بدعوة من "دارة الملك عبدالعزيز" افتتح أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمس ندوة "المملكة العربية السعودية وفلسطين"، يشارك فيها عدد من المفكرين والادباء والسياسيين والاكاديميين العرب. وجاء طرح المواقف السعودية تجاه قضية العرب الأولى في ندوة عامة محاولة لتعميم الدعم العربي وإشراك المواطن العادي في مناقشة البحوث وأوراق العمل المقرر طرحها في الندوة. ومثل هذا التوجه من شأنه تأسيس رأي عام يحدد للحكومات العربية الكيفية التي يتم من خلالها تقديم الدعم لأبناء الشعب الفلسطيني ليستمر في نضاله ضد المحتل. وهو التوجه الذي يرى بعض المفكرين والكتاب المشاركين في الندوة ان المملكة العربية السعودية نجحت من خلاله في مواصلة دعمها القضية الفلسطينية. فهي من اوائل الدول العربية التي دعت مواطنيها للمساهمة في دعم الشعب مادياً ومعنوياً. وفي هذا السياق يرى ممثل الهيئة العليا لفلسطين عيسى نخلة ان إبراز دور المملكة في قضية فلسطين لا يعني بالضرورة ما ذهب اليه البعض الآخر، بل انه، وفي هذا الوقت بالذات، اصبح ضرورياً اكثر من اي وقت مضى، وذلك لأن بعض العرب انشغل عن قضيته الأولى بأمور جانبية، مشيراً الى ضرورة متابعة ما ينشر خلال هذه الندوة، وما سيصدر عنها من توصيات ليتذكروا قضيتهم الأولى ويعرفوا في الوقت نفسه جهود من سبقوهم في هذا المجال. وأشارت مديرة مؤسسة الشرق والغرب في الولاياتالمتحدة سلمى الجيوسي ضمناً الى "الحياة" ودور الندوة، في ابرازها الدور السعودي حيال الصراع العربي - الاسرائيلي، ستكون فرصة لتبادل الاراء بين نخبة من المفكرين والأكاديميين، والى ضرورة استعانة القيادات العربية بآراء المثقفين ووجهات نظر الكتّاب في قضية لم تعد ملكاً لاحد، الامر الذي ترى الجيوسي، انه يفرض على الأمة نمطاً ًمغايراً في التفكير وان لا تنحصر اهتمامات الامة في احصاء وتعداد ما حصل في السابق، لأن الظروف، كما تقول الجيوسي، تدفعنا لأن نتشاور في ما سنفعله لا ان نتشاور في ما فعلناه. وترى الجيوسي، التي دعت الى تغيير نمط التفكير العربي في القضايا الاستراتيجية والمصيرية، ان اسرائيل لن تيأس من فتح ثغرة في الجدار العربي وعليه يجب ان يتخذ العالم العربي موقفه الواضح من قضاياه المصيرية في محاولة لصد الادعاءات الاسرائيلية. ويجب ان تشمل التوعية شرائح المجتمع العربي كافة لأن الخطر الصهيوني لا يفرق بين عربي واخر، وهو ما يفرض علينا تفعيل دور الشارع العربي في صراعنا مع العدو. ويرى عيسى نخلة في حديث الى "الحياة" ضرورة ان تكون توصيات الندوة متوازنة مع المرحلة الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية، مشيراً الى ضرورة اطلاع كل الحكومات العربية على ما صدر عنها. وأضاف: ان على الحكومات العربية ممارسة ضغوط على الولاياتالمتحدة ليس من اجل كسب تأييدها، بل لتحييدها، ويرى ان ذلك كافياً في الوقت الراهن. وحول دور الملك عبدالعزيز في القضية الفلسطينية يرى رئيس قسم الاجتماعيات في كلية المعلمين في جازان محمد المومني، ان الملك عبدالعزيز هو المسؤول العربي الذي طرح قضية الفلسطينيين في فترة الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي على بريطانياوالولاياتالمتحدة الاميركية بوضوح تام، وأنه تصدى لدعاوى اليهود التاريخية في أحقيتهم بفلسطين، مؤكداً على ضرورة مراعاة قدسية فلسطين بالنسبة للمسلمين لأنها جزء لا يتجزأ من ديار الاسلام. ويرى يوسف حسن العارف في بحثه أن أهم الدلالات التي تبرز موقف الملك عبدالعزيز من القضية الفلسطينية، تتمثل في اهتمامه بالمسألة الفلسطينية وحرصه على جعلها ضمن الاولويات التي يعمل من اجلها ضمن سياسته الخارجية وتنبؤاته بأن اليهودية والصهيونية لن تكتفيا بالوجود