انخفاض سعر الروبل أمام العملات الرئيسية    مصرع 10 أطفال حديثي الولادة جراء حريق بمستشفى في الهند    "سلمان للإغاثة" يوزّع 175 ألف ربطة خبز ضمن مشروع مخبز الأمل الخيري في شمال لبنان    يدعوان جميع البلدان لتعزيز خطط العمل الوطنية    استمرار تشكل السحب الممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    مهرجان صبيا.. عروض ترفيهية فريدة في "شتاء جازان"    سوق بيش الأسبوعي.. وجهة عشاق الأجواء الشعبية    اكتشاف مخلوق بحري بحجم ملعبي كرة سلة    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    ترامب ينشئ مجلسا وطنيا للطاقة ويعين دوغ بورغوم رئيسا له    إسبانيا تفوز على الدنمارك وتتأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    منع استخدام رموز وشعارات الدول تجارياً في السعودية    نيوم: بدء تخطيط وتصميم أحياء «ذا لاين» في أوائل 2025    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    منتخب مصر يعلن إصابة لاعبه محمد شحاتة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    ابن جفين: فخورون بما يقدمه اتحاد الفروسية    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    قادة الصحة العالمية يجتمعون في المملكة لضمان بقاء "الكنز الثمين" للمضادات الحيوية للأجيال القادمة    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الخرائط الذهنية    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات بين الدول المطلة على الخليج ... ربط الامن القومي بالمصالح الدولية الاقتصادية
نشر في الحياة يوم 19 - 04 - 2001

يروي القزويني في أسفاره قصة غريبة تُروى، ويتناقلها الناس عن دير مبني على قمة جبل الجودي الذي استوت عليه سفينة نوح عليه السلام. ويذكر القزويني كلاماً على هذا الدير فيقول: "زعموا ان سطحه يشبر فيكون عشرين شبراً مثلاً، ثم يشبر فيكون اثنين وعشرين شبراً، ثم يشبر فيكون ثمانية عشر شبراً، فكلما شبر اختلف عدده". إن المتأمل لما أورده القزويني ليرى أنه يصدق على علاقات الدول المطلة على الخليج العربي. فيرصد المقوِمُ لأحوالها تقارباً في ما بينها، وعند إعادة التقويم يجد شقاقاً، وهذه هي الحال على الدوام، النتائج لا تتطابق.
فهناك معوقات تحول دون وجود أمني مشترك في الخليج يعزوه مندوب العراق في الجامعة العربية، الدكتور عبدالمحسن خليل، الى عوامل كثيرة بعضها موضوعي، وبعضها ذاتي، ولخصها في أربعة عوامل: "أولها العامل الخارجي، وأقصد به على وجه التحديد القوى الأجنبية من خارج المنطقة التي تستخدم ثقلها الدولي وقدراتها الكبيرة وعلاقاتها التاريخية في المنطقة لتفرض تصوراً لأمن الخليج العربي، ينطلق من مصالحها" وثانيها الحساسية القائمة بين دول الخليج العربي نفسها، وأحياناً تنبع هذه الحساسية مما يمكن أن نسميه مسألة الحجم داخل إطار مجلس التعاون الخليجي نفسه. فبعض الدول الخليجية تشعر أنها محاطة بدول أكبر مساحة وأكثر سكاناً وقدرة، فتتصرف تجاه قضية الأمن بحساسية خشية من هيمنة الدولة الأكبر" وثالث هذه العوامل هو الأطماع ونزعة التوسع لدى إيران تجاه دول الخليج ابتداء من مطالبتها بالبحرين واحتلالها جزر الإمارات العربية الثلاث، الى تشجيع الهجرة الايرانية الى دول الخليج القليلة السكان، لكي تغير تركيبتها السكانية، ولذلك فإن كل تصور للأمن كان يصطدم بالتصور الإيراني" ورابعها هو المبالغة لدى بعض دول الخليج في فهمها لمسألة السيادة، ورفضها التنازل عن أي مقدار من السيادة يتطلبه بناء تصور أمني مشترك، ما أسهم في تعطيل بناء هذا التصور المشترك بين دول مجلس التعاون والعراق وإيران".
