Nathalie Cabrol et Edmond Grin. La Recherche de la Vie dans L'Univers. البحث عن الحياة في الكون. P.U.F., Paris. 2000. 128 pages. لم يحدث قط ان احيطت مسألة علمية خالصة بالميثولوجيا والثيولوجيا كما احيطت مسألة امكانية الحياة خارج الارض. وبدون ان يكون في مقدور احد ان يحصي كل أدب الخيال العلمي الذي وضع حول هذه الظاهرة، لا سيما منذ ان حقق العلم الحديث فتوحاته الكبيرة في مجال الفضاء والسياحة الكونية، فلا مجال لشك في ان ظاهرة مزعومة مثل "الصحون الطائرة" قد شكلت بالنسبة الى عصرنا اسطورة كبرى لا تقل شيوعاً وترسخاً في الاعتقاد العام عن الاساطير التأسيسية للعالم القديم الموصوف بحق بأنه عالم ميثولوجي. وباستثناء النفي التام والجذري لظاهرة "الصحون الطائرة" وغيرها من الظواهر المزعومة المتصلة بالحياة الكوكبية، فإن هذا الكتاب لا يتهيب مع ذلك من ان يطرح، ويحاول الاجابة عن هذا السؤال الوجودي الكبير: هل تم وجود للحياة خارج الارض؟ وبدون ان ينكر مؤلفاه - وهما باحثان رئيسيان في وكالة "الناسا" للأبحاث الفضائية - الطابع الفلسفي، وحتى المتيافيزيقي الذي يمكن ان يرتديه هذا السؤال، فإنهما لا يتصديان للاجابة عنه الا من منظور علمي محض وبلغة وأدوات علمية خالصة انطلاقا من المصادرة البسيطة التالية وهي: ان العلم، والعلم وحده، هو المؤهل لحسم ذلك السؤال، حتى وان لم يكن قد امتلك حتى الآن الاهلية الكاملة لحسمه. وبالفعل ان السؤال عن امكانية الحياة خارج الارض هو اولاً سؤال عن "مفهوم" الحياة بالذات. فالحياة على الارض هي النموذج الوحيد الذي يملكه العلم الحديث عن الحياة. ومن هنا، فإنه ان يكن قد فشل حتى الآن في العثور على آثار للحياة في الكون المحيط خارج الارض، فربما لأنه "أعمى" عن رؤيتها. فهو يبحث في الكون عن آثار للحياة مماثلة لتلك التي في الارض، مع ان الحياة في الكون قد تكون من نوع مغاير تماماً. فضلاً عن ذلك فإن مفهوم الحياة، حتى في داخل الارض، لا يني يتوسع باستمرار طرداً مع الكشوف العلمية الجديدة التي جعلت من "حدود الحياة" قابلة للامتداد والتوسع الى ما لا نهاية. فحتى الأمس القريب كان العلم يضع حدودا معلومة قصوى للحياة، ومنها الحرارة والبرودة والحموضة والملوحة والضغط الجوي والاوكسجين ونور الشمس. والحال ان العلم قد تمكن، بفضل تطور التقنية المجهرية الالكترونية التي تستطيع ان تكبّر الصور مئتي الف مرة، من ان يهتدي الى اشكال من الحياة خارقة لكل تلك الحدود والمعايير، مما اضطره الى ان يبتكر معجماً جديداً لتسمية تلك البكتريات او العضويات اللامتناهية الصغر التي اكتشف وجودها فيما وراء الحدود القصوى للحياة. ومنها على سبيل المثال البكتريات او العضويات المحبّة للحرارة التي "تحيا" في درجة 350 مئوية. والعضويات المحبّة للاعماق الاوقيانوسية لانها تستطيع ان "تحيا" في عمق 3000م تحت سطح الماء حيث الضغط الجوي يصل الى 500 كغ في السنتمتر المربع الواحد وحيث الظلمة تامة والسمية