاقصى" المشار اليها عندما استشهد 13 مواطناً اسرائيلياً من عرب فلسطين.
ستتكشف في السنوات القليلة المقبلة نتائج مقاطعة الانتخابات من قبل عرب فلسطين في اسرائىل التي حققت نجاحاً استثنائياً. ويمكن فهم هذه النتائج على احسن وجه، بحسب اعتقادي، في سياق التحولات التي تجري داخل الكتلة الوطنية لمواطني اسرائىل من عرب فلسطين منذ "يوم الارض" في 1976.
فقد اظهر عرب فلسطين في اسرائيل منذ "يوم الارض" انهم، ككتلة، لم يعودوا يخشون مثل هذه الادوات التابعة للدولة العبرية، وخصوصاً قواتها الامنية واجهزتها الامنية، التي توجّه لترويعهم واخضاعهم للنهب التدريجي لثروتهم المجتمعية - اراضيهم - لغرض انشاء المجمعات السكنية ل "اليهود وحدهم".
وبمقاطعتهم للانتخابات الاستثنائية لرئيس الوزراء في 2001 سجّل مواطنو اسرائيل من عرب فلسطين على الارجح خطوة حاسمة اخرى على طريق الاستقلال السياسي واكدوا على انعتاقهم التدريجي من التبعية لسياسات الاحزاب الصهيونية - وخصوصاً السياسة الصهيونية لحزب العمل و "معسكر السلام" الصهيوني التابع لحزب العمل و "ميريتس". وقد تقود هذه العملية الى المطالبة باستقلال ذاتي سياسي واقامة برلمان عربي منتخب ديموقراطياً تحت السيادة الاسرائيلية.
وسيخلف مثل هذا البرلمان العربي، في حال انشائه، "اللجنة القطرية لرؤساء البلديات العربية/ اللجنة العليا لمتابعة شؤون السكان العرب"، وهي اعلى اداة مؤسساتية لمواطني اسرائيل من عرب فلسطين يترأسها حالياً محمد زيدان، رئىس بلدية كفر مندا، باعتبارها الجهاز التمثيلي لهم. وقد يبرهن مثل هذا البرلمان العربي المنتخب ديموقراطياً على كونه اداة فاعلة لالغاء النصوص التي تكرس التمييز العنصري في القانون الاسرائيلي وتعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية والثالثة، وتحسين قدرتهم على الوصول الى الموارد المادية وغيرها للدولة - بشكل خاص الارض والسكن.
اضافة الى ذلك، اذا أُنشىء مثل هذا البرلمان العربي المنتخب ليكون "عربياً" بمعنى ان اللغة الاولى التي يجري التخاطب بها هي العربية، ويكون بالتالي مفتوحاً لكل مواطني اسرائيل الذين يستطيعون استخدام اللغة العربية بغض النظر عن اصلهم الاتني وليسوا "عرباً" بالمعنى القبلي للكلمة، فان مثل هذا التطور سيؤشر تحسناً ملفتاً في انشاء مواطنة ديموقراطية في اسرائيل وفي المنطقة ككل، وربما يوفر السياق السياسي لظهور مانديلا فلسطيني يقود النضال من اجل الحقوق الفلسطينية خلال العقود الاولى من القرن الحادي والعشرين.
وكما لوحظ اعلاه، جرت تعبئة الجزء الاساسي من "معسكر السلام" الصهيوني التابع لحزب العمل و "ميريتس" لتأمين الاصوات لايهود باراك انطلاقاً من ان البدائل المتمثلة بتقديم اوراق اقتراع بيض او المقاطعة ستكون عملياً تصويتاً لارييل شارون. وجرت في بعض الاوساط محاولة لالقاء المسؤولية عن الانتصار المتوقع لشارون على المعسكر الذي يدعو الى تقديم اوراق اقتراع بيض او المقاطعة - خصوصاً اليسار المناهض للصهيونية ومواطني اسرائيل من عرب فلسطين.
