مرة في كل عام يستعيد الفلسطينيون في شريط ذاكرتهم تفاصيل الجريمة التي ارتكبت بحقهم عام 1948، جريمة تشريدهم وتهجيرهم من قراهم ومدنهم وارتكاب مجازر قتلت الآلاف منهم. جريمة حولت قراهم الى أنقاض وأهلها لاجئين في الغربة والوطن. أمس، وفي ذكرى انشاء دولة اسرائيل حسب التقويم العبري أحيى الفلسطينيون ذكرى نكبتهم بمسيرات الى عدد من القرى ال400 واكثر التي طالتها آلة القمع والعصابات الصهيونية. "يوم استقلالهم يوم نكبتنا"، هذا الشعار الذي تبنته جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في اسرائيل لتقول اساساً ان الجريمة لم ولن تنجح في اغتيال الذاكرة، فتفاصيلها ماثلة أمام عيون من بقوا على قيد الحياة وعالقة في أذهان ابناء عائلات المهجرين. صباح امس نظمت المسيرة السنوية التقليدية الى قرية أم الزينات في قضاء حيفا بمشاركة المئات من أبنائها جاؤوا ليستذكروا رائحة الوطن ويستعيدوا الذكريات في شريط سريع للزمن. وقصة أم الزينات هي قصة سائر القرى التي دمرتها الآلة العسكرية الاسرائيلية ولم تبق فيها سوى كروم زيتون وتين ومقابر الآباء والأجداد التي سلمت من التدنيس. لم يبق فيها بيت أو ذكر له سوى أكوام حجارة قال سليم محمد أحمد فحماوي انها حجارة المدرسة الابتدائية، وأضاف: "كنت طالباً في هذه المدرسة، عشنا بأمان وسلام حتى تم تهجيرنا... خسرنا بيوتنا وأرضنا وكل شيء. لم يبق هنا سوى المقبرة وهذا الصبر الذي يقول اننا سنصبر حتى نحقق حلمنا". ويتابع أبو احمد: "إنه جرح مفتوح لم ولن يندمل إلا بإنجاز حق العودة. وهذه المشاركة الواسعة في المسيرة للشيوخ والنساء والاطفال تبعث فيّ أملاً في تحقيق حلمنا". عام النكبة شارف عدد سكان أم الزينات على الفي نسمة واعتبرت القرية الأكبر بين القرى ال23 في لواء حيفا وتعدت مساحتها 22 ألف دونم صادرتها قوات الاحتلال واقامت على قسم منها مستوطنات يهودية احتفل سكانها امس باستقلال دولتهم! اما سكانها الاصليون فتوزعوا بين الشتات وقرى لم تطلها عمليات التجريف والاقتلاع. ويلقي أبو احمد برأسه فوق حجارة المدرسة ليستذكر ان هدمها حرمه من متابعة تعليمه، ويتألم حين يتوجه الحضور نحو المقبرة لقراءة الفاتحة على أرواح الموتى: "قبل عامين رحل والدي الى جوار ربه وكان أوصى بدفنه في مقبرة القرية... لقد عشق الكرمل وتمنى ان تكون راحته الأبدية في أرضه، لكن السلطات الاسرائيلية أبت الا ان تظهر عدم انسانيتها حين أرسلت بمئات أفراد الشرطة لمنعنا من دخول أراضي القرية وتحقيق آخر أمنية لوالدي المرحوم". الكاتب سلمان ناطور، ابن قرية دالية الكرمل التي يقيم فيها عدد كبير من مهجري أم الزينات، وثق في كتاب "وما نسينا" وعلى لسان شيوخ القرية تفاصيل نكبة هذه القرية. ناطور شارك بالأمس اهالي القرية في احياء ذكرى النكبة وقال: "أهمية إحياء الذكرى لا تكمن فقط في العودة الى التاريخ الفلسطيني المعاصر بل في تأكيد حق المهجرين في العودة الى قراهم وأراضيهم وتربية الاجيال الناشئة على التمسك بالأرض والوطن والنضال من أجل تحريره". النائب العربي هاشم محاميد جبهة الوحدة الوطنية أشار الى ان مأساة الشعب الفلسطيني تتكرر بأشكال مختلفة والى مخططات جديدة لترحيل الفلسطينيين: "لدغتنا اكثر من مرة وعلينا ان نكون مهيأين لمزيد من المعارك النضالية لنحافظ على ما تبقى من أراضينا ونحن أصحاب الأرض الشرعيون". وبعد ساعات انطلق ابناء العائلات المهجرة باتجاه مدينة الناصر للمشاركة في المسيرة القطرية للمهجرين الى قرية معلول المهجرة شارك فيها ممثلون عن مئات القرى حملوا لافتات باسمائها ورفعوا مفاتيح العودة، واكد الخطباء ان قضية اللاجئين تبقى الضمير الحي للقضية الفلسطينية العادلة "ومن دونها يبقى الحل منقوصاً وفارغاً من مضمونه الحقيقي. انه حلم متوثب ترثه الاجيال، جيلاً عن جيل".