أثار ترشيح وزير الدفاع الايراني الادميرال علي شمخاني نفسه للانتخابات الرئاسية تساؤلات وقلق في اوساط الاصلاحيين في تيار الرئيس محمد خاتمي. وسرعان ما تشكل اقتناع عام في الوسط السياسي الايراني بأن شمخاني هو، عملياً، مرشح التيار المحافظ الذي لا يراهن عليه للانتصار على خاتمي وانما للمساهمة في تفتيت الاصوات شأنه شأن مرشحين آخرين، لكي يفوز خاتمي بأقل عدد ممكن من الاصوات. يذكر ان شمخاني أطلق، اثر تسجيل ترشيحه في وزارة الداخلية، تصريحات قال فيها ان ايران "تحتاج الى مكانة مرموقة في الداخل والخارج تتناسب ومكانة شعبها المثقف والقوي، واشارته الى خطأ الذين يعتقدون بامكان الحد من الحريات القانونية والمشروعة"، وان ترشيحه "لا يعد من قبيل المعارضة للرئيس محمد خاتمي بل يدخل في باب المنافسة"، وان مؤهلاته الشخصية تسمح له بذلك... وكان يمكن ان يعني ذلك ان شمخاني يسعى فقط الى دخول الساحة السياسة الايرانية من بابها الاوسع. غير ان توقيت اعلان شمخاني ترشيحه جاء في لحظة اظهرت ان التيار المحافظ او اليمين يعاني ازمة جدية في العثور على مرشح او شخصية يمكنها ان تشكل تحدياً فعلياً وحقيقياً للرئيس خاتمي، اذ ان معظم الاسماء التي طرحت كان مكشوفاً لدى الرأي العام الشعبي، ولا يستطيع ان تشكل أي منافسة حقيقية لخاتمي، خصوصاً انها امتحنت في انتخابات سابقة أو في الادارة، مثل احمد توكلي الذي نافس رفسنجاني، وعلي فلاحيان الذي نافس خاتمي وتولى في حكومة رفسنجاني وزارة الاستخبارات ويتهمه الاصلاحيون في قضية اغتيال المثقفين. تأتي قوة شمخاني من كونه في المؤسسة العسكرية، ومن التشكيل الاكثر التزاماً فيها بتوجهات القيادة العليا المتمركزة في يد قائد الثورة آية الله السيد علي خامنئي القائد الاعلى للقوات المسلحة الذي يملك وحده حق تعيين قادة الوحدات في الجيش والحرس وتغييرها. وهي المؤسسة التي باتت تعرف في ايران بالمحافظة او اليمين، خصوصاً مؤسسة حرس الثورة الاسلامية التي شغل فيها شمخاني منصب نائب قائد الحرس محسن رضائي، سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام طوال مدة الحرب العراقية - الايرانية، وانتقل بعدها الى منصب وزير حرس الثورة في حكومة مير حسين موسوي الاخيرة، ثم تولى منصب قائد القوات البحرية التي منحته صفة الادميرال ثاني، باعتبار ان القائد الفعلي لسلاح البحرية هو القائد الاعلى. لم تكن مشاركة شمخاني في الحكومة الخاتمية بمبادرة من الرئيس خاتمي او خياره السياسي. اذ يعتبر شمخاني من بين مجموعة وزراء سماهم خامنئي مباشرة، كوزير الاستخبارات ووزير الثقافة آنذاك عطاء الله مهاجراني وآخرين، خلال المشاورات التي اجراها خاتمي لتشكيل حكومته بعد فوزه. وعلى رغم تأكيد شمخاني في مؤتمره الصحافي انه لا يأتي من أي جناح، لا من اليمين ولا من اليسار، فإن معظم المراقبين الايرانيين يعتبر ان ترشيحه ومشاركته في الانتخابات تشكل الورقة التي كان التيار المحافظ يبحث عنها في مواجهة خاتمي، وان الهدف المطلوب ليس فوز شمخاني بالرئاسة