في مقارنة دقيقة لما ورد في نداء مجلس المطارنة الموارنة الصادر في 20 أيلول سبتمبر 2000 وما تضمنته رسالة الفصح التي وجهها البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله بطرس صفير في 13 نيسان ابريل الجاري لمناسبة عيد الفصح المجيد، يتبين ان لهجة الرسالة جاءت هادئة ومعتدلة ما ينسجم مع المسعى القائم الى تغليب لغة التهدئة على جو التشنج الذي ساد أخيراً، خلافاً للنداء الموجه الىش من يهمهم الأمر في الداخل والخارج، الذي أغفل الحديث عن عدد من القضايا العربية ذات الارتباط المباشر بأزمة الشرق الأوسط. ومع ان البعض يعتقد أن رسالة الفصح ليست سوى نسخة طبق الأصل عن نداء مجلس المطارنة ولم تتعارض معه، وانما صيغت بلهجة هادئة فإن البعض الآخر من قيادات سياسية رسمية واسلامية يتعاطى مع الرسالة على انها تصحيح لعدد من المواقف وتصويب لتحميل سورية مسؤولية الأزمة الاقتصادية الخانقة والتدخل المباشر في كل شاردة تتجاوز الشق الأمني والعسكري الى ما هو متعلق بادارة الشؤون السياسية والاقتصادية. وفي هذا السياق يقول مقربون من اللقاء المسيحي التشاوري، الذي يواصل اجتماعاته في قرنة شهوان برعاية المطران يوسف بشارة، ان رسالة الفصح جاءت توضيحاً لفهم خاطئ لمحتوى نداء مجلس المطارنة من دون ان يعترضوا على تغييب النداء، أو عدم تنبههه لقضايا عربية من الانتفاضة المستمرة في فلسطينالمحتلة ضد إسرائيل الى الجولان المحتل. ويؤكد المقربون ان اغفال النداء لقضايا عربية بهذه الأهمية، وعدم الاشارة اليها، أعطت للمعارضين تحرك بكركي ذريعة بأن البطريرك صفير ليست لديه من أولوية سوى التركيز على الدور السوري وتوجيه الانتقادات له. ويضيف هؤلاء بأن البطريرك صفير تبنى الملاحظات التي تناولت نداء مجلس المطارنة ليوحي غامزاً من قناة المعارضين بأن ليست لبكركي طروحات مسيحية في مقابل تقويم مغاير للمعارضة التي رأت في مضمون الرسالة تعديلاً ايجابياً لمضمون النداء، اذ انها أكدت تضامنها مع الجولان المحتل والانتفاضة الفلسطينية، مشددة على أن لا سلام من دون دولة فلسطينية بينما تطرق النداء الى الظلم في الأراضي المحتلة من دون ان يسمي من هو الظالم أو المظلوم. كما وأن البطريرك لم يتطرق الى اعادة انتشار الجيش السوري في لبنان تطبيقاً لاتفاق الطائف أو الى تطبيق القرار الدولي الرقم 520 الذي ينص على انسحاب كل الجيوش الأجنبية، خلافاً لما حمله النداء من مواقف واضحة وصريحة، واكتفى بالتركيز على السيادة والاستقلال والقرار الحر في اشارة غير مباشرة الى انسحاب الجيش السوري. أما لماذا هذا التعديل أو التبدل ما بين نداء مجلس المطارنة ورسالة الفصح؟ في الاجابة عن هذا السؤال يقول قيادي بارز في لقاء قرنة شهوان التشاوري ل"الحياة" ان البطريرك صفير اتخذ قراره عن قصد في اضفاء طابع من الهدوء على رسالة الفصح رغبة منه بتبديد الروح العدائية التي اظهرها بعض مستقبليه في ساحة بكركي لمناسبة عودته من الولاياتالمتحدة وكندا، اذ أبدى امتعاضه من الهتافات التي اطلقوها ومن الشعارات التي كتبت على عدد من اللافتات خصوصاً وانها كانت موجهة ضد سورية، وهذا ما عبرت عنه امانة السر البطريركية في بيان اذاعته فور انتهاء الاستقبال. ويؤكد القيادي ان البطريرك صفير يعارض التعبئة على اختلافها خصوصاً اذا انحرفت عن اهدافها، ولا يؤيد الشحن ضد سورية، الذي يتعارض والدعوة الى اقامة علاقة مميزة وطبيعية وهي الجار الأقرب الى لبنان. ويضيف: ان رسالة الفصح من جهة والأجواء السياسية المسيطرة على لقاءات قرنة شهوان حاولت تصحيح التحرك حيال الصورة المغلوطة القائمة لدى القوى السياسية الأخرى، وفي مقدمهم القيادات الاسلامية. وظهر ذلك جلياً في التركيز على تطبيق اتفاق الطائف على رغم وجود ممثلين لحزب الوطنيين الأحرار والتيار الوطني الحر المؤيد للعماد ميشال عون، أو للذين لا يؤيدان الاتفاق ولم يسبق لهما التسليم بمضمونه باستثناء البند الذي ينص على اعادة انتشار الجيش السوري. ويرى بأن المجتمعين في قرنة شهوان الذين هم مزيج من القوى السياسية، يحاولون التوصل الى برمجة لتطبيق الطائف وانما على قاعدة التوجه الصادق لدى اكثرية المسيحيين من انهم لا يريدون الانقلاب عليه، أو تنظيم صفوفهم للاطاحة به، في حال تعذر عليهم ادخال التعديلات الخاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية لجهة اعادة النظر فيها. ويعترف بأن التراشق الاعلامي الذي شهدته الساحة حديثاً حاول مخاطبة الغرائز بدلاً من العقول وهذا ما ولد "نقزة" خصوصاً لدى المسلمين من وجود نية لإلغاء الطائف بالعودة الى صيغة معدلة لميثاق عام 1943. ويؤكد القيادي المسيحي بأن تبديد "النقزة" أمر ضروري، ولم يكن في وسعنا سوى التركيز على استكمال تطبيق الطائف، في شكل يعكس اعترافاً ضمنياً بمقدمة الدستور اللبناني التي حسمت الجدل حول مسألة الهوية العربية للبنان اضافة الى التمسك بالاصلاحات السياسية التي أصبحت في صلب الدستور الذي انتجه اتفاق الطائف من خلال وثيقة الوفاق الوطني وبالتالي لا مجال للعودة الى الامتيازات في اشارة الى عدم وجود أي حنين سياسي لصيغة 1943. وان الملاحظات في حال وجودها فهي تتعلق بسوء التطبيق وبالادارة السياسية التي لم تحسن حتى الساعة استيعاب الجميع. وعليه، فإن اللقاء التشاوري في قرنة شهوان ما هو إلا امتداد لدور البطريرك صفير في احتضان الجميع تحت عباءته شرط ان لا يتحرك من يتحدث عن مرجعية بكركي مستفيداً من الغطاء الذي امنته له، لطرح ما يريد خلافاً للتوجه العام. لذلك فإذا كانت هناك من ورقة لهذا اللقاء، فإن افكارها ستكون مستمدة من رسالة الفصح.