يبدو أن لا نهاية لأزمات حقوق الملكية، وقد بات أصحابها يعيشون كابوساً تلو الآخر. ويذكّر الأمر بأفلام الرعب التي تنتهي عندما يَقتل البطل "المخلوق العجيب"، كذبابة عملاقة، أو بَشرياً برأس تمساح. ولكن، ما أن يدير البطل ظهره، وموسيقى الانتصار تخفّف من تشنّج الحضور، حتى تنشقّ بيضة دجاج، فيخرج منها فأر صغير لطيف المظهر، على رغم الناب الحادة الناتئة من فمه، ويدِبّ على رؤوس براثنه الكبيرة الأمامية. كأن أصحاب حقوق المؤلفات الموسيقية وتسجيلاتها مكتوب عليهم أن يبقوا على حذرهم واستعدادهم لمكافحة "الوحوش" التي تكمن سرّاً لأعمالهم في دهاليز الشبكة، وأحياناً، علانية في صروحها. فبعدما حكمت المحكمة الفيدرالية على "روبين هوود" الموسيقى - موقع "نابستر" - بمنع مستخدميه من إنزال مواد محفوظة الحقوق إلى أجهزتهم، عادت وسائل إعلامية تتناول نظاماً آخر ينذر بنشوب أزمات "زئبقية"، يصعب حلّها. وفي إشارة سابقة، كان السناتور أورين هاتش، رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، نبّه من مغبّة إيقاف عمل "نابستر" الذي سيجبر المستخدمين على اللجوء إلى نُظم لامركزية، مثل "غنوتيللا". إلاّ أن هذا الأخير قد يصبح من ضحايا "الوحش" الجديد. فنظام "آيْمستر"، Aimster، له سجل حافل بالشبهات. وقد ورد اسمه في ردود الفعل التي طاولت "نابستر"، وأبرزها من فرقة "ميتاليكا"، التي تملك شركة "وورنر" حقوق بعض أعمالها. والمعروف أن "وورنر" اندمجت مع "آي أو أل". وما علاقة "آيمستر" بهذه الأخيرة؟ إليك قصة، كل فصل فيها ينتهي بخيبة وتساؤلات عن دور العدالة. صيف 1999، اشترت "آي أو أل" شركة صغيرة، اسمها "نَلْ سوفت" Nullsoft، صاحبة برنامج "غنوتيللا"، الذي يخوّل مستخدميه تبادل ملفات الموسيقى MP3، والمواد الإباحية، والبرامج والكتب الإلكترونية المقرصنة. وحدثت عمليات تبادل من هذا النوع، حين كانت يتم الإندماج مع "تايم وورنر"، بما فيها قسم التسجيلات الموسيقية وتوزيعها. لذلك، عمدت "آي أو أل" إلى إيقاف موقع "غنوتيللا" عن العمل. إلاّ أن النظام غدا أكثر إحراجاً لها، ليس لأنه يساعد على قرصنة الأعمال فحسب، بل ولأنه حمل وظيفة بحث جديدة، تتيح للمستخدمين البحث في الإنترنت عن أعمال موسيقية، ليست كلها مشروعة. مرّة ثانية، واستباقاً لأي دعوى قضائية، عطّلت "آي أو أل" تلك الوظيفة أيضاً. وإذ بمجموعة مبرمجين، يترأسها "جوني ديبْ"، Johnny Deep، تُطلق نظام "آيْمستر". ويربض هذا الأخير على نظام التراسل الفوري، AIM، الخاص بشركة "آي أو أل"، والتي رفضت رفضاً قاطعاً فتحه للعموم، على رغم إلحاح مناوئي عملية الاندماج الكُبرى، منعاً للاحتكار. وهو يعيش عالة على تكنولوجيتها ومستخدميها الكثر. أيضاً، يربض "آيمستر"، أو "وحش الشبكة الذي تمخّض عن نابستر" - كما جاء، أخيراً، في عنوان مقال عن "خدمة واشنطن بوست"، على شبكات مايكروسوفت وياهوو ونابستر، ونُظام المحادثة ICQ، وغيرها، وكذلك... على نظام "غنوتيللا" نفسه. وهو يشبه نظام "نابستر" في آلية عمله، إلى حد بعيد، لكنه يسمح بنقل كل أنواع الملفات الرقمية، بما فيها النصوص والصور الفوتوغرافية... والفيديو. فهنيئاً لصناعة السينما على "شَغلة البال" هذه! وثمة اختلاف "معنوي" آخر بين الاثنين، يتعلّق بتعامل العدالة مع كل منهما. فموقع "نابستر" نال نصيبه بقسوة، وإن كان عادلاً. أما "آيمستر" فيحظى بنوع من مراعاة الظروف، تصل إلى حد "التدليل". إذ يرى محلّلون أن "آي أو أل" تستطيع ترويض هذا الوحش بأن تقطع الطريق على كل من يدخل نظامها المغلق إذا كان جهازه يحوي برنامج "آيمستر"، تماماً كما فعلت عندما منعت مشاركة نظام التراسل الفوري، خاصتها. إلاّ أنها لم تحرّك ساكناً حيال الأمر، وفي المسألة "إنَّ". ويذهب بعضهم إلى حد القول "إذا كانت "نابستر" نشرت الفوضى، فإن "آيمستر" ومثيلاتها ستُمأْسِسها". وبدلاً من تعطيل "آيمستر" وفقدان مستخدميه الذين يصبون، أولاً وأخيراً، في مصلحتها، قد تجد "آي أو أل" الحل في إقامة ضوابط مالية وإجرائية لتنظيم عمليات تبادل الملفات. ز. م.