قالت مصادر مقربة من بكركي ل"الحياة" ان هدف البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير من تصريحاته الأخيرة الى هيئة الاذاعة البريطانية ووكالة "فرانس برس" التي كرر فيها شرح مطلب اعادة انتشار الجيش السوري تمهيداً لانسحابه "ابقاء النقاش مفتوحاً في شأن هذا المطلب، لأن البعض تعامل معه على انه مجرد فشة خلق لا أكثر". وأوضحت ان صفير أكد لعدد من القيادات التي التقاها ان نداء مجلس المطارنة الموارنة قبل أكثر من أسبوع، ليس مجرد فشة خلق. وكان صفير حمّل، في حديثه الى الاذاعة البريطانية، سورية "الجزء الأكبر من مسؤولية الأزمة الاقتصادية في البلد" وقال، إن اللبنانيين "لم يُترك لهم المجال ليقرروا، بذواتهم ما يجب ان يقرروه". وعما أعلنه وزير الدفاع السوري العماد أول مصطفى طلاس أن الجيش السوري دخل لبنان بناء على طلب من المسيحيين، قال صفير: "نحيل الذين يقولون هذا على خطاب الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، في تموز/ يوليو 1976 وفيه انه دخل لبنان من دون استئذان من أحد". وسئل: هل تعتبر الوجود السوري احتلالاً خصوصاً انك قلت إن السوريين يهيمنون على كل شيء؟ أجاب: "لا أريد ان أفلسف الأمور. انما هناك أمر واقع. انهم يهيمنون على كل شيء. أسمَّيت ذلك احتلالاً أم غير احتلال. قلنا ان الاسرائيليين كانوا يحتلون بلادنا، وقد ذهبوا، وهناك اتفاق الطائف الذي يقول بمعاودة النظر في انتشار الجيش السوري، بعد سنتين من اقرار الاصلاحات الدستورية وانقضت عشر سنوات ولم ينظر في هذا الأمر". وأوضح ان نداء المطارنة "ينطلق من منطلق صداقة وود وان مصلحتنا المشتركة تقضي أن يكون بين لبنان وسورية أحسن العلاقات ضمن نطاق استقلال كل بلد وسيادته وقراره الحر". وعن نقل هذه الأجواء الى دمشق، قال: "ذهبوا كثيراً ورأينا النتيجة. لست أنا مَنْ يتولى الأمر فهناك دولة عليها أن تقوم بذلك". وفي حديث الى وكالة "فرانس برس" رفض صفير الذرائع التي يقدمها "اولئك الذين يخشون عودة الحرب الطائفية الى لبنان" وقال: "إن مقولة اما الجيش السوري وإما الفوضى ذريعة واهية". وأضاف: "وان شهدت العلاقات بين المسيحيين والمسلمين صعوبات تاريخياً، فإن لبنان قادر ويجب ان يبقى مثالاً للتعايش الاسلامي - المسيحي". وقال: "بعد رحيل السوريين، لا اعتقد ان فوضى ستحصل الا اذا افتعل احد ذلك". وأضاف: "ان توقيت نداء المطارنة كان ملائماً، فالانتخابات النيابية هذا الصيف لم تكن اكثر تمثيلية من سابقتيها وكان من الضروري اطلاق صرخة انذار قبل تشكيل الحكومة الجديدة". واعتبر ان "الحكومة اللبنانية ليست سوى تعبير عن ارادة الحكومة السورية، وليس سراً على احد ان السوريين يتدخلون في كل مكان وعلى كل المستويات". ورداً على تلميحات تتهم الكنيسة المارونية بالانحياز الى مصالح أجنبية أميركية أو اسرائيلية، قال صفير: "مرة يقال إنها روما ومرة الولاياتالمتحدة وحتى اسرائيل من يقف وراء بياننا، ولكن نحن لا نحتاج الى اذن من احد، ولا حتى من رئيس الجمهورية اميل لحود لكي نعطي رأينا في مستقبل البلاد". وعن المذكرة التي يروجها بعض النواب بهدف إلغاء الطائفية السياسية في لبنان، قال صفير: "ليست المرة الأولى يدور الحديث على إلغاء الطائفية السياسية عندما يتم تقديم مطالب محقة. الأمر ليس جدياً. ليس هكذا يتم العبور بالبلاد الى السلام". ورأى "انها رد على طلبنا رحيل القوات السورية عن البلاد". واعتبرت شخصية قيادية مسيحية على صلة بصفير انه يواصل تأكيد موقفه المعلن لاعتباره أن الاستحقاقات المقبلة تتطلب ذلك، "والى استحقاق تأليف الحكومة والاستحقاق الاقتصادي بعد الانتخابات النيابية، يرغب البطريرك في ان يكون أمام الساحة السياسية استحقاق اعادة الانتشار السوري في المرحلة المقبلة". وأضافت: "إن البطريرك لم يلمس أي مبادرة في اتجاه الحوار الفعلي في شأن ما يطرحه. وهو لذلك يعيد التذكير به، لاعتقاده ان ظروف المنطقة الراهنة تشهد حالاً انتقالية، ويود تسجيل موقفه قبل ان تثبت الأمور على معادلات معينة". ورأت ان "الردود التي صدرت عن الجانب السوري في شأن نداء مجلس المطارنة