اتخذت قضية اقالة مستشار الرئيس السوداني للسلام مكي علي بلايل ووزيري دولة يعملان معه في المستشارية، بعداً سياسياً جديداً جعل اطرافاً مهمة في الحكومة والحزب الحاكم تتبادل اتهامات علنية في شأن "هيبة الدولة ورئيسها" وطريقة اتخاذ القرار ومسألة ازدواجية القرار، ومخاوف من ان تتحول الى ازمة جهوية حول تمثيل ابناء الغرب والجنوب في الحكم. وبدأت الازمة باعلان الامين العام للحزب الوطني الحاكم الدكتور ابراهيم احمد عمر ان المكتب القيادي للحزب، الذي يرأسه البشير، اتخذ قراراً باقالة بلايل ووزيري الدولة الدكتور مطرف صديق وجوزف لاسو "بسبب عدم الانسجام". ومضى يوم من دون صدور قرار رئاسي بهذا المعنى، فسارع بلايل الذي كان ما زال يشغل منصبه حتى مساء امس، الى اصدار بيان اتهم فيه عمر ب"اخفاء الحقائق الاساسية بتصريحات مبهمة لا تعكس الحقيقة". وأوضح ان "الاقالة من المنصب أمر عادي والمهم في العمل السياسي الثبات في المواقف وليس المواقع". واوضح انه لم يتلق ما يفيد انه أُبعد من منصبه، معتبراً ذلك من صلاحيات رئيس الجمهورية. وقال ان "الخلافات التي نشأت داخل مستشارية السلام" المسؤولة رسمياً عن ادارة الحوار مع المتمردين الجنوبيين وتعمير الجنوب والمناطق المتضررة من الحرب وتأهيل النازحين وإعادة التوطين "ليست لها أدنى صلة بالأمور الشخصية، وانما تتصل بالنظرة الأساسية لقضية السلام وطريقة التعامل مع الفئات المعنية بهذه الطريقة". وزاد: "نتيجة لهذه الخلافات أُريد لمستشار الرئيس للسلام ان يكون صورياً تمرر الاشياء من تحته. وبلغ هذا الأمر مبلغاً يقوم فيه وزير الدولة علناً بإلغاء قرارات صادرة عن المستشار الأعلى درجة، ويقوم الحزب الحاكم بتشكيل وفد في شأن يخص السلام مباشرة بقيادة وزير الدولة من دون مجرد ابلاغ المستشار". ودخل وزير النقل الدكتور لام اكول على خط الأزمة أمس، معلناً انه عضو في المكتب القيادي الذي اعلن عمر انه قرر ابعاد المسؤولين الثلاثة عن ملف السلام، وأضاف: "لا علم لي باجتماع ناقش ما قيل عن خلافات داخل مستشارية السلام. هذه هي المرة الاولى التي اسمع فيها عن عدم انسجام في المستشارية". وحمل اكول على عمر لإعلانه ان الرئيس عمر البشير سيصدر قراراً في شأن إقالة الثلاثة، معتبراً ان ذلك يمثل "قدحاً في هيبة الدولة ورئيسها وتغولاً على صلاحياته". وتذكر هذه التصريحات بالأزمة التي اخرج خلالها الزعيم الاسلامي الدكتور حسن الترابي من الحكم بحجة "ازدواج القرار والتغول على صلاحيات الرئيس وهيبة الدولة". وطالب اكول ب "تناول قضية السلام بشفافية". وسارع عمر الى الرد مساء على تأكيدات اكول قائلاً إن "المكتب القيادي يستطيع اصدار قرارات في اجتماع او عن طريق الاتصال بالافراد وتمرير الاقتراحات على اعضاء المكتب". واكد ان المكتب ناقش الخلافات داخل مستشارية السلام وان "اتهامات اكول غير صحيحة". وتابع: "يمكن اكول ان يقول ان هذه الطريقة غير مقنعة، لكنها متبعة، ولا نمانع في ان يقدم اقتراحاً لإلغاء هذه الطريقة كي ينظر فيه المكتب". وعن مستقبل الحزب في ظل الأزمة قال ان "المؤتمر الوطني سيتجاوز الجهويات حتى يكون قومياً". وأوضح ان الحزب يحاول "ألا يكون هناك اثر للاعفاءات على بناء الحزب وخلخلته". ورأى مراقبون في تصريحات المسؤولين الثلاثة اشارات الى خلفية جهوية. وكان بلايل واكول سارعا الى تأييد وزير الدولة للعدل السابق امين بناني الذي ابعد من منصبه قبل اربعة اشهر لانتقاده اداء الحزب. وينتمي بلايل وبناني الى غرب السودان في حين ينتمي اكول الى الجنوب. ولم يُبعد بلايل حين دافع عن آراء بناني اسوة به حينذاك في خطوة فسرت بانها تهدف الى ابعاد الشبح الجهوي من الازمة التي اثارها بناني. ورأى معنيون بالملف ان الخلافات الجديدة تمثل امتداداً لأزمة مؤجلة داخل الحزب يمثل بلايل وبناني واكول فيها الجزء الظاهر من تيار يدعو الى ادخال تعديلات في مسيرة الحزب.