سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بدأ براتب 20 ريالاً شهرياً وبلغت ثروته بليوني دولار... وأول من أدخل الكومبيوتر الى السعودية . عبدالرحمن الجريسي: كنت أرتدي ثوبين طوال العام ... والآن صار عندي أربعة آلاف موظف و500 وكالة عالمية
لعل قوة هذا الرجل تكمن في أمرين أساسيين هما تواضعه الشديد وهدوؤه الكبير في أصعب اللحظات. فهذا الطفل القادم من احدى المدن الصغيرة بالقرب من الرياض وقد وصل اليها مع جدته بعد وفاة والده، لم يكن يعلم ان هذه الرحلة التي لا تستغرق اكثر من 65 دقيقة بالسيارة الآن هي الزمن الذي سيفصل بين الطفل الفقير اليتيم عبدالرحمن الجريسي وبين رجل الاعمال الكبير عبدالرحمن الجريسي. بين الطفل اليتيم ورجل الاعمال مشوار طويل عمره 68 عاماً هي عمره الآن. وخلال كل هذه الرحلة لاقى الجريسي الكثير من المصاعب والمتاعب التي قد تثني اي فرد غيره عن استكمال المشوار ولكن بتوفيق الله ثم بقوته الذاتية القائمة على التواضع والهدوء استطاع الجريسي ان يقطع المسافة بين قاع الجبل وقمته، وللمحافظة على القمة لا بد من اضافة صفة ثالثة لهذا الرجل وهي القوة، قوته في التعامل مع المشكلات والازمات. يتحدث "أبو علي" الذي قدرت بعض المجلات الاقتصادية ثروته بنحو بليوني دولار بتواضع شديد. كأنه لم يفعل شيئاً يستحق ان يذكر كما يقول، وان ما قام به سواء في اعماله الخاصة، أو في مشاركته في الكثير من الاعمال العامة ليس له فضل فيه، بل الفضل كله لله ثم فريق العمل الذي يعمل معه. وللتعرف على رحلة "أبو علي" في مجال عالم المال والاعمال كان لا بد أولاً من ان نتعرف على بداياته التي لا يني يرددها فيقول: "من الواجب ألا يخجل الانسان من بدايته، وعادة ما تكون البدايات متواضعة، والبدايات المتواضعة كانت سمة من سمات حياتنا في السعودية كلها. فهذا الكيان الكبير الآن بدأ أيضاً بداية متواضعة عندما أسسه الملك عبدالعزيز واصبح الآن محط انظار العالم. قس على هذا أيضاً بدايات رجال الاعمال أو رجال الفكر والعلم... كلها كانت بدايات متواضعة ويجب ان نتعامل مع هذا على انه محل فخر واعتزاز. ماذا عن بدايتك؟ - ولدت في قرية "رغبة" قرب الرياض. وتوفي والدي وعمري سنتان وبقيت عند جدتي لوالدي، وانتقلت الى الرياض وعمري سبع سنوات للعيش مع عمي الشيخ محمد الجريسي الذي كان يعمل في التجارة. بدأت الدراسة في الكتاتيب أو ما نسميه نحن "المطوع" أو الشيخ الذي يحفظنا القرآن ثم التحقت بالمدرسة الأهلية التي سميت بالمدرسة التذكارية التي أقامها أهالي مدينة الرياض احتفالاً بعودة الملك عبدالعزيز من مصر وتركتها بعد ثلاثة أعوام وعمري 14 لأبدأ رحلتي العملية. وكيف كانت البداية العملية؟ - بدأت موظفاً عند الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن نصار من دون أن أسأل كم سيكون راتبي ثم تركته بعد ثلاث سنوات بسبب شخص انضم الى العمل معي ولم أكن على وفاق معه. وأعطاني 720 ريالاً عن ثلاث سنوات يعني بمعدل 20 ريالاً عن كل شهر. هل ترك اليتم أثراً في نفسك؟ - بالنسبة إلي لم أشعر باليتم بسبب والدتي وجدتي والعيش في كنف عمي... كل ذلك لم يترك عندي آثاراً أليمة أو معاناة. ولكن بحكم اليتم اضطررت على العمل وعمري 14 سنة. هذا الأثر الوحيد فقط الذي تركه اليتم في حياتي، لهذا أقول ان اليتم لم يؤثر عليّ كثيراً وإنما كان سبب انخراطي مبكراً في العمل وأخذ الحياة والعمل مأخذ الجد لأنني لم يكن أمامي سوى العمل بصبر وإخلاص وأمانة. هل كنت تعمل حمّالاً عند ابن نصار؟ - لم أكن حمالاً ولكني موظف صغير أو عامل أو سمِّ المهنة ما تشاء. كنت أقوم بالبيع ونقل الأشياء من المخزن الى المحل، وأرتب البضائع. وفي منزله كنت أقوم بإعداد الشاي والقهوة للضيوف. وكنت أعمل في المحل 14 ساعة يومياً الى جانب عمل البيت مدة ساعتين. يعني كنت أعمل 16 ساعة في اليوم. كيف كان يعاملك ابن نصار؟ - يجب أن أذكره بالخير لأنني تعلمت منه الكثير. فكان لا يبخل عليّ بأي نصيحة أو تعليم. حتى الكتابة وحسن الخط تعلمتهما عند إبن نصار لأنه كان يطلب مني تسجيل حسابات البيع والشراء والديون في دفتر "اليومية". ماذا فعلت بمبلغ 720 ريالاً ثمرة عمل ثلاث سنوات عند ابن نصار؟ - أعطيتها الى شخص كسلفة ولكن ظروفه لم تساعده على السداد، فضاعت عليّ وسامحته بطيب خاطر. إنّه تعب ثلاث سنوات ضاع وسامحته عن طيب خاطر فقد عوضني الله. وبعد أن تركت ابن نصار أين ذهبت؟ - عدت اليه مرة أخرى لأعمل مدة 8 سنوات وكان راتبي خلالها 5 آلاف ريال شهرياً وكان ذلك عام 1958 وكان هذا الراتب أكبر من راتب الوزير حينذاك، يعني كان يمثل ثروة. أعطاك هذا المبلغ في مقابل ماذا؟ - كنت أعمل معه بجد وإخلاص وأمانة وصبر. وكنت منتجاً جداً. فارتفع راتبي الى 5 آلاف ريال بما فيها نسبة على الانتاج. ولماذا تركته مرة أخرى؟ - تركته بناء على تفاهم بيني وبينه، لأنني طلبت منه أن يكون لي نسبة أو شراكة فرفض وطلب مني أن أمهله سنة لارتباطه بسفر الى الخارج. وكان هناك أحد رجال الأعمال اسمه محمد المشعل وعرض أن يشاركني وأسست معه مؤسسة "بيت الرياض" وعمري 25 عاماً وكانت مخصصة لبيع الأدوات المنزلية والزجاجية وأدوات السفرة. كانت تجارة ابن نصار في السجاد فلماذا اتجهت الى الأدوات المنزلية؟ - كانت خبرتي عند ابن نصار متشعبة. فكان يبيع كل شيء، وكانت له علاقة مع الحكومة وتسمى في ذلك الوقت "الخاصة الملكية". وكانوا يشترون منه أشياء كثيرة جداً مثل الأكل والملابس والأدوات المنزلية والسجاد وأدوات البناء. أما عملي في مؤسستي فكان في الأدوات المنزلية فقط. ثم أضفت اليها الأثاث المنزلي ثم المكتبي ثم الآلات المكتبية مثل آلات النسخ والآلات الحاسبة وآلات التصوير ثم أضفت اليها الأثاث المكتبي. كم كان رأس مال مؤسسة "بيت الرياض"؟ - بدأنا برأس مال 240 ألف ريال. وكانت نسبتي 40 ألف ريال ونسبة شريكي 200 ألف ريال. وعملنا معاً مدة عشر سنوات ثم اختلفنا على بعض الأمور فعرضت عليه أن أشتري حصته فوافق وأصبحت المؤسسة ملكاً لي كاملة... وأذكر انه لم يكن عندي قيمة الصفقة فاقترضت من البنك الأهلي التجاري الدفعة الأولى على أن أسددها خلال شهر. ففي ذلك الوقت كان يجب أن تكون القروض ضمن تسهيلات محددة وأي مبلغ يزيد عن هذا لا يجوز لمدير عام البنك ان يتصرف الا باللجوء الى الادارة العامة. فتعهدت بالتسديد سريعاً مع تقسيط المبلغ الباقي على 12 شهراً. كانت التسهيلات الممنوحة لي من البنك قرابة 100 ألف ريال في حين أعطاني مدير البنك 600 ألف ريال. فكنت حريصاً على التسديد قبل أول الشهر أي قبل ذهاب الأوراق الى المقر الرئيسي للبنك ويكتشفون انني حصلت على أكثر من التسهيلات الممنوحة لي. وتم شراء حصة شريكي بمبلغ مليوني ريال وأخذ مني كمبيالات كنت أسددها في وقتها وقد طلب مني كفيلاً فكفلني صديق لي توفي رحمه الله اسمه أحمد الحنطي وكنت حريصاً على ان أسدد المبلغ في وقته حتى لا يتأثر كفيلي. بعد ذلك توسعت المؤسسة وتخصصنا في الأجهزة المكتبية والأثاث المكتبي فقط والطباعة. وكان التطور الطبيعي بعد ذلك الدخول في عالم الكومبيوتر والتقنية. فادخلت الكومبيوتر. وكان أول جهاز كومبيوتر يدخل السعودية منذ 30 عاماً عن طريقي ثم دخلنا مجال الصناعة وأقمنا صناعات متخصصة في مجال الأثاث والورق والبطاقات البلاستيكية. والآن أدخلنا ما يُعرف بالبطاقات الذكية ولا يوجد في الشرق الأوسط سوى مصنعنا في هذا المجال. أي انك تركت العمل ذا الراتب المضمون عند ابن نصار للعمل الحر على رغم المخاطر... لماذا هذه المجازفة؟ - طموح... فالفرد يجب أن يتطور مع الوقت. ولم أترك الشيخ عبدالعزيز بن نصار من أجل تركه فقط ولكن لأنني عرضت عليه ان تكون لي نسبة مئوية من الربح والعمل ولو وافق لظللت معه. وهل كانت البداية سهلة أم صعبة؟ - البداية لم تكن سهلة في عملي الخاص. في بدء العمل كنا نخسر وكانت الظروف الاقتصادية صعبة جداً. وكان كساد خلال الأعوام 1958 و1959 و1960. كانت خسائرنا موجعة وكنت أسأل نفسي لماذا دخلت هذا العمل وتركت عملي المضمون الراتب؟ وكنت أحاسب نفسي ولكن بصبر ومثابرة واجتهاد وقبل هذا كله سألنا توفيق الله، الله قد يدفعنا الى أمور لا نخطط لها وتكون هي الخير. هل كنت تتوقع ان تصل الى ما وصلت اليه الآن؟ - لا.. كان أقصى أحلامي ان يكون عندي محل تجاري بموظف. ولم أكن أحلم أن يكون عندي كل هذه الأعمال وأربعة آلاف موظف. كيف استطاع الطفل الذي يقرأ ويكتب فقط، أن يتعامل مع أحدث التقنيات وأن يدير هذه المجموعة الصناعية - التجارية؟ - كنت أتابع المتغيرات في العالم وليس المتغيرات المحلية فقط. وهذا شيء مهم. كنت أبحث عن آخر ما توصل اليه التخصص الذي أزاوله. يعني كنت على اتصال دائم بالعالم... كنت على اقتناع بأنني كي أتعامل مع المتغيرات لا بد من أن تكون لغتي الانكليزية جيدة. تعلمت اللغة الانكليزية وأنا على رأس العمل وعمري نحو 26 عاماً في محلي القديم في شارع الوزير الملك فيصل الآن. كان هناك مدرس استرالي جاء لتعليم اللغة الانكليزية في الرياض. وقبله كان هناك مدرس مصري اسمه أحمد عبدالله ابراهيم جاء لتعليم اللغة العربية وسكن معنا في المنزل وعرض عليّ ان يعلمني مبادئ اللغة الانكليزية وحروف الهجاء. ثم جاء الاسترالي وكان يدرّسني مدة ساعة في محلي. ثم سافرت الى اوروبا وأصبحت أجيد الانكليزية تحدثاً وكتابة كما يتقنها الذين تعلموها في الجامعات. أول وكالة ماذا كانت، وفي أي عام وما هي؟ - كانت وكالة لشركة دنماركية اسمها "ركس روتاري" لتصنيع آلات النسخ والآلات الحاسبة ثم أخذت وكالة اولمبيا لآلات المكتبة. وطبعاً أنا الذي كنت أسعى الى هذه الشركات. فعند رحلتي الى البحرين رأيت هذه الأجهزة هناك. فسافرت الى ألمانيا والدنمارك وأقنعت الشركات انني قادر على التسويق في السعودية ونجحنا وسيطرنا على السوق السعودية بنسبة 70 في المئة. وكنا نحضر المنتجات في طائرات شارتر. كم عدد الوكالات الآن؟ - لا أذكر ولكن بين 450 و500. النقلة الكبرى في حياتك هل كانت عبر عملك أم عبر أول وكالة؟ - أعتقد انها كلها كانت محطات مهمة في حياتي وأهمها البداية مع ابن نصار. فلو لم أعمل معه موظفاً صغيراً كان من الممكن أن أسلك طريقاً آخر. كانت البداية بمثابة جامعة الحياة، والنقلة الثانية كانت دخولي في عمل مستقل وإن كان في بدايته تعرض لتحدٍّ خطير جداً كاد أن يودي بالشركة الى الإفلاس لأننا خسرنا سنتين. ولكن شريكي لم يتأثر بالخسارة واستمر معي الى أن نجحنا وهذه وقفة يجب أن أذكر فيها شريكي بالخير. لماذا لم تبدأ بالعقار مثل معظم رجال الأعمال؟ - لو كنت عملت في بدايتي عند عقاريّ لكنت أصبحت عقارياً. العقار في ذلك الوقت لم يكن مغرياً. كان الكساد العقاري كبيراً الى حد أن الدولة اضطرت لأخذ عقارات الذين تورطوا ولم يستطيعوا تسديد الديون لأصحاب العقارات عام 1975. هل تعتقد أن المصادفة لعبت دوراً في حياتك؟ - أعتقد ان الكثير من الأمور تعتبر مصادفات وتدخل ضمن مجال الحظ. والحظ أيضاً يدخل ضمن كلمة التوفيق من الله. والتوفيق يتيح الفرصة والانسان المحظوظ يستغلها فالتوفيق أولاً ثم المصادفة والحظ. وكل هذه العوامل تدفع الانسان الى أمور لم يكن يخطط لها ولا يعرف انها الطريق الى النجاح. النجاح يتوقف على عوامل خارجية وصفات ذاتية في الشخص الناجح... فماذا عندك من صفات ساعدتك على النجاح؟ - أول هذه الصفات انني لم أفكر يوماً في الربح الذي سيدخل جيبي. بل كان همي عند الشيخ ابن نصار أو مع شريكي في "بيت الرياض" كيف أفيدهما أولاً. والدليل على ذلك اني لم أسأل ابن نصار عن قيمة راتبي. وكنت أجد نقوداً ملقاة الى جانب الخزينة فأردّها اليه، لأن كل همي أن أكون صادقاً وأميناً. الدليل الآخر عندما أسست الشركة مع شريكي وكانت تخسر فتنازلت عن أربعة ألاف ريال من راتبي الذي كان يبلغ 5 آلاف في الشهر لأني كنت أهتم بمصلحة شريكي قبل مصلحتي. لم تحصل على راتب من ابن نصار الا بعد ثلاث سنوات فكيف كنت تصرف على نفسك؟ - لم تكن هناك حاجة للنقود لأني كنت أعيش معه في منزله لصنع الشاي والقهوة للضيوف اضافة الى العمل في الدكان. وكل ما كنت أحتاجه ثوبان في العام واحد في شهر رمضان والآخر في الحج. لهذا لم أطلب منه نقوداً. قدرت مجلة "فوربس" ثروتك بنحو بليوني دولار؟ - هم يقولون ذلك... أنا لم أقل شيئاً. لماذا لا يتحدث السعوديون عن ثرواتهم مثل الغرب؟ - لأن الانسان في المجتمع الغربي يقدر الانسان وفقاً لثروته. أما في السعودية فإننا نؤمن ان من تواضع لله رفعه و"ان أكرمكم عند الله أتقاكم" وليس أغناكم، ولا نحب الظهور بمظهر البذخ "ولا تمشي في الأرض مرحاً انك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً". التواضع يسعد من حولك من جيرانك وموظفيك في حين أن التباهي بالثروة يضر بالآخرين ويجعلهم يشعرون بعدم المقدرة. عدم الاعلان عن الثروة أهو تواضع أم خوف من الحسد؟ - بالنسبة إلي هو تواضع لأننا لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا. وأما بنعمة ربك فحدث. أنا غني ولكن ليس هدفي أن يقال عني انني غني. والثروة وسيلة ولا بد للانسان من أن يعمل وألا يقف عند حد من حدود الطموح. النجاح في حد ذاته هدف. وأنا لا أعمل على تكديس الثروة ولكن على تحقيق النجاح وتوجيه الثروة لخدمة ديني ومجتمعي. هل ندمت على عدم اتمامك التعليم؟ - لا شك. "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"... كنت أتمنى أن يكون عندي فرصة لاتمام تعلمي ولكن لو كنت توجهت الى العلم لكنت الآن مدرساً أو موظف حكومة. وقد لا أكون وصلت الى ما وصلت اليه الآن من ناحية المساهمة في الاقتصاد والتجارة والصناعة. هل تشعر بالغيرة من المتعلمين والحاصلين على درجة الدكتوراه ويعملون عندك؟ - أبداً... انني منحت الدكتوراه الفخرية من جامعتين اميركيتين ومُنحت شهادة عالية من مؤسسة اميركية لتقويم المنجزات تطوعاً منهم لأنهم وجدوا انني استحق هذه الشهادات. ماذا تقول عند الخسارة؟ - اذا كانت الخسارة ناتجة عن اجتهاد وتسبب بها أحد الذين أعطيتهم ثقتي فالخسارة لا تؤلمني. ولكن تؤلمني الخسارة التي يتسبب بها أحد الذين وثقت بهم عن قصد. هل تنقل معك الخسارة الى منزلك؟ - لا أنقل معي الى المنزل أي تفكير في العمل. أما آن لك أن تستريح بعد 53 سنة من العمل المتواصل؟ - أنا لا أفكر في التقاعد لكني وزعت عملي على أبنائي وزملائي الذين يعملون معي. ولكنني أفكر في ترك العمل العام كعضو في 25 مؤسسة وجمعية لأنه يشغلني كثيراً عن أسرتي وعملي الخاص. ماذا فعلت بك الثروة؟ - انسانياً لم تغير فيّ شيئاً، فأنا ما زلت عبدالرحمن الجريسي الذي يحتفظ بعلاقات جيدة مع الجميع والذي يقدر نعمة الله عيه ويحاول أن يعمل أقصى ما في وسعه لخدمة دينه ومجتمعه. أما على المستوى الشخصي فلا بد من أن تظهر عليّ نعمة ربي في المسكن والملبس والمأكل من دون بذخ أو تقتير. متى ملكت أول سيارة؟ - كان ذلك عام 1959 وكانت سيارة وانيت، ثم فولكس. والآن مرسيدس واستبدلها كل 5 أو 8 سنوات. يقولون ان النقود تلد نقوداً...! - هذا صحيح "الفلوس تجيب الفلوس والكسل يجيب الكسل". وكما قلت ان الحظ له دور في هذا. فقد تكون خبيراً وتضع فلوسك في مشروع فاشل. وقد تكون نصف كفو وينجح مشروعك لأنك محظوظ. ما لا يقصم الظهر يقويه... هل مررت بذلك؟ - حدث أن خسرت خسائر كبيرة جداً ولكن لم تقض عليّ وتعلمت الدرس. هل تصنف نفسك من جيل الطفرة؟ - نحن جيل الكفاح. بدأنا من لا شيء وعملنا في ظروف صعبة بجد واجتهاد ووصلنا الى درجة عالية جداً من الخبرة. الطفرة جاءت للكل وليس لأفراد بذاتهم. ولم ينجح إلا من عمل بمثابرة. واذا كان جيل الكفاح يستحق التقدير فالتقدير نفسه يستحقه الأبناء الذين استطاعوا أن يحافظوا على ما حققه الآباء. فالوصول الى القمة سهل والبقاء عليها هو الصعب. كم ساعة تعمل في اليوم؟ - 12 ساعة. هل تتابع التلفزيون؟ - نشرات الأخبار فقط. هل لديك وقت للترفيه؟ - أعطي لكل شيء حقه "إن لربك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، ؤن لنفسك عليك حقاً" وأنا أهتم بصحتي وأرفّه عن نفسي كل خميس وجمعة في المزرعة بالسباحة والقراءة والرياضة والجلوس مع الأهل والأصدقاء. متى كانت أول رحلة لك؟ - كانت الى البحرين عام 1950 للعلم. كيف تعاملت في أوروبا، وأنت الآتي من مجتمع محافظ فقير؟ - كنت أعتقد انني أجيد الانكليزية بعد الدروس التي حصلت عليها. وهناك اكتشفت انني لا أفهم شيئاً فيها. ومكثت ثلاثة شهور بين بريطانيا وفرنسا والدنمارك والسويد والمانيا. ووجدت ان هناك فارقاً كبيراً بين ما عندهم وما عندنا. حتى انني لم أستطع الاتصال بأهلي كل هذه المدة لأن الخدمات الهاتفية كانت محدودة جداً في السعودية. كم عدد ابنائك؟ - ثمانية صبيان وثلاثة بنات. متى كان زواجك؟ - تزوجت وكنت في الثالثة والعشرين. هل ستعمل على تحويل "بيت الرياض" الى شركة مساهمة؟ - بدأنا أول خطوة بتحويل "بيت الرياض" الى شركة عائلية. وهي الآن شركة عائلية. الخطوة المقبلة سنحولها الى شركة محدودة يدخل فيها مجموعة من المساهمين اذا وجدنا أن الوقت مناسب. ويهمنا عندما يدخل شركاء جدد أن يكونوا مطمئنين الى أنهم سيستفيدون من هذه المشاركة. ثم تأتي بعد ذلك خطوة تحويلها الى شركة عامة تتداول أسهمها في السوق. وكل هذه الأمور متاحة وممكنة اذا توافرت الشروط التي تنص عليها وزارة التجارة. هل توافق على عمل المرأة؟ - طبعاً والدليل ان ابنتي الكبيرة تحمل ماجستير في الادارة وتعمل في الرئاسة العامة لتعليم البنات. والثانية جامعية تجيد أربع لغات ولديها معهد لتدريس الكومبيوتر للبنات. وأولادي الثلاثة الذين تخرجوا من الجامعات يعملون معي. هل يعملون لكفايتهم أم لأنهم أولادك؟ - لأنهم أبناء الجريسي لا بد من أن يكونوا هم أصحاب العمل والادارة وهم الذين سيعود اليهم كل هذا العمل يوماً ما. ولكن أيضاً كل واحد عيّن في الوظيفة المناسبة له ويعامل مثل أي موظف في الراتب والمكافآت. هل صحيح ان الجيل الحالي مدلل؟ - هذه ظاهرة مع الأسف عامة وليس لدى أبناء رجال الأعمال فقط. الشباب الآن لا يحبون الأعمال الشاقة ولا التقيد بنظام الدوام. وهذه ظاهرة يجب علاجها. الشباب السعودي يحتاج الى التهيئة على سلوكيات العمل. ماذا تقول لأولادك؟ - أقول لأبنائي وأبناء غيري من هذا الجيل: إنكم لا بد من أن تأخذوا الحياة بجد وقت الجد... وكل وقت تأخذون عدته ولا بد من الصبر في العمل والاخلاص والأمانة... هل نشأتك الفقيرة هي سبب تعاطفك مع الفقراء؟ - ليس لأن نشأتي فقيرة أو يتيمة ولكن لأني مسلم ولا بد من أن أعامل الناس بما يأمرني به ديني. أنظر الى الفقير أو رجل الدولة أو رجل الأعمال كإنسان أولاً. والفقير المضطر لا بد من أن يأخذ منا كل اهتمام.