واختلاف الرؤية التي ذكرها الدكتور عبدالمحسن خليل اشارة، على ما يبدو، الى المشاريع الثلاثة التي طرحت ايران أحدها في عهد الشاه، من خلال معاهدة أمنية مشتركة تقضي بأن تشارك كل دولة خليجية، بحسب قدراتها المالية والبشرية. وبهذه المعاهدة تتزعم ايران المنطقة لأنها الأكبر بشرياً ومادياً. والمشروع الثاني مشروع بغداد الرامي الى ربط أمن منطقة الخليج بالأمن القومي العربي بوصف بغداد البوابة الشرقية للأمة العربية، وإن كان الهدف الرئيسي من المشروع التنافس مع الدول القومية العربية الأخرى على زعامة الأمة العربية. أما المشروع الثالث فهو ما أشار اليه الدكتور خليل بالعامل الثاني - حساسية دول مجلس التعاون من الحجم الكبير للسعودية في مقابل صغر حجم الدول الأخرى الأعضاء - أو اعتماد الرياض على ربط أمن دول الخليج الصغيرة بأمنها بحكم تأثر أمن هذه الدول بأمن السعودية، من جهة، ووقوع هذه الدول تحت تأثير النفوذ الايراني أو العراقي المختلفين عن المنهاج المتبع في بقية الدول الخليجية عبدالجليل مرهون، "المستقبل العربي"، 1998، عدد 227.
ويرى عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، الدكتور بكر العمري، أن الخليج العربي سيظل لفترة طويلة في حالات من التغيرات الأمنية ومهدداً بأخطار خارجية واقليمية، وذلك بسبب معوقات كثيرة في الساحة الخليجية أهمها: التضارب الملحوظ بين مفاهيم مختلفة للأمن القومي والوطني، والأمن الخليجي المشترك، والأمن الجماعي، وغموض مفهوم الأمن القومي الخليجي واستخدامه من الساسة والمفكرين والكتّاب في غير معناه، ما يضعف دلالته، وبسبب التناقض أو التباين في السياسات والتوجهات التي يتخذها القادة والحكام، وكون ذلك نتاج ادراكاتهم وتصوراتهم المتضاربة لمفهوم الأمن الخليجي المشترك، والجمود في تفسير الأمن الخليجي وربطه بالدول الخليجية. وهذا ما وضع المجتمع الخليجي في مأزق حقيقي، إذ عليه أن يطبقه على كيانات سياسية في داخل الدولة الواحدة، ما ترتب عليه انقسام استراتيجي حول مستقبل الأمن الخليجي المشترك.
في حين يعتقد عضو هيئة التدريس في جامعة الكويت، الدكتور عبدالله الشايجي، ان عدم قدرة مجلس التعاون على اتخاذ القرار السياسي للاندماج العسكري يعد من معوقات الأمن في الخليج. والاكتفاء بإسباغ الثقة على التعاون العسكري، بسبب الخلافات بين الدول أو بسبب نظرة دول المجلس الست لكل من العراق وايران كمصدر للخطر، يعتمد على موقع دول المجلس الجغرافي في منطقة الخليج. فدولتا شمال الخليج، الكويت والسعودية، تريان ان المصدر الحقيقي للخطر على أمنهما القومي يتمثل بالنظام العراقي. فلذلك تسعى الكويت والسعودية لموازنة العراق عبر التقارب مع واشنطن واتفاقات أمنية ووجود عسكري وتقارب متناغم مع ايران.
لكن بعض الباحثين في أمن الخليج يرون أن عدم قيام بعض الدول الخليجية على مفهوم الدولة الحديث، والاختلاف في النهج السياسي، هما من المعوقات الرئيسية التي حالت دون وجود تصور أمني مشترك في منطقة الخليج العربي عبدالجليل مرهون: المصدر نفسه.
وعن المشروع الأمثل للحفاظ على أمن الخليج يذكر خليل انه "ذلك المشروع الذي يضع في حسابه عوامل التاريخ والجغرافيا والهوية لدول الخليج العربي. فهي لا تستطيع ولن تستطيع بناء تصور أو نظام أمني لها من دون أن يكون جزءاً من الأمن القومي العربي... ومهما تجاهلت دول الخليج هذا البعد القومي في مشروع أمنها الاقليمي فإنها عاجلاً أو آجلاً ستصطدم بحقائق انتمائها القومي وضرورة اعترافها بما يفرضه هذا الانتماء من تصورات، وما يحتمه عليها من التزامات تجاه أمتها العربية. فالأمن العربي حال كلية واحدة غير قابلة للتجزئة بصرف النظر عما اذا كان من يحكم في الدول الخليجية والعربية الأخرى مؤمناً أو غير مؤمن بالفكرة القومية".