على سبيل المثال، مع اقتراب موعد الانتخابات، وزع بعض اعضاء "نساء وامهات من اجل السلام" بياناً تحت عنوان "على ضميركم" حاولوا فيه ان يلقوا على كاهل اولئك المواطنين في دولة اسرائيل، من اليهود والعرب، الذين يحتمل ان يضعوا اوراقاً بيض في صناديق الاقتراع في 6 شباط 2001، المسؤولية عن انتخاب ارييل شارون رئىساً لوزراء دولة اسرائيل والشعور بالذنب عن الحرب المقبلة واستمرار الاحتلال.
من نافلة القول ان هذه المحاولات كانت، من وجهة نظر كاتب هذه السطور، مضللة تماماً. فهي، في المقام الاول، اخفقت في ملاحظة الفرق المفاهيمي والاخلاقي بين "المسؤولية" و "الذنب". وبقدر ما يتعلق الامر بالمسؤولية عن انتخاب شارون كرئيس وزراء لدولة اسرائيل، وحدهم اولئك الذين صوتوا لشارون لتولي منصب رئيس الوزراء يتحملون المسؤولية عن انتخابه. اما اولئك الذين لم يصوتوا فانهم غير مسؤولين.
وبقدر ما يتعلق الامر بأفعال رئىس الوزراء الاسرائيلي المنتخب اضافة الى افعال سلفه، فان ما لا جدال فيه ان كل المواطنين الاسرائيليين، باعتبارهم مواطني دولة اسرائيل، يتحملون المسؤولية كلٌّ بمفرده عن مثل هذه الافعال، وبالتأكيد عن اي جرائم حرب يحتمل انهم ارتكبوها. هذه هي الحال قطعاً، لا لانهم صوتوا جميعاً على انفراد لمصلحة هؤلاء او غيرهم، بل لان هذه الافعال اقتُرفت باسمهم.
لذلك فإن كل مواطني دولة اسرائيل يتحملون، كمواطنين، مسؤولية اضافية لأن يرفعوا اصواتهم كلٌّ بمفرده ضد مثل هذه الجرائم ويتحركوا بانسجام لدحر مثل هذه الجرائم ليس كبشر فحسب بل كمواطنين في دولة اسرائىل ايضاً، لان هذه الجرائم اُقترفت وتُقترف باسمهم - وليس باسم مواطني المانيا على سبيل المثال.
الآن وقد اوضحنا ذلك، يصبح مناسباً التأكيد مجدداً على ان "المسؤولية" هي ليست "الذنب"، اذ لا وجود لشيء اسمه "الذنب الجماعي". فواضح ان فكرة "الذنب الجماعي" هي محض هراء.
واخذاً في الاعتبار ان الاحتلال النازي لاوروبا في الحرب العالمية الثانية والمحرقة التي نفذت بحق اليهود وُظّفا بشكل اجرامي على مدى الخمسين سنة ونيف الماضية من قبل كل الحكومات الاسرائيلية والمنظمات الصهيونية بهدف قمع الانتقادات الواعية لسياسات اسرائيل وجرائم الحرب الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، ابتداءً من نكبة 1948، يصبح مناسباً الاشارة الى الآتي:
اولاً، خلال الخمسين سنة ونيف من الاحتلال الاسرائيلي لجزء من فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني او كلها، اضافة الى الاراضي الاخرى، لم تنقل اسرائيل عرب فلسطين الى معسكرات الموت، كما انها لم تبد ثلث الشعب العربي الفلسطيني.
ثانياً، لا يمكن الاّ لعقل اجرامي وعنصري ان يحاول التلاعب بالنقطة الاولى اعلاه ليقلل من شأن جرائم حرب كتلك التي ارتكبتها حكومات دولة اسرائيل وبيروقراطيوها والمتواطئون معهم خلال العقود الخمسة ونيف الماضية ضد الشعب العربي الفلسطيني.
