} تواجه الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، في مؤتمرها العام الخامس، تحديات أساسية في ظل استمرار الحديث عن الملف الحقوقي في تونس، وفي ظل لعبة توازنات دقيقة بين الحكم والعاملين في مجال حقوق الإنسان. تعقد الرابطة التونسية لحقوق الإنسان مؤتمرها العام الخامس بعد ست سنوات من مؤتمر عاصف أدى إلى "خضة" قوية في العلاقات مع الحكم. ويُتوقع أن يسفر المؤتمر، الذي يبدأ أعماله غداً الجمعة ويستمر ثلاثة أيام، عن تغييرات كبيرة في قيادة الرابطة، أبرزها مغادرة الرئيس الحالي توفيق بودربالة ودخول عناصر جديدة إلى القيادة. ويعتبر بودربالة الذي لا ينتمي إلى أي حزب، أحد العناصر المعتدلة الأربعة القريبة من الحكم بين أعضاء الهيئة الإدارية المؤلفة من خمسة وعشرين عضواً. والسؤالان الكبيران اللذان يتعين على المؤتمر وضع جواب عليهما يتلخصان بمن هو الرئيس المقبل للرابطة، وما هي تشكيلة القيادة الجديدة التي ستنبثق من المؤتمر؟ ويبدو من الصعب على أعضاء الرابطة معرفة الجواب الآن لأن المعركة الانتخابية ستجري في ظل موازين قوى متقاربة. فمنذ حصول الرابطة على الترخيص العام 1977، وهي أول رابطة حقوق إنسان ظهرت في العالم العربي، ظل أعضاء الحزب الاشتراكي الدستوري التجمع الدستوري الديموقراطي حالياً ممثلين في قيادتها إلى جانب غالبية التشكيلات السياسية الأخرى. إلا أن ذلك لم يمنعها من المحافظة على مسافة دائمة تجاه السلطات في كل الظروف. بل إن مواقفها النقدية كلفتها إقدام الحكومة على تعليق نشاطها في مطلع التسعينات بناء على تعديل ادخل على قانون الجمعيات وحُرم بموجبه المنتمون إلى قيادات الأحزاب السياسية من البقاء في قيادات الجمعيات. وكانت الرابطة هي المستهدفة أساساً من التعديل. لكن الأزمة جرت تسويتها لاحقاً برفع الحظر عن نشاط الرابطة مع الإبقاء على جسمها القيادي من دون تغيير. وعلى رغم كثرة الأسماء المتداولة في بورصة الترشيحات لرئاسة الرابطة، وبينها المؤرخ عبدالكريم العلاقي والحقوقية سناء بن عاشور والنقابي السابق صالح الزغيدي، فالأرجح أن المعركة ستدور بين المحاميين فاضل الغدامسي العضو الحالي في الهيئة الإدارية رئيس جمعية المحامين الشباب سابقاً، ومختار الطريفي عضو المجلس الوطني للرابطة هيئة وسطى الأمين العام لجمعية الصحافيين التونسيين في الثمانينات. ويحظى الأول بتأييد "الدستوري" وأحزاب برلمانية قريبة منه، فيما يحظى الثاني بدعم القوى الراديكالية التي تسعى إلى الإبقاء على مسافة بين الرابطة والحكم، وتعرف ب"التيار الاستقلالي". لكن أياً يكن الفائز، فسيبقى الحزب الحاكم ممثلاً في الهيئة الإدارية الجديدة. إلا أن السؤال الذي يبقى مطروحاً هو كم سيكون وزن كل طرف في التشكيلة المقبلة، إذ وصل عدد الترشيحات للهيئة الإدارية الجديدة إلى 63 ترشيحاً. وسيحسم الصراع على الرئاسة، وكذلك على تشكيلة القيادة، الممثلون الآتون من فروع العاصمة والمحافظات والذين يقارب عددهم 300، ثلثهم مصنف في خانة القريبين من "الدستوري" والذين انضموا للرابطة بأعداد كثيفة في المؤتمر الأخير 1994. ويضم الثُلث الثاني المعارضين على اختلاف تياراتهم. أما الثلث الأخير فيصنف على أنه "أقلية صامتة" لا تُعرف وجهتها. ورأى قياديون في الرابطة أن مصير المؤتمر يلفه الغموض إلى أن يبوح ثلث المندوبين بموقفهم لدى الاقتراع على أعضاء الهيئة الإدارية ورئيسها الأحد المقبل. إلا أن الاقتراع على هيئة رئاسة المؤتمر ظهر الجمعة سيمنح المراقبين مؤشرات إلى اتجاه المؤتمر وموازين القوى داخله. وفيما نشطت قيادة "الدستوري" لإدارة المعركة الانتخابية بالتنسيق مع الأحزاب الحليفة أملاً بفوز الغدامسي، سعت الجماعات المعارضة له وكذلك المستقلون القريبون من اليسار، إلى تشكيل تحالف بدأ يطلق عليه اسم "الائتلاف الديموقراطي" الذي يعمل على ترشيح لائحة مشتركة للهيئة الإدارية ومرشح موحد لمنصب الرئيس، ربما يكون الطريفي. وتكثفت في الأيام الأخيرة اجتماعات الكواليس تمهيداً للمؤتمر والتي لعب دور المنشط فيها أعضاء بارزون في الهيئة الحالية من رموز الخط الاستقلالي، بينهم أربعة من نواب رئيس الرابطة هم صلاح الدين الجورشي وخميس قسيلة وصالح الزغيدي وعبدالكريم العلاقي وعدد من أعضاء الفروع. إلا أن هذا التيار لن يضمن فرصاً لفوز مرشحيه بأكثرية مقاعد الهيئة الإدارية وتالياً الرئاسة، إذا لم يقنع كثيرين من المرشحين المحسوبين عليه بسحب ترشيحاتهم. وإلا فإن توزيع الأصوات سيفسح في المجال لفوز كثير من المرشحين القريبين من "الدستوري" والذين يتوقع أن يتسم أداؤهم الانتخابي بالانضباط.