وانما استقطابه شريحة واسعة من الاصوات، خصوصاً اصوات المؤسسة العسكرية وما يدور في فلكها من اصوات قوى مؤيدة لليمين في الاوساط الشعبية، والتي تتوقع اطرافها السياسية ان تفوق ال 7 ملايين صوت التي حصّلها الشيخ علي اكبر ناطق نوري رئيس مجلس النواب السابق في مقابل خاتمي عام 1997. ولعل ما يجعل مشاركة شمخاني في الانتخابات ممكنة التأثير في مجريات العملية الانتخابية، ضد خاتمي، اعتبارات عدة يمكن تلمس ملامحها في هواجس تكشفها تصريحات شخصيات من التيار الاصلاحي، وفي مخاوف مناصرين لخاتمي لم يكونوا يتوقعون ان يدخل وزير الدفاع على خط الصراع المباشر مع رئيسه رغم اصراره على تأكيد انه ليس في وارد المعارضة بل المنافسة. اول هذه الهواجس مصدره العدد الكبير الذي اندفع الى الترشيح حتى بلغ 817 شخصاً من طبقات والوان مختلفة ومتنوعة. وهذا ما يحمل الاصلاحيين على الاعتقاد بأن هناك مسعى الى افراغ موقع رئاسة الجمهورية ومكانتها من محتواه الجاد وهيبته. ويكمن الهاجس الثاني في الاسلوب الذي سيعتمده مجلس صيانة الدستور في التعاطي مع اعداد المرشحين هؤلاء والميزان الذي سيتبعه في تحديد الاهلية. وترى مصادر اصلاحية ان مفاتيح اللعبة باتت الآن في يد مجلس صيانة الدستور الذي بدأ منذ الاثنين 7/5/2001 درس ملفات كل مرشح على حدة لتحديد مدى صلاحيته واهليته للاستمرار، ومن المتوقع ان يلجأ هذا المجلس الى اعتماد سياسة منح الاهلية لأكبر عدد من الاشخاص ضمن اعتبارات مناطقية وقومية، تساهم في تقليل نسبة الاصوات التي من يممكن ان تصب في الصندوقة الخاتمية. وتعززت المخاوف الاصلاحية من هذا الامر بعد الاعلان عن الترشيح غير المتوقع لشمخاني، الذي رسخ الانطباع عن عدم الانسجام داخل الحكومة الخاتمية، والقول بأنها لا تعبر اطلاقاً عن ارادته وتوجهاته السياسية، وكذلك بالعودة الى قراءة الواقع الذي فتح الباب امام شمخاني للدخول الى المشاركة في الحياة السياسية. ولا يخفي الاصلاحيون مخاوفهم بعد ترشيح شمخاني. اذ بدأ يدور الهمس عن جدية المنافسة، من دون ان يداخلهم شك بفوز خاتمي. لكنهم يرون ان المحافظين استطاعوا الحصول على ورقة يمكن ان تؤثر في ميزان الاصوات التي يمكن ان يحصل عليها خاتمي، وسيبذلون كل الجهد كي يكون فوز خاتمي بأقل قدر ممكن من الاصوات التي سيعملون على توزيعها بين منافسين متعددين، وبالتالي سحب ورقة الدعم الشعبي الشامل من يد خاتمي والتيار الاصلاحي، للاقتراب من النقطة التي تشكل تحدياً اساسياً لهم في المرحلة الخاتمية، وهي المطالبة بتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، وقطع الطريق على تحويل الانتخابات الى استفتاء حول الاصلاحات. الاحتمال الاسوأ الذي بدأ يتسلل الى تفكير الاصلاحيين، هو ان يؤدي توزيع الاصوات وتشتتها الى عدم حسم المعركة الانتخابية من الدورة الاولى، وبالتالي يصبح خاتمي ومعه التيار الاصلاحي مجبرين على خوض الدورة الثانية، بما يعنيه ذلك من ضربة قاسية لما يراهنون عليه من تأييد شعبي يمكنهم من الاستمرار بقوة في مشروعهم.