ثالثاً، بالطريقة ذاتها التي لم يكن فيها مواطنو المانيا النازية ما يسمى ب "شعب المانيا" يتحملون الذنب بشكل جماعي عن جرائم الحرب والابادة التي ارتكبت من قبل الاحتلال النازي لاوروبا في الحرب العالمية الثانية ضد اليهود والغجر والسلافيين ومثليي الجنس وغيرهم لكن الحكومة وحدها، وبيروقراطييها والمتواطئىن معها، كانوا مذنبين كلٌّ بمفرده، فان مواطني دولة اسرائيل ما يسمى ب "الشعب اليهودي" لا يتحملون الذنب بشكل جماعي عن جرائم الحرب ضد العرب السوريين والعرب الاردنيين والعرب المصريين وغيرهم، وعن جرائم الحرب والابادة الاتنية ضد العرب الفلسطينيين التي ارتكبت من قبل الاحتلال الاسرائيلي لجزء من فلسطين الجغرافية في الانتداب البريطاني او كلها، اضافة الى الاراضي الاخرى لكن الحكومة وحدها، وبيروقراطييها والمتواطئىن معها، كانوا مذنبين كلٌّ بمفرده.
السؤال اين يبدأ الاثم الفردي لوزراء الحكومة وبيروقراطيي الحكومة والمتواطئين معهم واين ينتهي هو سؤال معقد، وينطوي رسم الحد الفاصل على اعتبارات اخلاقية وسياسية وقانونية وغير ذلك. لكن الحد الفاصل يجب ان يرسم في ضوء سابقات ذات صلة ووفقاً لمعايير القانون الدولي.
الآن، مع تأليف حكومة الوحدة الوطنية الجديدة التي تضم شارون كرئىس وزراء وبن أليعيزر كوزير دفاع وشمعون بيريز كوزير الخارجية، اصبح واضحاً بجلاء تهافت الحجة التي طرحها "معسكر السلام" الصهيوني التابع لحزب العمل بان انتصاراً لشارون يعني الحرب بينما كان انتصار باراك سيعني السلام.
ان حقيقة الوضع في الشرق الاوسط اليوم هي ان حكومة يترأسها باراك او غيره من قادة حزب العمل او حكومة يترأسها شارون ستكون عاجزة على السواء عن تأمين تسوية دائمة مع منظمة التحرير الفلسطينية، بشكل اساسي لان اياً من الحكومتين عاجزة عن اجتياز الميل الاخير المطلوب للاتفاق على تسوية كهذه، وهو على وجه التحديد: اعتراف اسرائيلي بالسيادة الفلسطينية على "الجبل المقدس"، واعتراف اسرائيلي بحق لاجئي 1948 الفلسطينيين في العودة وفي استعادة سندات ملكياتهم داخل اسرائيل.
ليس مهماً ان باراك استطاع كما يُزعم ان يقطع 999 ميلاً من الالف ميل من "الطريق الى السلام" بينما لا يرجح ان يفعل شارون ذلك. في الواقع، قد لا يكون هذا صحيحاً تماماً. فالفارق المزعوم بين باراك وشارون قد يكون مهماً، لكن ليس على النحو الذي كان يدعيه الاتجاه الرئيسي في "معسكر السلام" الصهيوني التابع لحزب العمل خلال حملته لدعم باراك في الانتخابات.
منذ حرب 1973 لم يبد التيار السائد في جمهور اليهود في اسرائيل حماساً يذكر للحرب، وهو يتردد في تأييد مبادرة لشن حرب يُعتقد انها "حرب غير ضرورية" على سبيل المثال، تورط اسرائيل في لبنان منذ الغزو في 1982. ومع تلطخ سمعة شارون على نحو يتعذر اصلاحه بكارثة اسرائيل في لبنان، فان أي جهد حربي يُطلق تحت زعامته كرئيس وزراء سيلقى على الارجح معارضة كبيرة من قبل "معسكر السلام" الصهيوني التابع لحزب العمل و "ميريتس".
