شهدت حركة النشر العراقية نشاطاً لافتاً في الشهور الثلاثة الماضية وصدرت لكتاب قصة ورواية في بغداد اعمال أمكن ملاحظة تأثير الوقائع العراقية الراهنة عليها، فيما احتفل هؤلاء اخيراً بالذكرى الأولى للقائهم الرئيس صدام حسين الذي كان استدعاهم في الثاني عشر من شباط فبراير العام الماضي مؤكداً عليهم كتابة روايات "تستلهم فكر أم المعارك". للروائية والمترجمة ابتسام عبدالله التي تتولى رئاسة تحرير الفصلية المتخصصة "الثقافة الأجنبية" صدرت رواية "ميسو بوتاميا" بلاد ما بين النهرين وضمت اثني عشر فصلاً قاربت في بنية حكائية واقعية، مواسم حروب العراق وحصاره لتكمل صاحبة رواية "فجر نهار وحشي" ما كانت قاربته من الوقائع العراقية بعد حرب الخليج الثانية وبالذات في روايتها "مطر أسود... مطر أحمر" 1994. وللقاص عبدالصمد حسن صدرت مجموعة "طيور رمادية". وحفلت بما أسماه حسن رؤية الانسان في معضلاته: "شاهدت هذا الانسان من كوة في العالم، كان متعثراً مضطرباً". وظهر انسان المجموعة وحيداً ومهزوماً غير واعٍ معضلاته الذاتية والموضوعية على حد سواء، فيتأكد لاحقاً استسلامه من دون ابداء حتى ولو رغبة في التمرد على وقائعه ناهيك عن رفضها. في قصة "حلم صباي" يلاحق القاص عبدالصمد حسن ايقاع الوحدة الذي يعانيه البطل ويقاربه مع معاني الوحدة التي يشيعها تمثال الشاعر بدر شاكر السياب، فينطلق من فكرة الشاعر عن الوحدة والحب والجمال. لكنه وان انطوى على مثل هذه الفكرة يظل "مرمياً في حديقة خالية من الازهار". ابطال قصص "طيور رمادية" مخذولون حتى من أولئك الذين يعدوهم بخلاص ما. حتى من أولئك الأحبة الذين يخرجون عبر العلاقات العاطفية معهم من ايقاع الوحدة الموحش. في قصة "الفواخت" تكثف البطلة آمال خلاصها عبر موعد أخير مع رجل وعدها بالهروب لكنه يتركها وحيدة تنتظر على رصيف المحطة. كذا الحال في قصة "آخر الليالي الباردة" ينتهي رجل الى "وحشة أعوامنا الرمادية القادمة"! حتى حين تتحقق الجدوى من لقاء الرجل والمرأة تكون المرأة شبه اسطورة أو هي هكذا فعلاً كما في قصة "امرأة توازي اسطورة". وفي قصة "طيور رمادية" التي منحت المجموعة عنوانها، يخرج البطل من ايقاعات الوحدة حين يتماهى مع أسراب من طيور تخفق في سماء المدينة: طيور النوارس البحرية وغربان السواحل والحمام البري، غير ان معظم هذه الطيور ما يلبث ان يتساقط ميتاً ويبقى القليل طائراً في ارتباك حول قرص الشمس بينما بعضها يقتحم غرفة البطل في عدوانية شديدة! وتنفيذاً لأوامر المؤسسة الثقافية العراقية في كتابة روايات "تصور الفظائع التي ارتكبها المجرمون في عمليات الغدر والخيانة" وهو التعبير الرسمي ل"الانتفاضة الشعبية" في مناطق شمال العراق وجنوبه بعد حرب الخليج الثانية 1991، صدرت رواية "الأعالي" للكاتب عباس لطيف. ورسم المؤلف شخصية أكاديمي بعثي هو الاستاذ في "جامعة صلاح الدين" التي تتخذ من مدينة آربيل الكردية مقراً، فيتابع رحلته من مدرسته الريفية ثم اختياره من قبل المؤسسة الحزبية في الجامعة للسفر الى بريطانيا والدراسة العليا في احدى جامعات ويلز والعودة الى العراق والتدريس في جامعة المدينة الكردية، حيث انهى المقاومون الاكراد سيطرة السلطة البعثية، وهكذا تبدأ بحسب المؤلف عمليات انتقام واسعة. يظهر عباس لطيف بطل روايته وهو يقاوم "المجموعات الهمجية" عبر صموده أمام هجماتهم في عمارة ظل يقذفهم من خلالها بالرصاص حتى