تفتح الزيارة التي يبدأها الرئيس السوري بشار الأسد لتونس غداً صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بعد برود طويل انطلق من تباعد الموقفين أثناء حرب الخليج الثانية وتعمق في أعقاب التوقيع على اتفاقات أوسلو وظهور خلاف علني في شأن التعاطي معها. وبلغ الذروة مع التطبيع الديبلوماسي التونسي - الاسرائيلي في أواسط التسعينات. إلا أن مسار التقارب الذي أعقب قرار تونس تجميد التطبيع مع الدولة العبرية، لمناسبة قمة القاهرة في الخريف الماضي، تكرس من خلال زيارة رئيس الحكومة السوري محمد مصطفى ميرو تونس أخيراً حيث رأس وفد بلده الى دورة اجتماعات اللجنة العليا المشتركة، مما مهد الطريق لزيارة الرئيس الأسد. ويمكن القول إن الزيارة التي يبدأها لتونس تقفل نافذة برود في العلاقات الثنائية استمر أكثر من عقد الزمان على خلفية تباعد الموقفين من التسوية السلمية للصراع العربي - الاسرائيلي. ويأتي هذا التقارب في أعقاب المصالحة الفلسطينية - السورية التي تكرست في مؤتمر القمة العربي الأخير في عمان والذي جعل الطريق سالكة أمام تفاهم تونسي - سوري بعدما باتت اتفاقات أوسلو لا تشكل عائقاً أمام الحوار بين دمشق والسلطة الفلسطينية وتالياً مع تونس التي دعمت خيار أوسلو حتى قبل انطلاقه. آثار حرب الخليج واقعياً انطلقت الجفوة من تباعد المواقف أثناء حرب الخليج الثانية والذي زاد من تعكير العلاقات الثنائية المتوترة أصلا منذ استضافة تونس قيادة منظمة التحرير التي غادرت بيروت في العام 1982 الى تونس وليس الى دمشق. وساهم التراشق السياسي والاعلامي بين القيادة الفلسطينية في تونس والمعارضة المقيمة في دمشق بتوتير الأجواء بين العاصمتين طيلة الثمانينات على رغم وجود مقر الجامعة العربية في تونس حتى العام 1990 ومساهمته في ترطيب العلاقات الثنائية و"تدوير زوايا" الخلاف. إلا أن الخلافات التي طفت الى السطح مع الدعم الذي قدمته تونس لاتفاقات أوسلو بلغت الذروة مع التوقيع على اتفاق لاقامة "قناة ديبلوماسية" بين تونس واسرائيل العام 1994 في السفارة البلجيكية في تونس وتل أبيب، ثم الاتفاق على ترفيعها الى مستوى "مكتبي اتصال" في العام التالي خلال لقاء وزيري الخارجية التونسي والاسرائيلي على هامش ندوة برشلونة الأوروبية - المتوسطية. لكن مع صعود رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو الى سدة الحكم في العام 1996 خفت حدة الصراع بين تونسودمشق خصوصاً بعد استدعاء رئيس مكتب الاتصال التونسي السفير خميس الجهيناوي من تل أبيب وتعيينه لاحقاً سفيراً في لندن. وعادت العلاقات التونسية - السورية للتأزم مجدداً لمناسبة الزيارة التي أداها وزير الدولة للشؤون الخارجية آنذاك وزير التجارة الحالي طاهر صيود الى القدسالمحتلة العام الماضي حيث اجتمع مع وزير الخارجية الاسرائيلي السابق ديفيد ليفي، وصادف أن تزامنت الزيارة مع غارات اسرائيلية على محطات توليد الكهرباء في لبنان. إلا أن التونسيين سارعوا الى دعوة رئيس مكتب الاتصال في تل أبيب ونائبه للعودة الى تونس نهائياً، ثم كانوا أول طرف عربي يعلن لدى اختتام أعمال القمة العربية الطارئة في القاهرة الخريف الماضي عن اقفال "مكتب الاتصال" لدى اسرائيل ما ساعد على تحقيق تحسن سريع في العلاقات التونسية - السورية. ويمكن القول ان المياه عادت للتدفق في شكل طبيعي بين العاصمتين منذ اندلاع الانتفاضة وظهور إجماع عربي على تجميد التطبيع مع الدولة العبرية عدا موريتانيا وذلك في مسار مستقل عن التقارب الفلسطيني - السوري. مناخ جديد وتكرس المناخ الجديد بين البلدين من خلال معاودة تنشيط اللجنة العليا المشتركة، وأتت زيارة رئيس الحكومة السوري محمد مصطفى ميرو لتونس أخيراً ليرأس مع نظيره محمد الغنوشي اجتماعات الدورة العادية للجنة العليا المشتركة، بعد انقطاع استمر سنوات، لتعكس نقلة في العلاقات الثنائية والتي وضع أسسها اللقاء بين ميرو والرئيس بن علي. ويتوقع أن تعطي الزيارة الرسمية التي يؤديها الرئيس الأسد لتونس دفعة قوية للعلاقات الثنائية وتنقيها من آثار الخلافات السابقة كونها الأولى التي يقوم بها رئيس سوري لتونس وكونها تأتي في ظل تطابق في الرؤيتين للموقف من حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي شارون ومستقبل تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي، وكذلك في سياق اتفاق على اعطاء دور أكبر للتكامل الاقتصادي في تكريس التضامن العربي، وهو ما عكسه توصل التونسيين والسوريين الى اتفاق على اقامة منطقة ثنائية للتجارة الحرة.