لكن مع وجود بن أليعيزر وبيريز الى جانبه كوزيرين للدفاع والخارجية في حكومته، زاعمان بانه لم يدخر وسعاً على الطريق الى تسوية سلمية دائمة مع منظمة التحرير الفلسطينية ومموهاً الحرب المقبلة باعتبارها "امراً محتماً" - فإن المعارضة، داخل البرلمان وخارجه، لمبادرة شارون المدعومة من بن أليعيزر وبيريز لشن الحرب ستكون صامتة في البداية على الارجح. فعلى رغم كل شيء، الم يبذل باراك كل ما بوسعه على الطريق الى تسوية سلمية مع منظمة التحرير؟
ان مواطني دولة اسرائيل الذين كانوا مقتنعين بان انتخاب باراك او شارون سيؤدي على الارجح، في السياق السياسي الملموس، الى حرب شرق اوسطية تطلقها اسرائيل والى استمرار الاحتلال بالتأكيد، فعلوا الشيء الصائب بتسليم ورقة اقتراع بيضاء او مقاطعة الانتخابات.
لكن سيكون من الاسلم لاسرائيل ان تتذكر بان ما لا يقل عن نصف شعوب الشرق الاوسط ولدوا بعد 1967 ولم يعانوا تجربة الهزيمة امام الجيش الاسرائيلي.
ومنذ 1967 فشلت اسرائيل في تحقيق نصر كامل في الحرب. فهي لم تحقق انتصاراً حاسماً في حرب 1973 واجبرت سياسياً بعد ذلك على الانسحاب من كل الاراضي المحتلة المصرية وصولاً الى الحدود الدولية في 1982، ولم تحقق انتصاراً حاسماً في غزو لبنان في 1982 واُجبرت سياسياً في وقت لاحق، في مواجهة مقاومة مسلحة وطنية لبنانية مثابرة، على الانسحاب من لبنان الى الحدود الدولية في 2000، ولم تنجح في جهودها لتهدئة الانتفاضة الفلسطينية الاولى ومن ثم اُجبرت سياسياً على ان تدخل مؤتمر مدريد للسلام في 1991، وتوقع على اتفاقات اوسلو في 1993 ومعاهدة السلام مع المملكة الاردنية الهاشمية في 1994. وهي لن تنجح في اخماد الانتفاضة الفلسطينية الثانية المستمرة حالياً، انتفاضة الاقصى، واذا اختارت الشروع بحرب شرق اوسطية جديدة فانها ستفشل مرة اخرى في تحقيق نصر حاسم.
وانا اكتب هذه السطور تقوم الزوارق والمروحيات الحربية الاسرائىلية بقصف اهداف في قطاع غزة، فيما تنفذ وحدات خاصة سرية اسرائىلية عمليات اغتيال في ارجاء الاراضي المحتلة منذ 1967. ويشمل الحصار الاسرائيلي "الاغلاق الكبير" في الوقت الحاضر كل اراضي السلطة الفلسطينية في انتهاك للقانون الدولي. وايغالاً في الايذاء والمكابرة، يبدو ان الحكومة الاسرائيلية تسعى الى الحصول على استحسان دولي لعدم اقدامها على قطع امدادات الماء والكهرباء الى مناطق السلطة الفلسطينية، وهي جرائم حرب بموجب القانون الدولي.
ازاء هذه الخلفية، على رغم ان المفاوضات مستمرة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة اسرائيل تحت رعاية الولايات المتحدة، تبدو سيادة دولة فلسطين أبعد من أي وقت مضى.
لكن الامر ليس كذلك.
ليس مهماً ما اذا كان تطبيق سيادة دولة فلسطين على الارض سيُعلن في 13 ايلول سبتمبر 2000، او 15 تشرين الثاني نوفمبر 2000، او 1 كانون الثاني يناير 2001، او بعد ذلك. فما يهم فعلاً هو "فكرة الدولة" التي تتجسد في دولة فلسطين المرتقبة. فاذا اقيمت السيادة الفلسطينية على اي جزء من ارض فلسطين الجغرافية حدود حكومة الانتداب البريطانية في 1922 بهدف توطيد دولة فلسطينية ذات طابع اتني الى جانب دولة اسرائيل القائمة على التمييز العنصري، فان هناك احتمالاً قوياً بان دولة فلسطين المرتقبة ستختزل الى سيادة "بانتوستانات" فلسطينية على الورق وعبر الاعلان فحسب.