آخر قنبلتين يدويتين رماهما على "الأيدي الهمجية التي تقدمت نحوه، نزع احدهم نظارته الطبية وقال له بشراسة بدائية: من الأفضل لك ان تموت وانت أعمى، ثم ما لبث ان أفرغ فيه شريطاً من رشاشة بي. كي. سي التي يحملها. ثم عمد الى حرقه لما سببه لهم من عناء وتأخر لمقاومته مدة يومين متتاليين". ويمعن المؤلف في اظهار "وحشية" المقاومين الأكراد حين يصور زوجة الأكاديمي القيادي البعثي وهي تحتضن في بيتها صغارها "خشية مما يدور في ارجاء المدينة التي صارت نهباً للرصاص والفزع". وانسجاماً مع الأوامر الرسمية للكتاب في التأكيد على "وحشية أعداء الحزب والقيادة" يشير عباس لطيف الى قتل الاكراد لزوجة الأكاديمي القادم من منطقة ريفية عربية مجاورة لاقليم كردستان أمام اطفالها ونقل هؤلاء الى منطقة خارج البلاد.... وتصبح الأمكنة المغلقة والمعزولة مداراً في مجموعة قصص "مآتم تنكرية" للكاتب عبدالستار البيضاني في اشارة ليست خافية على تهدم الوقائع. وتنسحب الفضاءات المفتوحة وتتقلص لتظهر الكثير من المقابر ازاء راهن اذا حضر فإنه يتحول الى "نصب تذكارية". في قصة "مسحوق الخفاش" يمضي السرد في أحداث يجري معظمها في المقبرة، مشتغلاً في وصف القبور، اشكالها وليل المقابر "الخفافيش التي ملأت الفجر الرصاصي تترك القبر حفرة خربة لا شيء فيها غير رائحة بشرية نتنة". في قصة "رغيف النهر" أشخاص انهكتهم الحرب عند نهر تأتيه ام أخذت المياه ولدها فتصبح حافة النهر حافة القبر، وفيها "صمت طقسي مهيب يليق بسطوة الموت". وتحضر القبور والمقابر ثانية في قصة "نبوءة الدرويش" مثلما يعود النهر في قصة "رثاء" التي يحرص فيها الراوي على تأمل اندثار النهر وموت المدينة المطلة عليه "النهر هو الفم الذي تبتسم به المدينة. كم قرأنا عن مدن عندما ماتت ابتسامتها ماتت المدن نفسها". ومرة أخرى تحضر أمكنة تستعير من القبور صفاتها في قصة "انقراض سلالة الصمت" وفي قصة "التايفوئيد". واستعادت صحيفة "القادسية" ذكرى لقاء الرئيس صدام حسين مع بعض كتاب القصة والرواية فكتبت: "لم يكن صباح يوم 12 شباط فبراير 2000 ككل الصباحات لدى أدباء العراق من كتاب القصة والرواية وأدب الأطفال... فقد تحرك التاريخ كله ليعطي لهذا اليوم صفة اشبعها القائد التاريخي بوعيه وفيض محبته وهو يلتقي الكتاب ويتحاور معهم ساعات فيما هم يستمعون بأفكار مفتوحة لوعي أفكار القائد المفكر صدام حسين حفظ الله ورعاه من أجل حرية الكلمة والابداع والحياة". ونشرت الصحيفة وقائع احتفال في المناسبة شهده "الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق" قال فيه الناقد والباحث والروائي لاحقاً باسم عبدالحميد حمودي: "تنير عملية كتابة الرواية صيغة وعي بأهمية هذا المنتج الابداعي لينفتح السؤال على نفسه "ماذا ستقول هذه الرواية وما هي رسالتها؟" وذلك يجاب عليه عبر ما قاله الرئيس القائد في التأكيد على ان ما يأخذه كاتب الرواية من وقائع في الحياة يجب ان يمزجه مع الخيال الذي هو هالة مفعمة بالمفردات. واعتبر القاص والروائي أمجد توفيق سنة "اللقاء الكريم مع قائد الابداع العراقي" سنة الرواية العراقية. وقال القاص والروائي أحمد خلف عن الحدث: "هو فرصتنا للاحتفال، وخلق مناخ ثقافي يتسع لحبنا، وبالطريقة التي نعبّر فيها عن هذا الحب أملاً في رواية شامخة تعبر عن شموخ الأرض وانسانها، اعتزازاً بالارادة المبدعة للقائد الذي مارس الابداع وعممه بفيض حبه".