الجزائر - "الحياة" - أعادت المواجهات الدامية في مناطق القبائل تسليط الضوء على مطالب الشباب البربر في الجزائر سياسياً واجتماعياً وثقافياً. تعني كلمة الشباب البربري، في الأصل، كل من له أصول أمازيغية وينطق هذه اللغة. وهي تعني في الشرح البربري "الرجل الحر". وعلى هذا الأساس، ترسخت في تربية شباب هذه المناطق وتكوينهم فلسفة "التحرر" من كل هيمنة أو وصاية. ولذلك تميزت الأغاني البربرية بالإجمال بطابعها الملتزم ب "القضية الأم": الرجوع إلى الأصول الأمازيغية". وقد عرف المطرب البربري معطوب الوناس - الذي قتل في 1998 في ظروف غامضة - بأغانيه التحريضية ضد نظام الحكم. وكان الوناس أول بربري تهجم علناً على النشيد الوطني الجزائري في 1997، فاستبدل كلمة "فاشهدوا" بعبارة "سوغورو" التي تعني "الخداع". وعلى رغم مسّه بالنشيد الوطني، فضلت الحكومة الصمت وتجنب أزمة مع البربر. وكان الوناس شتم رجال الدرك عقب أحداث "خريف الغضب" 1988 ووصفهم ب"درك العار". يقول معطوب الوناس في إحدى أغانيه الثائرة لمناسبة خريف الغضب والتي تعد أبرز مرجع غنائي لسكان المنطقة القبائلية: "أيها الذاهب إلى أيت إثني بلدية تيزي وزو انتظر لأسألك عن الدركي ميشلي الذي ضربني وسقطت جثته هامدة". وبعد أن يتنهد قليلاً يستأنف الوناس أغنيته: "عاش العربي الحرايمي السارق في جبال جرجرة المرة أعالي منطقة القبائل لم تنهض القبائل لذبحه، إحزني يا عزيزتي". ويتابع: "بحق دمائي التي سالت باطلاً وزوجتي التي كادت أن تترمل لن أتنازل عما حدث مهما حدث، لا كوميسار محافظ شرطة ولا دركي العار لا لن أنحني لهم ذلاً". ويقول خبير في الشؤون الأمنية في تفسيره لظاهرة الغضب البربري أن المطالب الثقافية الأمازيغية "من أهم القضايا التي استغرقت عقوداً من الزمن ولم تجد أبداً معالجة نهائية. بل كانت دائماً محل اجتهاد محدود من الحكومات المتعاقبة". وعاني البربر منذ حصول الجزائر على الاستقلال سنة 1962 من التهميش والإقصاء بسبب تنامي مخاوف لدى المسؤولين في شأن نزوع غالبيتهم إلى "الانفصال" عن الحكم المركزي. وتبنّت الحكومات الجزائرية المتعاقبة سياسة حذرة في تعاملها مع أوضاع مناطق القبائل، إذ استثنت سكانها من سياسة تأميم الأراضي الزراعية الفلاحية مطلع السبعينات مع تبني الرئيس الراحل هواري بومدين خيار "الثورة الزراعية". ومن الناحية الاجتماعية، يعيش بعض القرى النائية في ولايات القبائل فقراً مدقعاً يقول البربر انه يدل على "درجة التهميش" الذي تعانيه مناطقهم. وثمة قرى لا تجد فرقاً بين وضعها اليوم ووضعها قبل نيل الاستقلال في 1962. وعمّق غياب الحكومة عن "مداشر" المنطقة من حجم المعاناة وولد شعوراً لدى كثيرين بأن الدولة لا تنوي تنمية مناطقهم.