لكن اذا كانت "فكرة الدولة" التي تتجسد في دولة فلسطين المرتقبة تهدف، في المقابل، الى توطيد دولة ديموقراطية بالمعنى الشامل للكلمة فان مثل هذه الدولة ستكون متوافقة مع قيم الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتلتزم معايير القانون الدولي وكل قرارات الامم المتحدة ذات الصلة بقضية فلسطين. اذا كان هذا هو الحال، لن تكون دولة فلسطين المرتقبة ذات سيادة بموجب القانون فحسب، بل ستكون هكذا في الواقع ايضاً. اذ ان دولة فلسطينية تطبق سيادتها وفقاً للقانون للدولي لن تهدد حقوق لاجئي 1948 الفلسطينيين في العودة واستعادة سندات ملكياتهم داخل اسرائيل، وستتمتع بضمانات من مجلس الامن التابع للامم المتحدة، وبحماية قوات حفظ سلام دولية، وسيكون لديها جيش فلسطيني وليس الجيش الاسرائيلي يحمي حدودها الدولية ومعابرها الحدودية، ويسيطر على مواردها المائية ومجالها الجوي ومياهها الدولية.
لكن ما لا يقل عن ذلك اهمية هو ان دولة فلسطين التي تطبق سيادتها وفقاً لقيم الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومعايير القانون الدولي، اذا اُقيمت، ستُدخل الى اراضي فلسطين الجغرافية كلها، مثل قيام برلمان عربي ديموقراطي داخل اسرائيل، تحولاً على الصعيد السياسي وعلى صعيد المجتمع المدني يبلغ من القوة انه سيترك تأثيره على المنطقة برمتها، بما في ذلك دولة اسرائيل، ما سيؤدي الى اصلاح اسرائيل من "دولة الشعب اليهودي"، أي دولة يهودية وديموقراطية بالمعنى الصهيوني للكلمة دولة اتنية، دولة قائمة على التمييز العنصري الى "دولة لكل مواطنيها العبرانيين والعرب بمن فيهم لاجئو 1948 و1967 الفلسطينيين"، أي دولة ديموقراطية.
وكما هو الحال في جنوب افريقيا، لا يعني تقرير المصير جعل الفلسطينيين يعيشون في "بانتوستانات" في ظل دولة اسرائيلية ذات سيادة وقائمة على التمييز العنصري. فتقرير المصير يعني فعلاً السيادة وفقاً لقيم الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومعايير القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة.
ومرة اخرى، مثل جنوب افريقيا، لا يمكن تحقيق هذا الهدف الاّ في ائتلاف مع المجموعة الواسعة من القوى العربية واليهودية داخل دولة اسرائيل وخارجها التي تلتزم قيم الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
يبدو ان احد الاسباب وراء الموجة الحالية من اعتداءات اسرائيل الوحشية، فضلاً عن موافقة حكومة باراك المحاصرة على خوض الجولة الاخيرة من المحادثات في طابا، هو ان اسرائيل استجابت اخيراً في تموز يوليو 2000 ل "خط احمر" وضعه الوفد الفلسطيني وترفض منظمة التحرير الفلسطينية ان تتجاوزه على رغم الضغوط الاسرائيلية والاميركية المتواصلة. ولنأمل ان يبقى الامر هكذا - لانه اذا بقي فعلاً، الى حد تمسك منظمة التحرير بقيم الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي تنتهكه اسرائيل بفظاظة متناهية، فإن الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير سينتصران.
يرجح ان حرب اسرائيل المتجددة على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين ستمنى بالفشل كما كان مصير الغزو الاسرائيلي للبنان قبل حوالى عقدين. وكما لوحظ اعلاه، من المهم ادراك ان اسرائيل اخفقت منذ 1967 في تحقيق نصر حاسم في حرب، ويؤمل ان تخفق على نحو مماثل في المستقبل.