السلبي في فلسطين بل ستسعيان الى تأسيس دولة كبيرة في فلسطين. وعرض الاستاذ المساعد في قسم الدراسات الاسلامية رئيس مركز البحوث والدراسات التربوية في كلية المعلمين بالقنفذة، وزميل المعهد العالمي للفكر الاسلامي في واشنطن، محمود الخطيب، الموقف السعودي من الهجرة اليهودية وتقسيم فلسطين، من خلال اهتمام المملكة بالاوضاع السياسية في فلسطين على رغم مشاغلها الداخلية، ومشاركة الملك عبدالعزيز الفلسطينيين احداث الثورة الكبرى واقناعه تشرشل بعدالة القضية الفلسطينية ورفضه لفكرة التقسيم وإمداد المجاهدين الفلسطينيين بالاسلحة. ولا أدل على مواقف السعودية من فلسطين بصورة عامة من اقوال الملك عبدالعزيز وابنائه ورجالاته من بعده، ونقتبس منها: "ما زلت اضع قضية عرب فلسطين في قلبي، وطريقتي هي العمل الصامت، وعرب فلسطين كأولادي، ويأتي أمر المحافظة عليهم بعد المحافظة على الدين". ولفت استاذ التاريخ الحديث والمعاصر، عايض الروقي ، إلى أن الدلالة على المواقف السعودية، تأتي في كلام سانت جون فيلبي عن الملك عبدالعزيز: "ومن دون ان يخسر مثقال ذرة من صداقته الطويلة مع بريطانيا، فإن ابن سعود الملك عبد العزيز يقود سفينته بمهارة بين صخور محيط الديبلوماسية، ان هدفه الوحيد هو حماية مصالح الاسلام والعرب". ويعتقد رئىس قسم الدراسات العليا التاريخية والحضارية في جامعة ام القرى، ضيف الله الزهراني، أن البعد الحضاري الذي تمتع به الملك عبدالعزيز، نستشفه من كلام الرئيس الأميركي روزفلت، الذي أعجب بعبقرية الملك عبدالعزيز في شرح القضية الفلسطينية، اذ قال بعد رجوعه الى بلاده: "لقد وعيت عن مشكلة المسلمين ومشكلة اليهود في حديث دام خمس دقائق مع ابن سعود اكثر مما كنت استطيع معرفته بتبادل ثلاثين او اربعين رسالة". وتبيّن استاذة التاريخ الحديث والمعاصر عائشة المسند ان الدعم السعودي لم يقتصر على الجانب الديبلوماسي بل انه تجاوز ذلك حيث كان للقوات السعودية دورها البارز في حرب فلسطين في الوقت الذي لم يكتمل فيه الاستعداد العربي ضمن الخطة العسكرية الموحدة، وهو الدور الذي يدل، كما ترى المسند، على قوة العقيدة وصدق الهدف لدى القيادة السعودية. ووصف استاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك، اسماعيل ياغي مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز للسلام، ضمن مشروع السلام العربي، بأنها نابعة من اهتمامه بالقضية الفلسطينية، لاهميتها الدينية ومكانتها الاستراتيجية، وأنها امتداد لدور سابق بدأه الملك المؤسس. وقال استاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد، فوزي المصري ان جهود الملك عبدالعزيز لدعم قضية فلسطين، لم تقف عند حد ارسال المذكرات والاستنكار امام الجمعية العامة للأمم المتحدة بل وصلت الى رفضه قرار التقسيم. وعلى صعيد دعم القضية عسكرياً ومادياً،اصدر امراً عاماً بتسجيل الراغبين في التطوع من اجل فلسطين ، وأمر بجمع التبرعات لمساعدة مجاهدي فلسطين، وعلاج المصابين منهم . ولم يقتصر الدعم السعودي للاشقاء في فلسطين، كما اشارت المسند، على جانب محدد بل انها تنوعت لتشمل مختلف الميادين. وفي هذا السياق سلط إبراهيم بن عبدالعزيز الشدي الضوء على الدعم السعودي للقضية الفلسطينية في اليونيسكو، من خلال حرص السعودية على تأكيد الحق العربي في فلسطين وتفنيد الادعاءات الصهيونية، وقد شاركت المملكة في كل المؤتمرات العامة ال30 التي عقدتها منظمة اليونيسكو منذ إنشائها حتى المؤتمر العام الثلاثين الذي عقد في باريس خريف عام 1999. ولا تخلو كلمات المملكة في كل هذه المؤتمرات من فقرات عديدة حول القضية الفلسطينية، تؤكد فيها الحق العربي الفلسطينن، وتفند الادعاءات الصهيونيةوتعالجها بروح عربية اسلامية.