ويورد خليل الأسس التي يقوم عليها تصوره للأمن ليس في دول الخليج فحسب، بل في الدول العربية أيضاً، ومن هذه الأسس:
"- رفض مرابطة الجيوش والقوات العسكرية، وأية قوات وقواعد أجنبية في المنطقة أو في بقية أنحاء الوطن العربي.
"- التحريم على الدول العربية لجوءها الى استخدام القوات المسلحة في ما بينها، وفض المنازعات التي يمكن أن تنشأ بينها بالوسائل السلمية وفي ظل مبادئ العمل القومي المشترك والمصلحة العربية العليا.
"- اعتماد المبدأ نفسه، أي تحريم اللجوء الى القوة مع الدول المجاورة للخليج العربي وللأمة العربية، إلا في حال الدفاع عن النفس ضد التهديدات التي تمس أمن دول الخليج وأمن الدول العربية الأخرى.
"- تضامن الدول العربية جميعاً وتصديها بكل الوسائل، بما فيها العسكرية، لأي عدوان أو انتهاك يقوم به طرف أجنبي للسيادة الاقليمية لأية دولة عربية أو في دخوله في حرب فعلية معها، وابتعاد الدول العربية عن دائرة الصراعات أو الحروب الدولية في المنطقة وخارجها نيابة عن أية جهة أجنبية.
"- التزام الدول العربية إقامة علاقات اقتصادية متطورة وبناءة في ما بينها، والالتزام بمبدأ التكافل الاقتصادي الاجتماعي القومي.
"- تطوير معاهدة الدفاع العربي المشترك لكي تستوعب هذه الأسس وغيرها، ولا يجوز لدولة أن تنتهك بأي شكل من الأشكال الثوابت الوطنية المتفق عليها لدولة عربية اخرى، وبالطريقة نفسها لا يجوز لأية دولة عربية أن تنتهك الثوابت القومية المتفق عليها".
ويعيد خليل المشروع القومي الذي طرحته بغداد سابقاً، ولكن مع مراعاة الخروج على بعض الأسس التي ذكرها مثل الاستعانة بالقوات الاميركية لضرب القوات والموانئ الايرانية خلال الحرب العراقية - الايرانية، واحتلال الكويت عام 1990، وإعادة طرح مقترحات الرئيس السوفياتي بريجنيف، الداعية الى تفريغ الخليج العربي من القوات الأجنبية. وهذا الطرح هلل له القوميون العرب، على اختلاف توجهاتهم، لأنه يتوافق مع ما يسعون اليه في النهاية أي القول القومي المأثور "نفط العرب للعرب".
أما العمري فبدأ بتسجيل ملاحظة هي أن قيام مشروع أمثل للحفاظ على أمن الخليج لا يمكن أن يتكامل من دون توافر الأمن القومي الخليجي بعناصره السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقيام علاقات متوازنة تقوم على مبادئ العدالة والاحترام المتبادل. ولذلك لا بد من العمل على تجنب المنازعات وحلها بالطرق السلمية.
وأورد العمري بدوره حقائق يرى أنه يقوم عليها المشروع الأمني، أولاها تحديد مفهوم الأمن القومي في مواجهة الحرب ومصادر التهديد وذلك من خلال تحديد دقيق لمفهوم الأمن الخليجي ومصادر التهديد، والثانية توحيد السلوك الداخلي والخارجي لكل دول مجلس التعاون من خلال توجه سياسي صادر عن اقتناع بمفهوم خاص للأمن الخليجي، والثالثة التخطيط الاستراتيجي لمواجهة الأخطار المحدقة بالأمن القومي الخليجي. على أن يتم ذلك من خلال الاجراءات الآتية:
- الحوار الخليجي الخلاق المبدع.
- ضرورة وجود آلية لحل المنازعات الداخلية في ما بين الدول الأعضاء.
- حشد جميع الموارد العلمية والتنظيمية الشاملة.
- ضرورة تحسين صناعة السياسات العامة الداخلية والخارجية.
- ضرورة الارتباط بالأمن الدولي والأمن القومي والعربي والجماعي والأمن الأوروبي وربما بالاتحاد الأوروبي.
وطالما أن الأمن القومي مرتبط بالنواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية فإن ذلك يستدعي ربط الأمن القومي الخليجي بالمصالح الدولية الاقتصادية، وأن يكون هذا الربط بالاسراع في الالتحاق بمنظمة التجارة العالمية، لأنه عندما تتفق المصالح التجارية للدول فإن أي تهديد لأمن أية دولة منها يعتبر تهديداً لها بل وللاقتصاد العالمي واستقراره.
