} تشابكت خيوط ملف رابطة حقوق الإنسان التونسية في أعقاب تكاثر الملاحقات التي طاولت هيئتها الإدارية الجديدة على نحو عمق الاحتكاكات بين نشطاء حقوق الإنسان والسلطات وسط تصاعد الحملات الإعلامية على فرنسا التي اتهمتها صحف ومنظمات رسمية بتحريض الغاضبين على الحكم. إلا أن اتصالات سياسية تجري حالياً وراء الكواليس لمحاولة الوصول إلى حلول تؤدي إلى إبعاد عناصر يضع الحكم فيتو على وجودها في قيادة الرابطة، لكن المراقبين غير متفائلين باحتمال ايجاد تسوية ترضي جميع الأطراف. تطورت قضية رابطة حقوق الإنسان التونسية إلى مسلسل قضائي معقد تزيد خيوطه تشابكاً يوماً بعد يوم مع تزايد الملاحقات التي تستهدف أعضاء القيادة المنبثقة من المؤتمر الخامس للرابطة الذي عقد في أواخر تشرين الأول اكتوبر الماضي. وكرس هذا المؤتمر فوز لائحة المرشحين المستقلين والمعارضين على اللائحة التي دعمها حزب التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم، وضم كل من اللائحتين خمسة وعشرين مرشحاً، أي ما يوازي عدد المقاعد في القيادة. وانطلقت الملاحقات مع الدعوى التي رفعها أربعة عناصر من اللائحة المدعومة من "الدستوري" لطلب إلغاء المؤتمر، بعدما اعترضوا على كون الفروع لم تعقد مؤتمرات انتخابية تمهيداً للمؤتمر العام، وكذلك على كون الرابطة لم تعقد مؤتمراً بين العامين 1994 و2000، فيما يقضي دستورها بعقد مؤتمر عام كل ثلاث سنوات. إلا أن خصومهم يردون بكون "الظروف الصعبة" التي كانت تعمل فيها الرابطة لم تتح أن يكون سير العمل طبيعياً. وهم يستدلون بأن زعيمة المنتقدين النائبة السابقة عربية بوشيحة كانت عضواً في الهيئة الإدارية حتى المؤتمر الأخير، أي على مدى ستة أعوام، ووافقت على كل البيانات التي أصدرتها القيادة السابقة والتي تضمنت نقداً شديداً للتضييقات على نشاط فروع الرابطة، خصوصاً "التعتيم الإعلامي الشامل" على مواقفها وبياناتها. إلى ذلك، أشار المحامون الدين ترافعوا عن الرابطة إلى كون الاعتراضات القانونية على المؤتمر الأخير أتت بعد الإعلان عن نتائج الاقتراع الذي شارك فيه المعترضون من دون إبداء تحفظات على الاجراءات. إلا أن القضاء اعطى الحق لخصوم الهيئة الإدارية الجديدة، وقرر في خطوة أولى تعليق نشاط القيادة المنبثقة من المؤتمر الأخير وتعيين حارس قضائي على الرابطة. ثم أبطل في الخطوة الثانية نتائج المؤتمر أصلاً ودعا إلى معاودته باشراف الهيئة الإدارية السابقة التي رأسها المحامي توفيق بودربالة. حل سياسي؟ وتزامنت هذه التطورات القضائية مع مساع للوصول إلى حل سياسي للمشكلة قادها نائب رئيس "الدستوري" الوزير الأول السابق الدكتور حامد القروي، في اتصالات أجراها مع شخصيات من وجوه المجتمع المدني كانت ترمي للبحث عن حل وسط يكرس بقاء الهيئة المنتخبة في المؤتمر الأخير مع ادخال تعديلات على تشكيلتها. وافيد ان التعديلات التي اقترحها "الدستوري" تركزت على إبعاد نائبي رئيس الرابطة خميس قسيلة وصلاح الدين الجورشي من القيادة، إلا أن جميع أعضاء الهيئة الإدارية الأربعة والعشرين توفي أخيراً النائب الثاني للرئيس المحامي فاضل غدامسي في أعقاب نوبة