بقيت في اطار الموقف القديم ولم تحمل جديداً في أسلوب التعاطي مع موقف بكركي. وهو لهذا السبب يكرر شرح موقفه ويشدد عليه". وذكرت ان صفير "يسعى في تصريحاته المتكررة ايضاً الى بلورة المطالب التي تهم المسيحيين، لذلك دعا الرئيس لحود، في تصريحاته، الى اصدار عفو عن قائد "القوات اللبنانية" المحظورة الدكتور سمير جعجع، كمطلب ثابت له". ورأت الشخصية المقربة من بكركي ان من اهداف تصريحات صفير أيضاً، "تأكيد تمثيل مسيحي مختلف عن السابق في الاستحقاق الحكومي المقبل، على رغم قوله انه لا يرغب في ان يسأل رأيه في الوزراء". ولفتت إلى"أن من كانوا يعتقدون أن توزيرهم عام 1992 و1996 يرضي بكركي في مقابل من كانوا لا يرضونها في الحكومات المتعاقبة، ليسوا كافين في نظرها لتصحيح التمثيل المسيحي اليوم". وكان صفير التقى أمس النائب المنتخب عباس هاشم ورئيس "المؤتمر الشعبي اللبناني" كمال شاتيلا والسيد فؤاد مخزومي. ورأى هاشم "ان ليس من المصلحة العامة الاستمرار في الاخذ والرد حيال مضمون نداء بكركي". ودعا الى "تركه للتفاعل عبر المؤسسات بما يتلاءم واستنهاض مشروع الدولة". وعن الغاء الطائفية السياسية، قال: "قبل التسرع في طرح مواضيع مماثلة يجب ايجاد المناخ الملائم للبدء به بطريقة لا تشكل ثغرة لدى اي من الطوائف". واعتبر شاتيلا ان صفير "أساس السلم الأهلي والعودة بلبنان الى حياته الطبيعية". وأكد "الاتفاق معه على اقامة أفضل العلاقات بين لبنان وسورية، وبين لبنان وكل العرب"، مشيراً الى "ان لا وطن مسيحياً في لبنان ولا دويلة اسلامية". ورأى ان "لا مانع من فتح ملف العلاقات اللبنانية - السورية والقول ان هذا خطأ وهذا صحيح، لتنقيتها من الشوائب". وأوضح مخزومي انه "لمس من البطريرك فارقاً شاسعاً في نظرته الى العلاقة مع سورية الشقيقة واسرائيل العدوة، يجب ان تكون العلاقة عادلة ومتكافئة ومتكاملة بين سورية ولبنان". ورأى ان "بكركي تشكل صرحاً وطنياً ويجب الا ننسى مواقف غبطته السابقة ومحاربته للطائفية". وأيد "التيار الوطني الحر" العوني الذي زار وفد منه بكركي، برئاسة القاضي يوسف سعدالله الخوري، "نداء المطارنة الموارنة". وقال: "انه يعبر عن آراء كل اللبنانيين وهو المدخل الصحيح والوحيد لاستعادة السيادة والقرار الحر ولتحقيق علاقة أخوية مميزة مع سورية في جو من الصراحة". وفي ردود الفعل على مواقف صفير، أيَّد النائب المنتخب ألبير مخيبر كل ما ورد في حديثه الى "الاذاعة البريطانية". وسأل السلطات السورية التي شاركت وتشارك في الردود على صفير عن "أسباب تمسكها ببقاء جيشها في لبنان علماً ان لا مهمة له بعد خروج الجيش الاسرائيلي؟". وقال: "إن الشعب اللبناني يعتبر ان هذا التمسك بالبقاء اصبح على رغم ارادته، احتلالاً للبنان". ورأى "ان الحل المثالي للأزمة اللبنانية - السورية هو في يد الرئيس بشار الأسد، ووحده يمكنه ان يستجيب رغبة لبنان في تنفيذ القرار 520". ونوه النائب المنتخب نعمة الله ابي نصر بمواقف الرابطة المارونية الوطنية واعتبر خلال تكريم اقامه رئيس الرابطة الأمير حارس شهاب للنواب الموارنة الجدد "ان ما تتعرض له الرابطة والكرسي البطريركي من حملات تجريح وتجن يندرج في خانة اسكات الأصوات التي تنادي بحرية الوطن وسيادته واستقلاله وتعمل على ترسيخ العيش المشترك". وأبدى "استعداد النواب الجدد للتعاون مع الجميع والرابطة لنعمل معاً على معالجة كل القضايا الوطنية، خصوصاً تعزيز حرية التعبير، توصلاً الى اتخاذ قرارات وطنية". وأيد حزب الوطنيين الأحرار ما جاء في حديث صفير الى الاذاعة البريطانية. واعتبر انه "يكمل نداء بكركي الهادف الى إحداث صدمة ايجابية تؤدي الى حوار معمق، انطلاقاً من حق لبنان في الوجود دولة سيدة حرة مستقلة، حرصاً على اقامة افضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة، ومنها الجارة الأقرب سورية". وأهاب بأهل الحكم "التزام العقلانية والمنطق في قراءة احداث لبنان وتحليلها وعدم الانجرار وراء العواطف بتحميل فئة من اللبنانيين المسؤولية الكاملة عن آلام الوطن، كأنهم يعطون الضوء الأخضر لتبرير ما يطاولها من ظلامة واضطهاد".