مرتفعة ودرجة الهيدروجين المُكبرت وثاني اوكسيد الفحم القاتل للحياة مرتفعة جداً. والعضويات المحبّة للهيدروجين كتلك التي اكتشفت عام 1995 في كولومبيا ريفر في ولاية واشنطن والتي تعيش مدفونة تحت كيلومتر من حجر البازالت الصواني وتغتذي من الهيدروجين المتولد من تفاعل البازالت مع الماء. ونظراً الى استحالة تحديد اشكال مسبقة للحياة، فقد انصرف جهد العلم في ثلث القرن الأخير الى تحديد مجال حيوي سمي بالمنطقة القابلة للحياة داخل المنظومة الشمسية يتراوح قياسها ما بين 0.72 وحدة فلكية و 1.24، علماً بأن الوحدة الفلكية تعادل 150 مليون كيلومتر، وهي المسافة الفاصلة بين الارض والشمس. ولهذه المنطقة القابلة للحياة حدان مطلقان: فدونها ينعدم الماء، وهو شرط لا غنى عنه للحياة، وبعدها يتكاثف ثاني اوكسيد الفحم وهو العامل الاول للجماد والتجلد العادم للحياة. والحال ان هذه المنطقة القابلة للحياة لا تمثل سوى ربع من واحد بالمئة 0.25 في المئة من اجمالي المساحة التي تشغلها المنظومة الشمسية. وضمن هذه المنطقة اللامتناهية الصغر، فإن الكوكبين الوحيدين من كواكب المنظومة الشمسية التسعة اللذين يمكن ان توجد فيهما حياة هما كوكب الزهرة التي تقع على مسافة 0.72 وحدة فلكية من الشمس، اي على بعد 109 ملايين كم، وكوكب المريخ الذي يقع على مسافة 1.5 وحدة فلكية من الشمس، أي على بعد 225 مليون كم. فقرب الزهرة النسبي من الشمس يجعلها عرضة للتبخر الدائم حتى لو وجد فيها الماء اصلاً. فهي بالتالي كوكب حار وجاف وعادم للحياة. اما المريخ في المقابل، فإن الماء لا يوجد فيه - إن وجد - الا متجلدا، بحكم البعد النسبي لهذا الكوكب عن الشمس. ومع ذلك فإن معظم الجهود العلمية لاكتشاف آثار للحياة خارج الارض قد تركزت على المريخ لأن احتمال وجود الماء فيه، ولو متجلداً، يمكن ان ينهض دليلاً على ان شكلاً ما من اشكال الحياة قد وجد فيه في طور ما قبل التجلد. والحال ان جميع البحوث البيولوجية التي قام بها المسبار فايكنغ، الذي تم ارساله الى المريخ منذ عام 1976، اثبتت عدم وجود اي اثر للحياة فيه. صحيح ان الاقمار الاصطناعية قد تمكنت لاحقاً من التقاط صور لسطح المريخ تشير الى احتمال وجود انهار، وحتى بحيرات فيه، الا انها جميعاً جافة، ويعود تاريخ جفاف بعضها الى 500 او 700 مليون سنة خلت. ومن ثم يطرح السؤال نفسه: اذا كانت الحياة معدومة اليوم على سطح المريخ، فهل كانت معدومة ايضاً فيه قبل دخوله في طور التجمد قبل 700 مليون سنة؟ ومن هنا فرضت نفسها ضرورة دراسة تاريخ المريخ من خلال تحليل طبقاته الجيولوجية. والحال ان مثل هذه لا تفي بها عدسات الاقمار الاصطناعية بل لا بد ايضاً من القيام بعمليات سبر في باطن المريخ، لا سيما في قطبه الشمالي حيث يمتد ما اصطلح الاختصاصيون على تسميته بالمحيط البوريالي = الشمالي. والنظرية السائدة اليوم انه ليس من المستبعد ان يكون ثمة آثار لفاعلية بيولوجية ما في طبقات تحتية، معزولة ومحمية، من ارض