قلبية، رفضوا التجاوب مع الطلب. وبدا واضحاً أن التسوية السياسية للأزمة غير ممكنة كون أعضاء قيادة الرابطة رأوا في طلبات الحكم "شروطاً غير مقبولة تفتح باب التدخل في شؤون الرابطة واختيار قياداتها" على حد قول أحدهم. وأتى قرار محكمة الدرجة الأولى بإبطال نتائج المؤتمر الخامس والدعوة لمؤتمر بديل بإشراف بودربالة ليدخل قضية الرابطة التونسية في نفق طويل من الخلافات الاجرائية لا يبدو أنه سينتهي في أمد منظور. فالسلطات تضغط على القيادة المنتخبة لتكف عن إصدار البيانات والتصرف بوصفها "قيادة شرعية". وفي هذا السياق، انطلقت ملاحقات قضائية في حق رئيس الرابطة الطريفي ونائبه صلاح الدين الجورشي، كونهما وقعا على بيانات اعتبرتها السلطات "غير قانونية" بعد تجميد القضاء نشاط القيادة. لكن قياديي الرابطة رأوا في الملاحقات الأخيرة ضغطاً مسلطاً عليهم للقبول بمعاودة المؤتمر. عقدة اجرائية ويبدو أن رفضهم قرار القضاء حل الهيئة المنبثقة من المؤتمر الأخير ليس العقبة الوحيدة أمام حلحلة الأزمة، لأن الشرط الأساسي لمعاودة المؤتمر هو قبول الرئيس السابق بودربالة وأعضاء القيادة السابقين العودة إلى مواقعهم والإعداد لمؤتمر بديل، لكنهم أعلنوا رفضهم "العودة إلى الوراء"، وأكدوا دعمهم للقيادة الحالية، مما زاد المشكلة تعقيداً. واللافت ان ثمانية عناصر من الهيئة السابقة، بينهم قسيلة والجورشي، تم التجديد لهم في المؤتمر الأخير، مما يعني أن فرصهم للبقاء - في حال معاودة المؤتمر - كبيرة جداً، خصوصاً أن الجورشي حصل على أعلى نسبة من الأصوات بعد السيدتين سهير بلحسن وبلقيس مشري، في المؤتمر الأخير. من هنا، فإن خطوة حل القيادة الحالية والدعوة إلى مؤتمر جديد لا تفك العقدة السياسية التي لم تزدها التطورات الأخيرة إلا تأزيماً. أكثر من ذلك، أعلن الرؤساء السابقون للرابطة وعدد كبير من القيادات التي تداولت على هيئتها الإدارية منذ تأسيسها في العام 1977، رفضهم قرار الحل القضائي ودعمهم الهيئة المنتخبة في المؤتمر الخامس، مما أضعف الموقف السياسي لخصوم القيادة الحالية. ولم تسجل في الفترة الأخيرة مبادرات سياسية لافتة لمعاودة البحث عن حلول وسط وكسر العقدة الاجرائية التي جمدت الأوضاع، وربما لا يساعد الاحتقان الإعلامي السائد على السير في طريق الحل السياسي، لأن جميع وسائل الإعلام والمنظمات الشعبية القريبة من "الدستوري" والأحزاب الممثلة في مجلس النواب تمر في فترة تعبئة شاملة ضد الأصوات التي ارتفعت في الخارج لانتقاد أوضاع حقوق الإنسان، وكذلك ضد "من باعوا ضمائرهم"، في إشارة إلى النشطاء التونسيين. وفي ظل استمرار التعقيد السياسي والقضائي للمشكل وتأثيرات الاحتقان الإعلامي مع منظمات حقوقية دولية والذي يلقي بظلال سلبية على تطور الوضع، لا يبدو هناك حل في الافق. الأمر الوحيد المؤكد هو أن مسلسل الملاحقات القضائية سيستمر، وفي هذا الإطار يمثل الطريفي السبت المقبل أمام رئيس قضاة التحقيق في قصر العدل في العاصمة تونس لاستنطاقه من أجل "اصدار بيانات غير قانونية"، في أعقاب حل الهيئة الإدارية التي يرأسها، مما يعني أن خيوط الملف ستزداد تشابكاً وتعقيداً.