ان دولة اسرائيل، القوة العسكرية الاقوى في الشرق الاوسط، تضعف سياسياً. ويتهرأ نظامها الحزبي السياسي ونظامها الانتخابي، كما يتجلى حالياً في التشرذم السياسي الحالي الذي اطلقته الاستقالة الاخيرة لرئىس الوزراء ايهود باراك وما ترتب على ذلك من اجراء جولة اخرى لانتخاب رئىس الوزراء خلال اقل من سنتين، مفضياً الى حكومة "وحدة وطنية" برئاسة ارييل شارون.
وفي احسن الاحوال يتوقع ان تشهد اسرائيل انتخابات عامة في غضون سنتين ونيف. واخذاً في الاعتبار السجل السابق، يرجح ان يُدعى الناخبون الاسرائيليون مرة اخرى للتوجه الى صناديق الاقتراع قبل هذا الوقت بكثير. وبحسب تقديري فان العجز المتزايد للطبقة السياسية الحاكمة في اسرائيل يتوقع له ان يشتد حتى يبلغ بعد وقت غير طويل النقطة التي تُحكم فيها اسرائيل علناً من قبل المؤسسة الوحيدة التي يُعتقد انها تحافظ على القليل من الاستقرار: القوات المسلحة.
لا يعني هذا ان تمثيل الجنرالات ضعيف حالياً في الطبقة السياسية الحاكمة في اسرائيل. فقد ضمت حكومة الاقلية برئاسة باراك تشرين الثاني 2000 14 وزيراً تولى بعضهم حقيبتين وزاريتين او اكثر، ثلثهم تقريباً 4 وزراء كانوا جنرالات سابقين. ومع ذلك، كان تعيينهم في وظائفهم السياسية يتم، حتى الآن، ضمن اطار النظام الحزبي - السياسي لاسرائيل ويخضع للتشريع المدني من قبل البرلمان الاسرائيلي الكنيست.
لكن مع ضعف وتشرذم النظام الحزبي - السياسي والنظام الانتخابي في اسرائيل ستحل لحظة، إن عاجلاً او آجلاً، تتحرك عندها القوات المسلحة في محاولة لفرض "الاستقرار" السياسي والاقتصادي خارج النظام الحزبي - السياسي بالاستناد الى "احكام الطوارئ" لعام 1945، التي لم تلغ ابداً من قبل الكنيست وما تزال سارية المفعول. وعندما يحدث ذلك، اذا حدث، فان اسرائيل، القوة العسكرية الاقوى في الشرق الاوسط، ستكون اصبحت الاضعف في تاريخها.
دعونا نأمل ان يكون اولئك الذين كانوا محظوظين بيننا ليشهدوا تحول جنوب افريقيا من دولة قائمة على التمييز العنصري الى دولة ديموقراطية، سيكونوا محظوظين ايضاً بشكل مماثل ليتجاوزوا الانحسار الحالي على الصعيد السياسي الاسرائيلي - الفلسطيني والشرق الأوسطي ويشهدوا تحول دولة اسرائيل من دولة صهيونية الى دولة ديموقراطية.
ودعونا نترك تحديد مستقبل هذه الدولة الديموقراطية، سواءً كانت في اطار دولتين ديموقراطيتين ثنائيتي القومية في فلسطين الاصلية ترتبطان معاً في اتحاد اقتصادي، او دولة ديموقراطية واحدة ثنائية القومية/ فيديرالية، او جمهورية ديموقراطية واشتراكية موحدة ثنائية او متعددة اللغات وثنائية القومية/ فيديرالية، اضافة الى تحديد اسمها وعلمها، الى اولئك العرب واليهود/ القوى اليهودية والعربية التي ستقود هذا التحول.
* عضو مراقب في المجلس الوطني الفلسطيني، وعضو في اللجنة الاقليمية للشرق الأوسط في مجلة "ابحاث المواطنة" الدولية، وزميل ابحاث فخري في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة اكستر ومركز الدراسات الشرق الأوسطية والإسلامية في جامعة درهام، ورئيس رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان في اسرائيل "البيت".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.