ويشير الشايجي الى انه في الوقت الذي تحول المثلث الخليجي من مثلث غير متساوي الأضلاع والزوايا، تتكون من دول مجلس التعاون الخليجي الست، مع العراق وإيران، في الوقت الذي غيرت الولايات المتحدة نهجها واستراتيجيتها المتمثلة بمبدأي كارتر ونيكسون، ولعب الورقة الايرانية ضد العراق، والعراقية ضد ايران، نجد ان المشهد الخليجي تحول في السنوات العشر التالية، التي أعقبت تحرير دولة الكويت من مثلث مستطيل، مع دخول الولايات المتحدة عبر الأمن المستورد، وتوقيع اتفاقات فردية بينها وبين دول المنطقة الواحدة تلو الأخرى.
لكن اللافت في دول مجلس التعاون الست بعد عقد من غزو الكويت واحتلالها ثم تحريرها، هو عدم السعي لتعلم دروس من الأزمة التي ابتلعت إحدى الدول ثم كرست نظاماً اقليمياً وأمنياً جديداً ومستمراً.
ويرى بعض الباحثين انه من الأفضل الاعتماد على قوات عربية شبيهة بقوات حلف الأطلسي، أو الاعتماد على تقنية عسكرية حديثة كالتي استخدمت في حرب تحرير الكويت توازن الاختلال في الكثافة البشرية والعسكرية. وحول دور مجلس التعاون في الحفاظ على التوازن الاقليمي في الخليج، في ظل وجود دول تملك ترسانة عسكرية ضخمة كالعراق وايران، يضيف الدكتور خليل: إن "دول مجلس التعاون الخليجي غير قادرة على تحقيق توازن أمني في منطقة الخليج العربي بقدرتها الذاتية، إلا عندما يبنى تصورها لأمنها على أساس انه جزء من الأمن القومي العربي. أما بخلاف ذلك فإن أية صيغة تجتهد في اعتمادها لتحقيق الأمن أو الحفاظ على التوازن الأمني، في ظل وجود العراق وإيران، لا بد من أن تعتمد على القوى الخارجية الأجنبية.
والحل الصحيح هو الاعتماد على القوى العربية، وبناء الاستقرار والأمن وفق صيغة للأمن القومي تتعايش مع إيران كدولة اسلامية ومجاورة للأمة العربية، وتربط بينهما روابط كثيرة تصلح لبناء علاقات حسن جوار وأخوة على أساس التكافؤ. أما في حال التطلع لبناء علاقات تكافؤ بين دول الخليج العربي وحدها مع ايران، والنظر الى العراق كما لو أنه دولة أجنبية، فلن تستطيع دول الخليج أن تحقق ذلك من دون الاعتماد على قوى خارجية".
لكن الدكتور العمري له وجهة نظر أخرى وهي أن الاقتصاد هو السلاح الأقوى، وليس النفوذ السياسي الايديولوجي أو الآلة العسكرية، وعليه فعلى دول مجلس التعاون الخليجي أن تقف على أقدامها اقتصادياً وأن تحقق الاكتفاء الذاتي في كل الجوانب حتى لا تبقى مرهونة بما عند الآخرين. ولتحقيق ذلك لا بد من أن تعتمد على تحقيق مصالحها الاقتصادية المشتركة، من دون أن توصف بالتآمر والعدوانية لأنها تختار لنفسها الاستراتيجية التي تقوي وضعها وتوفر أقصى الحماية لأمنها الاقتصادي. وانطلاقاً من ذلك فدور مجلس التعاون الخليجي في الحفاظ على التوازن في الخليج يقتضي الالتزام بمنهاج ادارة الأزمات بالأسلوب الاستراتيجي.
وبالنظر الى ما طرحه الدكتور العمري حول ضرورة السعي خلف المصالح الاقتصادية مع أي طرف يعززها، حتى لو افترضنا التعاون مع دول معادية، فإنه لا يحق أن توصف هذه الدول بالمتآمرة أو الخائنة بما أننا في عصر العولمة والتجارة العالمية.
