يبدو أن لا حل وسطاً، في المدى القريب، بين عقلية الربح الفوري السائدة، وتكنولوجيا من روح العصر وشبابه تسير قُدماً بحسناتها وسيئاتها، محاوِلةً رسم منحى مغاير للتعامل مع الوفرة وفوضاها العارمة. وتَعِد بحل مشكلات تتفاقم يوماً بعد يوم. مشكلات فرضها ويفرضها العصر الجديد نفسه، وعلى رأسها التعارض الحاصل بين الملكية الفكرية المشروعة والمحقّة من جهة، ونزعة أصحابها إلى التشدّد في الاحتكار والتسلّط، وإلى إلغاء حقوق الآخرين، من جهة أخرى. فهم أي أصحاب الحقوق يريدون جعل كوكب الأرض قرية عالمية هانئة بأسعارهم المرتفعة وتقدّمهم المتسارع، من دون ترك المجال ل"أهل الضيعة" أي زبائنهم المفترضين كي يلحقوا بركبهم. وكيف السبيل إلى ذلك من دون بعض التقديمات المجانية، "يضحّي!" بها صاحب الحق للترويج... ولاحقاً للكسب المعقول؟ في 12 شباط فبراير 2001، فرضت محكمة الاستئناف الأميركية، في الدائرة التاسعة، على شركة "نابستر" لتوزيع الأعمال الموسيقية بالمجان على مستخدمي برنامجها وعبر موقعها، "الكفّ عن مشاركة الأغاني مع ملايين المستخدمين، من دون إذن من أصحاب الحقوق". وأصحاب الحقوق هنا شركات عالمية كبرى للانتاج الموسيقي وتوزيعه، بينها: "آي أند أم" و"سوني إنترتاينْمنْت" و"أم سي آي". وثمة دعاوى كثيرة أخرى، على الطريق، مرفوعة على "نابستر". ويُنذر القرار الأخير بأن الشركة ستخسرها، لا محالة. وقد جاء ردّها ملخّصاً كالآتي: "لم تتوقف "نابستر" عن العمل، لكنها في ظل هذا القرار قد تصبح بحكم المتوقّفة. خاب أملنا في الحكم الذي أصدرته هيئة القضاة، وسنستأنفه... لأنه جاء، وبإقرار المحكمة، على أساس ملف ناقص. ونحن نتطلّع قُدماً نحو استلحاقه بمزيد من الوقائع. ولن نترك باباً في المحاكم والكونغرس إلاّ نطرقه في سبيل إبقاء "نابستر" قيد العمل". وأضاف مؤسس الشركة وباني تكنولوجيتها شون فانينغ: "كثيرون منكم يعلمون أننا نعمل على تطوير خدمة جديدة، نقدّم من خلالها مزيداً من المنافع الى أفراد المجتمع، وأهم من ذلك، الدفع للفنانين... وآمل أن نضعها قيد التنفيذ، هذا العام... وأن نجد طريقة لطرحها على العموم، إذا أعادت المحكمة النظر في الحكم أو بموافقة شركات الموسيقى". وعلى رغم أن هذه التغييرات تصب في مصلحتهم، في شكل أو آخر، لا يزال الفنانون وشركات الانتاج مختلفين في آرائهم على المسألة. فمنهم من يناصر "نابستر" ويدعم عملها، وأبرزهم مغنّي "الرابْ" تشاك دي، وفريقا "سماشينغ بامبكينز" و"روزنبورغز" وغيرهما. ومن أولى أولوياتهم انتشار مؤلفاتهم، لا الكسب المادي. ومن المناصرين أيضاً نجوم من أمثال "ستينغ" الذي قال في ظاهرة "نابستر": "شاءوا أم أبوا، وجدت هذه التكنولوجيا لتبقى، وعلى صناعة الأسطوانات إعادة اختراع نفسها. كل شيء سيتغيّر. وصناعة الموسيقى ستتغيّر، وينبغي لنا أن نستعدّ لنتغيّر معها". أما البعض الآخر، من أمثال فرقة "ميتاليكا" التي رفعت، بدورها، دعوى على "نابستر"، فتقول: "إن قرار المحكمة... يؤكّد أن "نابستر" على خطأ في أخذ موسيقانا وأعمال فنانين آخرين لا يريدون أن يكون جزءاً من نظامها، واستغلالها من دون موافقتهم". وعلى المستوى السياسي القضائي، استغرب رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ السناتور أورين هاتش، قرار المحكمة، بحجة أنه يبدو انتصاراً قانونياً لمصلحة شركات الانتاج الموسيقي، لكنّه من ناحية إجرائية قصير النظر وقد يُطلق شرراً. وهو وافق المحكمة على أن "نابستر" اخترقت قانون حقوق النشر، ولكن بإيقاف عملها قد يلجأ المستخدمون إلى نُظم لامركزية يصعب ضبطها، مثل "غنوتيللا". لعلّ تكنولوجيا "نابستر"، في تطوّرها، تشكّل حلاً وسطاً بين التشدّد والفلتان، على رغم خسارة القضية، راهناً. فكل ما تفعله الشركة يتلخّص بالقول الآتي: "اعطه الشيء الآن ليشتريه لاحقاً". مبدأ تجاري رأسمالي، في امتياز، عُمل به منذ زمن بعيد وسيبقى صنو التجارة الناجحة، والتي تقوم على كسب ثقة الآخر ورضاه، وعلى الصبر والوقت وحب المهنة. ز. م.