المريخ. بيد ان جميع العيّنات التي امكن حتى الآن اخذها من سطح المريخ وباطنه معاً تمخضت عن نتائج سالبة. ولكن ما لم يتم الوصول الى طبقات المياه الجوفية المفترضة على عمق عدة كيلومترات تحت سطح المريخ، فإن العلم لا يستطيع ان يقطع باثبات او نفي نهائي. وبالاضافة الى المريخ فإن الكولكبين التاليين المرشحين لابحاث الحياة الفضائية هما "اوروبا" و "طيطان"، وهما فلكان تابعان للكوكبين المشتري وزحل. اما اوروبا فهي واحد من الافلاك الاربعة الكبيرة الدائرة حول المشتري والمسماة بالافلاك الغاليلية نظراً الى ان غاليليو هو الذي اكتشف وجودها منذ عام 1610. واوروبا عبارة عن كوكب جليدي يقدر سمك طبقته من الماء المتجمد بمئة وخمسين كم. ومع ذلك فقد ارسل اليه مسبار باسم غاليليو اطلق عام 1989 وأخذ مداره حول المشتري في 7 كانون الاول ديسمبر 1996 بعد رحلة دامت اكثر من ست سنوات. والصور التي ارسلها هذا المسبار دلت على ان محيط الجليد الذي يغلق اوروبا قابل لأن يثقب في احدى طبقاته الرقيقة للوصول الى الماء غير المتجمد على عمق كيلومتر واحد فقط تحت الجليد. وليس هناك ما ينفي مسبقاً ان تكون الاعماق المائية لاوروبا حاوية على اشكال بدائية من الفاعلية البيولوجية وآوية لعضويات متكيفة مع شروط الحياة في الاعماق وفي معزل تام عن نور الشمس. اما "طيطان" الذي يدور في فلك زحل، فإنه يحيط به غلاف جوي اسمك بنصف ضعف من الغلاف الارضي، ويتألف مثله من عناصر آزوتية يداخلها غاز الارغون والميتان بنسبة 6 في المئة. ويبلغ قطر طيطان 5150 كم، اي اقل من نصف حجم الارض. وهو يتألف من جسم صخري صلب بقطر طوله 3400 كم، والباقي عبارة عن محيط جليدي متجمد باشكال متعددة. وقد ارسلت وكالة ناسا الاميركية مركبة فضائية في اتجاهه في 15 تشرين الاول أكتوبر 1997، ومن المقرر ان تصله في 1 تموز يوليو 2004. ويعلق الاختصاصيون على نتائج هذه الرحلة آمالاً كبيرة في ما يتعلق بتطور الكيمياء العضوية الكونية في المختبر الفريد من نوعه الذي يمثله طيطان. هذا في ما يتعلق بالنظام الشمسي. اما خارج نطاق هذا النظام فإن الابحاث المتصلة بالحياة الكونية ما زالت مشروعاً قيد البرمجة. وبالفعل، ان ثلاثة حواجز كبرى ما زالت تعترض طريق تفعيل مشروع كهذا: 1ً- حاجز المسافات الكونية التي لا يمكن حسابها الا بالسنوات الضوئية، 2ً- الحاجز التكنولوجي المتمثل باختراع ادوات ومراكب فضائية قادرة على اختراق الفضاء الكوني خارج النظام الشمسي، مما يقتضي ان تكون سرعتها اكبر من سرعة الضوء 360 الف كم في الثانية، 3ً- وأخيراً، الحاجز الاقتصادي لأن تفعيل مشاريع من هذا القبيل يستلزم رصيداً مالياً يفوق الناتج العالمي الذي يبلغ اليوم 35 ألف مليار دولار. ورغم ذلك كله، فإن مؤلفي هذا الكتاب عن الحياة الكونية لا يكتمان تفاؤلهما. ففي نظرهما ان العلم سيقتدر خلال نصف القرن القادم - ليس الا - على ان يحسم السؤال الوجودي الكبير: هل نحن وحيدون في هذا الكون ام لنا فيه شركاء؟