وعن مستقبل العلاقة بين الدول المطلة على الخليج يتفاءل الدكتور خليل بعاملين: "أولهما: أن الدول العربية المطلة على الخليج العربي لا بد من أن تصل الى القناعة، اليوم أو غداً، بأن العلاقات العربية - العربية هي الضمانة للجميع بالمقارنة مع اعتمادها على العلاقات بالدول الأجنبية. وثانيهما: ان دول الجوار، ومنها ايران وتركيا وغيرهما، ستظل تتطلع الى التوسع وممارسة الابتزاز ضد الدول العربية منفردة، والى استغلال الخلافات بين الدول العربية لاختراق أمن الجميع، إلا إذا توحدت السياسات الأمنية والمواقف السياسية للدول العربية تجاه الجوار والدول الأجنبية خارج المنطقة".
ويشير العمري الى أن مستقبل العلاقة بين الدول المطلة على الخليج العربي يعتمد على التكامل الاقتصادي على مستوى دوله، وضرورته للمستقبل الخليجي باعتباره من الوسائل المهمة لمواجهة التحديات في المنطقة. كما ان هذا التكامل يجب أن يكون في مستوى الطموحات المطلوبة. لكن ما زال حجم التجارة البينية بين هذه الدول دون المستوى المطلوب إذا ما جرت مقارنته بحجم تجارة دول الخليج الخارجية.
ويعتقد الدكتور الشايجي ان العلاقات الخليجية تختلف من دولة الى أخرى. فبعض دول مجلس التعاون تقيم علاقات مع إيران ولا تقيم علاقات مع العراق. وذلك يرجع الى النظر اليها كمصدر من مصادر التهديد. وهذا يختلف من دولة الى دولة، بحسب الموقع الجغرافي لكل دولة. فدول جنوب الخليج، مثل الإمارات التي تحتل ايران جزرها والبحرين التي بقيت ايران تطالب بها حتى السبعينات، تنظر الى ايران باعتبارها المصدر الأساسي للخطر في الخليج. ولهذا لا تشترك دول الخليج في تحديد مصدر الخطر على الخليج. فدول الشمال ترى العراق مصدراً أول للخطر عليها.
ويبقى اختلاف تقدير مصدر الخطر، بحسب جيوسياسية كل دولة، العنصر الأساسي الذي يعوق أي تنسيق أو اندماج حقيقي وواقعي بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، وقواتها العسكرية مجتمعة تشكل نصف القوات العراقية وثلث القوات الايرانية.
وتستفيد بغداد وطهران من هذا الانقسام داخل منظومة مجلس التعاون. لكن دول المجلس التي نجحت في حل خلافاتها الحدودية في ما بينها قادرة على فعل الشيء نفسه في صدد تصور الخطر ومصدره وأبعاده.
ويرى بعض الباحثين في شؤون الخليج العربي أن الطريقة المثلى للحفاظ على التوازن في الخليج العربي قد تكون عقد اتفاقات أمنية مع الدول الكبرى والمتفوقة عسكرياً مثل دول مجلس الأمن الدائمة العضوية، شريطة أن توازن دول الخليج العربي الاتفاقات بين هذه الدول.
أما انقسام سياسة دول الخليج العربي حول العراق وإيران فيقول الدكتور خليل فيه إنه "لا يخدم دول الخليج العربي لأنه يتيح لايران اللعب عليه، ولولا هذا الانقسام لما تجرأت ايران على الاستخفاف بمجلس التعاون الخليجي الى حد رفضها استقبال اللجنة الثلاثية التي شكلها المجلس للتوسط في حل مسألة الجزر الاماراتية بالوسائل السياسية والسلمية. ومن الخطأ الجسيم الربط بين العراق وايران عند الحديث عن الدولتين المذكورتين بدول مجلس التعاون الخليجي. فالعراق بلد عربي لا يسعى الى الهيمنة ولا يهدد الهوية العربية لأية أرض خليجية، على عكس إيران، عندما احتلت الجزر، فإنها سلبتها هويتها وأجلت سكانها وغيرت تركيبتها".
أما الدكتور العمري فأكد أنه يجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تتعامل مع العراق وايران ليس على أسس القرابة ولكن من خلال أسس العمل الديبلوماسي المؤسسي، وكما هي الحال في الحوار الأوروبي - الخليجي. ومن هذا المنطلق يتم التعامل مع دول الجوار.
ولهذا لا بد من وجود ميثاق جديد للعمل السياسي والاقتصادي في الخليج للخروج من القرارات الفردية، التي تغلب عليها المجاملة، سياسية واقعية وقابلة للتنفيذ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.